على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

ستمائة مليار دولار لمواجهة الصين!

: مشاركة
2022-08-29 16:19:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

في السادس والعشرين من يونيو عام 2022، وخلال قمة مجموعة الدول السبع التي عُقدت في قلعة إلماو بمقاطعة بافاريا في جنوبي ألمانيا، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "بشكل جماعي، نهدف إلى تدبير ما يقرب من 600 مليار دولار أمريكي من مجموعة السبع بحلول عام 2027." السيد بايدن لم يذكر اسم الصين، لكن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية لم تبذل أي محاولة لإخفاء أن هذه الخطوة تهدف إلى "مواجهة" أو "منافسة" مبادرة "الحزام والطريق" التي اقترحتها وتقودها الصين. الموقع الإلكتروني لمحطة الإذاعة البريطانية BBC نشر في 27 يونيو تقريرا بعنوان "قمة مجموعة السبع: القادة يضعون تفاصيل خطة بقيمة 600 مليار دولار لمنافسة مبادرة ’الحزام والطريق الصينية". وجاء في التقرير أن قادة مجموعة الدول السبع وضعوا خططا مفصلة لتدبير 600 مليار دولار أمريكي لتمويل الدول النامية، في خطوة يُنظر إليها على أنها تهدف إلى مواجهة خطة الحزام والطريق الصينية. ونشرت صحيفة ((دويتشه فيله)) الألمانية على موقعها الإلكتروني في 26 يونيو تقريرا بعنوان: "قمة السبع.. 600 مليار دولار لتمويل برنامج عالمي للبنى التحتية"، جاء فيه أن المشروع يأتي لمواجهة التمدد الصيني وبناء بديل مستدام لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

خطة مجموعة الدول السبع التي تحمل عنوان "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII)"، هي إعادة تدوير أو إنتاج لخطة "إعادة بناء عالم أفضل (B3W)" التي أُعلن عنها في قمة الدول السبع لعام 2021 التي عُقدت في إنجلترا. لم تحقق خطة B3W شيئا وتعثرت قبل إعلان وفاتها ودفنها بالكشف عن وريثتها؛ خطة "PGII"، التي أكد الرئيس بايدن أنها ستحقق عوائد للجميع بالقول: "أريد أن أكون واضحا، هذه ليست مساعدة أو صدقة. هذا استثمار سيحقق عوائد للجميع." وأضاف الرئيس الأمريكي أن الخطة ستسمح للدول "برؤية الفوائد الملموسة للشراكة مع الديمقراطيات".

تدعو الخطة قادة مجموعة الدول السبع إلى تدبير ستمائة مليار دولار أمريكي على مدى خمس سنوات لتمويل إطلاق مشروعات للبنية التحتية في البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل. ووعدت واشنطن بجمع مائتي مليار من المبلغ المستهدف من خلال المنح والصناديق الفيدرالية والاستثمارات الخاصة، بينما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيدبر ثلاثمائة مليار يورو للخطة المنشودة. ستوجه الستمائة مليار دولار أمريكي، وفقا لما أُعلِن، إلى معالجة تغير المناخ وتحسين الصحة العالمية وتحقيق المساواة بين الجنسين وبناء البنية التحتية الرقمية. وتشمل بعض المشروعات التي تم تسليط الضوء عليها، مشروعا يعمل بالطاقة الشمسية في أنغولا ومنشأة لتصنيع اللقاحات في السنغال وكابل اتصالات بحري بطول 1609 كيلومترات يربط سنغافورة بفرنسا عبر مصر والقرن الأفريقي.

أخذُ هذا الكلام على محمل الجد يبعث على الأمل في عالم مأزوم، لم يكد يرى بصيصا من التعافي من كوفيد- 19 حتى هاجمته تداعيات الأزمة الأوكرانية بكل تفاصيلها؛ من أزمة غذاء ووقود وسلاسل إمداد وتضخم يضرب أطنابه في الغالبية العظمى من بلدان العالم، ومنها الدول السبع التي أطلقت خطة "PGII". لسان حال البلدان النامية يقول: "أفلحت الدول السبع إن صدقت." وفقا لتقرير لمجموعة العشرين (G20)، فإن العالم يواجه فجوة في البنية التحتية تبلغ 15 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2040. ثمة مساحة واسعة لتطوير البنية التحتية كأداة رئيسية لتعزيز التقدم الشامل للبشرية.

