طالب مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي الذي عقد في بكين في ديسمبر عام 2023 بـ"استخدام تحسين معايير التكنولوجيا واستهلاك الطاقة والانبعاثات كقوة دافعة"، من أجل دفع تجديد المعدات واستبدال السلع الاستهلاكية القديمة بأخرى جديدة"؛ وأكد تقرير أعمال الحكومة لعام 2024 على "دفع التجديد والتحول التقني لمعدات الإنتاج والخدمات بأنواعها"، وفي مارس عام 2024، أصدر مجلس الدولة الصيني ((برنامج دفع حملة تجديد المعدات واستبدال السلع الاستهلاكية القديمة بأخرى جديدة على نطاق واسع))، حيث سيزيد حجم الاستثمار في المعدات بمجالات الصناعة والزراعة والتشييد والنقل والتعليم والثقافة والسياحة والطب بأكثر من 25% بحلول عام 2027 مقارنة بما كان عليه في عام 2023.
لطالما لعبت الصناعة دورا رئيسيا في الاقتصاد الصيني. وقد أصدرت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية مع سبع وزارات أخرى ((مشروع دفع تنفيذ تجديد المعدات الصناعية)) بهدف دفع التصنيع الجديد النمط، والعمل على تجديد المعدات على نطاق واسع، مع الاهتمام بالتحول الرقمي والتحول الأخضر من أجل دفع التنمية العالية الجودة والذكية والخضراء في قطاع التصنيع.
التحول التقني وتطوير الصناعة
جمهورية الصين الشعبية، التي تأسست منذ أكثر من سبعة عقود وكانت تفتقر إلى الصناعات الأساسية، شهدت طفرة صناعية كبيرة وتطورت حتى صارت أكبر مركز للتصنيع في العالم ودخلت إلى مرحلة التنمية العالية الجودة. لعب التحول التقني دورا محوريا في هذه العملية.
استوردت الصين 156 مشروعا أساسيا في الصناعات الرئيسية من الاتحاد السوفيتي وبعض الدول في أوروبا الشرقية في خمسينات القرن العشرين، الأمر الذي أرسى أساسا اقتصاديا للتصنيع في الصين بشكل أساسي، وكان تقدما تقنيا كبيرا للشركات المملوكة للدولة في الصين.
في هذا السياق، تأسس المصنع الأول للجرارات الزراعية في الصين (تغير اسمه إلى شركة ييتوه الصينية) وهو أكبر مصنع في هذا المجال بالصين. أنتج هذا المصنع أول جرار زراعي بجنزير عالي القدرة في الصين بطراز "دونغفانغهونغ"، وبذلك أنهى عصر استخدام البقر لحرث الحقول في الصين.
قالت يوي لي نا، عضو لجنة الحزب الشيوعي الصيني في شركة ييتوه الصينية ونائبة رئيس الشركة الأولى للجرارات الزراعية التابعة لشركة ييتوه الصينية، إن الجرارات الزراعية بالجنزير كانت المنتجات الرئيسية للشركة خلال أول ثلاثة عقود بعد تأسيسها. في بداية ثمانيات القرن الماضي، أطلقت الصين حملة تجديد المعدات، فأدخلت الشركة الجرار الزراعي بالعجلات المتقدم في العالم آنذاك إلى الصين ليشكل أساسا تقنيا لإنتاج الجرارات الزراعية بالعجلات في البلاد.
أشارت يوي لي نا إلى أن الوضع الصناعي في البلاد كان ضعيفا وبحاجة إلى معدات لإنتاج الجرار الزراعي بالعجلات والقطع اللازمة له، مضيفة أنه مع إدخال التقنيات الأجنبية، عملت شركة ييتوه الصينية على تعلم التقنيات المتقدمة وزيادة الاستثمار في التحول التقني لتحسين قدرتها على الإنتاج. بعد حوالي عشرين سنة من الجهود الشاقة، نجحت الشركة في إنتاج الجرار الزراعي بالعجلات على نطاق واسع. هو ما جعل شركة ييتوه الصينية مؤسسة ضخمة في إنتاج المعدات الزراعية الكبيرة، تتميز بمنظومة تصنيع متكاملة، وتهتم بابتكار أعمال الإنتاج والخدمات المعنية. وفي السنوات الماضية، قامت الشركة بتطوير جرارات زراعية بناقل الحركة الكهربائي وجرارات بنظام ناقل الحركة المتغير المستمر وحتى الجرارات الزراعية الذاتية القيادة إلخ لسد احتياجات السوق المحلية.
