كانت حرب مقاومة الشعب الصيني ضد العدوان الياباني محطة مفصلية في تاريخ البشرية، ليس فقط لأنها أنقذت الأمة الصينية من مصير مظلم، وإنما أيضا لأنها أنقذت الحضارة الإنسانية من مآلات مخيفة. أبرزت هذه الحرب تلاحم الأمة الصينية بكافة أطيافها السياسية والاجتماعية والعرقية، فكان النصر فيها حقا وفخرا لكل مواطن صيني. في هذه الحرب، عانى من المآسي التي سببها الغزاة اليابانيون أبناء الأقليات القومية الصينية، ومنهم أبناء قومية هوي. انتهج الغزاة اليابانيون ما عرف بـ"سياسة القتل" ضد أبناء هوي، فدمروا العديد من المساجد، وبعد مذبحة نانجينغ، كانت مساجد نانجينغ مليئة بالجثث.كما طبق اليابانيون سياسة قمع اقتصادي أدت إلى تشريد العديد من أبناء هوي وفقدهم لوظائفهم.
لم تفلح محاولات المعتدين البائسة في شق صف التلاحم الوطني للصينيين. قدم أبناء الأقليات القومية الصينية تضحيات سجلها التاريخ بحروف من نور من أجل إنقاذ وطنهم، ولنصرة الحق. انخرط أبناء الأقليات في النضال من أجل السيادة الوطنية ضمن جبهة موحدة واسعة في حرب المقاومة التي خاضتها الأمة بأكملها، والتي عززت المشاعر الوطنية المشتركة للصينيين وهويتهم الوطنية.
كان أبناء قومية هوي في طليعة المدافعين عن وطنهم، تجسيدا لعقيدتهم الراسخة بأن "حب الوطن من الإيمان". أثناء حرب المقاومة ضد الغزاة اليابانيين، ربط أبناء قومية هوي مصيرهم بمصير الوطن الأم، وأبرزوا روح قوميتهم في التضحية لحماية مصالح البلاد ووحدتها. من جبهة المعارك إلى القواعد الخلفية، ومن المدن إلى الأرياف، كان أبناء هوي يوجدون أينما وجدت نيران ضد العدوان الياباني، وقد جاء في دفتر "قضية قومية هوي" الصادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أنه "أثناء حرب مقاومة الشعب الصيني ضد الغزو الياباني، احتلت قومية هوي مكانة مهمة، باعتبارها قوة عظيمة".
لعبت عقيدة "حب الوطن من الإيمان"، دورا روحيا في توحيد كل أبناء قومية هوي بمختلف الفئات الاجتماعية في أنحاء البلاد، لإنقاذ الوطن من تلك الكارثة، وكانت قوات جيش الطريق الثامن والجيش الرابع الجديد للحزب الشيوعي الصيني، والقوات النظامية لحزب الكومينتانغ، تضم عددا كبيرا من القادة والجنود من أبناء قومية هوي، ومنهم باي تشونغ شي، ما هونغ بين، ما هونغ كوي، ما بو فانغ، وما بن تشاي. كما كانت هناك عشرات المجموعات من قوات هوي المسلحة التي قاومت الغزاة اليابانيين، منها "فصيلة قومية هوي" و"الفيلق الإسلامي" و"فرقة قومية هوي الاستقلالية"، وغيرها. من أشهر تلك المجموعات، فصيلة جيتشونغ (منطقة وسط مقاطعة خبي) لقومية هوي بقيادة ما بن تشاي.
في الثاني عشر من أغسطس عام 2009، نشرت صحيفة ((تشينا ديلي)) الصينية التي تصدر باللغة الإنجليزية، مقالة بعنوان "ما بن تشاي.. بطل خالد"، سلطت الضوء على هذا المقاتل الأسطوري الذي ولد في عام 1901 لأسرة مسلمة فقيرة، بمحافظة شيانشيان في مقاطعة خبى، وغادر موطنه وهو في سن البلوغ إلى شمال شرقي الصين، وانضم إلى الحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 1938.
