خلال انعقاد الدورة الأولى لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي ببكين في مايو عام 2017، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ إقامة معرض دولي مخصص للاستيراد في الصين، اعتبارا من عام 2018، على أن يُعقد بشكل سنوي في نوفمبر من كل عام بمدينة شانغهاي الصينية. وبالفعل، بدأت الصين في تنظيم هذا الحدث التجاري الدولي المهم، والذي عُقدت في إطاره سبع نسخ حتى الآن، حيث نُظمت الدورة السابعة خلال الفترة من الخامس إلى العاشر من نوفمبر 2024، تحت شعار "عصر جديد ومستقبل مشترك"، وشاركت فيها 152 دولة ومنطقة ومنظمة دولية، فضلا عن 297 شركة من الشركات المدرجة على قائمة "فورتشن" لأكبر 500 شركة عالمية.
حرص أفريقي على المشاركة
ترتبط الصين وأفريقيا بعلاقات تاريخية، ترجع بدايتها الرسمية إلى عام 1956، عندما بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين جمهورية الصين الشعبية ومصر، لتتوالى بعدها إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ودول القارة السمراء. وفي الوقت الراهن، أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع جميع الدول الأفريقية، باستثناء إيسواتيني. وتمتد العلاقات الصينية- الأفريقية لتشمل كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، إلخ. ومن بين هذه المجالات، تحظى العلاقات الاقتصادية والتجارية بمكانة محورية، في ظل حاجة كل طرف إلى الآخر على أساس المنفعة المتبادلة، فالصين تُعد قوة اقتصادية كبرى وترغب في إقامة شراكات تعاونية مع دول القارة الأفريقية بما يساهم في تنمية اقتصاداتها، في الوقت الذي تزخر فيه أفريقيا بموارد وثروات معدنية طبيعية مهمة تحتاج إليها الصين لتحقيق التنمية فيها. وتتعدد آليات وأدوات التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين، ولعل من أبرزها المعارض الاقتصادية والتجارية الدولية التي تنظمها الصين بصورة سنوية، ومن أهمها معرض الصين الدولي للاستيراد.
وفي إطار اهتمام الدول الأفريقية بتعزيز وتطوير علاقاتها الاقتصادية مع الصين، فإن دول أفريقيا تحرص على المشاركة في معرض الصين الدولي للاستيراد منذ إنطلاق دورته الأولى في عام 2018 وحتى الآن. وبهدف الترويج لصورتها الشاملة والسياحة الثقافية وبيئة الاستثمار والتعاون مع الصين، شاركت الدول الأفريقية بنشاط في المعرض الشامل للدول في إطار الدورة السابعة لمعرض الصين الدولي للاستيراد. وقد مثلت تنزانيا وتونس وزامبيا محورا رئيسيا في الأحداث التي حملت عنوان عام العلاقات الدبلوماسية في هذه الدورة، حيث صادف ذلك العام الذكرى السنوية الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول الثلاث. وقد شارك في أحداث وفعاليات المعرض مسؤولون من الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا ومسؤولون رفيعو المستوى من مختلف الدول الأفريقية، فضلا عن السفراء الأفارقة لدى الصين.
وقد تميزت الدورة الأخيرة للمعرض بالعديد من الجوانب الإيجابية بالنسبة للمشاركة الأفريقية. فبهدف تشجيع الدول الأقل نموا على المشاركة، تمت زيادة مساحة منطقة العرض الخاصة بالمنتجات الزراعية والغذائية الأفريقية. كذلك، قدم معرض هذا العام الدعم لسبع وثلاثين دولة من الدول الأقل نموا للمشاركة في المعارض الوطنية ومعارض الأعمال. وقد جاء ذلك انطلاقا من سعي الصين لجعل العولمة الاقتصادية أكثر شمولا واستيعابا، بما يؤدي إلى استفادة شعوب جميع الدول من ثمار التنمية بشكل أكثر عدالة. كما شهدت الدورة الأخيرة للمعرض أيضا دخول بعض المنتجات الأفريقية الجديدة للمرة الأولى إلى السوق الصينية، ومنها الأفوكادو الطازج من جنوب أفريقيا، ولحم الضأن من مدغشقر، والعسل من تنزانيا، والسكر من موريشيوس. فقد أدت اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وموريشيوس، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021، إلى منح الفرصة لصناعة السكر في موريشيوس لدخول السوق الصينية.
