سياحة < الرئيسية

تاريخ وثقافة قومية مياو في جبال مياولينغ

: مشاركة
2021-11-26 14:04:00 الصين اليوم:Source تشاو يان تشينغ:Author

تتمتع قومية مياو ‏بتاريخ طويل وثقافة عريقة ومعتقدات قديمة، ولديها أزياؤها الفريدة المتميزة، ومواهب الغناء والرقص، بالإضافة إلى مساكنها الفريدة المتنوعة. واصل أبناء قومية مياو الهجرة على مر التاريخ، وصولا إلى العصر الحديث، وبعضهم هاجر تدريجيا إلى دول جنوب شرقي آسيا، ثم إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. في الوقت الحاضر، يتوزع أبناء قومية مياو في الصين بشكل أساسي في ثماني مقاطعات ومناطق ومدن في جنوب غربي الصين وجنوبي وسط الصين، من بينها مقاطعة قويتشو التي يتجمع فيها أكبر عدد من أبناء قومية مياو بالصين، حيث ينتشرون في جميع أنحاء المقاطعة، وخصوصا في ولاية تشياندونغنان الذاتية الحكم لقوميتي مياو ودونغ.

الحياة في الجبال على ضفاف الأنهار

بعد البحث الوثائقي، تأكد المؤرخون من أن أبناء قومية مياو الذين يعيشون على ضفاف نهر شيجيانغ هم أحفاد تشييو (زعيم قبيلة جيولي في العصور القديمة في الصين) المباشرين، وبعد المعاناة من العديد من الحروب والهجرات، اختاروا الهروب والاختباء في أعماق الجبال، وبناء منازل لهم على سفح جبل ليقونغ، واستصلاح أراضيه، وعاشوا هناك منذ آلاف السنين. عاش أبناء قومية مياو في الجبال على ضفاف الأنهار، وترعرعوا متأثرين بالجبال والمياه الجميلة. يقع جبال مياولينغ في قويتشو بجنوب غربي الصين، وهو خط فاصل بين نهر اللؤلؤ ونهر اليانغتسي، وسُمي بهذا الاسم نسبة إلى أبناء قومية مياو الذين يتمركزون حوله. وتعرف مدينة كايلي حاضرة ولاية تشياندونغنان الذاتية الحكم لقوميتي مياو ودونغ باسم "لؤلؤة جبال مياولينغ". على بعد عشرة كيلومترات من قلب مدينة كايلي، يمر نهر بالا عبر الوادي، يتخلله منظر المياه الصافية، وعلى ضفتيه تنتشر قرى قومية مياو كاللآلئ بين قمم الجبال الخضراء، وبيوت قومية مياو المعروفة باسم "دياوجياولو"، وهي بنايات خشبية عالية قائمة على أعمدة وذات سقوف سوداء وجدران بنية وتظللها غابات الخيرران.

قرية شيجيانغ تشيانهو لقومية مياو في بلدة شيجيانغ بمحافظة ليشان بمدينة كايلي، هي أكبر قرية يسكنها أبناء قومية مياو في الصين والعالم بأسره، وتتكون من أربع قرى إدارية هي: قرية دونغين وقرية نانقوي وقرية يانغباي وقرية بينغتشاي، وتغطي بيوت"دياوجياولو" بها نصف الجبل، مما يحافظ على ثقافة "البيئة الإيكولوجية البدائية" لقومية مياو.

مع زيادة عدد السياح، تم تطوير ضفاف النهر في هذه القرية لتصبح نموذجا سياحيا، وتتوافر بها كافة الخدمات السياحية من المتاجر والمطاعم والفنادق والأكشاك المفتوحة وشوارع المأكولات السريعة وعربات التجول. بصعود السلالم الحجرية الزلقة للتجول في القرية القديمة، يمكن رؤية بيوت "دياوجياولو" لقومية مياو على المنحدرات.

على درجات السلالم التي تكسوها الطحالب، في الصباح الباكر، يحمل الرجال والنساء الفؤوس والشيالات وينطلقون؛ وتراقب الكلاب المارة في هدوء، وفي عيونها لا فرق بين أبناء القرية والغرباء؛ ولا تزال المباني القديمة التي يصل عمرها لمئات وآلاف السنين تعج بأصوات سكانها وصياح الديوك؛ وتنبت الزهور البرية بين شقوق البلاط الأسود المغطى بالطحالب الخضراء في صمت؛ ويقوم المسنون بتجفيف الحبوب على منصات التجفيف الخشبية. على بوابة أحد البيوت لوحة مكتوب عليها "العائلة الآمنة"؛ وتقوم سيدة من قومية مياو بتعليق الملابس لتجف ثم تقوم بتجفيف الأرز؛ بينما تصعد خيول قويتشو الدرج بخفة، ويتخلل المشهد صوت طائر الوقواق المذهل في الصباح.

