"اقتصاد الارتفاعات المنخفضة" من أكثر الموضوعات سخونة في عام 2024. وبعد تقديم تقرير عمل الحكومة لعام 2024 رسميا، اغتنمت الحكومات المحلية الفرصة وبدأت في الاستكشاف على ارتفاعات منخفضة.
لم تأت شعبية الاقتصاد في مجال الارتفاعات المنخفضة من فراغ، ففي بداية عام 2010، قامت الحكومة الصينية بتنفيذ إصلاحات في إدارة المجال الجوي المخصص للطيران العام والارتفاعات المنخفضة، واقترحت تعزيز موارد المجال الجوي المتاحة. ومنذ ذلك الحين، شهد هذا المجال نموا هائلا بعد سنوات من التراكم، وأصبح في طليعة عملية التنمية بفضل الابتكارات التقنية والتطبيقات الحديثة التي تربط بين جميع جوانب سلسلة التنمية الصناعية.
التكنولوجيا كطاقة محركة
في الخامس عشر من يوليو عام 2024، تسلم أربعة طلاب في مدينة قوانغتشو خطابات القبول في جامعة جنوبي الصين للتكنولوجيا بطائرات من دون طيار. هذه هي أول مرة في الصين يتم إرسال خطابات قبول بالجامعة بواسطة طائرة من دون طيار. ومن توصيل الخدمات اللوجستية إلى حماية الغابات والمسح والرسم الجوي وفحص الطاقة الكهربائية وعروض الطيران والتصوير الجوي، تستخدم الطائرات من دون طيار في مجالات عديدة لصناعات مختلفة.
لي شي بنغ، رئيس مركز بحوث اقتصاد الارتفاعات المنخفضة في الأكاديمية الدولية للاقتصاد الرقمي (IDEA) بمنطقة خليج قوانغدونغ- هونغ كونغ- ماكاو الكبرى والعضو في الأكاديمية الأوراسية الدولية للعلوم، متخصص في العلوم اللاسلكية، ويبحث في مجال العلوم الإلكترونية منذ أكثر من ثلاثين سنة. قال إن التكنولوجيا اللاسلكية واتصالات الملاحة والرصد تحرز تقدما ملحوظا، كما أن ازدهار الصناعات الناشئة مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي يقدم دعما تقنيا قويا لتنمية اقتصاد الارتفاعات المنخفضة. وأضاف: "اليوم، أصبحت تقنيات الاتصالات والملاحة والمراقبة والاستشعار قادرة على حوسبة الارتفاعات المنخفضة بالكامل، وتحويلها إلى مساحة قابلة للحساب من خلال نظام التوأم الرقمي. بالاستفادة من هذه التقنيات، يمكن تنفيذ الحوسبة الذكية، وتخطيط المسار، وتحسين المجال الجوي. ثم أن مراقبة المركبات الجوية في الوقت الفعلي طوال العملية توفر ضمانا مهما لتطوير هذه الصناعة."
أصدرت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية مع ثلاث وزارات أخرى ((الخطة التنفيذية لابتكار وتطبيق معدات الطيران العام 2024- 2030))، التي تحدد هدفا طموحا يتمثل في تطوير نموذج جديد لصناعة الطيران يتميز بالجودة العالية بحلول عام 2030. ستدمج هذه الخطة بشكل رئيسي المعدات الراقية الذكية والخضراء للطيران العام في جميع جوانب الإنتاج والحياة اليومية، مما سيجعلها قوة دافعة رئيسية للنمو الاقتصادي في مجال الارتفاعات المنخفضة ويخلق سوقا تصل قيمته إلى تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا).
في فبراير 2024، أقلعت طائرة الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOL) "شنغشيلونغ"، التي طورتها شركة فنغفيّْ المحدودة لتكنولوجيا الطيران في شانغهاي بشكل مستقل. الطائرة، التي تستخدم وحدات أساسية مُنتجة محليا بالكامل، أقلعت من ميناء شكو الرئيسي للرحلات البحرية في شنتشن وهبطت في ميناء جيوتشو في تشوهاي. الرحلة التي كانت تستغرق حوالي ثلاث ساعات من شنتشن إلى تشوهاي بالسيارة. تستغرق الآن عشرين دقيقة بفضل هذه الطائرة، التي تُعد بمثابة "التاكسي الجوي". من المتوقع أن تبدأ الطائرة رحلاتها المأهولة في عام 2026.
