خلال "الدورتين السنويتين" (الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والدورة السنوية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني) لعام 2025، كان "الذكاء الاصطناعي" موضوع أحاديث كثيرة في المناسبات الرسمية وغير الرسمية، في قاعة الشعب الكبرى وفي الفنادق التي نزل فيها نواب وأعضاء المجلسين. من خلال "نموذج 'ديب سيك'" و"القيادة الآلية" و"تبديل الوجه بالذكاء الاصطناعي" وغيرها، تتجلى عظمة الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات والصناعات، ونرى بوضوح التغيرات الهائلة التي يمكن أن يجلبها الذكاء الاصطناعي. من خلال المقترحات، عبر النواب والأعضاء عن أملهم في دفع البناء المؤسسي والمراقبة القانونية اللتين تواكبان تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأجمعوا على أن "التنمية تظل 'النغمة الرئيسية'"، وقبول التقنيات الحديثة وعدم التخلف عن ركبها. إذن، كيف نتطلع إلى العلاء في هذه الثورة التقنية العالمية؟ قال بعض الناس إن جوهر تنافس الذكاء الاصطناعي هو التنافس في الطاقة الخضراء، وقال آخرون إنه التنافس على استقطاب الأكفاء. وفقا لتقرير صادر عن شركة ماكنزي ومشاركوه الأمريكية للاستشارات الإدارية، ستبلغ فجوة أكفاء الذكاء الاصطناعي في الصين أربعة ملايين شخص بحلول عام 2030. في سوق الأكفاء بالصين، حيث العرض أقل من الطلب، يرتفع متوسط رواتب الوظائف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، بل وأصبحت التخصصات المتعلقة بالكومبيوتر اختيارا مفضلا للطلاب عند الالتحاق بالمعاهد والجامعات. في ظل "التيار الساخن" للذكاء الاصطناعي، يجب أن نفكر بهدوء في ماهية الأكفاء الذين يحتاج إليهم تطور الذكاء الاصطناعي وكيفية سد فجوة أكفاء الذكاء الاصطناعي.
نقص شديد في الأكفاء ذوي المهارات المتنوعة
قال وانغ ليانغ، عضو المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني والباحث في معهد الأتمتة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، إن العناصر الجوهرية الثلاثة للذكاء الاصطناعي هي البيانات والخوارزميات والقدرات الحاسوبية. وأضاف أن التنافس الجوهري للبحث والتطبيق في عصر الذكاء الاصطناعي يتمثل رئيسيا في استخدام البيانات وموارد القدرات الحاسوبية، والابتكار في التقنيات والخوارزميات، وإقامة المنظومة الصناعية وتوسيع سيناريوهات التطبيق، وغيرها من الجوانب المهمة.
نظرا لأن الذكاء الاصطناعي يتعلق بمجالات عديدة، فإن ثمة تنوعا في الأكفاء المطلوبين. يرى وانغ أن ذلك يشمل أكفاء الأبحاث الأساسية الذين يبتكرون ويحققون اختراقات في الخوارزميات الرائدة والنظريات الجوهرية، وهم مصدر القوة المحركة لتطور الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى أكفاء تطوير التقنيات الذين يمكنهم الدمج بين النظريات الرائدة وتطوير الخوارزميات للذكاء الاصطناعي، لابتكار تقنيات ومنتجات قابلة للتطبيق. ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى جميع القطاعات والصناعات بشكل عميق، نحتاج إلى أكفاء ذوي مهارات متنوعة يتقنون الذكاء الاصطناعي والمعارف المهنية للقطاعات المعنية. بالإضافة إلى ذلك، أصبح مدرب الذكاء الاصطناعي ومحلل البيانات وخبير أخلاقيات وأمن الذكاء الاصطناعي وغيرهم من أكفاء حوكمة البيانات ودعمها أكثر أهمية.