وبالإضافة إلى ما سبق، تميزت الدورة الأخيرة لمعرض الصين الدولي للاستيراد بوجود زيادة ملحوظة في عدد الشركات الأفريقية المشاركة في المعرض. فعلى سبيل المثال، زاد عدد الشركات المصرية المشاركة في تلك الدورة إلى سبع شركات، مقارنة بخمس شركات في الدورة السادسة عام 2023. كما شاركت نحو 35 شركة من جنوب أفريقيا.
أسباب متنوعة للمشاركة
هناك العديد من الأسباب والاعتبارات المهمة التي تجعل الدول الأفريقية تُبدي حرصا شديدا على المشاركة في معرض الصين الدولي للاستيراد. فمن جهة، تسعى هذه الدول إلى الاستفادة من الانفتاح الصيني على الخارج، إذ يعتبر معرض الصين الدولي للاستيراد من الآليات المهمة التي تعكس انفتاح الصين العالي المستوى على العالم الخارجي، في ضوء ما يجري خلاله من عرض لإجراءات الانفتاح الرئيسية في الصين، ومشاركة فرص التنمية في الصين مع الدول والمناطق الأخرى، مما يجعله منبرا للانفتاح الرفيع المستوى ومنفعة عامة للعالم بأسره. حيث يتيح المعرض المجال أمام المجتمع الدولي للتعرف على الفرص والإمكانيات المتاحة لدخول السوق الصينية، كما أنه يتيح المجال أيضا أمام جميع الدول المشاركة لتبادل المعلومات حول المزايا النسبية والتنافسية لمنتجاتها، وبالتالي يساهم في تشجيع التجارة البينية بين الدول المشاركة في المعرض، ومن ضمنها الدول الأفريقية.
وتتبنى الصين سياسة ثابتة، مفادها الالتزام بتوسيع انفتاحها على العالم الخارجي، بغض النظر عما تشهده البيئة الدولية من تطورات وتغيرات معاكسة. فخلال لقائه مع مجموعة من المشاركين في معرض الصين الدولي للاستيراد، أكد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، أن السوق الصينية تُعد واحدة من أفضل الاختيارات للشركات العالمية، معربا عن أمله في أن تصبح الصين وجهة تصدير للشركات الأجنبية، وأيضا أرضا خصبة للاستثمار وريادة الأعمال، مما يسهل توثيق الروابط بين الصين والسوق العالمية.
ومن جهة ثانية، فإن المعرض يمثل منصة مهمة للدول الأفريقية لعرض منتجاتها، حيث تقوم هذه الدول بعرض منتجاتها الزراعية والغذائية المتنوعة، بهدف الولوج إلى السوق الصينية الكبيرة، عبر عقد الصفقات التجارية مع الشركاء الصينيين، مستفيدة من انفتاح السوق الصينية على أفريقيا، من خلال عرض المزيد من منتجاتها الزراعية في المعرض. فعلى سبيل المثال، يمثل المعرض فرصة كبيرة للشركات المصرية التي ترغب في دخول منتجاتها إلى السوق الصينية الضخمة وتوسيع أعمالها في هذه السوق، ومن أبرز هذه المنتجات التمر المجدول ودقيق القمح.
ومن جهة ثالثة، يمثل المعرض فرصة مهمة لتعزيز التجارة بين الصين وأفريقيا، فمنذ تدشينه في عام 2018، تحوّل معرض الصين الدولي للاستيراد إلى أحد أكثر المعارض التجارية ذات التأثير في العالم، مما يجعله يُشكل منصة مهمة للدول الأفريقية للاتصال المباشر مع المستهلكين والمستثمرين وقادة الأعمال في الصين، وعقد صفقات تجارية تدعم اقتصادات هذه الدول، وهو ما يؤدي إلى تنامي التبادل التجاري بين الجانبين.