 غير أن الواقع هو أن خطة "PGII" لم يتم طرحها بنية صادقة لمساعدة البلدان التي تفتقر بشدة وتحتاج بإلحاح إلى مشروعات بنى تحتية، وإنما لمواجهة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ في عام 2013، والتي توفر التمويل للدول الناشئة لبناء البنية التحتية مثل الموانئ والطرق والجسور. السيدة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، قالت إن الهدف من "PGII" هو تقديم "دافع استثماري إيجابي قوي للعالم لنظهر لشركائنا في البلدان النامية أن لديهم اختيارا." الانطباع الأول الذي تركته هذه الخطة الطموحة، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تلوح مرة أخرى للعالم بالجزرة. وحسب تقرير لصحيفة ((هوانتشيو)) (غلوبال تايمز( الصينية في الثامن والعشرين من يونيو، فإنه من المستحيل على الولايات المتحدة الأمريكية أن تدبر مائتي مليار دولار. إن هذا ليس تقليلا من شأن الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن سلوك واشنطن يجعل العالم ينظر بريبة للوعد الأمريكي. في قمة مجموعة الدول السبع لعام 2021، رسمت واشنطن صورة وردية تحت عنوان "B3W"، وزعمت أنها تستهدف تغطية أربعين تريليون دولار أمريكي من احتياجات البنية التحتية في البلدان النامية. المفارقة هي أن واشنطن لم تستثمر في البنية التحتية العالمية خلال عام 2021 إلا ستة ملايين دولار أمريكي فقط، فكيف يمكن للناس أن يصدقوا أن واشنطن ستدفع 200 مليار دولار؟ لقد كان أخطر عيب في "B3W"، وفقا لتقرير نشرته مؤخرا مجلة ((فورين أفيرز)) الأمريكية، هو أنه بدا أن هذه الخطة قائمة على أساس إدانة واشنطن للصين. في السنوات الأخيرة، لاحقت الولايات المتحدة الأمريكية الصين إلى الأماكن التي استفادت من تنمية الصين. وفي نسخ مختلفة من "حلول" واشنطن، ما هو مرئي هو ما يسمى بالديمقراطية والمواجهة الحقيقية والصين الشيطانية، لكن مطالب الدول النامية المستهدفة والسكان المحليين ليست مرئية للولايات المتحدة الأمريكية، حسب تقرير ((فورين أفيرز)). الأكثر من ذلك، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها مثقلة بالكثير من الديون لدفع ثمن بنيتها التحتية. وفقا لتقرير صادر عن الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين في عام 2021، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية عجزا بقيمة 59ر2 تريليون دولار أمريكي في احتياجات البنية التحتية. السيدة أورسولا فون دير لاين قالت إن أوروبا ستجمع ثلاثمائة مليار يورو (27ر317 مليار دولار أمريكي) لتمويل البلدان النامية لبناء بديل مستدام لمبادرة "الحزام والطريق". وحسب تقرير ((هوانتشيو))، انتقد العديد من مستخدمي الإنترنت من الدول النامية هذه التصريحات. بعض أسئلتهم تشمل: لماذا قالت فون دير لاين: "بديلا" بدلا من "مكمل" للأموال الصينية؟ هل تعني أن الدول النامية يجب أن تنحاز بين الغرب والصين؟ ولماذا لا بد أن ينطوي التعاون الدولي على "الانحياز"؟ إن قلة قليلة من الدول النامية تحب لعبة المواجهة بين المعسكرات. والأهم من ذلك، يعلم الجميع أن الجزرة الأمريكية الممدودة لا تستطيع أن تملأ البطن. الحقيقة هي أن واشنطن ليست مهتمة ببناء بنية تحتية عالمية، وإنما غرضها هو هدم وتشويه مبادرة "الحزام والطريق" الصينية واتهامها بأنها "فخ للديون". وردا على هذا الاتهام، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان، في السابع والعشرين من يونيو 2022، مستشهدا بتقارير البنك الدولي، إنه إذا تم تنفيذ جميع مشروعات البنية التحتية للنقل في ظل مبادرة "الحزام والطريق" بحلول عام 2030، فإن مبادرة "الحزام والطريق" ستدر 6ر1 تريليون دولار أمريكي من الإيرادات للعالم، أي 3ر1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وستتقاسم البلدان الشريكة ما يصل إلى 90% من الإيرادات، ومن المتوقع أن تستفيد الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط والمنخفض أكثر من غيرها.

