في التاسع والعشرين من مارس عام 2024، أصدرت إدارة حقوق الملكية الفكرية الصينية مجموعة من البيانات المشجعة في مؤتمر صحفي دوري لها، ومنها أن متوسط نصيب كل عشرة آلاف صيني من براءات الاختراع ذات القيمة العالية يبلغ 8ر11؛ وأن حجم القيمة المضافة من خلال الصناعات الكثيفة لبراءات الاختراع يصل إلى 32ر15 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا)، وتساهم تلك الصناعات بنسبة 7ر12% من الناتج المحلي الإجمالي؛ وعلى الرغم من أن هذه الصناعات توظف أقل من 7% من إجمالي العاملين في الصين، فإنها تساهم بأكثر من ثمن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

على مدى أكثر من أربعين عاما منذ بدء الإصلاح والانفتاح، حققت الصين تطورات كبيرة وقفزات نوعية في مجال حقوق الملكية الفكرية، وأحرزت تقدما كبيرا في التشريع والابتكار والحماية والاستخدام. وقد أوضحت شيوي مي لينغ، الأستاذة المساعدة في كلية القانون بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية في بكين، ومديرة مركز الأبحاث المالية لحقوق الملكية الفكرية، ونائبة الأمين العام لمعهد أبحاث مراقبة السوق، أن نظام الملكية الفكرية نشأ مع تطور التكنولوجيا في اقتصاد السوق، وتطور مع التغييرات المتكررة في التكنولوجيا. ومع دخول عصر الاقتصاد الرقمي، يتم إنتاج ونشر المنتجات المعرفية بالأساليب الرقمية والذكية، مما يزيد من الاهتمام بحقوق الملكية الفكرية للبيانات.

دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية

في الثامن والعشرين من ديسمبر 2023، تلقت شركة شنغتشه للتكنولوجيا في بكين، وهي شركة تكنولوجيا عالية على المستوى الوطني في مجال إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، هدية ثمينة بمناسبة رأس السنة. أرسل مركز الشرطة ببلدة تشياوبيان في مدينة ييتشانغ بمقاطعة هوبي، رسالة شكر للشركة، معربا عن تقديره للدعم الفني الذي قدمته، مما ساعد أجهزة الأمن في العثور على مريض مفقود في غضون ساعتين وإنقاذ حياته. وهذا ليس سوى واحد من بين آلاف الأرواح التي أنقذتها شركة شنغتشه.

من خدمات الأمن في التجمع السكني في قرية فيجيا ببكين، وتجديد معدات مكافحة الحرائق في معبد جوكانغ بمدينة لاسا في شيتسانغ، إلى أنظمة الأمان الذكية لدعم أولمبياد بكين الشتوية 2022، وحماية حظر الصيد في نهر اليانغتسي، باستخدام تقنيات مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، قدمت شركة شنغتشه خدمات الأمان الذكية لأكثر من مائة وستين مدينة في خمس وعشرين مقاطعة في الصين، مما وفر قوة تكنولوجية قوية لحماية سلامة حياة وممتلكات الشعب، وتحسين جودة الحياة، وحماية التراث الثقافي الذي يمتد لآلاف السنين، وتحسين البيئة الإيكولوجية.

خلال عملية الرقمنة الصناعية، قامت شركة شنغتشه بتعزيز تقنية إنترنت الأشياء الضيق النطاق، لخدمة صناعات مختلفة بشكل أفضل. على الصعيد العالمي، ينتشر عملاء شركة شنغتشه‏ في خمس وستين دولة ومنطقة. وتواصل الشركة دعم بناء المدن الذكية في كمبوديا وجنوب أفريقيا وغيرهما من الدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق". بالإضافة إلى ذلك، أنشأت مراكز حوسبة في ييتشانغ بمقاطعة هوبي وشينينغ في مقاطعة تشينغهاي، مما أسهم بعمق في تخطيط الحوسبة الوطنية، وأصبحت نموذجا لبناء القوى المنتجة الحديثة النوعية في البلاد.

