سياحة < الرئيسية

ووداليانتشي.. أرض البراكين

: مشاركة
2022-06-15 13:28:00 الصين اليوم:Source :Author

في عام 1719، سُلمت مذكّرة إلى الإمبراطور كانغ شي من أسرة تشينغ (1644- 1911)، كُتب فيها: "إنه في اليوم الخامس من الشهر الثاني عشر على بُعد خمسة عشر كيلومترا شمال نهر نامور، تطايرت حجارة من تحت الأرض، وكانت أصوات النيران مثل الرعد... كانت الحجارة المتطايرة ملتهبة كالنيران، وأصبحت سوادء قاتمة بعد أن خمدت". سجلت هذه المذكّرة ثوران بركان استمر لمدة أربعة عشر شهرا. هذا البركان المسجل في تاريخ أسرة تشينغ هو بركان جبل لاوهي المعروف أيضا باسم جبل هيلونغ (التنين الأسود)، والذي أصبح اليوم منطقة مناظر طبيعية شهيرة في منطقة ووداليانتشي (البحيرات الخمس المتصلة) ذات المناظر الطبيعية.

تقع منطقة ووداليانتشي في مدينة خيخه بمقاطعة هيلونغجيانغ في شمال شرقي الصين، وهي في المنطقة الانتقالية بين سلسلة جبال شينغآن الصغرى وسهل سونغنن. على مساحة 1060 كيلومترا مربعا، توجد أربع عشرة قمة بركانية قديمة وجديدة، وتبدو هضبة الحمم البركانية التي تبلغ مساحتها أكثر من 800 كيلومتر مربع كموج هادر، كما تنبثق بها مئات من الينابيع المعدنية بشكل طبيعي. الحمم البركانية التي تشكلت من انفجار البراكين الجديدة، أدت إلى سد قناة النهر القديمة، وشكلت خمس بحيرات حاجزة محاطة بالحمم البركانية تتصل بعضها ببعض على شكل عقد من اللؤلؤ، ومن هنا جاء اسم ووداليانتشي، والتي يعتبرها العلماء "متحف البراكين الطبيعية".

تتمتع منطقة ووداليانتشي بالعديد من الألقاب بسبب تضاريسها الجيولوجية وبيئتها الإيكولوجية الفريدة، فهي حديقة جيولوجية عالمية، ومدرجة في القائمة الخضراء للمناطق المحمية، ومحمية تابعة لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي لمنظمة الأممم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وهي أيضا منطقة سياحية وطنية بدرجة 5A، ومحمية طبيعية على المستوى الوطني، وموطن المياه المعدنية في الصين، وحديقة غابات على المستوى الوطني، وموطن مشهور للبراكين في الصين.

جبل لاوهي

إحدى الخصائص الفريدة لبراكين ووداليانتشي، هي أنها بعيدة عن حدود الصفائح التكتونية، وهي واحدة من أفضل الأمثلة النموذجية للبراكين الداخلية الأحادية المنشأ في العالم. منذ أكثر من مليوني عام في عصر ما قبل التاريخ وحتى قبل أكثر من 290 عاما في العصر الحديث، استمرت الأنشطة الجيولوجية البركانية في منطقة ووداليانتشي دون توقف، لذلك تركت مجموعة كاملة الأنواع ومحفوظة بشكل جيد ومتنوعة من التضاريس الجيولوجية البركانية القديمة والجديدة.

تتكون مجموعة البراكين في منطقة ووداليانتشي من أربعة عشر بركانا، مرتبة بشكل منظم على شكل المقطع الصيني " (البئر)" في السهل الواسع، وتنقسم إلى جزءين، سبعة منها في الجانب الشرقي، والسبعة الأخرى في الجانب الغربي، وتفصل البحيرات الخمس بين الجزئين. من بين هذه البراكين بركانان جديدان في الغرب، وهما بركان جبل هيلونغ وبركان جبل هوشاو، اللذان انبثقا في الفترة بين عامي 1719 و1721 (بين العام الثامن والخمسين والعام الستين لفترة حكم الإمبراطور كانغ شي من أسرة تشينغ)، قبل أقل من ثلاثمائة عام، وهما أحدث بركانين في مجموعة البراكين في منطقة ووداليانتشي، وشكلا مساحة كبيرة من تدفقات الحمم البركانية المتقشرة والمتساقطة، والبحيرات، وينابيع المياه المعدنية وغيرها، ولديها الفوهات البركانية والبقايا الجيومورفولوجية الدقيقة البركانية التي تم حفظها جيدا.

المسافة بين جبلي هيلونغ وهوشاو ليست بعيدة، فكلاهما يقع في منطقة جبل لاوهي السياحية، ويمكن زيارتهما معا في نفس اليوم. هذه البقعة ذات مناظر جذابة، لا بد من زيارتها عند القيام بالسياحة في منطقة ووداليانتشي. يستغرق السفر من بوابة المنطقة السياحية إلى سفح جبل هيلونغ حوالي عشرين دقيقة بالسيارة التي تعمل بالبطاريات. ويمكن رؤية صخور الحمم البركانية السوداء الداكنة بأشكالها المختلفة على طول الطريق. هنا، تنمو بعض الأشجار ذات قدرة الحياة القوية وسط صخور الحمم البركانية.

بمجرد النزول من السيارة التي تعمل بالبطاريات، تكون قد وصلت إلى منطقة شيهاي (بحر الصخور)، فلا ترى أمامك سوى الصخور البركانية السوداء التي لا حدود لها، كما لو أنها تمتد إلى ما وراء الأفق، ولا يسع المرء سوى أن يفكر في مشهد الانفجار البركاني الذي هز العالم في ذلك الوقت. والسبب في تكوينه هو أنه عندما تدفقت الحمم البركانية، برد سطح الحمم البركانية الأمامية فأخذت تتصلب، وتباطأت سرعتها وازدادت قوة المقاومة، وتم دفعها بواسطة الحمم البركانية اللاحقة، وتدحرجت وتحطمت وتلتصق الحمم الأمامية واللاحقة ببعضها البعض، مشكّلة بذلك مساحة على شكل بحر متموج، عُرفت ببحر الصخور. هذا المشهد ليس فريدا في الأراضي الصينية فقط، وإنما أيضا مشهد نادر في العالم. لأن عمر هذا البركان قليل نسبيا، لا تزال الآثار الأصلية المختلفة لتدفق الحمم البركانية واضحة كما لو أنها تكونت قبل فترة غير بعيدة.

على طول الدَرْب الخشبي المعلّق، يستغرق الوصول إلى سفح جبل لاوهي حوالي نصف ساعة. يبلغ ارتفاع الجبل 9ر515 مترا عن سطح البحر، ويبلغ ارتفاعه النسبي 9ر165 مترا، ولا تزال فوهة البركان على قمة الجبل هي الأكثر اكتمالا والأكثر نموذجية في الصين، يمكنك تصوير المناظر وأنت تمشي في الطريق، حتى تصل إلى فوهة البركان على قمة الجبل في غضون نصف ساعة تقريبا. أثناء عملية التسلق إلى القمة، يمكن رؤية الصخور البركانية الحمراء والسوداء في كل مكان على طول الطريق، وقد تصادف بعض السناجب الصغيرة في منتصف الطريق إلى قمة الجبل تطلب الطعام من الزوار. بعد الوصول إلى القمة، يمكن الاستمتاع بمنظر فوهة البركان عن قرب. تُعتبر فوهة بركان جبل هيلونغ واحدة من فوهات براكين العالم الأكثر اكتمالا، والتي تتخذ شكل "القمع"، ويبلغ قطرها 350 مترا، وعمقها 145 مترا. عند التجول على الدَرْب الخشبي المعلّق الذي يحيط بفوهة البركان، يمكنك مشاهدة منظر ووداليانتشي بالكامل. أمام هذه المناظر الطبيعية الجميلة الهادئة والمناظر الخلابة للجبال والمياه، من الصعب أن تتخيل أنه قبل ثلاثمائة عام كانت هنا مشاهد للانهيارات الجبلية والتصدعات الأرضية وتصاعد كثيف للدخان استمر لمدة شهر ونصف.

بعد النزول من جبل لاوهي، يمكن استقلال السيارة التي تعمل بالبطارية إلى جبل هوشاو القريب. اندلع بركان جبل هوشاو في ربيع عام 1721، ويُعتبر الانفجار البركاني هذا بمثابة تحية الختام التي انتهى بها نشاط البراكين القديمة والجديدة بمنطقة ووداليانتشي. وفقا للسجلات المدونة بلغة مانتشو لأسرة تشينغ، "إنه في 26 إبريل عام 1721، تصدع الجزء الشمالي الشرقي من الجبل الجديد (جبل هيلونغ)... وكان الجبل المتشكل عن هذا التصدع (جبل هوشاو) أعلى قليلا من المنازل، ولم يحدث زلزال." يبلغ ارتفاع جبل هوشاو 6ر392 مترا عن سطح البحر، ويبلغ ارتفاعه النسبي 73 مترا. بالنظر إلى فوهة البركان من أعلى، ستجد أنها على شكل زهرة لوتس، يبلغ قطرها 370 مترا وعمقها 70 مترا. بعد انفجار البركان، كوّنت تدفقات المصهورات الهائلة أنهارا من صخور الحمم البركانية، والتي حجزت المياه المحيطة، مشكّلة في النهاية خمس بحيرات متصلة ببعضها البعض على شكل عقد من اللؤلؤ. داخل فوهة البركان توجد بقايا الوادي الرائع.

ينابيع المياه المعدنية المقدسة

بالإضافة إلى التضاريس البركانية، تشتهر منطقة ووداليانتشي عالميا بمياهها المعدنية ذات الفوائد الصحية، حيث يوجد أكثر من 380 ينبوعا مختلف الأنواع في 110 مناطق مكشوفة، من بينها ينابيع المياه المعدنية الباردة من البيكربونات الطبيعية، والمعروفة هي وينابيع فيشي المعدنية بفرنسا وينابيع نارزان المعدنية في روسيا باسم "ينابيع المياه المعدنية الباردة الثلاثة الأفضل في العالم"، وهي من الينابيع المعدنية الطبية الطبيعية النادرة في العالم. إن فوائدها الصحية ليست خدعة، وإنما هناك العديد من الأسس العلمية الكافية لإثبات ذلك. درجة حرارة المياه تتراوح بين درجتين إلى أربعة درجات مئوية طوال العام، ويحتوي الماء طبيعيا على نسبة عالية من غاز ثاني أكسيد الكربون وأكثر من ثلاثين نوعا من العناصر النزرة والعناصر الماكرو المفيدة لصحة الإنسان. نسبة العناصر الطبيعية هذه هي نفسها التي يحتاجها جسم الإنسان تقريبا، ويمكن أن يمتصها الجسم مباشرة، ولها وظائف عدة، فهي مضادة للاتهابات ومسكنة للآلام ومهدئة ومدرة للبول وتساعد في الهضم وتحسّن عملية التمثيل الغذائي، إلخ.

هناك خمس مناطق بها مياه ينابيع معدنية في منطقة ووداليانتشي، واحتياطاتها وفيرة. منطقة ينبوع بيياوتشوان المفتوحة للسياح واحدة من مناطق مياه الينابيع المعدنية الخمسة. تحتوي مياه ينبوع بيياوتشوان على الغازات، والسبب هو أن غاز ثاني أكسيد الكربون والمعادن المختلفة في الصخور في باطن الكرة الأرضية تذوب في المياه، مما يؤدي إلى تمعدن المياه الجوفية تدريجيا، وتحت تأثير الضغط تصل المياه إلى سطح الكرة الأرضية بعد فترة من ثلاثين عاما إلى سبعين عاما لتشكل ينبوع المياه المعدنية.

أدى ذلك أيضا إلى المذاق الفريد لمياه ينبوع بيياوتشوان، فمذاقها مثل الكوكاكولا الباردة اللاذعة، حامضة في الفم ومنعشة للغاية، ويجب أن يستعد السياح نفسيا قبل تذوقها لأول مرة. نظرا لأن المياه تحتوي طبيعيا على الغازات وغنية بمجموعة متنوعة من العناصر النزرة، فيمكن أن تتأكسد المياه وتفسد سريعا، لذلك بمجرد تعبئتها في زجاجات يجب أن تُشرب في أسرع وقت ممكن، وإلا سيتحول لون المياه إلى اللون الأحمر في اليوم التالي.

منطقة ونبوه (البحيرات الدافئة)

يعتبر العديد من السياح منطقة ونبوه من أكثر المناطق جمالا في منطقة ووداليانتشي، والصور التي تُلتقط هناك رائعة للغاية، حيث تتخلل البحيرات الصافية، التي يمكن رؤية قاعها، الصخور البركانية السوداء، وتنعكس السماء الزرقاء والسحب البيضاء على سطح مياهها، والنباتات المائية الخضراء التي تتموج في قاع البحيرات تتباين مع الأعشاب والأشجار على ضفافها، وصوت المياه العذب الذي يتداخل وسط الثقوب الرفيعة للصخور البركانية يجعل الناس غارقين في أحضان الطبيعة من خلال الرؤية والسمع.