على مدى عشرات السنين من التحول التقني لشركة ييتوه، تغطي سلسلة منتجات "دونغفانغهونغ" وخدماتها لما بعد البيع عموم الصين، وساهمت بنصيبها الكبير في مسيرة الميكنة الزراعية في الصين. وهذا إلى جانب بيع معداتها إلى الدول الناطقة بالروسية ودول جنوب شرقي آسيا وأوروبا الوسطى والشرقية وأفريقيا وغيرها من أكثر من مائة دولة ومنطقة، مما زاد قوة تأثير ييتوه في الأسواق الدولية.
خفض الضغط الاقتصادي
تشن بين، عضو لجنة الحزب الشيوعي الصيني في الاتحاد الصيني لصناعة الآلات، ونائب مدير مجلس الخبراء بالاتحاد، عمل في الإدارات الحكومية لسنوات عديدة واكتسب خبرات وافرة في الإدارة والممارسة. قال إن الخطة الخمسية التي تطلقها الحكومة الصينية كل خمس سنوات، تركز كل منها على التحول التقني رغم اختلاف المجالات والاتجاهات حسب الظروف المختلفة. لذا، هذه ليست أول مرة تقوم فيها الحكومة الصينية بالتحول التقني على نطاق واسع.
في ديسمبر عام 2008، من أجل مواجهة الأزمة المالية، طرح مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي آنذاك الهدف الجوهري المتمثل في "ضمان النمو وزيادة الطلب المحلي وإعادة الهيكلة". ذكر تشن بين أن الحكومة الصينية أصدرت برنامجا بشأن تعديل عشر صناعات وإنهاضها بشكل عاجل وحددت اتجاه حملة التحول التقني على نطاق واسع. بفضل هذا البرنامج، حققت حملة التحول التقني إنجازات بارزة وساهمت في وقف انخفاض معدلات نمو الصناعة في فترة قصيرة ورسخت أساسا لتعديل هيكل الصناعات وتحويلها والارتقاء بها. إذا أخذنا قطاع السيارات كمثيل، فإن حجم المبيعات السنوي في عام 2008 بلغ أكثر من تسعة ملايين سيارة وبلغ في عام 2010 أكثر من 18 مليون سيارة، مما جعل الصين تحافظ على موقعها في طليعة دول العالم.
في الربع الأخير من عام 2021 عقدت الوزارات الصينية المعنية جلسة حول الوضع الاقتصادي، وقدم الاتحاد الصيني لصناعة الآلات مقترحات بشأن التحول الأخضر وخفض انبعاثات الكربون لقطاع التصنيع على نطاق واسع. قال تشن بين إن الشركات الصينية كانت قد تراجعت عن رغبتها في الاستثمار ولا تعرف اتجاهات الاستثمار بشكل واضح، بينما كان يوجد عدد كبير من المعدات في البلاد بحاجة إلى تجديد. فضلا عن ذلك، تعهدت الحكومة الصينية بالوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030. من أجل تحقيق الشركات الصينية التطور المستمر وهدف ذروة الكربون، يجب عليها القيام بالتحول التقني بشكل كبيرمن أجل التحول الأخضر وخفض انبعاثات الكربون.
مقارنة بما كان عليه في عام 2008، تركز هذه الحملة على التحول الأخضر وخفض انبعاثات الكربون من جانب، والتحول الرقمي من جانب آخر، الأمر الذي لا يعمل على زيادة في الطلب المحلي في الصين ودفع استثمارات الشركات فحسب وإنما أيضا يرسي أساسا متينا لتحقيق التحول الرقمي وهدف "الكربون المزدوج". أكد تشن بين على أهمية تحديد الاتجاهات الصحيحة، تفاديا للأعمال المتكررة وغير المجدية. وأضاف السيد تشن أنه في ظل وجود الاحتياجات المحتملة في السوق وحالة الترقب لدى رجال الأعمال، فإن ما ينقصنا هو القوة الدافعة فقط، فإذا اتخذت الحكومة إجراءات مع تحديد الاتجاهات والمهام الرئيسية، فمن الممكن أن تعطي قوة دافعة للاستثمار في القطاع الصناعي، إذ يتعرض الاقتصاد الصيني الآن لضغوط ثلاثية وهي: انكماش الطلب وصدمات العرض وضعف التوقعات، وهذه القوة الدافعة ستخفض تلك الضغوط.
الإسهام في تحقيق هدف "الكربون المزدوج"
في نهاية مايو عام 2024، أصدر مجلس الدولة الصيني ((برنامج حملة توفير الطاقة وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لعامي 2024 و2025))، حيث حدد أهداف تقليل استخدام الفحم بقدرة تبلغ خمسين مليون طن وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بقدرة تبلغ 130 مليون طن، وهذا إلى جانب الإجراءات التفصيلية للتحويل التقني في قطاعات الحديد والبتروكيماويات والمعادن غير الحديدية.