كل هذه الإنجازات مبنية على أساس التقنيات المتقدمة التي تعمل شركة شنغتشه فيها. قالت لي جيا شي، مديرة التسويق العامة في الشركة، إن الابتكار هو القوة الدافعة الأولى للتنمية، وإن الشركة منذ تأسيسها تولي أهمية كبيرة لتخطيط حقوق الملكية الفكرية المستقلة، مما يعزز من القدرة التنافسية الرئيسية للتقنيات والمنتجات والخدمات الخاصة بالشركة، حيث تمتلك الشركة أكثر من مائة من حقوق الملكية الفكرية المستقلة.

الاقتصاد الرقمي هو الاتجاه الرئيسي لتطور الاقتصاد في المستقبل، وهو أيضا أحد أكثر المجالات نشاطا في الوقت الحالي. في السنوات الأخيرة، لعبت الإدارة الصينية لحقوق الملكية الفكرية دورا كبيرا في توظيف نظام حقوق الملكية الفكرية، حيث يساعد بشكل نشيط في تحفيز زخم جديد للتنمية الاقتصادية وتعزيز بناء ميزات جديدة للاقتصاد الرقمي. قال هنغ فو قوانغ، المتحدث باسم الإدارة الصينية لحقوق الملكية الفكرية ومدير الشؤون العامة بها، إنه في المرحلة القادمة سيتم تسريع وضع قواعد حماية حقوق الملكية الفكرية للبيانات، وتعزيز تطوير واستخدام وتداول البيانات، وتعزيز التكامل العميق بين الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الحقيقي، سعيا لدفع التنمية الاقتصادية وإثراء حياة الناس من خلال التغييرات الرقمية البارزة من حيث النطاق والمستوى.

عبرت لي جيا شي، عن تطلعها الكبير في هذا الصدد، قائلة إن تقنية البيانات الكبرى هي أحد أهم عناصر التنافسية الأساسية لشركة شنغتشه. لا يمكن أن يتم بناء الاقتصاد الرقمي الحضري والحوكمة الرقمية من دون كمية كبيرة من البيانات. وأضافت أنه تحت حماية حقوق الملكية الفكرية، يمكن للبيانات أن تتدفق بشكل منطقي وتستخدم بشكل كامل، مما يسمح للشركات بالتعمق في استكشاف قيمة عناصر البيانات، واستخدام تطبيقات الرقمنة وقدرات تشغيل النظام البيئي الصناعي لخدمة حوكمة المدن، والرفاه الاجتماعي، وحماية البيئة، والعديد من المجالات الأخرى.

زخم جديدة لبناء القوى المنتجة الحديثة النوعية

حدد تقرير أعمال الحكومة المقدم إلى الدورة الثانية للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني لعام 2024 بوضوح، الحاجة إلى تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، ووضع سياسات وإجراءات لتشجيع تحويل نتائج الأبحاث العلمية إلى تطبيقات عملية.

قال هنغ فو قوانغ إن حقوق الملكية الفكرية هي محفز الابتكار ومحرك تسريع النمو الاقتصادي، ودعم مهم للتنمية العالية الجودة، فتلعب دورا مزدوجا في تطوير النظام والتكنولوجيا. وأكد على وجوب إبراز نظام البراءات في تحفيز الابتكار وتطوير التكنولوجيا، والعمل على تحقيق اختراقات في التقنيات الجوهرية، ودفع تحويل البراءات إلى تطبيقات عملية، وتسريع تحويل النتائج العلمية إلى منتجات واقعية، وضخ زخم جديد لبناء القوى المنتجة الحديثة النوعية.

تولي شيوي مي لينغ اهتماما كبيرا لتحويل نتائج الملكية الفكرية، وقالت إنه في إطار منطق نظام الملكية الفكرية، يتعايش الابتكار والمنافسة، وتتوازن الحماية والنشر، وتتواجد الحقوق والقيود. وأكدت أن منح الحقوق الحصرية للمنتجات الفكرية ليس فقط لتحفيز وحماية الابتكار، بل أيضا لمنع وضع الابتكارات في الأدراج من دون استخدام، مما يعزز التحسينات في المرحلة اللاحقة وتحقيق الرفاه الاجتماعي الشامل. لذا، يعد تحويل نتائج الملكية الفكرية قناة مهمة لتحقيق هذا الهدف النظامي.

وأشارت شيوي مي لينغ إلى أن تحويل نتائج الملكية الفكرية للبيانات والتعاون بين مؤسسات الإنتاج والجمعات والأبحاث، يلعبان دورا مهما في دفع الابتكار التكنولوجي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن خلال هذه الأشكال من التعاون، يمكن تحويل نتائج البحوث العلمية بشكل فعال إلى منتجات وخدمات فعلية، مما يعزز القدرة التنافسية للشركات في السوق ويجلب فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر للمجتمع.

