سياحة < الرئيسية

قرى قومية دونغ.. موطن الشعر وبحر الموسيقى

: مشاركة
2021-06-21 08:28:00 الصين اليوم:Source تشاو يان تشينغ:Author

تقع بلدة تشاوشينغ في محافظة ليبينغ بولاية تشياندونغنان الذاتية الحكم لقوميتي مياو ودونغ في مقاطعة قويتشو بجنوب غربي الصين، وهي واحدة من أكبر البلدات لقومية دونغ في الصين، حيث يقطن أبناء قومية دونغ منذ مئات السنين وحافظوا على لغتهم الأم بشكلها الشفهي والمكتوب. تحتوي ثقافة قومية دونغ على ثلاثة كنوز فريدة: أبراج الطبول وجسور الرياح والمطر والموسيقى المتعددة الألحان. تحمل المنطقة التي يعيش فيها أبناء قومية دونغ لقب "موطن الشعر وبحر الموسيقى".

حياة حافلة بالغناء

الغناء جزء لا يتجزأ من ثقافة قومية دونغ. فتجد الطفل الصغير يصبح قادرا على الغناء بمجرد أن يكتسب القدرة على الكلام، وأبناء دونغ يغنون في حياتهم اليومية، والشاب يغني عندما يتقدم لخطبة فتاة.  هم يجيدون الغناء في تناغم من دون مرافقة آلات موسيقية أو قائد فرقة موسيقية. تشمل مجموعة أغنياتهم الأغاني المقلدة التي تختبر براعة فناني الأداء في تقليد الأصوات من الطبيعة، مثل زقزقة الطيور والحشرات وهدير المياه المتدفقة أسفل الجبال الشامخة. في الموسيقى، يمكن سماع صوت الزهور والرياح التي تهب عبر الوديان. يُعرف أسلوب الغناء المتعدد الأجزاء لقومية دونغ باسم "الأغنية الكبرى"، ولها تاريخ طويل، يعود تاريخها إلى "أغنية مراكبي مملكة يويه"، التي كُتبت في فترة الربيع والخريف (770- 476 قبل الميلاد). تطورت "الأغنية الكبرى" مع تغير الأسرات الإمبراطورية، وتم إدراجها في عام 2009 في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

على النقيض من "الأغنية الكبرى" التي يتم أداؤها في مجموعات في مساحات مفتوحة كبيرة، فإن الأغنية الشعبية "أغنية القمر والحب" الخاصة بأبناء قومية دونغ، أغنية رومانسية وشخصية وساحرة ورشيقة. عندما تبلغ الفتاة من قومية دونغ سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة تنخرط مع الفتيات الأخريات من نفس عمرها في مجموعات من ثلاثة إلى خمسة أفراد للخياطة والتطريز وصنع نعال الأحذية وغيرها من الأنشطة الجماعية، في انتظار شباب من نفس أعمارهن لزيارتهن. في الوقت نفسه، يشكل الشبان من قومية دونغ أيضا مجموعات خاصة بهم ويأخذون آلات موسيقية مثل بيبا (عود رباعي) ونيوتويتشين (آلة موسيقية منحنية ذات وترين لأبناء قومية دونغ) ومزامير دونغ، التي يصنعونها يدويا ويذهبون إلى تجمعات الفتيات ويغنون أغنيات غرامية على أمل بدء علاقة عاطفية.

