على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

"الدورتان".. موجز أحوال الصين في أسبوعين

: مشاركة
2023-05-08 13:11:00 الصين اليوم:Source حسين إسماعيل:Author

على مدى أسبوعين، من الرابع إلى الثالث عشر من شهر مارس سنة 2023، تابعت باهتمام وشغف شديدين مجريات الدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، والدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أو ما يعرف إعلاميا بـ"الدورتين". بالنسبة لي، هذا الحدث الذي يأتي مرة واحدة في العام، يقدم موجزا لأحوال الصين، ليس للسنة الجارية فحسب، وإنما أيضا لهيكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في هذا البلد الذي بات محور اهتمام العالم. تمثل "الدورتان" تجليا لما تسميه الصين بـ"الديمقراطية الفاعلة"، والتي تعني، وفقا لكتاب أبيض يحمل نفس العنوان، وأصدره مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني في شهر ديسمبر 2021، "الديمقراطية الشعبية". وحسب الكتاب الأبيض المشار إليه، أنشأت الصين وطوّرت الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة بما يتماشى مع ظروفها الوطنية، وهذا الشكل من الديمقراطية يتميز بخصائص صينية، ويعكس في ذات الوقت رغبة عالمية إنسانية نحو الديمقراطية.

مجلس نواب الشعب الصيني، وهو الهيئة التشريعية الأعلى للصين، تصفه وسائل الإعلام الغربية بأنه "ختم مطاطي"، وفقا لتقرير لوكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا)) في السابع من مارس. والحقيقة أن نظام مجلس نواب الشعب هو جوهر النظام السياسي الصيني، ومن دون معرفة وظائفه ودوره وآليات عمله، يظل فهم إدارة وحوكمة الصين منقوصا. المجلس الوطني لنواب الشعب يمثل أغلبية الصينيين من كافة مناحي الحياة. وفقا لتقرير ((شينخوا)) المشار إليه، فإنه في نهاية عام 2020، بلغ عدد النواب في مجالس نواب الشعب على مستوى البلدات والمحافظات والمدن والمقاطعات وعلى المستوى الوطني مليونين وستمائة وعشرين نائبا. ويبلغ عدد أعضاء المجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني الحالي، 2977 نائبا ينتمون إلى كافة أطياف الشعب الصيني، ومن بينهم 442 نائبا من الأقليات القومية الخمس والخمسين في الصين، ويبلغ عدد النائبات 790، ويبلغ عدد العمال والفلاحين 497. يكفل المجلس الوطني لنواب الشعب حرية التعبير، فمن التشريعات الوطنية إلى الشؤون اليومية، يمكن للصينيين التعبير عن آرائهم بحرية والمشاركة بشكل كامل في المشاورات وصنع القرار في "الدورتين"، كما يتم تعيين رئيس الدولة وكبار المسؤولين خلال "الدورتين". في العاشر من مارس، وخلال دورتي الصين لعام 2023، تم انتخاب شي جين بينغ بالإجماع رئيسا للصين كما تم انتخابه رئيسا للجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين الشعبية بالتصويت بالإجماع. وفي نفس اليوم انتُخب تشاو له جي رئيسا للجنة الدائمة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني. وفي الحادي عشر من مارس، وقع شي جين بينغ مرسوما رئاسيا لتعيين لي تشيانغ رئيسا لمجلس الدولة.

في العاشر من مارس، أجرت إذاعة ((سبوتنيك)) الروسية حوارا معي حول إعادة انتخاب شي جين بينغ رئيسا للصين. وردا على سؤال بشأن الأسباب التي جعلت نواب الشعب الصيني يختارون بالإجماع شي رئيسا لفترة ثالثة، قلت إن الإنجازات التي حققتها الصين خلال السنوات العشر المنقضية تحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وفي القلب منها شي جين بينغ، تجاوزت النجاحات الاقتصادية إلى طرح ما يمكن تسميته بـ"القيم الصينية". تحولت الصين من "حالة" إلى "نموذج" ملهم للعديد من بلدان العالم. وحسب تقرير لـ((شينخوا)) في العاشر من مارس، فإنه "تحت قيادة شي، يسير ثاني أكبر اقتصاد في العالم على نمط تحديث لم يُشهد له مثيل من قبل. وحسب مراقبين، فإن انتخاب شي جين بينغ يضفي قدرا أكبر من اليقين على مسيرة التحديث في الصين، باعتبار أن وجود يد ثابتة على دفة القيادة يخدم الصين بشكل جيد، لا سيما في هذا العصر الجديد المليء بالتحديات الجديدة. وخلال الدورتين، يتم تحديد تشكيل مجلس الدولة الصيني. وفي الثاني عشر من مارس، أقرت الجلسة الكاملة الخامسة للدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني التشكيلة الجديدة لمجلس الدولة الصيني. فبناء على ترشيح لي تشيانغ، رئيس مجلس الدولة، صادق نواب المجلس على نواب رئيس مجلس الدولة، وأعضاء مجلس الدولة والوزراء ومحافظ بنك الشعب (المركزي) والمدقق العام للحسابات والأمين العام لمجلس الدولة، ووقع الرئيس شي جين بينغ مرسوما رئاسيا لتعيين هؤلاء المسؤولين. وخلال الجلسة أيضا، وافق النواب على رؤساء ونواب رؤساء وأعضاء ثماني لجان خاصة تابعة للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني.

