يصادف عام 2023 الذكرى السنوية العاشرة لطرح مبادرة "الحزام والطريق". خلال الاجتماع السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي 2023، عقد منتدى "الحزام والطريق.. تقاسم فرص التنمية"، حيث تحدث الضيوف المشاركون عن التقدم والإنجازات التي تحققت خلال السنوات العشر الماضية منذ طرح مبادرة "الحزام والطريق"، وأعربوا عن تطلعهم إلى التنمية العالية الجودة لـ"الحزام والطريق" في ظل الجولة الجديدة من الثورة التكنولوجية والتغيرات الصناعية، والتعاون الدولي على أوسع نطاق وأعلى مستوى وأعمق مستوى، ودفع بناء رابطة المصير المشترك للتنمية العالمية لخدمة شعوب االعالم.
بناء رابطة المصير المشترك للتنمية العالمية
قبل عشر سنوات، طرح الرئيس شي جين بينغ بناء مبادرة "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" على التوالي. على مدى السنوات العشر الماضية، التزمت الصين والدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق" بمبدأ "التشاور والتشارك والتقاسم" وحققت تقدما إيجابيا وإنجازات مهمة في ترابط البنية التحتية والتواصل السلس للمعايير والقواعد والتفاهم بين شعوب الدول.
قال باوولو بورزاتا، عضو مجلس إدارة البيت الأوروبي- أمبروسيتي، والممثل الأوروبي في هذا المنتدى: "إيطاليا هي أول دولة من مجموعة الدول الصناعية السبع تشارك في مبادرة ’الحزام والطريق‘." وهو يرى أنّ مبادرة "الحزام والطريق" مهمة جدا، فهي تربط بين أوروبا وآسيا ودول أخرى على نطاق أوسع، وذات آفاق تنمية جيدة. أضاف: "بناء نظام التنمية الاقتصادية من أهم الإنجازات التي حققتها المبادرة في السنوات العشر الماضية. في المستقبل، يجب إقامة مزيد من الآليات للتبادل والترابط. لا بد أن ندرك أن هذه ليست مبادرة للصين وحدها، بل هي أيضا مشروع مشترك لجميع الدول والمناطق المشاركة في بناء ’الحزام والطريق‘، وتستفيد منها جميع المؤسسات والشعوب." وقال إنّ مواصلة البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" ستأتي بمزيد من فرص التنمية للصين والعالم في السنوات العشر القادمة.
كازاخستان هي المكان الأول الذي طرح فيه الرئيس شي جين بينغ مبادرة "الحزام والطريق"، يعتقد رينات بيكتوروف، رئيس مركز أستانا المالي الدولي (AIFC) في كازاخستان أن مبادرة "الحزام والطريق" بعيدة النظر وفتحت ممرا سهلا لكازاخستان إلى سوق أوراسيا بأكملها. وقال إن في كازاخستان العديد من المشروعات ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، بما في ذلك ممر النقل الدولي العابر لبحر قزوين، المعروف أيضا باسم "الممر الأوسط". وأظهرت أحدث البيانات أن "الممر الأوسط" قد نقل 5ر1 مليون طن من البضائع. وتوقع رينات بيكتوروف أن تتحول رؤية السنوات العشر إلى حقيقة أخيرا. وأضاف: "نرى أن البنية التحتية لـ’الحزام والطريق‘ ليست طريقا لنقل البضائع فحسب، وإنما أيضا لها تأثير كبير على التنمية الاقتصادية لكازاخستان."
تشعر منغوليا أيضا بقوة دافعة قوية لاقتصادها. شارك نائب رئيس الوزراء ووزير التنمية الاقتصادية لمنغوليا تشيمد خورلباتار مجموعة من البيانات في المنتدى، وقال: "في السنوات العشر الماضية، بنت منغوليا 500 كيلومتر من السكك الحديدية التي تربط بين عواصم المقاطعات المختلفة. في عام 2022، وصل حجم التجارة الخارجية لمنغوليا إلى 22 مليار دولار أمريكي، مقارنة مع أقل من عشرة مليارات دولار أمريكي قبل عشر سنوات.