في أكتوبر 1937، نظم ما بن تشاي جيشا من المتطوعين من قومية هوي لمناهضة اليابان، قوامه ستون فردا.في يوليو 1938، أُعيد تنظيم الجيش ليصبح فرقة تدريب قومية هوي التابعة لقيادة منطقة خبي العسكرية المركزية، بقيادة ما بن تشاي.في أغسطس 1939، أُعيد تنظيم فرقة تدريب قومية هوي لتصبح مفرزة قومية هوي التابعة للطابور الثالث من جيش الطريق الثامن، بقيادة ما بن تشاي.حظيت مفرزة قومية هوي بمحبة الشعب، لما كانت تتمتع به من شجاعة وانضباط. ونتيجة لذلك، ازداد عدد أفرادها بسرعة إلى أكثر من ألفي جندي.
بحلول نهاية عام 1938، سقطت جميع المناطق الريفية والحضرية في شمالي الصين في أيدي المعتدين اليابانيين.ألحقت مفرزة قومية هوي خسائر فادحة بالقوات اليابانية بقيادة ياماموتو إيسوروكو، التي جاءت لمهاجمة خهجيان.أدرك ياماموتو إيسوروكو أن مفرزة قومية هوي لا يمكن هزيمتها بالقوة، فاعتقل والدة ما بن تشاي وطلب منها إقناع ابنها بالاستسلام.في مواجهة ترهيب العدو، صمدت والدته وشجبت بسخط المعتدين والخونة اليابانيين، وأضربت عن الطعام حتى لقيت حتفها.
في اليوم الذي أُسرت فيه والدته على يد العدو، كان ما بن تشاي يقود قواته في مواجهة المعتدين اليابانيين في منطقة شرق نهر تسييا.وعندما علم بالخبر، كان الأوان قد فات لإنقاذ والدته. حول ما بن تشاي حزنه إلى قوة، وقاد قواته لشن ضربات أشد على المعتدين اليابانيين على طول نهر تسييا، محققا انتصارا تلو الآخر.
في السابع من فبراير 1944، انهار ما بن تشاي من شدة العمل الشاق، وتوفي بمستشفى عسكري في قيادة منطقة خبي- شاندونغ- خنان العسكرية. وقد أشاد الجنرال تشو ده، القائد الأعلى لجيش الطريق الثامن، بالبطل ما بن تشاي ووالدته في بيتين من الشعر، قال فيهما: إرادتكما ثابتة أبدا يا خير قدوة لقوميتي هوي وهان..استقامتكما خالدة أبدا أيتها الأم البطلة والابن البطل. وفي السابع عشر من مارس 1944، كتب الزعيم الصيني ماو تسي تونغ رثاء له: "الرفيق ما بن تشاي خالد".
خارج حدود الوطن، لم يكن نضال أبناء القوميات الصينية أقل أهمية. بعد الغزو الياباني للأراضي الصينية، شكل الدارسون الصينيون في الأزهر الشريف بمصر قوة مدافعة عن حق الصين في التصدي للعدوان الياباني وفضح جرائم اليابانيين. في سنة 1938، قام الإصلاحي الصيني المعروف تاو شينغ تشي، بزيارة ست وعشرين دولة في أوروبا وآسيا وأفريقيا، كـ"مبعوث دبلوماسي وطني"، للتعريف بحرب مقاومة الصينيين ضد الغزاة اليابانيين وإنقاذ الوطن. وعن زيارته إلى مصر، قال السيد تاو في مقال نشرته جريدة ((شينخوا اليومية)) التي كانت تصدر في مدينة تشونغتشينغ: "تحت ظلال الأهرامات المكسوة بالشمس الغاربة على ضفاف النيل، انتشر صوت غناء ((مارش المتطوعين)) المهيب إلى حافة الصحراء. كان ذلك الصوت هو صوت الطلاب المبعوثيتن من قومية هوي." سافر الطلاب الصينيون الأزهريون إلى مكة للقيام بحملة إعلامية واسعة النطاق حول مقاومة الصين ضد الغزاة اليابانيين، في موسم الحج. خلال تأدية فريضة الحج أتم العلامة الصيني ما جيان (محمد مكين) كتابة ((رسالة إلى جميع المسلمين في العالم)) باللغة العربية. وفي الثالث عشر من مايو 1938، أذاعها لين تشونغ مينغ في محطة الإذاعة المصرية بالقاهرة، ثم نشرها في الصحف العربية.