على مدى أسبوعين، تمكن المتابعون للدورتين من تبيّن ملامح سياسات الصين الاقتصادية خلال عام 2023 وما بعده. في الخامس من مارس، ذكر تقرير أعمال الحكومة المقدم إلى الدورة الأولى لمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، أن الصين تستهدف نموا اقتصاديا بنسبة 5% في عام 2023. في مقابلة مع محطة تلفزيون ((فينيكس "فنغهوانغ")) التي تبث من هونغ كونغ، قلت إن هذه النسبة متحفظة، وإن مؤشرات أداء الاقتصاد الصيني في شهري يناير وفبراير تجعلنا نتوقع نموا بنسبة ما بين 3ر5% إلى 5ر5% خلال عام 2023، إن لم تقع حوادث طارئة. وقد ذكرت وكالة ((بلومبرغ)) في السادس من مارس أن الانتعاش الاقتصادي في الصين أقوى من التوقعات. وأظهر استطلاع أجرته ((بلومبرغ)) للاقتصاديين، أنه من المتوقع نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 3ر5% هذا العام وبنسبة 5% العام المقبل. ويُعزى نجاح الاقتصاد الصيني إلى جملة من العوامل، منها عمل الحكومة على توسيع الاستهلاك المحلي ودعم الشركات الكبيرة والصغيرة والمتناهية الصغر، وتواجد القطاع المملوك للدولة والقطاع غير المملوك للدولة معا لتوفير احتياجات السوق الصينية الداخلية. هذا فضلا عن تعزيز الصين تعاونها الخارجي في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وتوسيع التعاون الاقتصادي مع مختلف الدول وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. وقد أكد الرئيس شي خلال اجتماعات على هامش "الدورتين" هذا العام، على أهمية تعزيز القطاع المملوك للدولة بثبات وأيضا تشجيع القطاع غير المملوك للدولة، من أجل تطوير التنمية الاقتصادية التي تسعى البلاد إلى تحقيقها في سنة 2023، كما شدد على أهمية القطاع غير المملوك للدولة ودوره في تحقيق التنمية العالية الجودة، وأكد أن الصين ستواصل العمل من أجل تحقيق المزيد من الإنجازات وبناء دولة اشتراكية حديثةعلى نحو شامل. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية للصين، لخص وزير خارجية الصين تشين قانغ في مؤتمره الصحفي على هامش "الدورتين" في السابع من مارس، سياسة بلاده الخارجية. قال الوزير إن احتواء الصين وقمعها لن يجعل الولايات المتحدة الأمريكية عظيمة ولن يمنع نهضة الصين. وأوضح أن سياسة واشنطن تجاه بكين انحرفت تماما عن المسار العقلاني والسليم. وقال: "تدعي الولايات المتحدة الأمريكية أنها تسعى إلى التفوق على الصين في المنافسة ولا تسعى إلى الصراع. ولكن في الواقع، فإن ما يسمى بـ’’المنافسة‘‘ يعني احتواء الصين وقمعها من كافة الأبعاد، وهي لعبة الغالب والمغلوب بمحصلة صفرية." ولدى وصفه الصين والولايات المتحدة الأمريكية بلاعبيّن متنافسيّن في سباق أولمبي، قال تشين إنه إذا كان أحد اللاعبيّن لا يفكر في كيفية تحقيق أفضل نتيجة له بل يحاول دائما إيقاع اللاعب الآخر على الأرض، فهذا ليس تنافسا شريفا، بل مواجهة خبيثة ويخالف القواعد. وأوضح تشين أن ما يزعمه الجانب الأمريكي بشأن تركيب سياجات واقية وعدم الصراع، يعني أنه يتعين على الصين عدم الرد بالقول أو الفعل عند تعرضها للافتراء أو الهجوم، مؤكدا أن هذا مستحيل. وأضاف تشين أن الصين تعارض بشدة مثل هذه المنافسة، التي تعد مقامرة متهورة تُخاطر بالمصالح الأساسية للشعبين بل وبمستقبل البشرية. وأوضح الوزير، الذي كان سفيرا لبلاده لدى واشنطن حتى ديسمبر 2022، أن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل البيئة الإستراتيجية المحيطة بالصين، يكشف في الواقع عن الغرض الحقيقي لإستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الأمريكية، وهو تطويق الصين. وأضاف تشين أن مثل هذه المحاولة لن تؤدي إلا إلى تعطيل بنية التعاون الإقليمي المفتوح والشامل المتمحورة حول رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، وتقويض المصالح الشاملة والطويلة الأجل لدول المنطقة، وسيكون ذلك مآله الفشل.

