ملف العدد < الرئيسية

الذكاء الاصطناعي يدفع إعادة تشكيل البيئة الإعلامية

: مشاركة
2025-05-16 15:13:00 :Source فانغ شينغ دونغ:Author

في ظل التطور السريع لتكنولوجيا المعلومات، تشهد صناعة الإعلام اليوم تحولات غير مسبوقة. من الإعلام عبر الإنترنت في عصر "الويب 1.0"، إلى الإعلام الاجتماعي في عصر "الويب 2.0"، وصولا إلى الإعلام الذكي في عصرنا الحالي، تظل التكنولوجيا القوة الدافعة الأساسية لتحولات وسائل الإعلام.

التكنولوجيا تقود ثورة إعلامية.. نقلة نوعية من "التمكين" إلى "التحفيز"

تشكل التكنولوجيا الجوهر الرئيسي لتحولات المشهد الإعلامي، ولا سيما الثورة الرقمية منذ خمسين عاما، وتعد قاعدة أساسية تقوم عليها عملية التحول الشامل لانتشار المعلومات في المجتمع البشري. وهي أيضا العامل الحاسم في نجاح الاندماج الإعلامي، سواء في الصين أو في دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

الاتجاه الحالي هو إعادة تشكيل عمليات الإعلام وآلياته من حيث الأعمال والتنظيم والكوادر بشكل شامل، من خلال الذكاء الاصطناعي. إن ظهور المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي هو ثورة إعلامية، وليس مجرد ثورة في التقنيات التقليدية. منذ الظهور المفاجئ لـ"ديب سيك" خلال عيد الربيع عام 2025، أصبح الإعلام الذكي سائدا وشائعا بسرعة، مما عجل وتيرة التحول في مجال الإعلام وزاد من تأثيره الاجتماعي. من الواضح أن الإعلام عبر الذكاء الاصطناعي لا يركز على المحتوى كما كان في وسائل الإعلام الرئيسية التقليدية، بل يعتمد على الآليات المدفوعة بالقدرة الحاسوبية وتمييز البيانات والتوليد الآلي، استنادا إلى ثلاثة عناصر، هي: القدرة الحاسوبية والخوارزميات والبيانات.

ولا يزال الإعلام الذكي الذي يقوده ابتكار الذكاء الاصطناعي، يتكامل ويتفاعل مع أشكال الإعلام السابقة، سواء الإعلام عبر الإنترنت أو الإعلام الاجتماعي أو الإعلام الجماهيري، إلا أن الأولويات قد تبدلت، إذ تغيرت ميول المستخدمين واتجاهات نمو حركة مرور الويب. ومن البديهي أن وسائل الإعلام الرئيسية لم تكن حتى الآن مستعدة لهذه التحولات المدفوعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ولم تتمكن بعد من وضع خطة إصلاحية نظامية تواكب متطلبات العصر.

صراع متجدد على هيمنة المحتوى.. من "الدفاع السلبي" إلى "الدفاع الإيجابي"

تراجعت هيمنة المحتوى لوسائل الإعلام التقليدية وتعرضت للتهميش بشكل ملحوظ في الموجات التكنولوجية السابقة، يلاحظ هذا على مستوى العالم، ولم تكن الصين استثناء. في تسعينيات القرن الماضي، كانت شبكة الإنترنت في بدايتها، بينما كانت وسائل الإعلام الرئيسية تحتل موقع الصدارة في قطاع الإعلام. ورغم أن شبكة الإنترنت لم تكن قد انتشرت على نطاق واسع بعد، فإن تأثيرها المحتمل على الإعلام التقليدي لاح في الأفق، وكان مسار التغيير واضحا.

مع دخول عصر الإعلام الاجتماعي، تفاقمت ظاهرة تهميش وسائل الإعلام الرئيسية، حيث تواجه وسائل الإعلام الرئيسية تحديات في التأثير الاجتماعي ونماذج الأعمال وأوضاع التنمية. إن وتيرة الابتكار التكنولوجي وتحولات المشهد الإعلامي لم تتوقف أبدا، هذا يعني أن الفرص الجديدة سوف تكون متاحة دائما.