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية الفعلية، أشار أحسن إقبال تشودري، وزير التخطيط والتنمية والمشروعات الخاصة بجمهورية باكستان الإسلامية، إلى أن أبرز ما في مبادرة "الحزام والطريق" هو روح التقاسم التي أظهرتها الصين، أي تقاسم تجربتها الناجحة مع الدول النامية. من خلال الدعوة إلى روح التقاسم والازدهار المشترك، تهدف الصين إلى دفع بناء رابطة المصير المشترك للبشرية، وتجذب بذلك العديد من الدول النامية للانضمام. وقال إنه بفضل مشروع "الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان"، تمتلك باكستان الآن المزيد من القنوات للحصول على التقنيات والأموال، وبالتالي تقيم المزيد من التبادلات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأخرى.
قال الرئيس شي جين بينغ في الحوار الرفيع المستوى بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية في العالم الذي عقد في الخامس عشر من مارس 2023، إنه مع التوسع المستمر لدائرة أصدقاء "الحزام والطريق"، وقعت الصين وثائق تعاون مع أكثر من 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية. من عام 2013 إلى 2022، زاد حجم تجارة السلع بين الصين والدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق" من 04ر1 تريليون دولار أمريكي إلى 07ر2 تريليون دولار أمريكي، بمعدل نمو سنوي 8% في المتوسط. بحلول نهاية عام 2022، وصل الحجم التراكمي لاستثمار الشركات الصينية في مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري في الدول المشاركة في بناء الطريق إلى 13ر57 مليار دولار أمريكي، مما خلق 421 ألف وظيفة محلية وساعد ما يقرب من 40 مليون شخص على التخلص من الفقر.
دفع التحول الرقمي
قال جيم يونغ كيم، نائب رئيس مجلس إدارة شركاء البنية التحتية العالمية، والرئيس الأسبق للبنك الدولي: "بدون بنية تحتية رقمية ومرافق النقل والكهرباء وغيرها من البنى التحتية الأساسية، لما كانت هناك وسيلة فعالة للحد من الفقر وتحقيق تنمية أفضل. لذلك عندما تم إطلاق مبادرة 'الحزام والطريق' في عام 2013، شعرت أن هذا حدث كبير في تاريخ البشرية، وسوف يعزز تنمية البشرية." وقال إن تعزيز التجارة لا يتطلب الترابط "الصلب" فحسب، وإنما أيضا يحتاج إلى طرح الحلول الرقمية مع التركيز على الترابط "الناعم". فإذا استطعنا تحقيق الرقمنة في جميع الخدمات، فسيتم تسريع تداول البضائع، مما سيقلل الحواجز التجارية بين البلدان بشكل كبير.
يعتقد المشاركون عموما أن العالم يتوجه حاليا نحو عملية الصناعة 4.0 والرقمنة، ويتغير أسلوب التجارة والدراسة بشكل عميق، ومن ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتقنيات الحيوية الأكثر تقدما، مما سيرفع القوة الإنتاجية بشكل كبير، ويجلب أيضا التحديات. نظرا لوجود فجوة رقمية ضخمة بين الدول النامية والدول المتقدمة، من الضروري جدا تعميم التحول الرقمي من مجال البنية التحتية إلى مجالات أوسع.
في هذا الصدد، قال باوولو بورزاتا: "بالإضافة إلى الترابط والتواصل في مجال البنية التحتية، يجب التفكير في إبرام اتفاقية مشتركة لتنسيق التعاون الرقمي لـ’الحزام والطريق‘." علاوة على ذلك، اقترح أيضا إنشاء قاعدة بيانات للمشروعات التي تتمحور حول مبادرة "الحزام والطريق" لتنفيذ مجموعة واسعة من الأنشطة الاستشارية، إذا أرادت دولة ما الحصول على فرص تعاون متعلقة بـ"الحزام والطريق"، يمكنها الرجوع إلى قاعدة البيانات هذه. واقترح أن تفكر المؤسسات المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية مثل البنك الدولي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في تشغيل مثل هذا المشروع، حتى تتمكن الشركات من الدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق" من المشاركة بشكل أفضل وتحقيق المنفعة المتبادلة والفوز االمشترك.
