على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

الطفل الثالث.. مرونة السياسات والواقع المتغير

: مشاركة
2022-10-26 16:16:00 شينخوا:Source حسين إسماعيل:Author

عندما يحل اليوم الخامس عشر من الشهر المقبل، نوفمبر 2022، سيكون عدد سكان كوكب الأرض قد بلغ ثمانية مليارات نسمة، وفقا لتقرير التوقعات السكانية في العالم لعام 2022 الصادر عن الأمم المتحدة في الحادي عشر من يوليو 2022، والذي أشار أيضا إلى أن عدد سكان الهند سيتجاوز عدد سكان الصين في العام المقبل، 2023. وحسب التقرير، فإن النمو السكاني في العالم ليس بالسرعة التي كان عليها من قبل، فهو حاليا في أبطأ معدل له منذ عام 1950، مع عدم توازن زيادة عدد سكان العالم في البلدان المختلفة، فأكثر من نصف النمو الذي سنشهده في الثلاثين عاما المقبلة سيحدث في ثمانية بلدان فقط، هي: جمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا والهند ونيجيريا وباكستان والفلبين وتنزانيا. ووفقا لتقرير التوقعات السكانية الذي نشرته وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) في الحادي عشر من يوليو 2022، فإن معدل الخصوبة قد انخفض بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة في العديد من البلدان. وحاليا، يعيش ثلثا سكان العالم في بلد أو منطقة تقل فيهما معدلات الخصوبة مدى الحياة عن 1ر2 مولود لكل امرأة، وهو المستوى المطلوب تقريبا لتحقيق نمو صفري على المدى الطويل لسكان لديهم انخفاض في معدل الوفيات. ومن المتوقع أن ينخفض عدد سكان 61 دولة ومنطقة بنسبة 1% أو أكثر بين عامي 2022 و2050، بسبب استمرار انخفاض معدل الخصوبة، وفي بعض الحالات، بسبب ارتفاع معدلات الهجرة.

معدل الخصوبة في الصين حاليا أقل من 3ر1 طفل لكل امرأة، وهو من أدنى معدلات الخصوبة في العالم. في الأول من أغسطس 2022، نشرت اللجنة الوطنية للصحة في الصين مقالة في مجلة ((تشيوشي))، وهي المجلة الرئيسية للجنة المركزية للحزب الشيوعي، ذكرت فيها أن النمو السكاني في الصين من المقرر أن يتحول إلى سالب بحلول عام 2025، حيث ستؤدي معدلات الخصوبة المنخفضة والشيخوخة إلى تحديات طويلة الأجل. وحسب المقالة، فإن معدل نمو سكان الصين قد تباطأ في السنوات الأخيرة، وسيحدث نمو سلبي خلال فترة الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021- 2025). وتُظهر البيانات الرسمية أنه في عام 2021، زاد إجمالي عدد سكان الصين 480 ألف نسمة فقط، مسجلا أقل زيادة منذ حوالي ستة عقود. وتظهر البيانات المحلية أنه من بين إحدى وثلاثين مقاطعة ومنطقة ذاتية الحكم وبلدية تابعة للإدارة المركزية مباشرة، سجلت إحدى عشرة منها، معظمها في شمال شرقي وشمال غربي ووسط الصين، نموا سلبيا في عدد سكانها الطبيعي في عام 2021. وخلصت المقالة إلى القول إن "معدل الخصوبة المنخفض سيصبح الخطر الرئيسي على التنمية السكانية المتوازنة في الصين."

في سنة 1979، التي أعلنت فيها الصين لأول مرة سياسة "الطفل الواحد"، كان عدد سكان بر الصين الرئيسي تسعمائة وستة وثمانين مليون نسمة، وفي نهاية عام 2021، بلغ 4126ر1 مليار نسمة، وفقا لتقرير أصدرته مصلحة الدولة للإحصاء ونشرته ((شينخوا)) في السابع عشر من يناير 2022. وحسب هذا التقرير فإن عدد المواليد الجدد في بر الصين الرئيسي في عام 2021 بلغ عشرة ملايين وستمائة وعشرين ألفا.