تحدث لقاءات الشبان والفتيات غالبا في دار كبيرة واسعة لعائلة فتاة. يبدأ اللقاء بدعوة من سيدة الدار، وتكون في العادة شابة، إلى صديقاتها للحضور إليها بغرض تجاذب أطراف ومشاطرة أحلامهن العاطفية أثناء القيام بأعمال الإبرة. بعد ذلك يأتي الشبان ويختلطون معا، ويعبرون عن مشاعرهم تجاه بعضهم البعض. يتم معظم ذلك من خلال العزف على الآلات الموسيقية وغناء أغاني الحب بأسلوب التناوب بين مجموعتين. الأغاني العاطفية تجعل ليالي قرى دونغ الهادئة مفعمة بالحيوية. أثناء الغناء، تتدفق الألحان التي يتم عزفها على مزمار دونغ مثل تيار محتدم في قلوب الشابات. تستمر حفلات السمر هذه حتى الفجر. بالإضافة إلى الدور الفسيحة، يمكن أن تتم هذه اللقاءات أيضا في بناية يسميها المحليون "قاعة القمر".  بعض قرى دونغ تفتح أبراج الطبل فيها للشباب ليقوموا بأنشطتهم التي تدور حول التودد والغزل.

برج الطبل يجمع أهل القرية

أبراج الطبل سمة مميزة لقرى قومية دونغ. أينما توجد قرية فيها عدد كبير من أبناء دونغ، يوجد برج للطبل. برج الطبل هو هيكل خشبي بالكامل يشيد على شكل شجرة الأرز. يكون برج الطبل أعلى بناية في قرية أبناء دونغ، وقد سمي بهذا الاسم بسبب وجود طبل كبير داخله. برج الطبل هو مكان اللقاءات الجماعية لأهل القرية في المناسبات الاحتفالية. ترتبط ثقافة أبناء قومية دونغ ارتباطا وثيقا بأبراج الطبل، فكل الأنشطة الاجتماعية الكبيرة تقام تحت سقف برج الطبل، الذي بات رمزا لثقافة دونغ التي تسمى أيضا بثقافة برج الطبل.

في وسط الطابق السفلي من برج الطبل، حفرة نار مطعمة بالحجر الأزرق، وتحيط بها أربعة مقاعد. توجد أربعة أعمدة رئيسية سميكة على كل جانب من جوانب حفرة النار تمتد حتى السطح، إضافة إلى اثني عشر عمودا داعما تمثل الفصول الأربعة والاثني عشر شهرا. ترتفع المستويات المتتالية لهيكل البناية بطريقة تجعل المركز مفتوحا. المساحة الكبيرة المفتوحة حول البرج الأسطواني هي منطقة الاجتماعات العامة لأبناء قومية دونغ المقيمين في القرية.

الدلالة الروحية لبرج الطبل أنه يرمز إلى الازدهار والسعادة والوحدة. إنه رمز لقومية دونغ وقراهم. تسجل أبراج الطبل بهدوء كل لحظة من حياة أبناء قومية دونغ، من لحظات الاسترخاء الجميلة عندما يعبر الشبان والفتيات عن عواطفهم بالغناء، إلى الأوقات التي يرحب فيها القرويون المحليون بحرارة بالزوار من خارج القرية، إلى المناسبات الجادة عندما يتخذ كبار القرية قرارات هامة. تقام هنا أيضا مراسم الزفاف والجنازة. برج الطبل مكان مفتوح لأفراح وأتراح القرية. الغرض الأصلي من برج الطبل في قديم الزمان كان دق ناقوس الخطر إذا اقترب أعداء غزاة وطلب المساعدة من القرى المجاورة.

الاحتفال السنوي الأكثر انتشارا وصخبا هنا هو "مهرجان ساما". ساما هو اسم بطلة في المجتمع الأمومي القديم لأبناء قومية دونغ. في يوم المهرجان، يكون المكان مفعما بالحيوية، ويجتمع أبناء دونغ معا لتذكر هذه البطلة والصلاة من أجل مستقبل مزدهر ومحاصيل جيدة.

