في الثالث والعشرين من يناير 2025، الذي صادف احتفال الصينيين بـ"عيد الربيع الصغير" والذي يأتي قبل "عيد الربيع الصيني" بأسبوع وفق التقويم القمري الصيني، اكتظ متجر "ميني سو لاند" رقم 1 في حي تشاويانغ ببكين بالشباب، لشراء هدايا السنة الجديدة. هذا المتجر الذي يقع في طابقين بمساحة أكثر من ألف متر مربع، يعرض منتجات مميزة من الصناديق العمياء والدمى المحشوة والدبابيس والجوارب والإكسسوارات لعلامات تجارية مشهورة مثل "هالو كيتي" و"ماي ليتل بوني "و"هاري بوتر" و"ديزني" و"سانريو" و"لوتسو هوجن بير". هذه المنتجات الثقافية والإبداعية تجذب اهتمام الشباب، لا توفر للمستهلكين مجموعة متنوعة غنية من المنتجات ذات العلامات التجارية المشتركة فحسب، وإنما أيضا تقود تيارا جديدا للاستهلاك يلبي رغبات المستهلكين عالميا.

على شاشة إلكترونية عملاقة خارج المتجر، عرض إعلان متكرر لهراوة "رويي جينقو بانغ"، وهي سلاح الملك القرد سون وو كونغ بطل رواية ((رحلة إلى الغرب)). انتصبت الهراوة السوداء المذهبة شامخة عند المدخل، مصحوبة بشعار مكتوب بخط اليد: "ميني سو لاند ترحب بكم". وفقا لعاملين في المتجر، ظهرت المنتجات الرسمية المستوحاة من لعبة "الأسطورة السوداء.. وو كونغ" لأول مرة في هذا المتجر في الخامس عشر من يناير 2025. في ذلك اليوم، اصطف الشباب المولعون بالموضة والمعجبون بهذه اللعبة في منطقة الانتظار خارج المتجر، حيث تم السماح بدخول مجموعات من المتسوقين كل خمس عشرة دقيقة. رغم وضع قيود على الحد الأقصى للشراء، صارت الرفوف فارغة بسرعة، مما جعل العاملين يعيدون وضع البضائع على الرفوف بشكل متكرر.

متجر "ميني سو لاند"، وهو الموزع العالمي الحصري خارج الإنترنت للمنتجات المستوحاة من "الأسطورة السوداء.. وو كونغ"، تأسس في مدينة قوانغتشو في عام 2013، وأضحى الآن علامة تجارية عالمية للسلع اليومية. في عام 2023، أطلق "خطة التنمية العالمية للابتكار الثقافي الصيني" التي تهدف إلى دفع مائة منتج ذي ملكية فكرية صينية إلى الساحة العالمية خلال السنوات العشر المقبلة. تعد منتجات العلامات التجارية المشتركة االمستوحاة من "الأسطورة السوداء.. وو كونغ"، من أبرز مشروعات هذه الخطة، ويتم توسيعها من ظهورها الأول في بكين إلى الأسواق الخارجية، مما يجعل الملكية الفكرية للعبة تتحول إلى سلع الاستهلاك اليومي ويعظم قيمتها التجارية.

زخم قوي لـ"اقتصاد المتجر الأول"

قالت لو هوي لينغ، نائبة مدير مكتب التجارة لبلدية لبكين، خلال المؤتمر الصحفي الأول للجلسة الثالثة لمجلس بكين السادس عشر لنواب الشعب، في الخامس عشر من يناير 2025، بلغ عدد المتاجر الأولى التي افتتحت في بكين 960 في عام 2024، مما عزز بشكل كبير ازدهار سوق الاستهلاك في العاصمة. تغطي هذه المتاجر الجديدة قطاعات التجزئة والمطاعم والثقافة وغيرها. وأكدت لو أن هذه المتاجر لا توفر لسكان بكين المزيد من اختيارات الاستهلاك المتنوعة فحسب، وإنما أيضا ترفع مكانة بكين وتأثيرها كمركز استهلاكي عالمي.