في الثالث من يونيو عام 2024، ظهرت طائرة فنغيي من دون طيار لشركة شونفنغ للبريد السريع ARK-40 أمام الجماهير في سلسلة من نشاطات الترابط بين الإنتاج والتسويق لكرز مدينة تيانشيوي لعام 2024، لتجربة نقل الكرز. الطائرات من دون الطيار سريعة ومرنة وذات كفاءة عالية، كما يمكنها استكمال عملية جمع ونقل الكرز بسرعة في التضاريس المعقدة مثل المناطق الجبلية، وتستغرق نصف الوقت فقط مقارنة مع الوسائل التقليدية، مما يدفع تطور تحديث الصناعة الزراعية.
أظهر ((تقرير البحوث لتنمية اقتصاد الارتفاعات المنخفضة الصينية 2024)) الصادر عن مركز الصين لتطوير صناعة المعلومات (CCID) التابع لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، أن عدد الشركات الصينية في مجال اقتصاد الارتفاعات المنخفضة تجاوز 57 ألفا حتى فبراير عام 2024. ووفقا لوقت تأسس هذه الشركات، بلغ عدد الشركات التي تأسست في السنوات الخمس الماضية 21 ألفا، ويُشكل عدد الشركات التي تم تأسيسها في السنوات العشر الماضية ما يقرب من 80% من الإجمالي.
الالتزام بالحد الصارم للسلامة
من المتوقع أن تصبح رؤية عدد كبير من الطائرات تحلق في السماء بشكل مستمر في المستقبل واقعا قريبا. ولكن، هل يمكن ضمان سلامتنا في ظل هذا التوسع؟
قال لي شي بنغ: "تصميم مسارات الطائرات على ارتفاعات منخفضة يتطلب مراعاة المزيد من العوامل، مقارنة بالرحلات الجوية على ارتفاعات عالية. يجب تجنب المناطق الحساسة، مثل الحشود والبنايات الكثيفة، بالإضافة إلى الآثار الثقافية والبنايات القديمة. توفر القوة الحاسوبية القوية القدرة على ضمان سير الطائرات الكبيرة والكثيفة في مساراتها الخاصة في السماء، مع إمكانية التخطيط لطرق جديدة في حالة وجود ظروف خاصة. في الوقت ذاته، أصبحت تكنولوجيا المحركات والبطاريات متطورة للغاية، حيث توجد نسخ احتياطية من المكونات الرئيسية لطائرات كثيرة، مما يضمن الهبوط الآمن، حتى في حالة حدوث مشكلة في أحد المكونات."
تتيح لنا قوة التكنولوجيا استخدام وسائل ذكية في إدارة المجال الجوي على الارتفاعات المنخفضة والتعرف على أحوال الطيران، وضمان سلامة الطيران. يأخذ لي شي بنغ رصد أحوال المركبات الجوية كمثال، حيث قال: "يجب التعرف على موقع المركبات الجوية قبل إدارتها، حتى يتسنى لنا معرفة مشكلتها في أسرع وقت ممكن وتقديم التوجيهات اللازمة، هذا مهم جدا لسلامة الطيران في المجال الجوي." من ثم، هناك حاجة إلى أجهزة تتبع وكشف المركبات الجوية للمركبات التي لم يتم الإبلاغ عنها مسبقا. ومع ذلك، فإن الرادار الكبير التقليدي للمركبات الكبيرة غير مناسب للمركبات "المنخفضة الارتفاعات والبطيئة السرعة والصغيرة الحجم".
ومع تقدم تكنولوجيا الاتصالات في السنوات الثلاث الأخيرة، تم تحقيق اختراق كبير في حل هذه المشكلة. قال لي شي بنغ إن تكنولوجيا الاستشعار والاتصالات المتكاملة التي تطورها شركات الاتصالات الرئيسية الصينية، تطلق بعض نطاق التردد والموجات اللاسلكية إلى السماء، ومن خلال اكتشاف الصدى، يمكن التعرف على المركبات "المنخفضة الارتفاع والبطيئة السرعة والصغيرة الحجم" بشكل فعال.
السلامة الذاتية للمركبات الجوية موثوق بها، يتم حل مشكلات مثل الخصوصية والضوضاء عن طريق وسائل علمية.
الخدمات اللوجستية من المشاهد الأكثر استخداما للمركبات الجوية الصغيرة. يمكن للوجبات الجاهزة الوصول إلى يد الزبائن بشكل فعال، بمساعدة الطائرات من دون طيار. حتى نهاية مارس عام 2024، استخدمت شركة ميتوان طائرات من دون طيار لتلبية أكثر من 250 ألف طلب للمستخدمين.
