جبل تايباي بمدينة باوجي في مقاطعة شنشي، هو الأكثر ارتفاعا بين جبال تشينلينغ الشهيرة في الصين، وهو أعلى جبل في شرق هضبة تشينغتسانغ (تشينغهاي- التبت)، ويمتد صاعدا من السهل بارتفاعات متغيرة تصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف متر، وصولا إلى قمة باشيان فيه التي ترتفع 2ر3771 مترا عن سطح البحر. حاليا، جبل تايباي مصنف كحديقة غابات وطنية ومنطقة سياحية على مستوى 5A في الصين. هذه الحديقة، التي تبلغ مساحتها 2949 هكتارا، تحتضن ثماني مناطق سياحية كبيرة وبها أكثر من 180 موقعا سياحيا.

يقع جبل تايباي وسط سلسلة جبال تشينلينغ، التي تُعد من الناحية الجغرافية الخط الفاصل بين جنوبي وشمالي الصين، والخط الفاصل بين نظامي المياه لنهر اليانغتسي والنهر الأصفر. إلى الشمال منه، تقع المنطقة المعتدلة الدافئة وإلى الجنوب المناطق شبه الاستوائية. يوجد في الحديقة خمسة عشر نوعا من النباتات المهمة المحمية على المستوى الوطني في الصين، وثلاثون نوعا من النباتات المحلية المستوطنة، فهي بنك جينات طبيعي مشهور عالميا للتنوع البيولوجي. جبل تايباي ليس مجرد جبل تتجمع فيه مجموعات متنوعة من النباتات النادرة الثمينة، وإنما هو أيضا منطقة انتقالية حيث تلتقي الكائنات الحية من شمالي الصين ووسط الصين وهضبة تشينغتسانغ.

طريق الخالدين

ما إن تدخل جبل تايباي حتى يصافحك اللون الأخضر على جانبي الطريق العام، وتتمتع عيناك بالنباتات المنتشرة في كل مكان، ويمتزج عبق الأشجار بالهواء. تكسو الخضرة سفح جبل تايباي، والطقس على قمة الجبل بارد وتغطى قمة الجبل بالثلوج الشديدة البياض طوال العام، لذلك أخذ هذا الجبل اسم تايباي، والذي يعني الجبل الشديد البياض.

أطلق الناس على طريق تسلق الجبال الممتد من معبد شيابان إلى قمة باشيان اسم طريق الخالدين. الرحلة على هذا الطريق الممتد ستة عشر كيلومترا، تنقي الروح وتصفيها في الطبيعة. عند الانطلاق من سفح الجبل، يكون معبد شيابان الذي يقع على ارتفاع 2800 متر عن سطح البحر، هو أول موقع للمناظر الطبيعية هنا. تربط بين نقطة البداية ونقطة النهاية في الخط السياحي لجبل تايباي قاطرة معلقة (تلفريك)، بيد أن الزوار الذين يتمتعون بقوة بدنية جيدة يمكنهم- إذا أرادوا- السير على الأقدام والتمتع بمناظر جبل تايباي الخلابة بتمعن. في معبد شيابان، يمكن أن ترى نبات السرخس الأحادي الورقة القديم والنادر في جبل تايباي، والذي عاش على الأرض لمدة سبعة وستين مليون سنة. بعد الخروج من معبد شيابان، يكون ما تبقى من الرحلة على ارتفاع أكثر من ثلاثة آلاف متر عن سطح البحر. وفي الطريق، يرى الزوار في الغالب حيوانات صغيرة تسير على درب خشبي. ومع مواصلة السير غربا على طول المنحدر الشمالي لجبل تايباي، يمكنك التوقف على ارتفاع حوالي ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، حيث تتعذر رؤية سفح الجبل، ولا يظهر في الأفق سوى السحب والضباب الكثيف، التي تتسكع بين القمم، قبل أن تتحرك ببطء مع هبوب الرياح، ثم تتلاشى رافعة الستار عن المناظر الخلابة. من سفح الجبل إلى هذا الموقع، يشعر الزائر بوضوح بالفرق في درجة الحرارة. وبالنظر إلى الأفق البعيد، ترتفع السحب والضباب ببطء من المنحدر الجنوبي لجبال تشينلينغ وتنجرف نحو المنحدر الشمالي.

الموقع السياحي التالي هو معبد شياوونقونغ، الذي يقع على ارتفاع ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، في جانب منه جرف شديد الانحدار وفي الجانب الآخر واد مكتظ بصخور متباينة الأحجام، وحتى الطريق تحت الأقدام مفروش بالصخور. يمشي الزوار بين الصخور المتكسرة الكبيرة، على منحدرات شديدة تحت الأقدام. هذا المشهد الفريد من بقايا الأنهار الجليدية النموذجية من عصر التجلد الرباعي، حيث تفكك الجبل بعد ذوبان الأنهار الجليدية، وانجرفت الصخور مع حركة الأنهار الجليدية من أعلى الجبل إلى أسفله، فشكلت الصخور المتبقية النهر الحجري الذي نراه اليوم.