أشار مقال بعنوان "في أحد المؤشرات الرئيسية للذكاء الاصطناعي، الصين تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية: الأكفاء" نشرته صحيفة ((نيويورك تايمز)) الأمريكية في مارس عام 2024، إلى أن الصين متقدمة جدا في إعداد جيل جديد من أكفاء الذكاء الاصطناعي. وقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة الأمريكية في بعض الجوانب، وأصبحت "أكبر دولة منتجة" لأكفاء الذكاء الاصطناعي. وقد خلص المقال إلى هذه النتيجة على أساس تحليل معلومات الباحثين الذين قدموا أطروحات في مؤتمر نظم معالجة المعلومات العصبية لعام 2022 والذي ركز رئيسيا على تطور الشبكات العصبية التي تعد إحدى التقنيات الجوهرية للذكاء الاصطناعي التوليدي. يعتقد السيد وانغ أن الصين تركز على تطوير الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي، ولذا فإن ثمة حاجة ماسة للأكفاء في مجالات الأبحاث الأساسية والأكفاء ذوي المهارات التطبيقية المتنوعة. وفي ناحية الابتكار في الخوارزميات والتقنيات، حققت الصين منجزات بارزة على مستوى التطبيق، ولكن لا تزال هناك حلقات ضعيفة في الابتكارات الأساسية، فتحتاج إلى مزيد من الخبراء الذين يتمتعون بخلفية قوية في الرياضيات وعلوم الكومبيوتر للأبحاث الأساسية للذكاء الاصطناعي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، مع التطبيق السريع للذكاء الاصطناعي في صناعات عديدة، ظهر نقص شديد في الأكفاء ذوي المهارات المتنوعة الذين يتقنون الذكاء الاصطناعي والمعارف المهنية للقطاعات المعنية. وقد أصبح إعدادهم أمرا شديد الإلحاح. قال تشو هونغ يي، عضو المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ومؤسس مجموعة 360، إن الصين تحتاج إلى الأشخاص الذين يتقنون الذكاء الاصطناعي والمعارف المهنية للقطاعات المعنية والتقنيات المتخصصة. وأضاف أن مجموعة 360 تحتاج حاليا إلى أكفاء التقنيات الجوهرية الذين يتقنون بحث وتطوير النماذج الكبيرة وتدريبات النماذج الكبيرة الاختصاصية وتشكيل الوكيل وغيرها. ومن خلال مشهد تنافس الشركات في استقطاب الأكفاء، تبرز الحاجة الملحة لمختلف القطاعات إلى الأكفاء. أمام الجولة الجديدة من الثورة الصناعية، تشهد المعاهد والجامعات الصينية تعديل الاختصاصات بحجم كبير وغير مسبوق تاريخيا. أوضحت الإحصاءات الصادرة عن شركة ميكوس الصينية للاستشارات أن التخصصات المتعلقة بعلوم الحاسوب هي الاختصاصات التي شهدت أكبر زيادة خلال السنوات العشر الأخيرة (من عام 2013 إلى عام 2024). في عام 2025، تتضمن خطط جامعة تشينغهوا وجامعة رنمين الصينية وغيرهما من المعاهد والجامعات لزيادة عدد الطلاب المقبولين بها، تخصص "الذكاء الاصطناعي". قال السيد وانغ إن الإقبال على تخصصات الذكاء الاصطناعي شهد زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة. ولكن من زاوية الطلب على الأكفاء، ما زالت القطاعات المعنية بحاجة إلى الأكفاء ذوي القدرات الشاملة للذكاء الاصطناعي. وأضاف: "ينبغي تحسين هيكل إعداد الأكفاء وتجنب السعي وراء العدد فقط، وعدم إهمال الارتقاء بالجودة والتوزيع المعقول للأكفاء." مع تعميق تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في المستقبل، ستصبح الحاجة إلى أكفاء الذكاء الاصطناعي على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات أكثر تنوعا. فيجب على المعاهد والجامعات، عند إنشاء التخصصات وتصميم المناهج الدراسية، أن تولي مزيدا من الاهتمام لإعداد أنواع مختلفة من الأكفاء، من أجل مواكبة احتياجات مختلف الصناعات.
تداخل الفروع العلمية للذكاء الاصطناعي
من المعروف أن الذكاء الاصطناعي تخصص جديد. أنشأت جامعة الأكاديمية الصينية للعلوم أول كلية للذكاء الاصطناعي في الصين في عام 2017، وبعد ذلك أنشأت جامعة نانجينغ وجامعة بكين وجامعة جياوتونغ في شيآن كليات للذكاء الاصطناعي على التوالي. ومنذ إدراج الذكاء الاصطناعي في قائمة التخصصات لمرحلة الدراسة الجامعية النظامية رسميا في عام 2019، ارتفع عدد المعاهد والجامعات التي أنشأت هذا الاختصاص من 35 إلى 500 في عام 2023. وفقا لـ((تقرير أحوال توظيف خريجي الجامعات الصينية في عام 2024))، فإنه نظرا لأن تخصصات الذكاء الاصطناعي أنشئت قبل وقت غير طويل، فإن عدد الأكفاء ليس كبيرا، وتعتمد الوظائف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على أكفاء التخصصات التقليدية مثل علوم الحاسوب والمعلومات الإلكترونية. كما أظهر التقرير أن إعداد أكفاء تخصصات الفروع العلمية المعنية في المعاهد والجامعات البحثية يواجه مشكلة انفصال مناهجها عن تطور العلوم المعنية. في