حصلت جامعة جياوتونغ في شانغهاي على تسع جوائز في مؤتمر الصين الرابع عشر للابتكار الوطني في التعاون بين مؤسسات الإنتاج والجمعات والأبحاث، بما في ذلك جائزة المساهمة البارزة في التعاون بين مؤسسات الإنتاج والجمعات والأبحاث، وجائزة روح الحرفي وجائزة الابتكار في هذا الصدد، يفضل أدائها المتميز في تعزيز التكامل بين الحكومة ومؤسسات الإنتاج والجمعات والأبحاث.

وقد حدد جهاز مراقبة وإدارة السوق في مقاطعة تشجيانغ عشرة حالات نموذجية لتحويل البراءات إلى تطبيقات عملية، حيث تغطي عدة مجالات صناعية مثل مبردات بطاريات السيارات بالطاقة الجديدة والتقنية الكهروضوئية وتقنية التأين المباشر للطيف الكتلي، مما يظهر إلى حد كبير المسارات والأشكال الفعالة لتحويل البراءات ويسد احتياجات تشجيانغ للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الشركات قوة رئيسية للابتكار التكنولوجي والابتكار الصناعي، وهي أيضا جهة رئيسية لإنتاج البراءات وتحويلها. وقد أوضح قه شو، نائب رئيس الإدارة الصينية لحقوق الملكية الفكرية ومدير قسم التخطيط الإستراتيجي في الإدارة، أن الشركات تمتلك 70% من إجمالي البراءات الفعالة في الصين، حيث تجاوز عددها ثلاثة ملايين براءة. وأظهر ((تقرير مسح البراءات في الصين لعام 2023)) أن معدل تحويل براءات الاختراع التي تمتلكها الشركات في الصين إلى تطبيقات صناعية وصل إلى 3ر51%، مواصلا نموه المستمر لمدة خمس سنوات متتالية.

ومع ذلك، تواجه بعض الشركات حاليا، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، صعوبات في تحويل البراءات وتصنيعها. قال وانغ بي تشانغ، مدير قسم تعزيز استخدام حقوق الملكية الفكرية في الإدارة الصينية لحقوق الملكية الفكرية‏، إن إدارته أصدرت في مارس 2024، بالتعاون مع الجهات المعنية ((المشروع التنفيذي لتعزيز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من خلال تصنيع البراءات)) من أجل التغلب على صعوبة تحويل براءات الاختراع في الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، وصعوبة حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على التكنولوجيا المتقدمة. يركز هذا المشروع رئيسيا على تحويل البراءات إلى تطبيقات صناعية، واتباع النهج المتمثل في "الخدمات للجمهور العام+ العناية الخاصة" لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في مجال العلوم والتكنولوجيا على تعزيز قدراتها الابتكارية، والفوز بميزة تنافسية، وزيادة فوائدها الاقتصادية.

تسريع استكشاف حماية حقوق الملكية الفكرية للبيانات

بالمقارنة مع حقوق الملكية الفكرية التقليدية، تتمثل الفروق في حقوق الملكية الفكرية للبيانات بشكل رئيسي في طرق إنتاج ونشر المنتجات الرقمية. ومع ذلك، فإن تكلفة إنتاج ونشر حقوق الملكية الفكرية أصبحت أقل بفضل التكنولوجيا الذكية الرقمية. وأوضحت شيوي مي لينغ، أنه في السياق الجديد، تدعو حقوق الملكية الفكرية إلى بناء نظريات جديدة وتصميم قواعد جديدة. وقد وضعت الحكومة الصينية سلسلة من الخطط لتوجيه بناء نظام حقوق الملكية الفكرية للبيانات وتوضيح الاحتياجات.