في الوقت الراهن، يدفع الذكاء الاصطناعي ثورة الإعلام الذكي، مما أتى بجولة جديدة من التحولات في صناعة الإعلام، حيث تتصاعد المنافسة بين وسائل الإعلام الرئيسية التقليدية ووسائل الإعلام الذكية الناشئة، كما هو الحال بين وسائل الإعلام عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الذكية. وفي عملية التحول، لا تزال التكنولوجيا تلعب دورا قياديا حاسما، وستتخلف حتما أي وسيلة إعلامية تعجز عن مواكبة وتيرة الابتكار التكنولوجي.

ينبغي لوسائل الإعلام الرئيسية اغتنام الفرصة التاريخية التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة، لتحقيق التحول النظامي الشامل. من بين العناصر الثلاثة الحاسمة: القدرة الحاسوبية والخوارزميات والبيانات، تتمتع وسائل الإعلام الرئيسية بميزة بارزة في مجال البيانات، حيث يتعين على وسائل الإعلام الرئيسية بناء منظومة وطنية موحدة للتكنولوجيا وإنشاء شبكة وطنية لمشغلي البيانات العامة تساهم في الإستراتيجية الوطنية، مع اكتساب قدرة تشغيلية محلية فريدة، استنادا إلى تحولات تقنيات الذكاء الاصطناعي والسياسات الوطنية حول البيانات.

يمثل هذا الإصلاح مهمة شاقة تتطلب تخطيطا نظاميا على المستوى الأعلى وتنفيذا قويا وفعالا. من الضروري أن تجري وسائل الإعلام الرئيسية ابتكارات وتعديلات جوهرية في الآليات. في الماضي، اعتمد الاندماج الإعلامي على الإستراتيجيات الوطنية والسياسات المشجعة من "أعلى إلى أسفل"، بالإضافة إلى الممارسات التجريبية بشكل فردي من "أسفل إلى أعلى". حاليا، تقوم المنظومة التكنولوجية على تقنيات الذكاء الاصطناعي، غير أنها تتطلب تنفيذ نظام متكامل وموحد للتقنيات والبيانات. على مستوى الحكومة، هناك حاجة إلى التبسيط والاختيار المدروس، وعلى مستوى وسائل الإعلام الرئيسية في مختلف المناطق، ينبغي تغيير النمط القديم القائم على التطوير المستقل والمتفرق، من أجل تحقيق تخطيط شامل وتعديل هيكلي يجمع بين التوحيد والتوزيع، وبين التكامل والتفكيك.

عودة عقلانية القيمة.. إعادة تشكيل أخلاقيات الإعلام في العصر الذكي

في ثورة الإعلام الذكي التي يقودها الذكاء الاصطناعي، شهدت وسائل الإعلام الرئيسية تحولات نظامية تتمثل في ثلاثة أبعاد: الارتقاء التكنولوجي وإعادة توزيع السلطة وعودة عقلانية القيمة. يجب على وسائل الإعلام الرئيسية أن تدرك بشكل عميق هذه التحولات الهيكلية، وتواجه التحديات بنشاط وتستغل الفرص الثمينة. في إطار المنظومة التكنولوجية، من الضروري تحقيق التحول من "الاستفادة من الأدوات" إلى "إعادة تشكيل المنطق".

من جهة، تهمنا قضية التوازن بين فعالية التكنولوجيا ومصداقية المعلومات. مع الانتشار الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، ورغم مساهمتها في خفض عتبة إنتاج المحتوى، فقد تسبب أيضا مشكلات مثل عبء المعلومات وفائض المعلومات المزيفة، مما يجعل تحقيق التوازن بين فعالية التكنولوجيا ومصداقية المعلومات مسألة محورية في حوكمة المجتمع الرقمي. المشكلة الأساسية هي كيفية بناء آلية ثقة جديدة على أساس التكامل بين الإنسان والآلة، في إطار نظام الإعلام الجديد الذي أتت به المنظومة التكنولوجية الحالية.

على صعيد حوكمة التقنيات، من الضروري بناء إطار أساسي للذكاء الاصطناعي الموثوق به، ويشمل ذلك تحسين جودة البيانات، كما كان في وكيل الذكاء الاصطناعي "يوانباو" التابع لشركة تنسنت، الذي يستخدم نظام تنظيف البيانات المتغير لرفع دقته للتعرف على المعلومات المزيفة، بالإضافة إلى تنفيذ نظام التصنيف لضمان صحة المعلومات الأساسية.

