مال واقتصاد < الرئيسية

الاقتصاد الصيني في مرحلة ما بعد كوفيد- 19

: مشاركة
2023-04-18 12:09:00 الصين اليوم:Source خديجة عرفة:Author

في السابع من ديسمبر 2022، أعلن مجلس الدولة الصيني سياسة جديدة والتي تم بموجبها تم تقليل القيود على إجراء اختبارات كوفيد- 19 وعلى التحركات بين المقاطعات الصينية. كما أعلنت الحكومة الصينية حينها، أنه ابتداء من 8 يناير 2023، فإن القادمين من الخارج ليس عليهم الخضوع للحجر الصحي. هذا التعديل لإجراءات الاستجابة لكوفيد- 19، مع بداية العام الرابع للجائحة، والعام الثاني للأزمة الأوكرانية، وفي ظل ما يشهده العالم من مشكلات في سلاسل الإمداد وغيرها، يأتي في وقت تُشير فيه التوقعات إلى أن الاقتصاد العالمي سيشهد حالة من التراجع في معدلات النمو الاقتصادي. وهذا يطرح تساؤلا بشأن انعكاسات ذلك على الاقتصاد الصيني وكذلك الاقتصاد العالمي، في ظل الدور المحوري للاقتصاد الصيني عالميا، وهو ما ستتم مناقشته في ضوء تقديرات المؤسسات الدولية فيما يخص الأوضاع الاقتصادية عالميا.

تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2022، وهو العام الثالث للجائحة والذي شهد بداية الأزمة الأوكرانية وما صاحبها من تداعيات، نما الناتج المحلي الإجمالي للصين بمعدل 3%، وهو أقل من توقعات الحكومة الصينية والتي توقعت معدل نمو 5ر5%، هذا المعدل أيضا كان أقل من متوسط النمو العالمي والذي بلغ وفقا لصندوق النقد الدولي 4ر3%. وخلال الربع الأول من عام 2022، حقق الاقتصاد الصيني معدل نمو بلغ 8ر4%، وفي الربع الثاني 4ر0%، ثم 9ر3% في الربع الثالث، وخلال الربع الأخير من العام بلغ 9ر2%، ليصل معدل النمو الاقتصادي خلال العام بأكمله إلى 3%. وقد كان للجائحة تأثيرها على الاقتصاد الصيني وبعض القطاعات المهمة فيه، مثل قطاع العقارات، الذي يُساهم بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي في الصين؛ حيث شهد سوق العقارات في الصين ركودا، إذ تراجعت قيمة المبيعات والاستثمارات بمعدل 24% و10% كل على حدة، خلال عام 2022. هذا التراجع في معدل نمو الاقتصاد الصيني مقارنة بالمتوسط العالمي يُعد مخالفا لما كان عليه الوضع في سنوات ما قبل الجائحة. فقبل الجائحة حقق الاقتصاد الصيني، الذي وصف بأنه الأكثر ديناميكية عالميا، معدلات نمو بلغت في المتوسط 7ر7%.  في حين بلغ متوسط نسبة نمو الاقتصاد العالمي خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2019 8ر3%.