يمر عبر القرية نهر يُعرف باسم نهر بايشوي (المياه البيضاء)، يعتليه سبعة من جسور "الأمطار والرياح" على طراز قومية مياو، وهي مرافق للمواصلات ومكان لتجنب المارة المطر وقت سقوطه أيضا. وعلى هذه الجسور يتسامر المسنون ويلاعبون الطيور، ويتبادل الشباب والشابات الغناء وأحاديث الغرام، ويجلس المثقفون يتحاورون ويقرأون كتبهم، ويقوم الصغار بالاندفاع في النهر سابحين في مياهه.

طرق ‏الزراعة ‏التقليدية

تظهر حقول الخريف الذهبية المتدرجة عند منحنى في شارع صغير بالقرية، وتنحني محاصل الأرز الناضجة كما لو كانت تعبر عن امتنانها للأرض، ويتخلل العشب الأخضر ممر المشاة في الحقل مع موجات الأرز الأصفر على سفوح الجبال وضفاف الأنهار والحقول المائية، كما لو كانت حائكة السماء نسجت القماش الأبيض والأصفر مثل اليشم والذهب على الأرض.

قام ‏أبناء القرية باستصلاح الأرض لزراعة الحبوب والخضراوات على المنحدرات في أعماق الجبال، ‏باتباع طريقة "احرق وازرع" للقدماء، مما يعطي لهذه اللوحة الطبيعية صورة حيوية نشيطة. يعمل زوجان من قومية مياو في الحقول، تقوم الزوجة بقطع الأرز، ويقوم الزوج بضرب حزم الأزر على دلاء خشبية مربعة، لكي يفصل الأرز الخام عن قشره، بينما يتحدث الزوجان وترتسم على وجهيهما البهجة.

بعد الحصاد، يبدو الأرز المربوط في حزم كأنه سحّاب، حيث يتم ترتيبه بدقة ونظام. هذا الأرز ليس زخرفا للأرض فحسب، وإنما أيضا الثقة التي تُغرس في قلوب أبناء القرية، فهو حصص الغذاء لأجيال من أبناء القرية. إن ‏الاكتفاء الذاتي هو أسلوب حياة توارثته أسلاف أبناء قومية مياو، اليوم وتحت أعين السياح الذين يتزاحمون في ضجيج، لا يزال أبناء قومية مياو يعملون ويعيشون في سلام ورضا وفقا للتقاليد القديمة.

ملابس تمزج بين الطبيعة والثقافة

تظهر الحقول باللون الأخضر واللون الأصفر بالتناوب مع تغير الفصول الأربعة، كما أن بيوت "دياوجياولو" الريفية القديمة ذات الجدران الخشبية والأسقف المشيدة من القرميد الأسود، وملابس أبناء قومية مياو جميعا مزيج بين اللون الأسود واللون الأزرق. بيد أن نسوة قومية مياو الماهرات، ‏سواء كن يمشين في الشوارع، أو يقمن ببيع البضائع على جانبي الطريق، أو يعملن في الحقول، وسواء كانت ملابسهن عصرية أو تقليدية، يُظهرن في ملابسهن وعقدات شعر رؤوسهن المناظر الخلابة والألوان الزاهية للجبال والأرض. فساتين النساء مطرزة برسوم الزهور والأعشاب الزاهية، ويبدو وكأن طيور الفينيق والعقعق والرفراف تنزل بخفة وسط تنانيرهن وتتأرجح مع خطواتهن.

تتمتع قومية مياو بتاريخ طويل وثقافة عريقة، وتقول الأساطير وأغاني قومية مياو القديمة إن هناك لغة مكتوبة خاصة بقومية مياو، ولكنها للأسف اختفت ولم يتم توارثها، وتم العثور فقط على بعض المنحوتات الحجرية في بعض الأماكن محفوظ بها لغة قومية مياو، لتثبت وجود لغة مكتوبة هذه القومية في السابق. ضاعت كتابة مياو بين سيول التاريخ، ولكن لا يزال أبناء قومية مياو الحكماء يقومون بتسجيل تاريخهم وثقافتهم وعاداتهم ويسجلون الماضي السري الذي لا يفهمه سواهم بطرقهم الفريدة.