بطبيعة الحال، تلعب الكاميرات دورا أساسيا في الطائرات من دون الطيار. ولكن في هذه الحالة، هل تنكشف خصوصية المستخدمين أمام الكاميرات؟
قال لي شي بنغ إنه يجب تحديد المعايير والمتطلبات للمركبات الجوية. وأضاف: "تضع شركة ميتوان حدا لوظيفة الكاميرا الأمامية للطائرات من دون الطيار، حيث يمكنها كشف صورة تشكيلة للأشياء فقط، ولا يمكنها كشف المشهد الحقيقي. الكاميرا السفلية تساعد الطائرات من دون الطيار على الهبوط في المكان المحدد، ومسح رمز الاستجابة السريعة الخاص بكبائن مواقف الطائرات من دون الطيار. الكاميرتان لهما وظائف مختلفة، لكنهما يتعاونان بشكل جيد ودقيق."
من المعروف أن الطائرات من دون طيار التي تستهدف الجمهور والمستخدمة في التصوير الجوي والترفيهي تعمل ضمن مجال يتراوح من 0 إلى 120 مترا، حيث يبلغ أقصى ارتفاع لها حوالي 40 طابقا. ولتقليل التلوث الضوضائي، قامت شركة ميتوان بتحسين تصميم مراوح الطائرة وتخطيط مسارها عند توصيل الطعام. بدلا من الطيران مباشرة نحو البناية، تقوم الطائرة بالهبوط عموديا من مسافة بعيدة نسبيا ثم تتحرك بشكل أفقي إلى كبائن الإقلاع، مما يساهم في تقليل مستوى الضوضاء بشكل فعال.
أكد لي شي بنغ أنه تنمية اقتصاد الارتفاعات المنخفضة تتسارع، وقد تم استكشاف العديد من التقنيات الداعمة لاقتصاد الارتفاعات المنخفضة، لتتحول إلى نظام محسن تدريجيا. إن وفرة تجارب التطوير سوف تجعل التكنولوجيا أكثر سلامة وكفاءة.
التحكم بواسطة "الدماغ المتفوق"
منذ وقت ليس ببعيد، أثار تجريب تشغيل سيارة أجرة من دون سائق "أبولو غو" (Apollo Go) في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي سلسلة من النقاشات الساخنة. يعتقد لي شي بنغ أن الكثير من الناس لا يفهمون المنطق الداخلي للتكنولوجيا الجديدة، ويشعرون بالخوف في المراحل الأولى من تنفيذ إنجازات الابتكار العلمي والتكنولوجي، وهو أمر طبيعي. وأضاف: "هذا يذكرنا أنه يجب القيام بالإرشاد العلمي اللازم للجماهير أثناء عملية تنمية موارد مجال الارتفاعات المنخفضة." وأوضح أن التحدي الأكبر أمام القيادة الذاتية هو العوامل غير المتوقعة، مثل الأشخاص والمركبات. تُشير بعض الآراء إلى أن الأمان سيكون أكثر إذا كانت معظم المركبات تعمل بشكل مستقل، حيث سيتبع الجميع المسار المخطط له. هذا السيناريو المثالي يحدد المجال الجوي على ارتفاعات منخفضة. وأضاف لي شي بنغ: "إذا كانت الطائرات من دون طيار تشكل الغالبية العظمى، فإن التخطيط الشامل من البداية سيسهم في زيادة الأمان في المجال الجوي عند الارتفاعات المنخفضة."
حسب ((تقرير البحوث لتنمية اقتصاد الارتفاعات المنخفضة الصينية 2024))، فإن حجم اقتصاد الارتفاعات المنخفضة الصينية في عام 2023 وصل إلى 95ر505 مليار يوان، بمعدل زيادة سنوية قدره 8ر33%. ويشكل تصنيع المركبات الجوية والخدمات التشغيلية للارتفاعات المنخفضة أكبر مساهمة فيه بنسبة 55%، لكن إمكانية التنمية للمنشآت التحتية وخدمات ضمان الطيران لم تظهر بعد بالكامل.
