على مقهى في الشارع الصيني < الرئيسية

عشر سنوات مع ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة))

: مشاركة
2024-08-13 16:54:00 :Source حسين إسماعيل:Author

في هذا العام، 2024، يكون قد مضى عشر سنوات على نشر المجلد الأول لسلسلة كتاب ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة))، الذي صدرت منه حتى الآن أربعة مجلدات. عقد من الزمان جرت خلاله في النهر مياه كثيرة؛ فقد شهدت الصين تغيرات تهز الأرض والسماء والبحر، وشهد العالم تحولات لم يسبق لها مثيل منذ قرن. عشر سنوات عايشت خلالها، عبر "حول الحكم والإدارة"، أفكار ورؤى الزعيم الصيني شي جين بينغ، الذي استلهم من التجارب الثرية والأفكار الخصبة والنظرة الثاقبة والرؤى التقدمية، مقولات وأفكارا تنطلق نحو آفاق رحبة لتحقق طموحات البشر وأحلامهم، وتبلور معطيات الحاضر وتستشرف المستقبل.

على مدى عشر سنوات، وفي ظل إصلاح شامل، قاد الرئيس شي جين بينغ الصين نحو مستقبل التحديث الصيني النمط بمزيد من الثقة، مع نضوج النظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية في البلاد على طول الطريق، فحققت الصين تحولات تاريخية ومنهجية وشاملة في العديد من المجالات.

أشير هنا إلى أنني ترجمت إلى اللغة العربية كتاب "مبادئ الحكم في الصين القديمة"، والذي استفدت منه كثيرا. عنوان الكتاب الأصلي هو "تشيونشو تشيياو"، وهو عبارة عن تلخيص موجز لمجموعة كتب وكتابات حول مبادئ الحكم المهمة، تتضمن النصح والسبل والملاحظات التاريخية حول نجاح وفشل الحكم الإمبراطوري للصين. تأخذنا تلك المجموعة من الكتب عبر آلاف السنين من التفكير السياسي الصيني، وتقدم لنا بعضا من مبادئ القيادة القيّمة التي ساعدت الإمبراطور تاي تسونغ (599- 649م) لأسرة تانغ (618-907م)، في تأسيس عصر تشنقوان (الحكم الصالح)، وثبتت صلاحيتها كنقاط مرجعية للقادة المعاصرين. وبالنسبة للعامة من الناس، تمثل تلك المجموعة من الكتب مصدرا عظيما للإلهام لتحسين الذات، وإدارة العلاقات العائلية والإنسانية. ولكن، وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشــارد نيكسون (1913- 1994)، في مذكراته التي نشرها عام 1978: "إن لدى الصين أسرارا لا متناهية، لذلك فإننا لن نعرف كل الشيء عن الصـين، ولكن ربما نستـطيع أن نتعلـم شيئا منها."

بالفعل، الصين بحار من المعرفة، ولكنها بحار عميقة تتطلب منك مواصلة الغوص فيها، وإلا ضللت الطريق وانتهيت إلى خلاصات خاطئة.