وفقا للأسطورة، فإن "الأم الفراشة"، التي يعتبرها أبناء قومية مياو جدتهم، تحولت من شجرة قيقب قديمة، لذلك تُزرع في معظم قرى قومية مياو شجرة القيقب لحماية سلام القرى. يرمز زراعة شجرة القيقب على رأس الجسور إلى أمنية أبناء مياو لعبور النهر بسلام للجهة الأخرى؛ وترمز زراعتها على حواف الحقول إلى حماية وضمان الحصاد. إذا مرض أحد أفراد الأسرة لفترة طويلة، يحرقون أعواد البخور ويسجدون أمام شجرة القيقب ويعلقون شرائط القماش الحمراء عليها، للتوسل لها بإبعاد المرض عنه. وعند بناء المنازل، يستخدمون خشب شجرة القيقب ليكون العمود المركزي للمنزل لمباركة الأجيال القادمة. إنْ عاشت شجرة القيقب المزروعة، هذا يعني أنه مكان ميمون ويمكن العيش به؛ أما إنْ ماتت الشجرة فيعني ذلك أنه مكان مشؤوم، ويجب الانتقال إلى مكان آخر في أسرع وقت ممكن. كل هذا بقايا آثار اتخاذ أبناء قومية مياو خشب شجرة القيقب طوطما لهم.

ترفرف رسوم الفراشات على صدور الفتيات وأكتافهن وأكمامهن وأزرة ملابسهن، وهي طريقة صلاة أبناء قومية مياو لـ"الأم الفراشة" لمباركتهم وحفظهم. يتمتع خشب شجرة القيقب بعلاقة فريدة مع أسلاف قومية مياو، لذلك يعتبر طوطما لقومية مياو، ويستخدم أبناء قومية مياو زخارف خشب شجرة القيقب على نطاق واسع أيضا.

هناك ميزة أخرى خاصة لملابس قومية مياو، وهي الحلى الفضية. فبالنسبة لأبناء قومية مياو، فإن الحلى الفضية ليست مجرد حلى جميلة، ولكنهم يؤمنون أيضا أن المصنوعات الفضية يمكن تطرد الأرواح الشريرة وتجلب الحظ السعيد. يقوم أبناء قومية مياو بالغناء والرقص بأزيائهم التي تملؤها الفضة فتصدر رنينا وبريقا، كان هذا مشهدا تبتهج له الأعين وتطرب له الآذان وتتمتع به القلوب فرحة.

يوجد ما لا يقل عن مائتي نوع من الملابس لقومية مياو في ولاية تشياندونغنان، وهي المنطقة الأكثر تنوعا وأفضلها حفظا لأزياء قومية مياو في الصين والعالم، ويُطلق عليها اسم "متحف أزياء قومية مياو". تعتبر قومية مياو الملابس سجل الخبرات السابقة، والتراكم الثقافي العميق. عند بوابة قرية شيجيانغ القديمة، فريق استقبال يرتدي أفراده ما لا يقل عن عشرين نوعا من الأزياء المبهرة. أما في عيد دوانوو (اليوم الخامس من الشهر الخامس حسب التقويم القمري الصيني)، فتلبس الفتيات الملابس القومية الأكثر تنوعا لعرضها أمام الجمهور في مهرجان سباق قوارب التنين في نهر وويانغ بمحافظة شيبينغ. تختلف الأزياء التي تعرضها فتيات قومية مياو، وكل منها له جماله الخاص، حتى الملابس العادية التي تلبسها الفتيات العصريات في الشوارع، تكشف عن جمال أزياء قومية مياو من خلال التفاصيل الدقيقة في زينة شعورهن ومجوهراتهن. أما ملابس الرجال فأصبح طراز ملابس قومية هان هو الغالب عليها بشكل أساسي، حتى كبار السن يرتدون ملابس قومية هان، ويعتبرون ملابس قومية مياو المصنوعة يدويا مجرد ملابس مراسم ولا يرتدونها سوى أثناء تقديم العروض.

--

 

تشاو يان تشينغ: كاتب عمود متخصص في السياحة.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4