وحول مسألة تايوان، أكد وزير الخارجية أن الصين ستواصل إظهار بالغ إخلاصها وبذل أقصى جهودها لتحقيق إعادة التوحيد السلمي للوطن، غير أنها ستحتفظ بخيار اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة. وحث تشين واشنطن على التوقف عن احتواء الصين باستغلال مسألة تايوان والعودة إلى أساس مبدأ الصين الواحدة.

 وحول علاقة الصين مع اليابان، قال تشين قانغ، إنه يتعين على الصين واليابان تعزيز التعاون ذي الكسب المتبادل وضمان استقرار وسلاسة سلاسل الصناعة والتوريد بشكل مشترك. وأوضح أنه إذا اختار بعض الناس في اليابان اتباع نهج "الإساءة للجار والأذى" والمشاركة في حرب باردة جديدة تهدف إلى احتواء الصين بدلا من السعي إلى إقامة شراكة ودية معها، فستعاني العلاقات الثنائية بين البلدين من جروح جديدة في الوقت الذي لم تلتئم فيه الجروح القديمة بعد.

وتناول تشين علاقة الصين مع أوروبا، قائلا إنه بغض النظر عن كيفية تطور الوضع، فإن الصين دائما ترى أوروبا كشريك إستراتيجي شامل وتدعم التكامل الأوروبي. وأضاف أن العلاقات الصينية- الأوروبية لا تستهدف أو تعتمد على أو تخضع لطرف ثالث، مشيرا إلى أن الصين مستعدة للعمل مع أوروبا من أجل التمسك بالتعددية الحقيقية. واستعرض الوزير آفاق علاقات بلاده مع روسيا، موضحا أنه كلما ازدادت الاضطرابات في العالم، ازدادت الضرورة لتقدم العلاقات الصينية- الروسية إلى الأمام بخطوات ثابتة. وأوضح أن العلاقة بين الصين وروسيا لا تشكل تهديدا لأي دولة، ولا تخضع لأي تدخل أو استفزاز من قبل أي طرف ثالث. وقال إن التعاون الصيني- الروسي سيقدم قوة دافعة لتعددية الأقطاب في العالم ودمقرطة العلاقات الدولية، ويوفر ضمانا للتوازن والاستقرار الإستراتيجيين في العالم. وأوضح تشين أن الصين لم تقدم أي أسلحة إلى أي من جانبي الصراع في أوكرانيا.

وبشأن سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط، أوضح تشين قانغ أن الصين ترغب في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والتعاون مع دول المنطقة لتحقيق التنمية والازدهار، ودفع الوحدة والتضامن في المنطقة. وقد كان لافتا أن يتم في التاسع من مارس الإعلان عن توصل السعودية وإيران والصين إلى اتفاق في بكين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، بحسب بيان مشترك للدول الثلاث. وقد شكرت كل من السعودية وإيران الصين على الدور الذي لعبته وجهودها في التوصل للاتفاق. واعتبر عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ يي، الاتفاق بمثابة نصر للحوار ونصر للسلام، قائلا إن الصين ستواصل لعب دور بناء في التعامل مع القضايا الشائكة في العالم وستظهر تحليها بالمسؤولية بصفتها دولة كبرى.

وحول رؤية الصين لهيكل النظام الدولي، قال تشين قانغ إن الصين ستأخذ تعددية الأطراف كطريق للمضي قدما، وستعزز بناء رابطة المصير المشترك للبشرية. وأكد على أن البلدان النامية ينبغي لها أن تتمتع بتمثيل أوسع وصوت أقوى في الشؤون الدولية، منوها إلى أن الصين ستعمل على بناء شراكات واسعة النطاق ودفع نمط جديد من العلاقات الدولية.

 

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4