في السابع من يوليو عام 1937، افتعل الجيش الياباني عمدا حادثة 7 يوليو (حادثة جسر ماركو بولو)، التي طالب فيها الجيش الياباني بالبحث عما زعم بأنه جندي مفقود في بلدة وانبينغ بالقرب من بكين. كانت هذه الحادثة إيذانا بإطلاق شرارة الغزو الياباني للصين على نطاق واسع وأثرت على مسار التاريخ الصيني الحديث. بدأ الغزو الشامل للصين، وقاوم جيش الصين وشعبها الغزاة اليابانيين ببسالة. دخلت الصين بذلك مرحلة حرب المقاومة التي خاضتها الأمة بأكملها. دعا الحزب الشيوعي الصيني لتشكيل الجبهة الوطنية المتحدة للمقاومة ضد العدوان الياباني، على أساس التعاون بين حزب الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني.
بعد هذه الحادثة، وبرغم أن الطلاب الصينيين من قومية هوي الدارسين بالأزهر كانوا بعيدين عن الوطن، دفعهم حبهم لوطنهم إلى تأسيس رابطة تقديم المعونات إلى المنكوبين في مناطق الصراع داخل الصين. تولى الأستاذ ما جيان منصب سكرتير هذه الرابطة، وشرح للعرب والمسلمين حقائق مقاومة الشعب الصيني ضد الغزو الياباني، وجمع التبرعات لدعم هذه المقاومة.
في عام 1937، بعد وقت قليل من عودة بعثة الحج الصينية برئاسة الشيخ ما لين، رئيس حكومة مقاطعة تشينغهاى، كانت القوات اليابانية قد احتلت شانغهاي، وقطعت طريق الحج البحري التقليدي للمسلمين الصينيين، مما أثار غضب من كان يستعد من الصينيين المسلمين للحج. من أجل إظهار حبهم للدين والوطن، سافر مئات المسلمين الصينيين عن طريق البر مرورا بهضبة شيتسانغ والهند، ثم بالسفن إلى مكة المكرمة للحج، متجشمين مشقة السفر وطول وقته وتكلفته. وقد أكد أعضاء وفد الحج الصيني قبل مغادرتهم عزمهم على تعريف مسلمي العالم بالظلم والغبن الذي يعيشه الصينيون تحت الاحتلال الياباني، والسعي إلى الحصول على تعاطف حكومات وشعوب العالم.حظيت جهودهم بتقدير عال من كافة الجهات.
بعد سقوط شانغهاى، كان اليابانيون يشنون حملة دعائية دولية ضد الصين، من أجل رسم صورة مزيفة لعدوانهم على الصين والزعم بأن الصين تعيش في سلام وازدهار تحت احتلالهم، مما أدى إلى تضليل بعض الأجانب وإساءة فهمهم لنضال الصينيين ضد اليابان. لهذا اغتنم المعلم المشهور دا بو شنغ، ابن قومية هوي، فرصة سفره لتأدية الحج، وراح يشرح ويوضح في دول شرقي آسيا وبلاد العرب حقيقة حرب المقاومة الصينية ضد الغزو الياباني.
