على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

"تساي لي" يثير جدلا، مرة أخرى ليست أخيرة

: مشاركة
2022-09-28 12:59:00 الصين اليوم:Source :Author

معنى "تساي لي" بالصينية، وفقا للترجمة الحرفية، هو "هدايا الخطوبة" التي يقدمها الشاب للفتاة التي يريد أن يتزوجها. في الحقيقة، كلمة "هدايا" هنا لا تعكس بدقة جوهر هذه الممارسة القديمة في ثقافة الزواج عند الصينيين، كما في ثقافات مجتمعات أخرى حول العالم، ذلك أن الهدية هي شيء يُمنح عن طيب خاطر لشخص ما دون مقابل. وحسب المعاجم العربية، فإن الهدية هي ما يُقدم لشخص من الأشياء إكراما له وحبا فيه أو لمناسبة سارة عنده. القاسم المشترك بين تعريفات الهدية هو أنها "فعل طوعي"، وهو ما لا ينطبق على "تساي لي"، الذي هو مبلغ من المال يدفعه الراغب في الزواج إلى أسرة من يريد أن يتزوجها ولا يحق له المطالبة به أو الانتفاع منه، أي أن هذا المبلغ بالنسبة للعريس المحتمل يصبح "ميتا".

وتعرف الثقافة العربية الإسلامية ما يسمى بـ"المهر"، وهو الاسم الذي يطلق على ما يُعطى للزوجة ويسمى لها في عقد الزواج، وهو إما حال فيجب دفعه حالا، وإما مؤجل فيجوز تأجيله. كما أن هناك ما يقدمه العريس لعروسه عند خطبتها من مجوهرات وهدايا أخرى، والتي تتخذ أسماء مختلفة في البلدان العربية، فهي تسمى مثلا في مصر بـ"الشَبْكة" وفي الإمارات بـ"الزهبة"، إلخ. "الشبكة" بهذا المعنى تقترب من معنى "تساي لي" في الصين، باعتبار أنهما ما يقدمه العريس المحتمل من مال أو مجوهرات لمن يرغب في الزواج منها، ولا يحق له المطالبة به بعد الزواج، وربما الاختلاف هو أن "الشبكة" تكون للعروس أما هدايا الخطوبة أو "تساي لي" فتكون لأسرة العروس وهي غالبا مبلغ من المال.

وكما هو الحال في المجتمعات العربية، حيث يثار الجدل دائما حول قيمة "الشبكة" التي تشهد ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة، يتجدد الجدل أيضا في الصين حول "تساي لي". في التاسع عشر من شهر يوليو 2022، نشرت صحيفة ((تشينا ديلي)) الصينية الحكومية التي تصدر باللغة الإنجليزية، تقريرا بعنوان "Bride price tradition fueling fresh friction" حول الأرقام الفلكية لـ"تساي لي (bride price بالإنجليزية)"، في بعض مناطق الصين، مما يسبب عدم إتمام زواج شخصين ربما دامت قصة حبهما لسنوات. وفي الحادي والعشرين من مارس 2022، نشرت صحيفة ((ساوث تشينا مورنينغ بوست)) التي تصدر في هونغ كونغ تقريرا لمراسلتها في شانغهاي ماندي تشوه، حول الارتفاع المتواصل لـ"تساي لي" في بر الصين الرئيسي على الرغم من الإجراءات الصارمة المفروضة على هذا التقليد الذي عفا عليه الزمن.

 يأتي ذلك في وقت تشهد المساواة بين الجنسين في الصين تحسنا كبيرا لصالح المرأة. وفقا لدراسة استقصائية حول الوضع الاجتماعي للمرأة في الصين نشرت نتائجها في السابع والعشرين من شهر ديسمبر عام 2021، فإن الصين أوجدت بيئة اجتماعية أفضل للتنمية الفردية الشاملة للمرأة وحققت اعترافا أوسع بالمساواة بين الجنسين في العقد الماضي. فحسب الدراسة، التي أجراها اتحاد النساء لعموم الصين ومصلحة الدولة للإحصاء في عام 2020، فإن حوالي 97% من الثلاثين ألف فرد من الذكور والإناث الذين شملتهم الدراسة وتتراوح أعمارهم بين 18 و64 سنة على مستوى البلاد، اتفقوا على أن النساء يتمتعن ببيئة اجتماعية أكثر ملاءمة.