الملاحظ في هذا السياق أن الدول الغربية التي تريد إبعاد الدول الناشئة والنامية عن الصين، هي ذاتها تؤكد على التعاون والعمل مع الصين بما يحقق مصالحها. عندما اجتمع قادة أعضاء مجموعة الدول السبع في ألمانيا، أشار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في مقابلة مع شبكة CNN الإخبارية الأمريكية، إلى إنه يمكن إيجاد توازن بين حماية القيم المشتركة وممارسة الأعمال التجارية مع الصين، وقال: "الصين حقيقة هائلة في حياتنا. كل دولة مجتمعة هنا اليوم في مجموعة السبع تقوم بقدر كبير من الأعمال التجارية مع الصين. والسؤال هو هل يمكننا الاستمرار في القيام بذلك؟ أعتقد أن هناك توازنا. قد يكون الأمر صعبا ولكن هذا ما يتعين علينا المحاولة والقيام به." إنه موقف يستدعي ما قاله الشاعر العربي أحمد شوقي: أحرام على بلابـله الدوح حلال للطير من كل جنس؟ إن تصريحات جونسون تهدف إلى جني الأموال من الصين مع الاستمرار في ممارسة التشهير بالصين. وتعليقا على ذلك، قال أحد الصينيين، إن جونسون يطلب القمر، وهي عبارة تضاهي في معناها عبارة "في المشمش" التي يرددها المصريون، تعبيرا عن صعوبة الشيء المطلوب. حسب افتتاحية ((هوانتشيو)) في 27 يونيو، فإن العديد من القيم التي يؤكد عليها الغرب، مثل الديمقراطية والحرية والعدالة وسيادة القانون، يتم التأكيد عليها أيضا في القيم الاشتراكية الأساسية للصين. على الرغم من اختلاف فهم الصين لبعض هذه القيم عن الغرب، لا يوجد فرق جوهري. من وجهة نظر الصين، عند التعامل مع دول أخرى، يجب أن يكون السعي وراء أرضية مشتركة مع الإبقاء على الاختلافات طريقة مناسبة؛ أي توسيع المصالح المشتركة مع احترام قيم كل منها. لكن بعض السياسيين الغربيين مثل جونسون يعتبرون القيم عائقا أمام التعامل مع الصين. يحاول جونسون تصوير نفسه على أنه الجانب البريء والنبيل، والصين على أنها الجانب العدواني والمذنب المفترض. مثل هذا الخطاب نفاق وغير أخلاقي. تتماشى كلمات جونسون مع الذهنية السياسية للنخبة السياسية الغربية. في مقابل بيئتهم السياسية، أصبح احتواء الصين على أساس مختلف الذرائع "استقامة سياسية". من حيث القيم، كانت المملكة المتحدة توصف بأنها الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، بسبب الاستعمار البريطاني للعديد من البلدان في العالم. كانت بريطانيا أكبر دولة لتجارة الرقيق في العالم. وشاركت العديد من الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتحدة الأمريكية في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. ما الذي يؤهل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة للتحدث عن "القيم" و"حقوق الإنسان" و"الديمقراطية" مع الصين بطريقة متعالية؟ إن الصين، في التبادلات الثنائية أو المتعددة الأطراف، لم تنتهك قيم دول مجموعة السبع أو الدول الغربية أو أي دول أخرى. ومع ذلك، لا تحترم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب قيم الصين، بل تتعامل مع "القيم" كأداة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، وكذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للصين، وكسلاح لمواجهة الصين وكبح تنميتها.

لا تدخر واشنطن جهدا من أجل إعاقة الصين واحتوائها، ولا تتوقف المساعي الأمريكية لعقد التحالفات والتكتلات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكان آخرها مبادرة "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ"، التي تضم بشكل أساسي ثلاث عشرة دولة هي الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والهند وأستراليا وبروناي وجمهورية كوريا وإندونيسيا وماليزيا ونيوزيلندا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام. من الواضح أن هدف هذه المبادرة هو الحد من نفوذ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتعليقا على ذلك، قال وزير خارجية الصين وانغ يي، إن واشنطن تسعى إلى تشكيل تكتلات صغيرة باسم الحرية والانفتاح على أمل احتواء الصين، واعتبر أن هذا المشروع الأمريكي محكوم عليه بالفشل. إن كل هذه التطورات تنبئ بأن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تصر على دفع العالم إلى مزيد من الأزمات والتوترات التي لن يستفيد منها أحد، وإنما سيطال شررها الجميع.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4