على صعيد الابتكار المؤسسي، لا بد من إعادة تشكيل نمط حوكمة المحتوى الرقمي. من ناحية، ينبغي تنفيذ "نظام التصنيف للمصداقية"، وتطبيق آلية "التحقق المزدوج لمحتوى الذكاء الاصطناعي" في مجالات الإدارة الحكومية والرعاية الصحية. ومن ناحية أخرى، لا بد من إنشاء منصة سحابية وطنية لمراجعة محتوى الذكاء الاصطناعي، وتطبيق نظام "تسجيل الخوارزميات"، مثل مشروع "سلسلة الإعلام الذكي" التابع لوكالة ((شينخوا))، والمطالبة بكشف الخوارزميات الأساسية من قبل المنصات الإعلامية الرئيسية.

على صعيد إعادة تشكيل الأخلاقيات، لا بد من بناء عقلانية القيمة على أساس التعاون بين الإنسان والآلة. كما ينبغي تطبيق نمط "الذكاء الاصطناعي كأداة تحت قيادة البشرية" في مجال إنتاج الأخبار، وإنشاء آليات "تحكم الإنسان في القرار النهائي"، بالإضافة إلى إدراج الإلمام بالذكاء الاصطناعي في النظام التعليمي الوطني، وإنشاء نظام شهادة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي للكوادر الإعلامية.

إن بناء هذا النظام المتعدد الأبعاد للحوكمة يعد في جوهره إعادة تشكيل لـ"العقد الاجتماعي" في العصر الرقمي. ستجمع بيئة الذكاء الاصطناعي الموثوق بها في المستقبل بين العقل التقني والعقل المؤسسي والعقل القيمي، مما يتطلب من جميع الأطراف توحيد الجهود لرسم "خريطة المصداقية" في العصر الذكي.

ومن جهة أخرى، هناك قضية التوازن بين أنظمة التوصية بالخوارزميات والقيم العامة. الإعلام الذكي قائم على التوليد الآلي والنشر الآلي، وهذا النمط غير تماما الآلية التقليدية التي تتمحور حول الإنسان لإنتاج المحتوى ونشره. فأصبح المشهد الحالي مختلفا كليا عما كان عليه في الماضي، خاصة فيما يتعلق بحجم إنتاج المعلومات والمحتويات، وسرعة وفعالية انتشارها.

غير أن هذا النمط الجديد للإعلام يواجه في مراحله الأولى سلسلة من التحديات غير المسبوقة، بما في ذلك هلوسة الذكاء الاصطناعي وفائض المعلومات المزيفة ومشكلة حماية الخصوصية وتهديدات الأمن السيبراني. لا تزال آليات الحوكمة التقليدية قادرة إلى حد ما على أداء دورها، إلا أن الحل الجذري للمشكلات في عصر الإعلام الذكي، سواء تحسين كفاءة الانتشار أو تعزيز مصداقية المعلومات، يعتمد بدرجة أكبر على الأدوات التقنية. لذا، سيشكل "استخدام التقنية لحوكمة التقنية" حجر الأساس المهم في منظومة الإعلام الذكي.

في التطبيق الفعلي، تتطلب الحوكمة الفعالة الدمج بين المستويات المتعددة والأبعاد المتنوعة بأساليب مختلفة. عصر الإعلام الذكي هو أيضا عصر الإعلام المدمج، حيث تتفاعل آليات الإعلام المختلفة مع بعضها البعض. من أجل تحقيق التنمية والأمن والتوازن بين القيمة العامة والاحتياجات الشخصية، ينبغي لنا تبني إستراتيجيات متنوعة، وتنفيذ المشروعات التكنولوجية والمشروعات الاجتماعية بشكل متواز كضمان مزدوج. يقتضي ذلك بناء إطار حوكمة يشمل ثلاثة أبعاد: الآليات التقنية والآليات الاجتماعية والآليات العالمية. وفي هذا السياق، علينا الاستفادة من آليات الحوكمة التقليدية مع الجرأة على استكشاف أساليب حوكمة جديدة لتسريع وتيرة الابتكار والتطوير. بهذا وحده يمكننا مواجهة التحديات التي أتى بها الإعلام الذكي بشكل أفضل، وتحقيق تنمية سليمة ومستدامة لصناعة الإعلام.

--

 

فانغ شينغ دونغ، أستاذ بكلية الإعلام والثقافة الدولية في جامعة تشجيانغ.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4