وفقا لتقرير ((تشينا ديلي)) المشار إليه أعلاه، فإن "تساي لي" هو المبلغ النقدي الذي يدفعه العريس لعائلة زوجته المستقبلية كضمان أنه سيتزوجها ويعاملها معاملة جيدة في المستقبل. وهذه الممارسة تقليدية، لكن المبالغ المطلوبة في بعض مناطق البلاد ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث ترغب بعض العائلات في اختبار عمق شعور والدي العريس تجاه الوافدة الجديدة المحتملة إلى منزلهم. وقال التقرير إن عدم الاتفاق على قيمة "تساي لي" التي وصلت إلى ثلاثمائة ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات حاليا) تسبب في نقاش ساخن على الإنترنت في جميع أنحاء البلاد. وذكر التقرير أن العريس المحتمل، وهو من محافظة تشنغنينغ بمقاطعة قانسو، كتب في صفحة "رسائل إلى القادة" المخصصة للشكاوي العامة في الصين، أنه كان على وشك أن يتزوج من صديقته، لكن قيمة "تساي لي" العالية التي طالب بها والداها أجبر الشاب والفتاة على الانفصال. وقال إنه يأمل في أن تصحح الحكومة اتجاه ارتفاع قيمة "تساي لي". وردا على ذلك، قال مكتب لجنة الحزب الشيوعي الصيني في تشنغنينغ إن حكومة المحافظة أصدرت بالفعل مبدأ توجيهيا يدعو إلى ألا تتجاوز قيمة "تساي لي" في الريف ثمانين ألف يوان، ونص على أن المسؤولين الحكوميين يجب أن يكونوا مثالا يحتذى من خلال طلب أقل من ستين ألف يوان عندما يتعلق الأمر بزواج بناتهن. وأضافت لجنة الحزب، أن الطريق ما زال طويلا قبل التخلي عما أسمته بـ"التقليد الاجتماعي القديم السيئ". أثار هذا الخبر مخاوف مستخدمي الإنترنت الذين يفكرون في الزواج، وكان التعليق الأكثر شيوعا على ذلك، هو أن أفضل ما يجب فعله هو تجنب الزواج تماما. وقد ذكرت تشانغ فو رونغ، وهي صاحبة وكالة زواج في شيتشانغ بمقاطعة سيتشوان، أنها شهدت فشل خطوبة في عام 2018 بسبب القيمة العالية لـ"تساي لي". وأوضحت السيدة تشانغ، التي تتولى وكالتها ترتيب مقابلات بين الراغبين في الزواج وحفلات الزفاف وغير ذلك من أمور الزواج، أن الشاب والفتاة تقابلا وكانا على علاقة جيدة وناقشا ترتيبات الزواج. غير أن أسرة الفتاة طلبت مبلغ مائة وثمانية وستين ألف يوان، كـ"تساي لي". وقد بررت أم الفتاة طلبها بأن ابنتها أجمل شابة في الحي الذي تسكنه ولديها وظيفة مستقرة كمعلمة في مدرسة إعدادية، وفوق هذا وذاك، لأن ابنة الجيران حصلت على نفس المبلغ ولا ترغب الأسرة في الظهور بمظهر أقل من جيرانها. وافق العريس على المبلغ، حبا في الفتاة، لكنه قال إن عائلته لا يمكنها تقديم المبلغ دفعة واحدة، واقترح أن يتم دفعه على أقساط، فأسرته كانت قد سددت للتو مبلغ أربعمائة ألف يوان كدفعة أولى من ثمن شقة الزوجية لابنهما إضافة إلى نحو مائتي ألف يوان ثمنا لسيارة جديدة للابن. قالت السيدة تشانغ: "لم توافق أسرة الفتاة على فكرة الدفع بالتقسيط، لذلك فشلت المفاوضات. كنت في مكان الحدث، ورأيت الشاب ينهض من مكانه على الفور بعد الرفض ويخرج من دون النظر إلى الوراء."

هذه قصة نسمع مثلها في كثير من المجتمعات العربية، عندما تكون قيمة "الشبكة" سببا في عدم إتمام الزواج، والأسباب تكاد تكون واحدة؛ ابنتنا جميلة، هي ليست أقل من ابنة الجيران أو إحدى القريبات، إلخ. كلمة السر في معظم الحالات هي التباهي والتفاخر، وإن كان ما يعلن في الغالب هو ضمان حقوق الابنة وضمان معاملة زوجها المستقبلي لها معاملة طيبة.

وفقا لتقرير لي هونغ يانغ في ((تشينا ديلي))، تقليد تقديم "تساي لي" موجود بالصين منذ آلاف السنين. في المقابل، يجب على عائلة العروس أن تدفع مقابل الخطوبة وتقدم مبلغا مقطوعا كمهر. وفي الصين الحديثة، تطورت المدفوعات المتبادلة من الهدايا إلى النقد. بالنسبة للأزواج من العائلات ذات الوضع المالي المتقارب، عادة ما يقدم والدا العروس مهرا يساوي تقريبا "تساي لي" الذي يدفعه والدا العريس، ويتم استخدام الأموال المجمعة لمساعدة العروسين على بدء حياتهما معا. ولكن، في بعض المدن الصغيرة والمحافظات، حيث ترغب العديد من الشابات في الانتقال إلى المدن الكبيرة للعمل، ينتج عن ذلك زيادة في عدد الذكور في سن الزواج، مما يعني أن "تساي لي"، أي ما تدفعه أسرة العريس، يكون أعلى بشكل عام بينما يكون المهر، أي ما تدفعه أسرة العروس، أقل. وفي بعض الأسر ذات الظروف المالية الصعبة والتي يكون لديها ابن وابنة، يطلب الوالدان "تساي لي" مرتفعا للعروس لأنهم يريدون منح المال لابنهم لمساعدته في العثور على زوجة، لدرجة أن بعض الأسر تضطر للاستدانة من أجل دفع "تساي لي". وحسب التقرير، يتغير هذا الاتجاه الآن، حيث تدعو الحكومات على جميع المستويات إلى إقامة حفلات زفاف أقل تكلفة وإلى تخفيض قيمة "تساي لي".