ومن جهة رابعة، يمكن الإشارة إلى دافع آخر مهم، يتمثل في الدعم السياسي لمشاركة الدول الأفريقية في المعرض، إذ يلعب الدعم السياسي دورا مهما في دفع تنامي التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وأفريقيا. ففي إطار منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، توجد العديد من المبادرات التي تساند مشاركة الدول الأفريقية في معرض الصين الدولي للاستيراد بهدف تسهيل التجارة بين الجانبين. ومنذ انعقاد الدورة الثامنة للمؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي في عام 2021، كثفت الصين وأفريقيا جهودهما لتسريع تنفيذ مبادرات المنتدى، بما في ذلك "القناة الخضراء" للمنتجات الزراعية الأفريقية التي يتم تصديرها إلى الصين، وتسريع عمليات التفتيش والحجر الصحي، وتوسيع الإعفاءات الجمركية، الأمر الذي استفادت منه صناعة الزهور والأفوكادو والحمضيات والبن وغيرها من المنتجات الزراعية التي تُصدر من أفريقيا إلى الصين.
ومن جهة خامسة، يُعد التزام الصين بدعم التعاون بين دول الجنوب العالمي، ومن ضمنها الدول الأفريقية، أحد الأسباب المهمة التي تدفع هذه الدول للمشاركة في معرض الصين الدولي للاستيراد، ولاسيما في ضوء تزامن المعرض مع عقد الدورة السابعة لمنتدى هونغتشياو الدولي الاقتصادي، والذي خصص أحد منتدياته الفرعية لمناقشة موضوع "التنمية المستدامة للجنوب العالمي والتعاون بين الصين وأفريقيا"، لتسليط الضوء على وجهات النظر المتنوعة والجهود التعاونية التي تميز الشراكة الصينية- الأفريقية، وطرح الرؤى والتوصيات لتعزيز التنمية الشاملة للدول الأقل نموا. وأخيرا، يمكن أن يساعد المعرض الدول الأفريقية في مواجهة بعض التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، ولاسيما علاج مشكلة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، من خلال إتاحة الوصول إلى أسواق واستثمارات وتكنولوجيات ومعارف جديدة، يتم عرضها في إطار فعاليات المعرض.
تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية
لقد عزز معرض الصين الدولي للاستيراد بدرجة كبيرة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول الأفريقية، ولاسيما في مجال المنتجات الزراعية والغذائية. إذ أصبح المعرض من الآليات المهمة لتوثيق الشراكة الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا، وبالتالي تحقيق النمو والمكسب المشترك للجانبين. فقد ساهم المعرض طيلة دوراته السابقة في دخول مختلف السلع والبضائع الأفريقية إلى السوق الصينية الضخمة التي تضم مليارا وأربعمائة مليون نسمة، إذ قامت الشركات الأفريقية بعرض حزمة متنوعة من المنتجات، وخاصة من السلع الزراعية، مثل القهوة والشاي والكاكاو والمشغولات اليدوية والمنسوجات والسلع المصنعة. فعلى سبيل المثال، بدأت كينيا في تصدير الأفوكادو المجمد إلى الصين في عام 2019، وتلى ذلك الأفوكادو الطازج في عام 2022، حيث تُصدر كينيا نحو 30% من إنتاج الأفوكادو الطازج إلى الصين. كما ارتفعت قيمة صادراتها من 08ر1 مليون دولار أمريكي في عام 2022، إلى 6ر7 ملايين دولار أمريكي في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023.