التمسك بمفهوم التنمية الخضراء
معظم الدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق" هي دول نامية واقتصادات ناشئة، وتعتمد تنميتها الاقتصادية بشكل كبير على الموارد، وتواجه عموما تناقضا بين التنمية وحماية البيئة الناتج عن التصنيع والتحول الحضري. إن البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" الأخضر ليس فقط جزءا مهما من التنمية العالية الجودة لـ"الحزام والطريق"، وإنما أيضا تطلع مشترك لشعوب الدول المشاركة في المبادرة. ويتمثل بشكل أساسي في رفع درجة التخضير في تشييد البنى التحتية والتعاون الدولي في مجال القدرة الإنتاجية والأنشطة التجارية، من أجل ابتكار الآلية المالية الخضراء، وإقامة مشروعات معيشة الشعب لحماية البيئة، وبناء طريق حرير حيوي منخفض الكربون وصديق للبيئة.
أما فيما يتعلق بمسار التنمية المستدامة الخضراء التي ينبغي اتباعها في البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، قال تشيميد خورلباتار في المنتدى: "بالنسبة لمنغوليا، وهي دولة تعتمد على التعدين، فإن تحقيق التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون مهم للغاية. في المستقبل، ستركز منغوليا على تطوير الطاقة المتجددة بما في ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتتطلع أيضا إلى بناء نظام تطوير الطاقة المتجددة مع الشركاء." بالإضافة إلى ذلك، أعرب عن تطلعه بشدة إلى تعلم مفهوم التنمية الخضراء الذي تتمسك به الصين في ممارسة بناء "الحزام والطريق"، لدفع التخضير وتخفيض الكربون في البنية التحتية وإدارة تشغيلها، مع التركيز على مفهوم الحضارة الإيكولوجية في الاستثمار والتجارة، وتعزيز التعاون في مجالات مثل إدارة البيئة الإيكولوجية وحماية التنوع البيولوجي والاستجابة لتغير المناخ. وقال: "بحلول عام 2030، ستزرع منغوليا مليار شجرة لمنع التصحر وتحسين البيئة الإيكولوجية."
المؤسسات المالية تعد أيضا قوة مهمة في دفع "الحزام والطريق" الأخضر. حول تخطيط البنية التحتية الخضراء، قال جين لي تشون، رئيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، إن ESG، مفهوم الاستثمار وتقييم الشركات الذي يركز على أداء الشركات في البيئة (Environmental) والمجتمع (Social) والحوكمة (Governance) بدلا من الأداء المالي، يمثل معيارا متبعا بشكل عام. وقال: "أصبحت تقييمات تغير المناخ وESG اعتبارات مهمة لاستثمار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. وتم إقرار أن يمثل تمويل المناخ 50٪ على الأقل من إجمالي تمويل البنك المعتمد بحلول عام 2025، وقد تجاوزت النسبة الحالية هذا الرقم."
في الدورة الأولى لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي التي عقدت في عام 2017، أكد الرئيس شي جين بينغ على أنه "يجب ممارسة المفهوم الجديد للتنمية الخضراء، والدعوة إلى أسلوب الإنتاج والحياة الأخضر والمنخفض الكربون والدوري والمستدام، وتعزيز التعاون في مجال حماية البيئة، وبناء الحضارة الإيكولوجية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بشكل مشترك". وفي الدورة الثانية لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي التي عقدت في عام 2019، أكد الرئيس شي مرة أخرى على أنه "يجب الالتزام بمفهوم الانفتاح والأخضر والنزاهة، واتخاذ اللون الأخضر كاللون الخلفي، ودفع بناء البنية التحتية الخضراء والاستثمار الأخضر والتمويل الأخضر، لحماية أرضنا المشتركة التي نعيش فيها على أفضل وجه"، وحظي اقتراحه بثناء واسع من ضيوف المنتدى. قال جين لي تشون، إنه في المستقبل، ومع تسريع التحول العالمي للطاقة وتعميق مفهوم التنمية المنخفضة الكربون، ستقدم المزيد من الدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق" التزامات الحياد الكربوني وتنفذ سياسات التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون.