في شرقي هضبة تشينغتسانغ (تشينغهاي- التبت)، أرض جميلة وسط سلسلة جبال هنغدوان، والتي تعد أرضا مقدسة للبوذية التبتية منذ ثمانمائة عام، حيث توجد هنا جبال الثلج الشاهقة، والمعشبات الواسعة، والأنهار والبحيرات الصافية، ويصفها أبناء قومية التبت باللغة التبتية بأنها "نيانتشنيغ قونغقا ريسونغ قونغبوتا"، أي المكان المقدس الذي يوجد به ثلاثة جبال حراسة ثلجية لا تذوب أبدا. واليوم، أصبحت هذه الأرض محمية يادينغ الطبيعية على المستوى الوطني، وهي منطقة يادينغ ذات المناظر الطبيعية المفتوحة للزوار، وتقع في محافظة داوتشنغ بولاية قانتسي الذاتية الحكم لقومية التبت بمحافظة داوتشنغ في مقاطعة سيتشوان.

كان عالم النباتات والمستكشف الأمريكي جوزيف لوك هو أول من عرّف العالم بهذا المكان المقدس. أتى لوك إلى هذا المكان في عام 1928، وكتب مقالة عن تجربته في يادينغ ونشرها مع الصور التي التقطها هناك في مجلة ((ناشونال جيوغرافك)) الأمريكية، وبذلك اجتذبت يادينغ، المنعزلة عن العالم، اهتمام العالم بأسره. كما كتب الكاتب البريطاني جيمس هيلتون، متأثرا بوصف لوك لمنطقة يادينغ، روايته الشهيرة ((الأفق المفقود))، مما جعل هذا العالم الغامض أكثر سحرا.

تغطي منطقة يادينغ ذات المناظر الطبيعية 1344 كيلومترا مربعا، وهي تنتمي إلى مناطق الوديان والجبال العالية، ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر في أدنى بقعة بها- مصب نهر قونغقا- 2900 متر، وفي أعلى بقعة- قمة شياننايري- 6032 مترا. وهي واحدة من النظم الإيكولوجية الطبيعية للجبال العالية، الأكثر اكتمالا والأكثر بدائية في الصين، وتتمتع بالمناظر الطبيعية الفريدة للجبال المغطاة بالثلوج في منطقة هنغدوان الجبلية في الصين، والنظم الإيكولوجية للغابات والبحيرات على الجبال العالية والأنهار الجليدية والوديان الواسعة ومجاري المياه المتعرجة والأخاديد والمعشبات، إلخ. كما أن وفرة الأنواع البيولوجية فيها نادرة للغاية في جبال هنغدوان وهضبة تشينغتسانغ (تشينغهاي- التبت). في عام 2001، تم إنشاء محمية يادينغ الطبيعية على المستوى الوطني. وفي 10 يوليو 2003، تم إدراجها كعضو في "الشبكة العالمية لحماية الإنسان والمحيط الحيوي" لمنظمة التربية والعلوم والثقافة للأمم المتحدة (اليونسكو).

تتكون محمية يادينغ الطبيعية من ثلاثة جبال مقدسة وهي "شياننايري ويومايون وزانودا" والأنهار والبحيرات والمعشبات على الجبال العالية المحيطة بها، تجتمع هنا كل الأشياء الأكثر جمالا في الهضبة الثلجية تقريبا، مما يجعلها جنة للزوار وهواة التصوير.

جبال الحراسة الثلاثة

في شرقي المحمية ثلاثة جبال مغطاة بالثلوج، وهي شياننايري ويومايون وزانودا، والتي تعد جبال الحراسة الثلاثة لأبناء قومية التبت في يادينغ، وتُسمى بالقمم الثلجية المقدسة في المناطق التي يقيم فيها أبناء قومية التبت في غربي الصين. تشبه الجبال الثلاثة في شكلها رمز الكتابة الصيني "品" (الرمز الكتابي يشبه ثلاثة مربعات يقف كل منها في مواجهة الآخر)، حيث تقف الجبال الثلاثة شامخة في مواجهة بعضها البعض من مسافة بعيدة. في القرن الثامن الميلادي، منح بادماسامبافا (المؤسس الرئيسي للبوذية التبتية) الثلاث قمم المغطاة بالثلوج أسماء الآلهة الثلاثة للبوذية، حيث أطلق على جبل شياننايري اسم قُوانْيِن (إلهة الرحمة)، وجبل يومايون اسم مانجوشري (إله الحكمة)، وجبل زانودا اسم فاجرادارا (إله القوة). لذلك تُعرف الجبال الثلاثة أيضا باسم جبال الآلهة الثلاثة.

جبل شياننايري يعني باللغة التبتية "قُوانْيِن" (إلهة الرحمة)، وهو القمة الشمالية للجبال المقدسة الثلاثة، يبلغ ارتفاعه 6032 مترا عن سطح البحر، وهي أعلى قمة في محافظة داوتشنغ، وخامس أعلى قمة في مقاطعة سيتشوان. جبل شياننايري مهيب يمتد شامخا وسط السحب، يشبه بوذا الذي يجلس على منصة اللوتس، تتجه قمة الجبل 10 درجات شمالا، ويواجه نجم الدب الأكبر من الغرب، وتعتبر البوذية نجم الدب الأكبر نجما مباركا. الجبل محاط بقمم وغابات جليدية وأنهار جليدية وبقايا أنهار جليدية وبحيرات على الجبال العالية.

جبل زانودا هو القمة الشرقية للجبال المقدسة الثلاثة، يبلغ ارتفاعه 5958 مترا عن سطح البحر، وكلمة زانودا باللغة التبتية تعني " فاجرادارا"، وهو إله القضاء على الأشرار من أجل الأخيار في البوذية. وبالوقوف عند وادي النهر الجليدي الواسع عند سفح الجبل الثلجي، نجد التقسيمات الطبقية للصخور تمتد إلى القمة، ويمكن تمييز التواءات بين الطبقات الصخرية بوضوح. أسفل القمة الثلجية أكوام من الصخور تشكلت نتيجة انهيار الأنهار الجليدية، والتي تُعرف أيضا باسم الشواطئ الصخرية. وفي الأسفل غابات وشجيرات جبلية.

أما جبل يومايون فهو القمة الجنوبية للجبال الثلاثة، ويبلغ ارتفاعه 5958 مترا عن سطح البحر، ويعني اسمه باللغة التبتية "مانجوشري" (إله الحكمة). بالنسبة للبوذيين، مانجوشري هو تجسيد للحكمة، وهو يشير إلى السماء بسيف الحكمة بين يديه. ومياه الثلج الذائبة تتدفق عند سفح الجبل، لتشكل شلالات جميلة، كأنها أكمام جميلة لمانجوشري.

ثلاث بحيرات مقدسة

بالإضافة إلى الجبال المقدسة الثلاثة، هناك أيضا ثلاث بحيرات مقدسة في يادينغ، وهي: بحيرة نيوناي (بحيرة الحليب) وبحيرة ووسه (البحيرة الملونة) وبحيرة تشنتشو (اللؤلؤ).

بحيرة نيوناي، التي تُعرف أيضا باسم بحيرة لورونغ، تقع على ارتفاع 4500 متر عن سطع البحر، وهي بحيرة جليدية قديمة مساحتها صغيرة، تقع عند منبسط بين الجبال المغطاة بالثلوج، ضفافها محاطة بدائرة من اللون الأبيض اللبني، لذلك يطلق عليها اسم بحيرة الحليب. تختلف تدرجات ألوان بحيرة نيوناي، فالمناطق القريبة من الضفة تبدو سوداء قليلا بسبب ترسب النباتات القديمة في قاع البحيرة، أما المناطق الداخلية للبحيرة قليلا فيها فهي خضراء فاتحة، والجزء الأعمق يتمتع بلون أزرق فيروزي، والمياه شفافة عذبة. وتوجد معشبات ناعمة على حافة البحيرة، وفي الخارج جبال ثلجية وأنهار جليدية. إنها موقع ممتاز لتصوير الجبال الثلجية والبحيرات.

وفي مكان ليس بعيدا عن بحيرة نيوناي، توجد البحيرة الملونة، والتي تُعرف أيضا باسم تنزين، تقع البحيرة على ارتفاع 4600 متر عن سطح البحر، وتبلغ مساحتها 7ر0 هكتار، وهي أعلى بحيرة في يادينغ. سطح البحيرة مستدير ومياهها صافية، وسُميت بذلك الاسم بسبب الألوان المختلفة التي تنعكس عليها تحت أشعة الشمس، فلون البحيرة من الضفة إلى منطقة قلب البحيرة، يختلف، ويتحول من الأزرق الفاتح إلى الأزرق الداكن والأخضر الداكن، وجميع الألوان واضحة للغاية. وهي بحيرة مقدسة شهيرة في المناطق التي يقيم فيها أبناء قومية التبت، ويقال إنها تعرض التاريخ وتتنبأ بالمستقبل، وهي بحيرة مقدسة دائما ينظر فيها الرهبان البوذيون الكبار أثناء عملية التنبؤ وقراءة المستقبل. من قديم الأزل وحتى الآن، يأتي الحجاج البوذيون للتعبد في الجبال المقدسة الثلاثة، وتكون وجهتهم هي بحيرة تنزين، ويذهبون إلى هذه البحيرة المقدسة كي تعطيهم بعض الإلهام والتنوير لمستقبلهم.

أما بحيرة اللؤلؤ، أي بحيرة تشنتشو، فتُعرف باسم بحيرة درولمالا، والتي تعني "الجنية" باللغة التبتية، تبلغ مساحتها 1ر0 كيلومتر مربع، وهي على ارتفاع 4100 متر عن سطح البحر، وهي البحيرة المقدسة الأقل ارتفاعا في يادينغ، وتقع عند سفح جبل شياننايري، ومعروفة أيضا بأنها أفضل مكان لتصوير انعكاس جبل شياننايري على الماء. تشبه مياه البحيرة الزمردية قطعة من اليشم صنعتها الطبيعة مطعمة بهدوء بين السماء والأرض.

مرعى لورونغ

في وسط الجبال الثلجية الثلاثة، معشبات مفتوحة ومنبسطة على الجبال العالية، وهي عبارة عن مرعى يقوم أبناء قومية التبت برعي الماشية فيه، وأطلق المحليون عليه مرعى لورونغ. يبلغ ارتفاع هذا المرعى 4150 مترا عن سطح البحر، ووراءه الجبال المقدسة الثلاثة، وهو أفضل مكان لمشاهدة الجبال المقدسة الثلاثة.

يجمع هذا المرعى على الجبال العالية أيضا عناصر المناظر الطبيعية في الهضاب: المعشبات والياك والجبال الثلجية والأنهار والبنايات ذات الأسلوب التبتي. تحتضنه الجبال الثلجية الثلاثة، ويمر نهر قونغقا بالمرعى، وتتمتع قطعان الأغنام والماشية بأشعة الشمس الوافرة. وبالقرب من المرعى، بنايات القرى والمعابد التبتية ذات الخصائص المعمارية التبتية، والسمات الطبيعية على الهضبة والبنايات ذات الأسلوب التبتي، تعزز كل منها جمال الأخرى، فتخلق لوحة ساحرة للمناظر الطبيعية. يعشق الناس هنا الطبيعة ويعيشون في وئام وانسجام معها.

في الربيع والصيف، تتفتح الزهور البرية في المعشبات، وتغمر جميع الجبال في مشهد مبهر للغاية. وفي الوقت نفسه، فإن مرعى لورونغ مكان لا بد أن يمر به الزوار للوصول إلى بحيرة الحليب والبحيرة الملونة.

معبد تشونغقو

في بداية القرن العشرين، كتب الكاتب البريطاني جيمس هيلتون روايته الشهيرة عالميا ((الأفق المفقود))، وجاء النموذج الأصلي لمعبد شانغري-لا في الرواية من معبد تشونغقو في يادينغ.

معبد تشونغقو هو المعبد الوحيد في يادينغ، ويقع عند سفح جبل شياننايري بالقرب من بحيرة تشنتشو، على ارتفاع 3880 مترا عن سطح البحر، ويعني باللغة التبتية "معبد في ينبوع البحيرات" ويرجع تاريخه إلى أسرة يوان (1271- 1368)، وهو معبد لطائفة القبعة الصفراء (جيلوغ) من البوذية التبتية. القاعة الرئيسية مخصصة لتسونغكابا مؤسس طائفة القبعة الصفراء، وساكياموني مؤسس البوذية، وقُوانْيِن، ومانجوشري، وفاجراباني، إلخ.