عندما تتجول في ورش إنتاج كتلة ورأس أسطوانة محرك الديزل بشركة ييتوه الصينية، لا ترى عاملا في الورش إلا مجموعة من المعدات والأذرع الآلية باللون البرتقالي التي تعمل بشكل منتظم. قالت يوي لي نا إن خطوط الإنتاج في هذه الورش تقوم بالإنتاج بشكل أوتوماتيكي بشكل عام.
من أجل تحقيق التنمية المستدامة الخضراء والمنخفضة الكربون وتلبية المتطلبات والمعايير البيئية الصارمة، واستنادا إلى الخبرات التقنية الوافرة في محركات الديزل غير المخصصة للعمل على الطرق، نجحت شركة ييتوه الصينية في تطوير محركات الديزل من الجيل الجديد التي تتسم بزيادة كبيرة في خرج الطاقة والوزن الخفيف واستهلاك الوقود القليل وعزم الدوران الكبير والقدرة العالية على التكيف.
تجسد كل حملة من التحول التقني وتجديد المعدات لشركة ييتوه الصينية خطوات تقدم الصين في التقنيات والقدرة على تصنيع المعدات الزراعية. ويمثل خط الإنتاج لمحركات الديزل الذكية الذي بدأ تشغيله بالكامل، صورة مصغرة لمسيرة بناء المصانع الذكية في قطاع الآلات الزراعية في الصين.
على الرغم من الوضع الدولي والمحلي المعقد في السنوات الأخيرة، حققت شركة ييتوه الصينية إنجازات جديدة واحدة تلو الأخرى. ترى يوي لي نا أن التحول التقني هو السبب الرئيسي، وتتطلع إلى تجديد المعدات العتيقة وشبكات الأنابيب القديمة والارتقاء بها، سعيا لتقليل استهلاك الطاقة وزيادة الإنتاجية بشكل أكبر.
التعامل مع المعدات القديمة
مع تشغيل المعدات الجديدة، كيف يكون التعامل مع المعدات القديمة؟ هذه مشكلة صعبة الحل لشركة ييتوه الصينية. قالت يوي لي نا إن المعدات القديمة القابلة للاستعمال تباع في أسواق السلع المستعملة. أما المعدات غير القابلة للتشغيل، فيتم التخلص منها مباشرة. وأضافت: "نأمل أن تنال ييتوه المزيد من الدعم الحكومي فيما يتعلق بتجديد الآلات الزراعية التي انتهى عمرها الافتراضي وبيع الآلات المستعملة، وتقديم إعانات للمستخدمين الذين أنجزوا التجديد، عند وضع السياسات المحددة موضع التنفيذ، وهذا سيساهم في رفع مستوى تصنيع المعدات الزراعية في الصين وتعزيز الأمن الغذائي."
في الثامن عشر من يونيو عام 2024، قال نائب مدير مكتب بحوث السياسات باللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين، لي تشاو في مؤتمر صحفي، إن اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح تخصص أموالا لدعم مشروعات رئيسية متعلقة بتجديد المعدات وتوفير الطاقة وخفض انبعاثات الكربون وإعادة التدوير؛ وتخصص وزارة المالية خمسمائة مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا) لدفع التخلص من المعدات القديمة؛ ويعمل بنك الشعب (المركزي) الصيني على تنفيذ سياسات الإقراض للابتكار التكنولوجي والتحول التقني بالتعاون مع الإدارات المعنية ويقوم بمراجعة المشروعات في الفترة الحالية. فضلا عن ذلك، تعمل الحكومة الصينية على تسريع وضع وتحسين المعايير في توفير الطاقة وخفض انبعاثات الكربون وحماية البيئة والأمن وإعادة التدوير.
تم إصدار برامج العمل لتجديد المعدات واستبدال المستهلكات القديمة بأخرى جديدة وإعادة التدوير وتحسين المعايير في سبعة قطاعات رئيسية وأطلقت 31 مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية مركزية في الصين برامج تنفيذية لتجديد المعدات على نطاق واسع واستبدال السلع الاستهلاكية القديمة بأخرى جديدة.
قال لي تشاو إنه بفضل الجهود المشتركة من كافة الأطراف، حققت حملة تجديد المعدات على نطاق واسع واستبدال السلع الاستهلاكية القديمة بأخرى جديدة نتائج جيدة في المرحلة الأولى، فزاد حجم الاستثمار في شراء المعدات والأجهزة بنسبة 5ر17% في أول خمسة أشهر من عام 2024، فتجاوزت نسبة مساهمة الاستثمار في شراء المعدات 50% من نمو إجمالي الاستثمارات. وأضاف السيد لي أن اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح ستعزز مع الأجهزة المعنية التنسيق لزيادة الدعم السياسي وتشجع الشركات وكافة أوساط المجتمع على المشاركة من أجل تحقيق مزيد من الإنجازات.