وفي هذا السياق، قامت الصين خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، باستيراد ما قيمته 47ر28 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساور 2ر7 يوانات تقريبا حاليا) من المنتجات الزراعية الأفريقية، بزيادة بلغت نسبتها 8ر4% على أساس سنوي، وفقا للهيئة العامة للجمارك الصينية. كذلك، أبدت الصين اهتماما كبيرا بزيادة حصتها من المنتجات الزراعية المتخصصة العالية الجودة من دول الجنوب العالمي. فحتى نهاية أغسطس 2024، وقعت الصين 22 بروتوكولا مع 14 دولة أفريقية، بهدف استيراد المنتجات الزراعية. وخلال قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي التي عُقدت ببكين في سبتمبر 2024، أعلنت الصين استعدادها لتوسيع نطاق الوصول إلى السوق بشكل استباقي، وقررت منح معاملة تفضيلية خالية من التعريفات الجمركية على جميع المنتجات من الدول الأقل نموا التي تربطها علاقات دبلوماسية مع الصين، بما في ذلك 33 دولة أفريقية، وبالتالي تحويل السوق الصينية الضخمة إلى فرصة كبيرة لأفريقيا.
في الرابع من نوفمبر 2024، نشرت صحيفة ((غلوبال تايمز "هوانتشيو")) الصينية تقريرا، ركزت فيه على دور معرض الصين الدولي للاستيراد في تسليط الضوء على الفوائد العالمية لواردات الصين الزراعية المتنوعة. ومن بين هذه المزايا، توسيع منطقة المنتجات الأفريقية بشكل أكبر، لعرض هذه المنتجات، مثل اللحوم والقهوة وفول الصويا، وتعزيز دخول المزيد من المنتجات الأفريقية إلى السوق الصينية الضخمة. وهو ما يؤكد على التزام الصين بتنويع وتعزيز شمول وارداتها من المنتجات الزراعية. مؤكدة أنه في مواجهة عدم اليقين في المشهد التجاري الدولي، ستواصل الصين تعزيز الانفتاح بشكل أكبر، وتوسيع الواردات بنشاط وخلق أرباح سوقية كبيرة للعالم. وهو ما سيؤدي ليس إلى ضمان الأمن الغذائي للصين فحسب، وإنما أيضا ضخ حيوية جديدة في التجارة الزراعية العالمية والتنمية الاقتصادية لمزيد من الدول النامية. حيث تعهدت الصين خلال قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي لعام 2024، بمواصلة فتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية الأفريقية، كما تم توقيع بروتوكولين لتصدير الصوف الدهني ومنتجات الألبان من جنوب أفريقيا إلى الصين.
وبفضل منصات، مثل المعرض الاقتصادي والتجاري الصيني- الأفريقي، ومعرض الصين الدولي للاستيراد، حافظت الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 15 عاما متتالية، وأصبحت ثاني أكبر وجهة لصادرات المنتجات الزراعية الأفريقية، كما زادت وارداتها من المنتجات الزراعية من أفريقيا لمدة سبع سنوات متتالية. وكنتيجة للإجراءات التي اتخذتها الصين للترويج التجاري، زادت صادرات أفريقيا إلى الصين، حيث بلغت قيمة الواردات الصينية من أفريقيا حوالي 74ر626 مليار يوان، بزيادة بلغت نسبتها 4ر10% على أساس سنوي، وذلك خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024.
وختاما، يمكن القول إن معرض الصين الدولي للاستيراد يُعد آلية مهمة لانفتاح الصين على مختلف دول العالم، ومن ضمنها الدول الأفريقية، التي استفادت بدرجة ملموسة من مشاركتها في هذا المعرض في تعزيز وتنمية تعاونها الاقتصادي والتجاري مع الصين، والتي أصبحت أكبر شريك تجاري للقارة السمراء، وهو الأمر الذي يمكن البناء عليه لتحقيق مزيد من الاستفادة للجانبين، عبر العمل على زيادة حصة المنتجات الزراعية والغذائية الأفريقية في التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا.
--
عادل علي، إعلامي وباحث متخصص في الشأن الصيني- مصر.