ومن أجل مقاطعة "بعثة حجاج قومية هوي بشمالي الصين" المزعومة التي أرسلتها سلطة الاحتلال الياباني للصين بغرض تضليل الرأي العام العالمي، نظم الطلبة الصينيون بالأزهر في مصر برئاسة ما جيان في يناير عام 1939 وفد حج باسم "بعثة حجاج قومية هوي الصينية" وسافروا من القاهرة إلي مكة لتأدية فريضة الحج، وفي طريقهم ألقوا الخطب ووزعوا المنشورات التي كشفت جرائم القوات اليابانية، وجعلوا كثيرا من مسلمي العالم يعرفون الحقيقة، ويغيرون موقفهم من الحرب ضد اليابان، ويتعاطفون ويدعمون المقاومة الصينية. بعد وصولهم مكة المكرمة، شرع وفد مكين يراقب تحركات بعثة الحج للحكومة العميلة لليابان مراقبة صارمة، وعاتب مكين ورفاقه أفراد تلك البعثة وحذروهم من قول شئ أو القيام بأي عمل باسم الصينيين المسلمين، وطبع وفد الحج الصيني الأزهري مطبوعات إعلامية باللغة العربية حول حرب مقاومة الصينيين للعدوان الياباني ووزعوها على بعثات مختلف الدول، والتقوا بملك السعودية، عبد العزيز آل سعود، حيث أطلعوه على موقف مسلمي الصين الموحد من قضية مقاومة العدوان الياباني وإنقاذ الوطن، وطلبوا دعم وتعاطف السعودية. بعد رحلة حج طلبة الأزهر الصينيين، توقفت السلطات العميلة للاحتلال الياباني عن إرسال وفد الحج.
تقديرا لجهود الصينيين المسلمين في النضال ضد العدوان الياباني، وقع تشانغ كاي شيك، رئيس حكومة الكومينتانغ، في عام 1940 بيانا وصف مسلمي الصين بأنهم وطنيون بواسل، هبوا موحدين لمقاومة العدوان الياباني، منهم من يناضل بالبندقية ومنهم من يجمع التبرعات، وآخرون يدعون لقضية الصينيين العادلة في مكافحة العدوان الياباني. وجاء في ذلك البيان أيضا، أنه في تلك الحرب المصيرية والحاسمة للشعب الصيني في مكافحة الغزو الياباني، لم يهتم المسلمون الصينيون إلا بسلامة الوطن وإنجاز تلك المهمة التاريخية، وما قام به المسلمون لم يحظ باحترام وتقدير عال من قبل الصينيين غير المسلمين فحسب، وإنما أيضا حاز تعاطف ودعم الأصدقاء الأجانب، وإن ذلك يمثل حافزا لكل الصينيين للنهوض الذاتي.
ما سبق سطور من صفحة في سجل الانتصار العظيم الذي حققه الصينيون في مقاومتهم للعدوان الياباني. ولعل أهم ما يمكن استخلاصه من دروس هذه الفترة الحالكة السواد في تاريخ البشرية، هو أن العدوان مهما كان جبروته إلى زوال، وأن الحق ينتصر في النهاية، وأن السلام والتنمية هما السبيل لتقدم البشرية. الآن، وبعد ثمانين عاما من الانتصار على الفاشية، يشهد العالم تغيرات متسارعة لم يشهدها منذ قرن من الزمان. لا تزال الأزمة الأوكرانية مستمرة، والعدوان الإسرائيلي على الفلسطينين في غزة يزداد ضراوة، والتوترات في مناطق مختلفة من العالم تتصاعد، وبعض القوى الكبرى تسيء استخدام العقوبات الجمركية من خلال انتهاج سياسات أحادية، ويتواصل تفاقم العجز في مجالات السلام والتنمية والأمن والحوكمة.
لقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن "أثمن درس تعلمناه من انتصار حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية هو الالتزام الراسخ بمسار التنمية السلمية". لا تجلب الحرب إلا معاناة هائلة. والتنمر والهيمنة مصيرهما الفشل. لا يمكننا منع تكرار مآسي التاريخ إلا من خلال التمسك بالتعددية واحترام سيادة جميع الدول وحقوقها في التنمية والرخاء.