حظي "اقتصاد المتجر الأول"، كمؤشر رئيسي للنشاط التجاري ودرجة الموضة للمدينة، باهتمام حكومة بكين منذ فترة طويلة. لذلك، أصدرت حكومة بكين ((إجراءات تعزيز التنمية العالية الجودة لاقتصاد المتجر الأول واقتصاد الطرح الأول))، والتي تنص على أولوية تقديم الخدمات للعلامات التجارية التي فتحت أول متجر لها في بكين، من حيث اختيار الموقع وتسجيل العلامات التجارية وحماية الحق الحصري في استخدام العلامة التجارية في عملية افتتاح المتجر الأول وتشغيله، لمساعدة العلامات التجارية على حل المشكلات الصعبة لافتتاح المتجر الأول وتشغيله محليا. تخطط بكين في المستقبل جذب المزيد من المتاجر الأولى العالمية بشكل عميق، خاصة المتاجر الأولى ذات القيمة المضافة العالية الموجهة نحو الخدمات؛ مثل الاستهلاك في صناعة الموضة والاستهلاك الرقمي، لتحسين تجربة المستهلك وإثراء السيناريوهات الجديدة لـ"اقتصاد الطرح الأول".

لا يظهر الزخم القوي لـ"اقتصاد المتجر الأول" و"اقتصاد الطرح الأول" في بكين فقط. في شانغهاي أيضا، كمركز لإطلاق المنتجات الجديدة وإقامة العروض الأولى وفتح المتاجر الأولى للعلامات التجارية محليا ودوليا، بلغ عدد المتاجر الأولى بها 1173 في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2024.

يواصل معرض الصين الدولي للاستيراد، الذي يقام سنويا في شانغهاي، جذب الاهتمام العالمي. في كل دورة، تظهر منتجات وتقنيات وخدمات جديدة في مجالات مثل المعدات الطبية المتطورة والآلات الصناعية الذكية وسيارات الطاقة الجديدة ومستحضرات التجميل العالية التقنية والأغذية العالية الجودة، والعديد منها يُعرض لأول مرة في العالم أو آسيا أو الصين. وقد اجتذب المعرض 5840 من المتاجر الأولى في شانغهاي، منها أكثر من 80 متجرا على مستوى آسيا أو أعلى. في الدورة السادسة للمعرض، تم تقديم 442 منتجا وخدمة وتقنية نموذجية جديدة ظهرت لأول مرة، مما يجسد جاذبية السوق الصينية المميزة ويوفر فرصا جديدة للعلامات التجارية العالمية، ويجعلها قوة مهمة لتعزيز تنمية "اقتصاد الطرح الأول". تختار المزيد والمزيد من العلامات التجارية العالمية فتح متاجرها الأولى في الصين، مما يعكس أيضا اعترافها بالسوق الصينية وثقتها بآفاق التنمية للصين.

بجانب بكين وشانغهاي، أصدرت مدن أخرى مثل قوانغتشو وشنتشن وتشونغتشينغ وتيانجين سياسات لتحفيز حيوية الاستهلاك المحلي، عبر منح دعم وإعانات مالية للعلامات التجارية في فتح أول متجر، من أجل تعزيز إدخال هذه العلامات التجارية إلى المدينة.

ابتكار نماذج استهلاكية جديدة

وفقا لبيانات وزارة التجارة الصينية، بلغ إجمالي مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية في الصين 8ر48 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا) في عام 2024، بمعدل نمو بلغ 5ر3% مقارنة بعام 2023، مع مساهمة الاستهلاك بنسبة 5ر44% في النمو الاقتصادي، مما يبرز دوره كالمحرك الرئيسي للاقتصاد الصيني باستمرار.

مع الترقية المستمرة للسوق الاستهلاكية، أصبح اتجاه متطلبات المستهلكين الأكثر شخصية وتعددية وتجريبية ملموسا بشكل كبير، وأصبح "السعي للجديد" تيارا رئيسيا للمستهلكين، خاصة الشباب. يجذب طرح العلامات التجارية المشهورة الصينية والعالمية منتجات جديدة كثيرة في السوق لأول مرة، عديدا من المستهلكين.

في يوليو 2024، اعتمدت الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني ((قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بشأن تعزيز تعميق الإصلاح على نحو شامل لدفع التحديث الصيني النمط)) الذي دعا إلى "تعزيز اقتصاد الطرح الأول".

يشمل "اقتصاد الطرح الأول" أنشطة الشركات، مثل طرح منتجات وخدمات وتقنيات ونماذج أعمال جديدة وافتتاح المتجر الأول، وهو يغطي سلسلة كاملة من التطوير بدءا من الطرح الأول للمنتج والخدمة حتى افتتاح المتجر الأول وإنشاء مركز التطوير الأول وإنشاء المقر العالمي. تعتمد هذه العملية على التطور المبتكر للشركة، وتتحقق أخيرا النتائج الشاملة المتمثلة في دفع ترقية الاستهلاك وتوسيع الأسواق وتحويل الصناعات وترقية مستوى وظائف المدن.