توجد هنا ثلاث بحيرات، وهي بحيرة شانهو (المرجان)، وبحيرة جينشا (الرمال الذهبية)، وبحيرة تسوييوي (اليشم الأخضر). هناك سمتان فريدتان لهذه البحيرات، أولهما، "القوة المغنطيسية الشديدة في مياه البحيرات". وفقا لنتائج القياسات، هذا المكان محور الحقل المغنطيسي في منطقة ووداليانتشي، وتوجد الحمم البركانية التي لم تتدفق بعد تحت منطقة ونبوه، وهي منطقة مثالية للعلاج البيئي المغنطيسي؛ وثانيهما، "ينابيع حارة في المنطقة الباردة"، فمياه منطقة ونبوه تأتي من الينابيع الحارة المتدفقة ذاتيا تحت الأرض، وتحافظ المياه على حرارة حوالي 14 درجة مئوية فوق الصفر طوال العام، حتى وإن وصلت درجة الحرارة على الأرض إلى 30 درجة مئوية تحت الصفر تظل مياه البحيرات حارة ويتصاعد منها البخار.

أثناء زيارة منطقة ونبوه، يمكنك المشي أولا، ثم ركوب القوارب، بحيث تستمتع بمزيد من المناظر الجميلة في القارب، وإن كنت محظوظا، يمكنك أيضا رؤية الأسماك النادرة التي يصطادها رجال المراكب.

كهف الحمم الجليدية

ليست سياحة الكهوف نادرة، ولكن كهوف منطقة ووداليانتشي ليست على الجبال، ولا عند سفح الجبال، بل غارقة في عمق تحت أرض الحمم البركانية بعشرات الأمتار، حيث الجليد والصقيع، وتتراوح درجة الحرارة من خمس إلى ست درجات مئوية تحت الصفر طوال السنة. هنالك قول مأثور في منطقة ووداليانتشي يصف ذلك بـ"التمتع بمشاهدة الجليد والثلج في أيام الصيف المحرقة"، فيمكن مشاهدة المناظر هنا بدون تمييز بين الفصول الأربعة، حيث الزهور الحمراء والصفصاف الأخضر خارج الكهوف، والصقيع والجليد بداخلها. عند رؤية الكهوف الجليدية المغطاة بالصقيع الأبيض، لا يسع الناس إلا التعجب مما صنعت الطبيعة من صورة التباين الشديد بين الجليد البارد في الكهوف ومصدر النار الساخن للبراكين على الأرض. والسبب في تكوين الكهف الجليدي هو أنه أثناء تدفق الصهارة الناتجة عن الانفجار البركاني، تصلبت الطبقة السطحية لها أولا، في حين استمر تيار الصخور المنصهرة تحتها في التحرك إلى الأمام، فتشكل كهف تحت الأرض في طبقة التربة الصقيعية مع انقطاع تيار الصخور المنصهرة اللاحقة، مما عرّض الصخور داخل الكهف للبرد، وكوّن الكهف الجليدي.

في مارس من كل عام، يأخذ العاملون الجليد من الأنهار لصنع منحوتات جليدية وينقلونها إلى الكهوف، مما يجعل الناس يشعرون وكأنهم في معرض للمنحوتات الجليدية في الشتاء. بالإضافة إلى الصقيع والجليد، هناك أيضا العديد من الصخور التي أصبحت بلا حافة أو زاوية بعد أن تآكلت وشُذّبت بفعل الرياح والأمطار لآلاف السنين، هذه الأحجار صلبة للغاية، وتحتوي على نسبة عالية جدا من الحديد.

منطقة ووداليانتشي أرض للكنوز، بها تضاريس بركانية ساحرة، ومياه مباركة شافية من الأمراض، وبحيرات على البراكين مثل اللوحات البديعة، والكهوف الجليدية تحت الأرض، بالإضافة إلى ثقافة الأقليات القومية التي وُلدت وترعرت فيها. كل هذه الخصائص المتعددة جعلتها مكانا طبيعيا مقدسا نادرا.

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4