في عام 1928، جاء لوك إلى يادينغ، وأقام في معبد تشونغقو لمدة ثلاثة أيام، وقدم وصفا تفصيليا للمعبد، وكان مصدر إلهامه لمبعد شانغري-لا في رواية ((الأفق المفقود)) لجيمس هيلتون.

لقد مر قرن من الزمان، وتعرض المعبد لأضرار جسيمة، وحاليا تم ترميم معبد تشونغقو وعاد كما لو كان جديدا مرة أخرى. اليوم، أصبحت الجدران البيضاء والسقوف الذهبية للمعبد، تحت السماء الزرقاء وأمام الجبال الثلجية، تبدو أكثر هدوءا وقداسة، وترفرف رايات الصلاة التبتية مع الرياح، ولا يزال المؤمنون في ملابسهم البوذية يتلون الترانيم البوذية على مدار ثمانمائة عام في المعبد تحت حراسة الجبال والبحيرات المقدسة.

نصائح للسفر:

أفضل وقت للسفر: إبريل ومايو وسبتمبر وأكتوبر.

أفضل مسار للرحلة:

ينقسم مسار الرحلة إلى مسار طويل ومسار قصير، ويُفضل السفر لمدة يوم أو يومين.

يبدأ المسار الطويل من معبد تشونغقو إلى مرعى لورونغ، ثم إلى بحيرة الحليب، وأخيرا إلى البحيرة الملونة.

أما المسار القصير، فهو من معبد تشونغقو إلى بحيرة اللؤلؤ، ثم إلى مرعى لورونغ.

المواصلات:

للذهاب بالطائرة، فإن أقرب مطار إلى منطقة يادينغ ذات المناظر الطبيعية هو مطار داوتشنغ يادينغ، الذي يبلغ ارتفاعه 4411 مترا عن سطح البحر، وهو أعلى مطار مدني في العالم. تستغرق الرحلة من تشنغدو إلى داوتشنغ 65 دقيقة فقط.

لا توجد حافلات مباشرة من مطار داوتشنغ يادينغ إلى منطقة يادينغ ذات المناظر الطبيعية، ويستقل المسافر حافلة المطار إلى محافظة داوتشنغ. تغادر الحافلات يوميا بعد وصول رحلات الطيران إلى المطار، وتستغرق ساعة واحدة، وسعر التذكرة 30 يوانا للفرد.

وهناك العديد من السياح يقودون سياراتهم إلى يادينغ، ليستمتعوا بالمناظر الخلابة في غربي مقاطعة سيتشوان على طول الطريق.

أسعار التذاكر:

موسم الذروة: إبريل- نوفمبر، 146 يوانا.

خارج موسم الذروة: ديسمبر- مارس، 120 يوانا.

غير البالغين والطلاب: التذكرة بنصف السعر

 الأطفال والجنود وكبار السن والمعاقون: الدخول مجاني.

الحافلة السياحية: 120 يوانا للفرد. المسافة من البوابة إلى أول نقطة سياحية طويلة نسبيا، وقد يحتاج الجميع لركوب الحافلة السياحية.

الإقامة: تتمتع قرية يادينغ داخل المنطقة السياحية بالمناظر الطبيعية الخلابة، ولكن أماكن الإقامة باهظة الثمن. هناك العديد من الفنادق في بلدة شانغري-لا المجاورة للمنطقة ذات المناظر الطبيعية، بأسعار مناسبة أكثر.

التجهيزات: يعتبر المشي أفضل طريقة للاستمتاع بالمناظر الطبيعية في يادينغ، ولكن نظرا لارتفاع محمية يادينغ، يفضل حمل قنينات الأكسجين وارتداء حذاء رياضي وعدم السير سريعا. المسافة من مرعى لورونغ إلى البحيرة الملونة طويلة، حيث يستغرق المشي ذهابا وإيابا ست ساعات تقريبا، ويفضل أخذ عصا التسلق.