في تقرير حول هذا الموضوع، نشرته صحيفة ((الشعب اليومية)) الصينية على موقعها الإلكتروني في الثاني والعشرين من فبراير عام 2017، قال المحلل النفسي الصيني تسي جينغ لين: "هناك أشخاص يطمحون إلى ملء النقص داخلهم من خلال تقديم مبالغ كبيرة لأسرة العروس، وهذا ينجم عنه حلقة مفرغة من العادات السيئة." وفي بعض المناطق الريفية هناك أشخاص ضحايا وجناة في ذات الوقت لهذه الممارسة. وقد تحول "تساي لي" تدريجيا إلى مصدر للثروة، وهو أمر لا يختلف كثيرا عن البيع والشراء في الزواج. وقد أدى ذلك في بعض الأحيان إلى كثير من المآسي، مثل صعوبة زواج شخصين متحابين أو العوز والفقر حتى نهاية العمر بسبب الزواج. وأشار تسوي شو إي رئيس مركز الإحصاء بالأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية في شاندونغ، إلى أن العديد من الشباب لم يعد باستطاعتهم الزواج بسبب الفقر، أو أنهم "يُفْقِرون" أسرهم بسبب الزواج.

الحقيقة أن ارتباط الزواج بالمال لا يقتصر على المجتمعات التقليدية أو حتى الريفية، وإنما يوجد كذلك في المجتمعات التي قطعت أشواطا على درب التقدم الاجتماعي وبين الفئات الاجتماعية المختلفة. وقد كتبت على صفحات ((الصين اليوم)) قبل سنوات عن واقعة حدثت في ملاعب ويمبلدون للتنس في العاصمة البريطانية لندن عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين، عندما كانت لاعبة التنس الألمانية المشهورة ستيفاني ماريا "ستيفي" غراف تخوض إحدى المباريات، فصاح واحد من جمهور المعجبين: "ستيفي، هل تتزوجينني؟"، فما كان من نجمة التنس الألمانية إلا أن ردت بتلقائية: "كم لديك من المال؟" والحقيقة أيضا أن تقليد "تساي لي" لا وجود له تقريبا في المدن الكبيرة في الصين، فقد شهدت زواج عدد كبير من الصديقات والأصدقاء في بكين وكان تعاون الشريكين في تجهيز بيت الزوجية هو الممارسة الأكثر انتشارا. كما أن هناك إدراكا متزايدا في الأوساط الاجتماعية الصينية التي تمارس هذا التقليد بأنه عائق لتحقيق سعادة شخصين محبين بينهما توافق وتفاهم، ويسعى الجيل الجديد من الشابات والشبان إلى طريقة أكثر استدامة للزواج. تقول خه فان، البالغة من العمر أربعة وعشرين عاما والمتزوجة حديثا، وهي من ويفانغ بمقاطعة شاندونغ، إنها حصلت على مبلغ مائة ألف يوان كـ"تساي لي"، لكنها أعادت ثمانين ألف يوان لعريسها البالغ من العمر خمسة وعشرين عاما من تساوتشوانغ بنفس المقاطعة. يعمل زوجها كمبرمج كمبيوتر براتب سبعة آلاف يوان شهريا ولديه سيارة، لكنه ليس لديه أي ممتلكات. قالت السيدة خه: "أثق به ولست بحاجة إلى المال لإثبات حبه لي." حتى والدة الفتاة التي طلبت مبلغ مائة وثمانية وستين ألف يوان كـ"تساي لي"، اتصلت لاحقا بالسيدة تشانغ صاحبة وكالة الزواج، حسب تقرير ((تشينا ديلي))، لتقول إنها نادمة على ما فعلت وتريد إنقاذ زواج ابنتها. وأضافت الأم أنها لم تقصد بيع ابنتها، لكنها فقدت عقلها أثناء المفاوضات بدافع من التنافس مع جارتها. ولكن في النهاية افترق الشاب والفتاة، ووجد كل منهما شريكا آخر. الحقيقة الأخرى هي أن التقاليد الاجتماعية التي تعاكس اتجاه العصر تتواري تدريجيا، ولكنها عملية تستمر سنوات طويلة.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4