تعديل إجراءات الاستجابة لكوفيد- 19 وتوقعات النمو الاقتصادي الصيني

في تعليقها على قرار تعديل إجراءات الاستجابة لكوفيد- 19، قالت كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: "هناك قدر كبير من الأمل في أن تؤدي إعادة فتح الصين في عام 2023 إلى تأثير أفضل على النمو العالمي." ونجد التوقعات الدولية متفائلة بشأن الاقتصاد الصيني خلال العام الجاري؛ حتى أن بنك غولدمان ساكس وصف الاقتصاد الصيني خلال عام 2023 بالقول: "إن الربيع يأتي بعد الشتاء"، متوقعا أن يكون النمو ضعيفا في بداية العام قبل أن يتعافى الاقتصاد الصيني بشكل كبير خلال النصف الثاني من العام محققا معدل نمو يبلغ 5ر4% ليزداد في العام التالي إلى 3ر5%. وهو ما يقترب من توقعات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي والتي توقعت أن يحقق الاقتصاد الصيني معدل نمو في عام 2023 يبلغ 6ر4%، أما صندوق النقد الدولي فقال في تقريره الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي، إنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 2ر5% على أساس سنوي في عام 2023، بزيادة 8ر0 نقطة مئوية عن توقعاته في أكتوبر 2022. ورفعت مؤسسة مورغان ستانلي توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين هذا العام إلى 7ر5%، بينما كان الرقم السابق 4ر5%. ووفقا لمؤسسة فيتش سوليوشينز في بدايات فبراير 2023، من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الاقتصاد الصيني 5% خلال عام 2023، وهو ما يعكس تحسنا مقارنة مع توقعاته بنسبة 1ر4% في ديسمبر 2022. هذا التغيير في التوقعات بين تقرير وآخر خلال فترة وجيزة، يعكس سرعة تعافي النشاط الاقتصادي بأسرع مما كان متوقعا عندما تم تعديل إجراءات الاستجابة لكوفيد- 19 في ديسمبر 2022. على أي حال، حددت الصين معدل النمو الاقتصادي المستهدف لعام 2023 بنسبة 5%، كما في جاء تقرير عمل الحكومة أمام دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني ودورة المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني "الدورتين" في الخامس من مارس 2023.

ونشير هنا إلى أن مؤشرا مهما، وهو مؤشر مديري المشتريات يزيد من جرعة التفاؤل، فقد تحسن مؤشر مديري المشتريات الصناعي في الصين خلال شهر فبراير 2023 حيث بلغ 6ر52 نقطة مقارنة مع 1ر50 نقطة في يناير 2023، وهو الأعلى في سنوات. أما مؤشر مديري المشتريات الخدمي فقد ارتفع إلى 4ر54 نقطة في يناير 2023، وهو الأعلى منذ يونيو 2022.

يُشير الخبراء إلى أن الاقتصاد الصيني يتمتع بقدر من المرونة، وهذا من شأنه المساهمة في سرعة التعافي، ويدللون على ذلك بنجاح الصين في تحقيق فائض في الميزان التجاري رغم ظروف الجائحة وحالة الإغلاق؛ فخلال عام 2021 حقق الميزان التجاري للصين فائضا بلغ 676 مليار دولار أمريكي، مما شكل داعما للاقتصاد الصيني رغم ظروف الجائحة ووضع سوق العقارات. وخلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، بلغ فائض الميزان التجاري الصيني 640 مليار دولار أمريكي، حيث نمت التجارة الخارجية للصين خلال الفترة من يناير وحتى أكتوبر 2022 بنسبة 5ر9% على أساس سنوي. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد بلغت نسبة العجز في الميزان التجاري 1ر948 مليار دولار في عام 2022، في حين كانت 845 مليار دولار في عام 2021. والأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، فقد سجلت اليابان عجزا تجاريا خلال عام 2022 بلغ 155 مليار دولار أمريكي وهو أكبر عجز تجاري سنوي في البلاد.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من العوامل التي سيكون لها تأثيرها على النمو الاقتصادي في الصين خلال العام، من بينها الاستهلاك المحلي الذي سيكون دافعا مهما للنمو الصيني. وعلى الجانب الآخر، يُشير محللون اقتصاديون إلى أن قدرة الاقتصاد الصيني على التعافي ستعتمد على طبيعة الحوافز التي ستقدمها الحكومة الصينية، وخاصة تلك التي ستُقدم لقطاع العقارات.

النمو الاقتصادي في الصين والاقتصاد العالمي

التوقعات المتفائلة للاقتصاد الصيني خلال عام 2023، تأتي وسط تقديرات بتراجع حاد في معدل نمو الاقتصاد العالمي، وذلك بمتوسطات للنمو تتراوح ما بين 7ر1% وفقا لتقديرات البنك الدولي وصولا في أعلى التقديرات إلى 9ر2% وفقا لصندوق النقد الدولي، مع توقعات بأن تكون للصين المساهم الأكبر في نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2023، حتى أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يُمثل النمو الاقتصادي الصيني خلال العام نحو 30% من مجمل النمو الاقتصادي في العالم. بحيث ستكون الصين لاعبا رئيسيا خلال العام الجاري في النمو الاقتصادي العالمي، وخاصة في ظل التباطؤ الشديد في النمو الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية واليابان. حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل 4ر1% خلال عام 2023، والألماني 1ر0% والياباني 6ر1%. وبذلك يتضح الدور المهم المتوقع للاقتصاد الصيني في نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2023.