أزعم أنني خلال سنوات عملي الطويلة في الصين، عرفت الكثير عن هذا البلد العريق، بيد أن مشاركتي في تنقيح الطبعة العربية لكتاب ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة)) تظل علامة فارقة في فهمي وإدراكي لجوهر فكر وتاريخ وفلسفة وحكمة الصين، وممارسات وحوكمة الحزب الشيوعي الصيني. أقول دائما إن من يريد أن يعرف الصين حقا فلا مفر له من قراءة "حول الحكم والإدارة". ليست مهمة سهلة أن تنخرط في عمل بهذه القيمة والحجم، فهذا تحد لكل من شارك فيه، بدءا من الجمع والترتيب، مرورا بالترجمة والتنقيح، وصولا إلى النشر والتوزيع. لم أتردد لحظة في قبول المشاركة في هذا العمل، رغم علمي بأن المهمة ليست سهلة. وبالفعل واجهت صعوبات في صياغة عبارات عديدة بالكتاب الذي يتميز بجملة واسعة من الاستعارات والتشبيهات والأقوال والأفكار المستمدة من التراث والحكم الصينية العريقة، ينهل منها شي جين بينغ لشرح رؤاه وبيان أفكاره. ومن العبارات العديدة التي توقفت كثيرا أمامها، قوله: "يمكن كسر الحجر، ولكن لا يمكن تغيير صلابته، ويمكن سحق الزنجفر، لكن حمرته تظل باقية، والمياه يمكنها أن تحمل القارب، ويمكنها أن تقلبه أيضا. هذه الحقيقة لابد أن نحفظها جيدا، ولا يمكن نسيانها في أي وقت. أبناء الشعب هم السماء والأرض، إذا نسيناهم وانفصلنا عنهم، أصبحنا ماء بدون منبع وشجرة بدون أصل، ولن ننجز أي شيء." وقوله: "حكم بلد كبير صعب مثل طبخ سمكة صغيرة." ويستشهد السيد شي بأقوال من أعمال كلاسيكية صينية، ومنها قوله: "في كتاب ((ييجينغ ’التغيرات‘)) عبارة "مراقبة قانون سير السماوات للتعرف على التغيرات في المواسم. الاهتمام بأخلاقيات الناس وبناء ما تحت السماء بالتثقيف والتوعية‘"، و"يجب تعلم حقيقة عمل السماء والأرض، واستخدام مبادئ عملية ومناسبة لتوجيه حياة الناس". وفي كتاب ((لاو تسي)) عبارة "الإنسان يتبع قانون الأرض، والأرض تتبع قانون السماء، والسماء تتبع قانون ’طاو‘، و’طاو‘ يتبع الطبيعة". في كتاب ((منغ تسي)) عبارة: "بعدم مخالفة الموسم الزراعي، تكون المحاصيل الغذائية وافرة؛ بعدم استخدام الشبكة الضيقة الفتحات في الصيد، لن تنفد المنتجات المائية مثل الأسماك. بالذهاب إلى الجبال في موسم معين لقطع الأشجار، يكون استخدام الخشب مستداما". وفي كتاب ((شيون تسي)) عبارة: "عندما تنمو الأشجار والأعشاب، لا ينبغي قطعها بالفأس في الغابة، ولا ينبغي إنهاء نموها". وفي كتاب ((تشيمين ياوشو)) عبارة "الامتثال للأحوال الجوية‘"...

لم تكن السنوات العشر الماضية عادية في تاريخ الصين، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والدفاعي والاجتماعي، وإنما أيضا على صعيد مكانتها العالمية ودورها الفاعل في صياغة المفاهيم والمعايير الدولية، عبر سلسلة من المبادرات التي طرحتها وتنفذها وتحظى بقبول واسع في المجتمع الدولي. هذه المبادرات هي: "الحزام والطريق"، التي أطلقها الرئيس شي في عام 2013 وتعد الحجر الأساسي في سياسة الصين الخارجية؛ مبادرة "التنمية العالمية"، التي أطلقها الرئيس شي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر عام 2021؛ مبادرة "الأمن العالمي"، التي أُطلقت في إبريل عام 2022، وهي مكملة لمبادرة "التنمية العالمية" القائمة على الفكرة الصينية القائلة بأن الأمن شرط أساسي للتنمية، والتنمية هي ضمان للأمن؛ مبادرة "الحضارة العالمية"، والتي تركز على مجالات القوة الناعمة، مثل التعليم والثقافة والقيم.

قبل أكثر من عشر سنوات، عندما أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كان الكوكب لا يزال يراقب بحذر ما إذا كانت الصين يمكن أن تتطور بشكل مستدام، بل إن البعض في الغرب توقعوا أن تنتهي قصة صعود الصين بانهيارها. اليوم، أصبحت الصين بالفعل قوة عالمية كبرى. وظلت الصين حريصة على معرفة كيف سيُقيّم العالم نموها ويعلق على تطورها. ومثلما تعلم الصينيون أن يصبحوا مواطنين في قوة كبرى، يتعلم العالم أيضا التكيف مع الصين الصاعدة ذات القوة المتنامية بسرعة في كل جانب. من التشكيك في استدامة تنمية الصين، إلى التعود على حقيقة أن الصين قوة عالمية رئيسية لها تأثير عالمي، مر العالم أيضا بعملية فهم الصين في العقد المنصرم، وقد ساعد في ذلك إلى حد كبير كتاب "حول الحكم والإدارة"، الذي يحوي بين دفتيه كلمات وأحاديث ورسائل الرئيس شي جين بينغ في مناسبات مختلفة.