يقع برج طبل شينتوان في بلدة تشاوشينغ بجوار بركة مياه صغيرة، وتحيط به البيوت المقامة على دعامات، فيبدو البرج وكأنه أم تعتني بأطفالها. على جانبي نهر تشاوشينغ، يمكن رؤية الدور المبنية على ركائز مغطاة بقراميد خضراء صغيرة هنا وهناك مرتبة من دون نظام معين. تصنع جدران بيوت أبناء دونغ وأبوابها ونوافذها من الخشب، مما يمنحها مظهرا عتيقا وجذابا. هنا تشعر بالدفء في الشتاء وبالبرد في الصيف. يعيش أبناء قومية دونغ بجوار النهر الهادئ منذ أجيال. بين البيوت، قد يوجد نُزل في دار عتيقة مع لافتة خشبية معلقة فوق مدخل النُزل الأمامي، مما يجعلها ملفتة للنظر. المنطقة التي على جانبي النهر تكون أكثر هدوءا من المنطقة المحيطة بالبرج الأسطواني.

جسور الأزهار

هذا النوع من الجسور التقليدية لقومية دونغ يسمى أيضا بجسور الرياح والمطر، لأن أبناء دونغ يشيدون سقائف فوق الجسور لتوفير مأوى من الرياح والطقس القاسي. منذ أن عاش السكان المحليون بجانب الأنهار لعدة قرون، تراكمت لديهم ثقافة غنية في إبداع أنماط مختلفة من الجسور باستخدام مواد مختلفة. هناك جسور قوسية حجرية وجسور من الخيزران وجسور خشبية، إلخ. بل إنهم قد يستخدمون شجرة ضخمة مقطوعة كجسر بعد معالجة بسيطة. أسلوب الجسر الأكثر تمثيلا ثقافيا لأبناء قومية دونغ هو "جسر الأزهار". بالإضافة إلى وظيفته في تسهيل عبور الناس للنهر ذهابا وإيابا، يكون هذا الجسر أيضا ساحة عامة للناس للحصول على قسط من الراحة، والاحتماء من المطر ومقابلة الأصدقاء والاستمتاع بالمناظر المحيطة. إن جسر منغماو في بلدة تشاوشينغ واحد من جسور الأزهار، يتميز بشكل مزخرف لاثنين من التنانين الجامحة يلعبان بخرز، منحوت على الجزء العلوي من مقصورة الجسر.

جسور الزهور المزينة بشكل جميل ليست مجرد وسيلة لعبور النهر. في الليالي المقمرة الصافية عندما تضيء النجوم السماء، تبدأ زهرة الشباب في التفتح على هذه الجسور عندما يعبر الشبان والفتيات عن حبهم لبعضهم البعض من خلال الأغاني.

من بين هذا النوع من الجسور يوجد أيضا جسر تانغآن القديم، الذي يختفي بين الحقول المدرجة. تحولت عوارضه وأعمدته إلى اللون الأخضر الزمردي بعد أن تعرض لكثير من الرطوبة في الطقس الممطر والضبابي. تتدفق الينابيع أسفل الجسر فتثير زبدا تحتها، وعند السير على أرضية الجسر تصدر صريرا. في الأيام الممطرة والضبابية التي تحدث بين الحين والآخر، يبدو من يعبرون الجسر وكأنهم مغمورون في سحب سحرية. في الليالي المقمرة الضبابية، يمكن سماع صوت الغناء منبعثا من جسور الزهور المخبأة في أعماق الضباب. يجلس أبناء القرية في تجمعات لفردين أو ثلاثة، في مشهد يأسر القلوب.

على مدى السنوات القليلة الماضية، تراجعت ظاهرة الغناء المتبادل بين الشبان والفتيات بشكل تدريجي. نظرا لعدم وجود مدارس إعدادية في القرى الصغيرة والمتوسطة الحجم في المنطقة، يتعين على معظم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر وستة عشر عاما أن يغادروا قراهم من أجل الدراسة في مدرسة داخلية، وممارسة تمارين القراءة في الصباح والدراسة الفردية في المساء. عندما يعودون إلى عائلاتهم في عطلات نهاية الأسبوع، يظل لديهم الكثير من الواجبات المدرسية لإنهائها قبل العودة إلى المدرسة في يوم الاثنين التالي. ونتيجة لذلك، لا يكون لديهم وقت للغناء وصقل مهاراتهم في أسلوبهم الموسيقي التقليدي.