وقد ذكر تقرير وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) في الثامن من مارس، أن تحديد معدل النمو المستهدف لعام 2023 عند 5% وتأكيد "الدورتين" مجددا على الالتزام بالانفتاح العالي المستوى، أدى إلى تعزيز ثقة مجتمع الأعمال العالمي في مساهمة الصين المستمرة في انتعاش الاقتصاد العالمي واستقراره. وذكر التقرير أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، وأثناء حضوره مداولات يوم 6 مارس في الدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، تعهد ببذل جهود لتلبية متطلبات بناء اقتصاد السوق الاشتراكي الرفيع المستوى وتعزيز الانفتاح العالي المستوى. وأكد الرئيس شي على الالتزام بتعميق الإصلاح في المجالات الرئيسية، وبذل جهود منسقة لوضع نظام بنية تحتية حديث ونظام سوق عالي المستوى، وتوسيع الانفتاح المؤسسي بشكل مطرد. وكشف استطلاع عالمي أجرته ((شينخوا)) بشأن التنمية في الصين، أن أكثر من 95% ممن شملهم الاستطلاع وافقوا على أن الصين حققت إنجازات باهرة في العقد الماضي. ووجد الاستطلاع أن ما يقرب من 60% أعربوا عن إعجابهم أكثر بالتنمية الاقتصادية للبلاد والتقدم في العلوم والتكنولوجيا.

إن الصين تظل دائما نقطة جذب قوية للاستثمار الأجنبي والتجارة. وقالت وزارة التجارة الصينية في يناير 2023، إن الاستثمار الأجنبي المباشر المستخدم فعليا في بر الصيني الرئيسي زاد في العام الماضي بنسبة 3ر6% على أساس سنوي إلى 23ر1 تريليون يوان. بالإضافة إلى ذلك، سجلت قيمة التجارة الخارجية السنوية للصين رقما قياسيا في عام 2022، حيث بلغ إجمالي تجارة السلع 07ر42 تريليون يوان، بزيادة بلغت نسبتها 7ر7% على أساس سنوي، وفقا للإدارة العامة للجمارك في الصين.

على مدار العقد الماضي، تشاركت الصين فوائد التنمية مع الدول الأخرى من خلال المساعدة في تعزيز التواصل وإمكانية الوصول إلى البنية التحتية. فمن مشروعات النقل مثل سكة حديد الصين-لاوس وطريق بنوم بنه- سيهانوكفيل السريع الذي يحفز التنمية المحلية والإقليمية إلى المشروعات الصناعية مثل منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر (تيدا السويس) التي اجتذبت العديد من الشركات والاستثمارات، فإن مبادرة "الحزام والطريق" تصبح منفعة عامة عالية الجودة يتم بناؤها بشكل مشترك من قبل جميع الشركاء، مع تقاسم منافعها من قبل العالم. فالمبادرة، بمشاركة أكثر من 75% من بلدان العالم و32 منظمة دولية، جلبت ما يقرب من تريليون دولار أمريكي من الاستثمارات، وأنشأت أكثر من ثلاثة آلاف مشروع تعاون، وخلقت حوالي 420 ألف فرصة عمل في البلدان الواقعة على طول "الحزام والطريق" وساعدت في رفع انتشال ما يقرب من 40 مليون فرد من الفقر، وفقا لتصريحات أدلى بها وزير خارجية الصين تشين قانغ في مؤتمر صحفي يوم 7 مارس.

 وختاما، تعكس الأرقام والتقديرات الدولية قدرة الاقتصاد الصيني على التعافي السريع في مرحلة ما بعد الجائحة، وهو ما سينعكس ليس فقط على الوضع الداخلي في البلاد وإنما أيضا سيكون محركا مهما للاقتصاد العالمي في ظل الدور الذي سيقوم به في النمو الاقتصادي العالمي وحركة التجارة العالمية.

--

د. خديجة عرفة، باحثة في العلاقات الدولية- مصر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4