لا بد من الاعتراف بأن وجهات نظر العالم بشأن الصين معقدة، حيث تفكر الدول النامية في كيفية الاستفادة من تنمية الصين وإلى أي مدى ترغب الصين القوية في إصلاح النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب، ويشعر الغرب بالقلق من أن النمو الذي لا يمكن إيقافه في الصين قد يغير بشكل شامل النظام العالمي الحالي الذي يخدم مصالح مجموعة صغيرة من البلدان، بعضها يبحث عن طرق للتعايش السلمي مع الصين، بينما يدفع البعض الآخر المنافسة والمواجهة لاحتواء الصين.

من النظر إلى الصين بازدراء إلى المبالغة في تقدير القوة الصاعدة للصين، وحتى شيطنة تنمية الصين من خلال نظرية التهديد الصيني، غيرت الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها الغربيين وجهات نظرهم وإستراتيجياتهم في التعامل مع التطور الذي لا يمكن وقفه للصين في العقد الماضي. يقول خبراء إن الولايات المتحدة الأمريكية وجدت أنه بسبب هيمنتها غير المعقولة في العديد من المجالات، فإنها تواجه الآن تحديات وتهتز.
في عام 2023، وصل الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى مستوى قياسي بلغ 06ر126 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا)، مسجلا نموا بنسبة 2ر5% على أساس سنوي، متجاوزا نسبة 5% المستهدفة. كما ارتفع الإنتاج الصناعي ذو القيمة المضافة، وهو مؤشر اقتصادي مهم، بنسبة 6ر4% على أساس سنوي، في حين زادت مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية، وهي مؤشر رئيسي لقوة الاستهلاك، بنسبة 2ر7% على أساس سنوي لتصل إلى 15ر47 تريليون يوان. في تقرير أعمال الحكومة المقدم إلى"الدورتين السنويتين" لعام 2024، تم تحديد معدل النمو المستهدف لعام 2024 بنسبة 5% تقريبا.

سجلت الصين منذ عام 2012، الذي تولى فيه شي جين بينغ الحكم، فصلا رائعا في التنمية الاقتصادية خلال رحلة غير عادية من عام 2012 إلى 2024، حيث تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مائة وستة وعشرين تريليون يوان، وتجاوز متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عشرة آلاف دولار أمريكي، وتم بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وبدأت رحلة جديدة لبناء الصين دولة اشتراكية حديثة بشكل كامل وتحقيق الهدف المئوي الثاني. في السنوات العشر الماضية، تم تشكيل سوق طلب محلية قوية بحجم اقتصادي إجمالي يزيد على مائة تريليون يوان، بعدد سكان يبلغ أكثر من مليار وأربعمائة مليون نسمة، من بينهم نحو أربعمائة مليون ينتمون إلى فئة الدخل المتوسط، وارتفع الترتيب العالمي لبيئة الأعمال في الصين من المرتبة السادسة والتسعين في عام 2013 إلى المرتبة الحادية والثلاثين حاليا، ويحتل حجم الاستثمار الأجنبي في الصين المرتبة الأولى بين الدول النامية.

يكشف كتاب ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة)) في مجلداته الأربعة عن قدرة الرئيس شي على التحليل ونفاذ البصيرة والحكمة والتنظيم السليم، وتأكيده وتمسكه منذ بداية توليه منصبه بمفهوم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وأهميتها في تحقيق تنمية الصين، نظرا لارتباط تلك المفاهيم بمسيرة جمهورية الصين الشعبية منذ تأسيسها عام 1949، وكونها جزءا لا يتجزأ من تطور الأمة الصينية. إن تأمل مسيرة شي جين بينغ في مختلف مراحل حياته توفر مرجعية مهمة لدراسة أفكار الزعيم الصيني التي أضحت مكونا محوريا للفكر الصيني الحديث. ولعل الملمح الأبرز لفكر شي جين بينغ هو ارتباطه بماضي الصين وواقعها ومحيطها الإقليمي والدولي ورؤيته لمستقبل بلاده في عالم شديد التغير. ويتميز فكر شي جين بينغ بالتماسك والاستمرارية والابتكار، واستنباط الحل من المشكلة، ومقاربة الواقع استنادا إلى الخبرات التاريخية وتجارب الآخرين، مع قدرة كبيرة على التكيف والتعديل.

عندما أسترجع السنوات العشر المنصرمة، وأستعرض الإنجازات التي حققتها الصين تحت القيادة الجماعية للحزب الشيوعي وفي القلب منها السيد شي جين بينغ، يزداد يقيني بأن الصين تقف على الجانب الصواب من التاريخ.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4