الغذاء متعة الحياة

يرتفع دخان الطبخ من دور القرية ثلاث مرات كل يوم، ويغطيها بأكملها. ثم، بعد أن يتناثر الدخان، يمتلئ الهواء برائحة الخشب المحترق. توجد أكوام من الحطب مكدسة بعناية أمام وخلف كل دار. يقدّر أبناء دونغ الحطب بشكل كبير، ويتضح ذلك خلال احتفالات اليوم الأول من العام الجديد. في ذلك اليوم، يقيم أهل القرية احتفالا كبيرا بالحطب، يرتدون خلاله ملابس جديدة، ويأخذ كل منهم منجلا مربوطا بقطعة من الحرير الأحمر ويذهبون إلى الجبال لقطع الحطب، ويعتبرون جمع الحطب اكتسابا للثروة. سرعان ما يُسمع صوت قطع الحطب في جميع أنحاء الغابات الصامتة المحيطة. العودة إلى المنزل مع الحطب المقطع ترمز إلى أنهم عادوا بنجاح إلى ديارهم بثروة كبيرة. يتم ربط الحطب الذي يبلغ طوله ذراعا في حزم بأشرطة حمراء، ويوضع في الغرفة الرئيسية وغرفة التخزين والمطبخ كرمز للازدهار والرخاء.

مقاطعة قويتشو منطقة جبلية، وتتميز المدرجات الموجودة على المنحدرات بسمات فريدة خاصة بها. الحقول المدرجة حول قرية تانغآن جميلة تفوق الوصف. ما يميز هذه الحقول المدرجة عن الأماكن الأخرى هو أن تلالها حجرية وليست ترابية. منحدرات حقول تانغآن المدرجة شديدة الانحدار لأن التضاريس هنا شديدة الانحدار وصخرية، مما يجعل من الصعب تسوية مساحات كبيرة من الأرض. نتيجة لذلك، وضع الناس الكثير من العناية والجهد في بناء الحقول الحجرية المدرجة. وفقا لكبار السن في القرية، لا ينبغي أن يعمل أكثر من شخص في عمل سلسلة من التلال الحجرية، لأن وزن الكثير من الاشخاص قد يؤدي إلى انهيار المصطبة.

على الجبل خلف قرية تانغآن، توجد حقول حجرية مدرجة تشبه سور الصين العظيم، وهي رمز إلى ثقافة زراعة الأرز عند أبناء قومية دونغ وروح العمل الدؤوبة في التغلب على بيئتهم المعيشية القاسية. خلال فترة الإمبراطور قوانغ شيوي (1871-1908) في أسرة تشينغ (1644- 1911)، تخلى بان تشوان دا، من قرية تانغآن لقومية دونغ، البالغ من العمر 61 عاما، عن وظيفته ذات العائد الكبير والتي مارسها لسنوات عديدة، وقرر تحويل الجبل الجرداء إلى أرض خصبة. على مدار اثنتي عشرة سنة متتالية، عاش على الجبل وجمع الصخور بنفسه، وأكمل أخيرا هذه التحفة الفنية من الحقول المدرجة وقد بلغ عمره ثلاثة وسبعين عاما. اليوم، بعد مرور أكثر من قرن، مازال "السور العظيم" الذي تشكله هذه الحقول المدرجة قائما، رغم أن العشب الأخضر ينمو بين الصخور ويغطيها في أماكن كثيرة. يمر القرويون بالحقول كل يوم، فيما يجمعون العشب كعلف لحيواناتهم ومواشيهم. ربما لم تعد لهم حاجة لإعادة سرد قصة هذه الحقول المدرجة، ولكن روح العمل الجاد التي تظهرها أصبحت بالفعل جزءا لا يتجزأ من كيانهم.

--

تشاو يان تشينغ، كاتب عمود حول السياحة والسفر.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4