السياسة السكانية في الصين، كغيرها من سياسات البلاد، تتسم بالمرونة والاستجابة للواقع والمتغيرات الجديدة. عندما أعلنت الصين سياسة "الطفل الواحد"، رأت الحكومة الصينية أن النمو السكاني يشكل ضغطا هائلا على التنمية، وأنه لكي تحقق البلاد تقدما في كافة المجالات، لا بد من أن يكون معدل النمو الاقتصادي أضعاف معدل النمو السكاني. لم يكن تنفيذ هذه السياسة جامدا، فقد كانت هناك مرونة في التطبيق عندما يتعلق الأمر بالمواطنين الذين يعملون في قطاعات تتسم بالخطورة، مثل المناجم، فسمح لهم بإنجاب طفل ثان، وأبناء بعض المناطق الريفية الذين سمح لهم بإنجاب الطفل الثاني إذا كان الأول أنثى، وأبناء القوميات القليلة العدد الذين تمتعوا بمرونة أكثر في تطبيق هذه السياسة التي استمرت حتى سنة 2016. خلال تلك الفترة، لجأ البعض ممن أرادوا عدم تطبيق تلك السياسة إلى حيل عديدة، ومنها على سبيل المثال عدم تسجيل المواليد الجدد في السجلات الحكومية. وفقا لتقرير نشرته صحيفة ((هوانتشيو)) )غلوبال تايمز( الصينية في السابع والعشرين من يناير 2016، فإن ثلاثة عشر مليون فرد في الصين ليس لديهم هوية قانونية ولا سجل إقامة (هوكو)، وهم من يطلق عليهم اسم "هيهو". وقال التقرير إن 60% من هؤلاء، أي 8ر7 ملايين فرد، ولدوا بالمخالفة لسياسة "الطفل الواحد". خلال هذه الفترة، حققت الصين نموا اقتصاديا هائلا، فعلى مدى أربعين سنة منذ انتهجت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978، بلغ معدل نمو الاقتصاد الصيني 5ر9%، بينما كان معدل نمو الاقتصاد الاقتصاد العالمي 9ر2% في نفس الفترة. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي للصين من 9ر367 مليار يوان (كان الدولار الأمريكي يساوي 7ر1 يوانات حينذاك) في عام 1978 إلى 71ر82 تريليون يوان (كان الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات حينذاك) في عام 2017، بينما زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 8ر22 ضعفا ووصل إلى 59660 يوانا خلال نفس الفترة، وانتقلت الصين من فئة الدول المنخفضة الدخل إلى الدول المتوسطة الدخل في العالم. وفي عام 2010، تجاوزت الصين اليابان وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وفي عام 2017، بلغت حصة الصين من الاقتصاد العالمي حوالي 15%، بزيادة 13 نقطة مئوية عن عام 1978. وفي فبراير عام 2021، أعلنت الصين القضاء على الفقر المدقع في البلاد.

مرونة السياسات تجلت في عام 2016، عندما أعلنت الصين تعديل سياسة تنظيم الأسرة والسماح لكل زوجين بإنجاب طفلين. وحسب تقرير لـ((شينخوا)) في العشرين من أغسطس 2021، فإن التحول إلى سياسة الطفلين أدى إلى ولادة أكثر من عشرة ملايين طفل ثان في البلاد. وفي الحادي والثلاثين من مايو 2021، أعلن اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، برئاسة الرئيس شي جين بينغ، أنه سيُسمح لكل زوجين في البلاد بإنجاب ثلاثة أطفال. وجاء في بيان صدر بعد الاجتماع، أن هناك حاجة إلى خطوات رئيسية لمعالجة مشكلة المسنين المتفاقمة. وقال البيان: "سيتم تحسين سياسات الولادة وسيتم تقديم سياسة تسمح للزوجين بإنجاب ثلاثة أطفال مع تدابير داعمة.. سيؤدي هذا إلى تحسين التركيبة السكانية في الصين." وفي العشرين من أغسطس 2021، أقر المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني تعديلا قانونيا يسمح لكل زوجين بإنجاب ثلاثة أطفال وينص على تدابير داعمة للسياسة الجديدة، بموافقة اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب على تعديل قانون السكان وتنظيم الأسرة، وإلغاء التدابير المقيِدة المعنية، بما في ذلك الغرامات على الأزواج الذين ينتهكون القانون لإنجاب عدد من الأطفال أكثر مما هو مسموح به. وتضمن التعديل تدابير داعمة لتغيير السياسات، بما في ذلك مدة إجازة الوضع وإنشاء المزيد من مرافق الحضانة في الأماكن العامة وأماكن العمل. وحسب التقرير الذي نشرته ((شينخوا)) في العشرين من أغسطس 2021، ستطبق الدولة المزيد من الإجراءات الداعمة من حيث التمويل والضرائب والتأمين والتعليم والإسكان والتوظيف لتخفيف العبء على الأسر فيما يتعلق بالإنجاب ورعاية الأطفال والتعليم، وفقا للتعديل. وقال التقرير: "تبنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة قرارا في أواخر يونيو 2021، كشف النقاب عن تفاصيل سياسة ’الأطفال الثلاثة‘ والإجراءات الداعمة التي تشجع على الإنجاب. وقد تم تعديل القانون لتنفيذ مبادئ الدورة الكاملة الخامسة للجنة المركزية التاسعة عشرة للحزب الشيوعي الصيني ومتطلبات القرار، وفقا لوثيقة توضيحية."