يطالب ((المنهاج العام لبناء دولة قوية في حقوق الملكية الفكرية 2021- 2035)) بإنشاء نظام قواعد لحماية حقوق الملكية الفكرية في المجالات الناشئة والمجالات المحددة وأن تكون استجابته فورية وحمايته معقولة؛ وبناء وتكميل قواعد حماية حقوق الملكية الفكرية للتقنيات الجديدة والصناعات الجديدة والأنماط الجديدة والأشكال الجديدة؛ واستكشاف تحسين نظام حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال الإنترنت؛ وإجراء أبحاث لإنشاء قواعد حماية حقوق الملكية الفكرية للبيانات. ويؤكد ((إعلان مجلس الدولة بشأن حماية واستغلال حقوق الملكية الفكرية خلال فترة الخطة الخمسية الرابعة عشرة)) على ضرورة البحث الفعال والمشاركة في وضع قواعد ومعايير حقوق الملكية الفكرية الدولية في المجالات الرقمية والمجالات الناشئة الجديدة.

وحتى الآن، حددت الإدارة الصينية لحقوق الملكية الفكرية سبع عشرة مدينة مثل بكين وشانغهاي كـ"طلائع" لتنفيذ الأعمال المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية للبيانات. وقد تم استلام أكثر من ثلاثة عشر ألف طلب تسجيل حقوق ملكية فكرية للبيانات، وإصدار أكثر من سبعة آلاف شهادة، حيث شكلت الشركات نسبة 90% من مقدمي الطلبات.

في هذا المسار الجديد من الرقمنة والذكاء، تلعب حقوق الملكية الفكرية للبيانات دورا مهما. فهي لا تتعلق بمواجهة الحواجز التجارية الجديدة في المنافسة الدولية فحسب، وإنما أيضا بتسريع تطوير القوى المنتجة الحديثة النوعية وتعزيز التنفيذ العميق للإستراتيجيات مثل "إستراتيجية بناء دولة قوية في حقوق الملكية الفكرية" و"إستراتيجية الذكاء الاصطناعي+" وحركة "عناصر البيانات×". كما أنها تتعلق ببناء بيئة أعمال رفيعة المستوى في الصين.

قدمت شيوي مي لينغ اقتراحاتها حول حماية حقوق الملكية الفكرية في الصين وتحسين النظام الحالي، حيث قالت إن التكنولوجيا الجديدة والأنماط الجديدة والأشكال الجديدة، تشكل تحديات للقواعد الحالية لحقوق الملكية الفكرية. وفي نفس الوقت توفر فرصا لتحسين نظام حقوق الملكية الفكرية. يجب على الصين تعزيز إنشاء وجمع حقوق الملكية الفكرية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والمعلومات الكمومية، والدارات المتكاملة من ناحية، ومن ناحية أخرى، يجب عليها أيضا دراسة أنظمة حماية حقوق الملكية الفكرية في المجالات الناشئة والأنماط الجديدة بجدية، والعمل على "الإصلاح" أو "التعديل" أو "الإلغاء" أو "الإضافة" لقواعد حقوق الملكية الفكرية الحالية لتلبية احتياجات العصر الحالي.

بالإضافة إلى ذلك، ترى شيوي مي لينغ أنه مع تسارع مسيرة العولمة الاقتصادية، يصبح الوضع الدولي أكثر تعقيدا، وينبغي للصين أن تدفع حقوق الملكية الفكرية نحو الانفتاح على الخارج بشكل أوسع وأعمق وأكثر شمولا، وتعزز التعاون الدولي في حقوق الملكية الفكرية، وتشارك بنشاط في بناء أنظمة الحوكمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية، وتزيد التعاون المتعدد الأطراف في مجال حقوق الملكية الفكرية، وتواصل تعزيز تأثير حقوق الملكية الفكرية الصينية وقدرتها التنافسية دوليا، لخدمة تنمية الاقتصاد المفتوح.

حاليا، على الرغم من التجارة المزدهرة في حقوق الملكية الفكرية العالمية، وخاصة حقوق الملكية الفكرية للبيانات، فإن القواعد المعنية لا تزال مجزأة ومقسمة إلى تكتلات. قالت شيوي مي لينغ‎ إنه يجب على الصين الاهتمام بالمشاركة في الاتفاقيات المتعددة الأطراف أو الإقليمية، وأن تواصل الدراسة المقارنة المعمقة لنظم حقوق الملكية الفكرية في الدول المشاركة في بناء "الحزام والطريق"، لتوطيد وتحسين التعاون في حقوق الملكية الفكرية ضمن المبادرة، والاستفادة الكاملة من هذا المنصة لتوسيع حجم المشروعات التعاونية.