قال لي شي بنغ: "يجب الاهتمام ببناء المنشآت التحتية ومرافقها حاليا. حيث أنشأت بعض الشركات الكبيرة مثل ميتوان وشونفنغ بنيتها التحتية الذاتية ولها خطوط وفضاء ونظام ملاحة خاص. المشكلة هي أن هذه البنية التحتية لا تخدم الشركات الأخرى. كيف يمكن تحقيق الإدارة الموحدة وتقاسم الموارد؟ من ناحية، على الشركات تسريع ابتكار العلوم المعنية ودفع تقدم الصناعة بسرعة؛ ومن ناحية أخرى، يجب على الحكومة القيام بالدور الرئيسي في بناء منصة إدارة موحدة، وترشيد الشركات المختلفة في تقاسم البنية التحتية لكي يتحقق الترابط بين كل موارد البيانات، ولضمان توحيد التخطيط والإدارة على أساس إكمال بناء المنشآت التحتية وصياغة القواعد المعنية."
في هذا السياق، أطلق مركز بحوث اقتصاد الارتفاعات المنخفضة في الأكاديمية الدولية للاقتصاد الرقمي (IDEA) تجربة تجريبية في مدينة شنتشن بدعم حكومي، تهدف إلى بناء منظومة لبنية تحتية ذكية متكاملة على ارتفاعات منخفضة تغطي المدينة بالكامل. وأوضح لي شي بنغ أن هذه المنظومة، التي تم تطويرها بشكل مستقل من قبل المركز، هي الأولى من نوعها في الصين وتُعتبر "دماغا على ارتفاعات منخفضة". في المستقبل، ستُعتبر هذه المنظومة بنية تحتية جديدة النوعية، وتعمل كـ"دماغ" أساسي لضمان أمان الطيران على ارتفاعات منخفضة داخل المدن. كما سيوفر هذا النظام أدوات علمية وتكنولوجية متكاملة لإدارات مراقبة الحركة الجوية للتحكم الدقيق في المجال الجوي، ويقدم حلولا آمنة وموثوقة وعالية الكفاءة للشركات لتدعم عملياتها على نطاق واسع. تدعم هذه الخدمات الذكية الأنشطة على ارتفاعات منخفضة التنمية المستدامة والعالية الجودة لاقتصاد مدينة شنتشن.
تقع مقاطعة قوانغدونغ في منطقة خليج قوانغدونغ- هونغ كونغ- ماكاو الكبرى، وتتمتع بالعديد من السياسات التفضيلية والدعم المؤسسي، وقامت بتخطيط شبكة النقل الثلاثية الأبعاد لفترة طويلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التجمعات الحضرية في منطقة الخليج متطورة اقتصاديا وتنشط مع العديد من قواعد التصنيع ومراكز الابتكار، مما يوفر دعما ماليا ثابتا وأساسا فكريا عميقا لهذه الصناعة. وقال لي شي بنغ: "مزايا موقع شنتشن بالقرب من الجبال والبحر بارزة للغاية. ومع توفر الوقت والموقع والأشخاص المناسبين، فمن الطبيعي أن تصبح شنتشن مرتفعا صناعيا."
في الرابع من يوليو 2024، عقدت حكومة مقاطعة قوانغدونغ مؤتمر التنمية العالية الجودة لاقتصاد الارتفاعات المنخفضة. أظهرت بيانات المؤتمر أنه في الوقت الحالي تحتضن مدينة شنتشن أكثر من 1700 شركة تعمل في سلسلة صناعة اقتصاد الارتفاعات المنخفضة. وفي عام 2023، تجاوز إجمالي قيمة إنتاج اقتصاد الارتفاعات المنخفضة بمدينة شنتشن 90 مليار يوان، مع اكتمال 610 آلاف رحلة لطائرات من دون طيار و23 ألف رحلة لطائرات هليكوبتر، فإن حجم الرحلات هو الأكبر في العالم.
يعمل لي شي بنغ أستاذا متفرغا بفرع الجامعة الصينية بهونغ كونغ بمدينة شنتشن وفرع جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا بمدينة قوانغتشو. قال إن حكومة منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة تهتم بمجال الارتفاعات المنخفضة أيضا، وتأمل في تعزيز التعاون مع المدن الداخلية، وتقوم جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا بالتواصل دائما مع جامعات البر الرئيسي.
يعتقد لي شي بنغ أن الصين سوف تقود تنمية اقتصاد الارتفاعات المنخفضة في العالم. ويتوقع أن يصبح اقتصاد الارتفاعات المنخفضة كبير الحجم بعد عشر سنوات، يمكن نقل حوالي عُشر حركة المرور الأرضية إلى الهواء. وفي نفس الوقت، قد تصل زيادة الاستهلاك في هذا المجال إلى 50%، مما يعزز تطورا قويا للصناعات المعنية.