أكد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الصيني في ديسمبر 2024 مرة أخرى، أن "تعزيز الاستهلاك وتحسين كفاءة الاستثمار وتوسيع الطلب المحلي على نحو شامل" سيبقى أولوية لعام 2025. يتطور "اقتصاد الطرح الأول، واقتصاد الجليد والثلج، واقتصاد المسنين" بنشاط.

بعد ذلك، أصدرت وزارة التجارة وست هيئات صينية أخرى ((الخطة التنفيذية لمشروع ترقية ابتكار قطاع التجزئة))، التي وضعت خطة تنمية "اقتصاد الطرح الأول" ودعم "المتجر الأول والمعرض الأول والعرض الأول"، وطرحت بوضوح الابتكار في صناعة الموضة، وإطلاق العنان لحيوية استهلاك الشباب والنساء وعشاق الأدب والفن. في هذا السياق، يتعزز التطور المزدهر لاقتصاد المتجر الأول والمنتجات الجديدة، الأمر الذي يضخ زخما جديدا للاستهلاك.

تحفيز قوة محركة جديدة للتنمية

أصبحت "تلبية الطلبات الجديدة من خلال عروض جديدة لتحفيز قوة محركة جديدة" تيارا سائدا في سوق الاستهلاك. يجذب "اقتصاد الطرح الأول"، بتركيزه على الريادة والموضة، المستهلكين المستهدفين بسرعة، ويشكل الاتجاهات الاستهلاكية عن طريق الابتكار بنشاط وطرح أحدث الإنجازات.

تتمثل ميزة "اقتصاد الطرح الأول" في أنه "الأول" وجوهره أنه "جديد". يقول هونغ يونغ، الباحث المساعد في معهد التجارة الإلكترونية التابع للأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي لوزارة التجارة الصينية: "يتميز 'اقتصاد الطرح الأول' بشخصية الابتكار، التي تتمثل في تقديم المنتجات الجديدة والتقنيات الجديدة والخدمات الجديدة ونماذج الأعمال الجديدة والأنماط الجديدة، وغيرها من الثمار المبتكرة."

يعتقد هونغ يونغ أن "اقتصاد الطرح الأول" يتمتع بمزايا الموضة والجودة الجيدة والتيار الجديد، وهو شكل اقتصادي يواكب اتجاه ترقية الاستهلاك ومتطلبات التنمية العالية الجودة، وهو تجسيد مهم للمكان الذي يوجد فيه، من حيث حيوية تجارته وقوة استهلاكه وقوة ابتكاره وقدرته التنافسية الدولية وصورة علاماته التجارية ومستوى انفتاحه.

أصدر معهد البحوث التابع لمجموعة إدارية متخصصة يقع مقرها في مدينة قوانغتشو، تقريرا أشار فيه إلى أن "اقتصاد الطرح الأول" يتمتع بثلاث مزايا ملموسة: أولا، أن "المرة الأولى" تشمل الإصدار والعرض والمعرض وفتح المتجر لأول مرة، ويكون "الظهور الأول" لثمار مبتكرة، مثل طرح منتجات جديدة وتقنيات جديدة وخدمات جديدة ونماذج أعمال جديدة وأنماط جديدة، في السوق تجسيدا مهما. ثانيا، أنه عملية كاملة للتنمية المتسلسلة. ويؤكد أنه "في إطار النظام البيئي الصناعي للمنتجات الجديدة ونماذج الأعمال الجديدة والأنماط الجديدة وتجميع المتاجر الأولى والمقرات الرئيسية، تم بناء شبكة نظام كاملة للبحث والتطوير للمنتجات الجديدة والإصدار والعرض والترويج والمبيعات، بشكل تدريجي". ثالثا، أن الدور القيادي لـ"اقتصاد الطرح الأول" لا يجسد دوره القيادي في المنتجات ذاتها فحسب، وإنما أيضا يعكس توافق وسعي المستهلكين للعلامات التجارية والثقافة وأسلوب الحياة.

يؤكد شان تشي قوانغ، مدير إدارة المعلومات وتنمية الصناعة في المركز الوطني للمعلومات، أن "اقتصاد الطرح الأول" يطلق العنان لإمكانات الاستهلاك ويخلق نقاط نمو جديدة، وهو محفز مهم لترقية الاستهلاك، ويساعد في دفع تشكيل آلية طويلة الأجل لتوسيع الاستهلاك. وأضاف أن "اقتصاد الطرح الأول" يتوافق مع أهداف التنمية العالية الجودة، ولا يساعد في جمع موارد العلامات التجارية وتعزيز الحيوية التجارية للمدينة فحسب، وإنما أيضا يلبي تطلع الجماهير إلى حياة أفضل.