ثمة حقائق مهمة دفعت لاتخاذ هذه الخطوة، ففي عام 2020 بلغت نسبة سكان بر الصين الرئيسي ممن بلغت أعمارهم ستين سنة وأكثر 7ر18% من إجمالي سكان البلاد، بزيادة 44ر5 نقاط مئوية عن عام 2010، وفقا لأحدث بيانات التعداد السكاني. وتظهر بيانات التعداد أن البلاد بها أكثر من 300 مليون امرأة في سن الإنجاب. وينص تعديل القانون الجديد على حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمرأة في العمل، وسيتم تقديم خدمات التوظيف لها إذا تأثرت وظيفتها بسبب الإنجاب. وستواصل الصين تطبيق نظام المكافآت والمساعدة الحالي والسياسات التفضيلية للأسر ذات الطفل الواحد. وبحسب التعديل، سيُمنح كبار السن في هذه الأسر معاملة تفضيلية من حيث مزايا الرعاية الاجتماعية وخدمات رعاية المسنين.

في شهر أغسطس 2022، أصدرت سبع عشرة إدارة صينية على المستوى الوطني بشكل مشترك مبدأ توجيهيا لتعزيز النمو السكاني، وفي التاسع عشر من الشهر ذاته، وافق مجلس الدولة الصيني على خطط لإنشاء آلية اجتماع مشترك تضم 26 إدارة، بهدف زيادة تعزيز التنسيق في تحسين سياسة الولادة، ومن بين تلك الإدارات اللجنة الوطنية للصحة ووزارة الخارجية ولجنة التنمية الوطنية والإصلاح ووزارة التعليم ووزارة العلوم والتكنولوجيا. وتتمثل الوظيفة الرئيسية للآلية في تنفيذ السياسات الرئيسية للحكومة المركزية في تحسين سياسة الولادة، وتنسيق السياسة الوطنية للولادة، وبحث وتنفيذ التدابير، وتوجيه تنفيذ السياسات والإجراءات المعنية. وحسب تقرير لصحيفة ((هوانتشيو)) في التاسع عشر من أغسطس، فإن إنشاء هذه الآلية أظهر أن الصين تولي أهمية متزايدة للتنمية السكانية، حيث انخفض عدد المواليد الجدد في بر الصين الرئيسي لمدة خمس سنوات متتالية. وقال ليو تشي جيون، نائب مدير مركز تجارب العلوم الاجتماعية بجامعة تشجيانغ، إن المبدأ التوجيهي الصادر عن 17 إدارة تضمن الكثير من الإجراءات التي تتطلب التنسيق بين الإدارات المختلفة، معتقدا أن الآلية المشتركة من شأنها أن توفر مساعدة أفضل في تنفيذ تدابير الدعم الفعلية. وقال السيد ليو إن استمرار انخفاض معدل الخصوبة جاء خارج توقعات العديد من الديموغرافيين، حيث بالغ البعض على ما يبدو في تقدير تأثير "سياسة الطفلين" في تجنب تقلص عدد الأطفال الحديثي الولادة. وحذر السيد ليو من أنه لا يمكن تغيير اتجاه انخفاض معدل المواليد في الصين، وسيكون النمو السكاني السلبي هو الاتجاه السائد في السنوات المقبلة، مما قد يشكل تحديات كبيرة للاقتصاد الصيني ويخلق المزيد من المشكلات الاجتماعية إذا لم يتم اتخاذ تدابير مناسبة وقوية.

تشمل سياسات الدعم التفصيلية المدرجة في المبدأ التوجيهي تعزيز الرعاية قبل الولادة وبعدها ومواصلة تطوير أنظمة التمريض وتحسين آلية إجازة الأمومة والتأمين وتقديم إعانات للأسر التي لديها أكثر من طفل وإضافة موارد تعليمية عالية الجودة وإنشاء بيئة عمل صديقة للخصوبة وإنشاء نظام خدمة متكامل للسكان.

لقد تغير الواقع الحالي في الصين كثيرا عما كان عليه عندما طبقت البلاد سياسة "الطفل الواحد". لقد جرت مياه كثيرة في المجتمع الصيني، وصار أبناء الأجيال الجديدة من الصينيين لديهم أفكار مختلفة حول الزواج والإنجاب ومستوى المعيشة. سيتطلب تنفيذ السياسة الجديدة التي تسمح للزوجين بإنجاب ثلاثة أطفال إجراءات مبتكرة وجهودا مضنية من الأجهزة الصينية المعنية لكي نرى زوجين في بر الصين الرئيسي يسيران برفقة ثلاثة أطفال.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4