عام 2023، كانت نسبة رضا الخريجين وطلاب الدراسات العليا في تخصصي علوم الحاسوب والمعلومات الإلكترونية بالمناهج الدراسية الرئيسية 81% و83% كل على حدة، بينما بلغت نسبة رضا الخريجين على المستوى الوطني 86%. وقال السيد وانغ إنه على مستوى المعلومات الأساسية، هناك تداخل بين المناهج الدراسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والفروع العلمية التقليدية مثل الكمبيوتر والأتمتة والمعلومات الإلكترونية، ولكنها تختلف اختلافا كبيرا في هيكل المعلومات وأهداف الإعداد. على سبيل المثال، تولي المناهج الدراسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مزيدا من الاهتمام لتعلم الآلة والتعلم العميق ومعالجة اللغة الطبيعية وبنية محولات النماذج الكبيرة وغيرها من التقنيات الجوهرية، بينما تركز على القدرة على تنفيذ المشروعات المدفوعة بالبيانات. قال البروفيسور تشو سونغ تشون، رئيس معهد الذكاء الاصطناعي في جامعة بكين، إن فروع الذكاء الاصطناعي متداخلة بشكل كبير. لا يمكن أن يقال إن الشخص كفء أو خبير في مجال الذكاء الاصطناعي إلا بعد إتقان مجالات الذكاء الاصطناعي الستة، وهي: الرؤية العامة، واللغة الطبيعية، والمعرفة والاستنتاج، والروبوتات، وتعلم الآلة، والنظام المتعدد الوكلاء. وأشار السيد وانغ إلى أن تداخل الفروع العلمية سمة خاصة لتعليم الذكاء الاصطناعي، الذي يتضمن الرياضيات وعلم الإحصاء وعلم الأعصاب والعلوم المعرفية وغيرها من المجالات. مع تطور تقنيات النماذج الكبيرة، يجب أن يتمتع أكفاء الذكاء الاصطناعي بالأساس النظري الراسخ مع إجادة المعلومات المتقدمة مثل إطار العمل البرمجي لمعالجة كميات هائلة من البيانات وتحسين الخوارزميات وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي. وهذه الميزة للذكاء الاصطناعي تتطلب معلمين يتمتعون بمدى أوسع من المعرفة. قال وو هونغ وي، عضو المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ونائب رئيس جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا (قوانغتشو)، إن الذكاء الاصطناعي وتغير المناخ وغيرهما من المجالات تتطور تمحورا حول الموضوعات العلمية والهندسية الكبرى التي تثير اهتمام العالم، فيجب علينا أن نعد أكفاء ذوي مهارات شاملة. وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يتحكم فيه الإنسان في النهاية، فيجب أن نعزز التوعية القانونية والأخلاقية في عصر الذكاء الاصطناعي.
تهيئة بيئة للدراسة المستدامة
تتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة، مما يتطلب رؤية استشرافية في تصميم المناهج الدراسية وإعداد الأكفاء. خلال العامين الماضيين، تطورت تطبيقات الذكاء الاصطناعي بسرعة في مجلات عديدة، مع تطور "شات جي بي تي" و"ديب سيك" والصعود السريع لنموذج "مانوس" وغيره من النماذج الجديدة. على سبيل المثال، حققت شركات مثل "تسلا" و"وايمو" تطورات في اختبار القيادة الآلية على المستوى الرابع؛ وتطبق تقنيات الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي بمعدلات متسارعة، فرفعت نموذج "ألفا فولد 2" لشركة "ديب مايند" التابعة لشركة غوغل دقة التنبؤ ببنية البروتينات؛ وتتطور تقنيات توليد الصور والفيديوهات بالذكاء الاصطناعي باستمرار. وعلى سبيل المثال فإن نموذج "سورا" يعظم القدرة على توليد الفيديوهات. أوضحت كل هذه الابتكارات أن الاختراقات في تقنيات الذكاء الاصطناعي توسع حدود التطبيقات باطراد. يعتقد السيد وانغ أن كل ذلك يفرض مطالب أعلى لإعداد الأكفاء في المعاهد والجامعات، وأن المناهج الدراسية تحتاج لآلية تعديل أكثر مرونة، للتكيف مع تجدد التقنيات. ويجب الجمع الوثيق بين التعليم التطبيقي والأعمال المهنية، وتقديم مزيد من فرص التدريب التطبيقي لضمان أن يتقن الطلاب أحدث المعلومات النظرية وأن تكون لديهم القدرة على حل المشكلات الواقعية. وأضاف قائلا: "في المستقبل، لا ينبغي أن يكون تعليم الذكاء الاصطناعي مسؤولية المعاهد والجامعات فحسب، وإنما أيضا ينبغي أن تهيئ القطاعات المعنية بالذكاء الاصطناعي والشركات والأفراد بيئة قابلة للدراسة المستدامة والنمو المستدام، للتكيف مع البيئة التقنية المتغيرة. وبجانب التعليم الجامعي، يجب على العاملين في القطاعات المعنية بالذكاء الاصطناعي أن لا يتوقفوا عن الدراسة. وفقا لملاحظات خريجي التخصصات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، من المهم أيضا إعداد القدرة على التفكير التصميمي والتعاون بين الفروع العلمية المتداخلة والدراسة الذاتية، خلال مسيرة التطور المهني."
--
لي شي منغ، مراسل مجلة ((تقرير الصين)).