بعد حوالي ستة كيلومترات، يصل الزائر إلى معبد داونقونغ. على الرغم من أن الرحلة ليست طويلة، فإن السير على ارتفاع عال يتجاوز ثلاثة آلاف وخمسمائة متر وعلى طرق جبلية وعرة، يجبر الزائر على التوقف بين الحين والآخر لأخذ قسط من الراحة واستعادة قوته الجسدية. يقع معبد داونقونغ على ارتفاع ثلاثة آلاف وستمائة متر، ويتيح للزائر الاستمتاع بالمناظر الخلابة والتخفف من الأعباء.

الموقع السياحي التالي هو بحيرة دايهاي، التي يستغرق الوصول إليها حوالي ثلاث ساعات. أطلق المحليون على هذا الجزء من الطريق اسم "منحدر هاوهان (الرجل الشجاع)"، إذ تصل درجة انحداره إلى حوالي 50 أو 60 درجة، على ارتفاع ثلاثة آلاف وستمائة متر، فيُعد هذا تحديا مروعا للزوار. على الرغم من أن الرحلة صعبة نسبيا، فإن جمال بحيرة دايهاي يكون جائزة ثمينة للزائر. مياه البحيرة الهادئة مثل المرآة، تعكس الجبال والسماء، ويهب النسيم اللطيف، فتتدحرج طبقات من السحب والضباب على الجبال.

مع التقدم نحو الأمام، يصل الزائر إلى أعلى قمة في جبال تشينلينغ، قمة باشيان، التي تقع على ارتفاع حوالي 3771 مترا عن سطح البحر. هذا الجزء من الطريق أكثر انحدارا من منحدر هاوهان. بعد مسيرة طويلة، يمكن رؤية مقصورة قمة باشيان المكونة من صخور متراكمة. جبل تايباي ضخم وشاهق الارتفاع. على مدار آلاف السنين، ظل مثل تنين مهيب مرفوع الرأس، يحتل قمم جبال تشينلينغ بقوة. وفقا للأسطورة، فإنه بعد الانتصار في معركة مويه وتأسيس أسرة تشو (القرن 11- 256 ق.م)، أقام جيانغ تسي يا مراسم تنصيب الخالدين في قمة باشيان من أجل مكافأة من خاضوا المعارك الدامية، ومنذ ذلك الحين، أصبح هناك 356 خالدا في الدنيا، ومن هنا أصبح جبل تايباي يعرف بأنه "جبل الخالدين".

المناظر الثقافية الإنسانية

أقام جيانغ تسي يا مراسم تنصيب الخالدين في جبل تايباي، وكتب سو شي في أسرة سونغ الشمالية (960- 1127) نصوص الصلاة من أجل المطر هنا. في الطاوية، هذا هو الجبل المقدس الذي سقط فيه كوكب الزهرة وتحول إلى إله، ومن هنا نشأت ثقافة الخالدين الصينية. وعلى مدى آلاف السنين، ترك البشر العديد من المعالم التاريخية على هذا الجبل الخالد.

بُني معبد شياوونقونغ ومعبد رداونقونغ لإحياء ذكرى هان يوي، الأديب الكبير في أسرة تانغ (618- 907) وابنه هان تشانغ، اللذين عاشا هنا في عزلة. مع ازدهار البوذية في فترة أسرتي سوي (581- 618) وتانغ، بنى الناس معبدين باستخدام ألواح خشبية مأخوذة من أشجار البتولا الحمراء المحلية للتسهيل على المحليين في ممارسة طقوس العبادة. المعبد الواقع على ارتفاع عال هو معبد شانغبان، والمعبد الذي يقع على ارتفاع منخفض هو معبد شيابان. وكهف قوي قو تسي هو أيضا موقع سياحي ذو مناظر أسطورية الخلابة. وفقا للأسطورة، فإنه في فترة الربيع والخريف (770- 476 ق.م) وفترة الممالك المتحاربة (475- 221) عاش قوي قو تسي الذي يُعتبر مؤسس مذهب الإستراتيجيين السياسيين منعزلا، ومارس الزُهد في هذا الكهف.

الدرب الخشبي المعلق الذي بُني في فترة الممالك الثلاث من مواقع الآثار الثقافية الشهيرة هنا. في العصور القديمة بالصين، كانت الدروب الخشبية المعلقة نوعا من الممرات التي تُشكل بحفر ثقوب على صخور شديدة الانحدار وبناء جسور عليها، وكانت كذلك ممرا مهما للقوات المتحاربة للهجوم والدفاع. خلال فترة الممالك الثلاث، اقترح فا تشنغ، المستشار لمملكة شو، على ليو بيْ، الإمبراطور المؤسس لمملكة شو، أن يقوم ببناء درب خشبي معلق هنا للتشويش على الجنرال والسياسي سيما يي، مخطط حروب مملكة وي. مع تقلبات الزمن والتغيرات التاريخية، لم يتبق من هذا الدرب الخشبي القديم الشهير لفترة الممالك الثلاث سوى 1100 متر. على الرغم من أن تلك الدروب الخشبية القديمة أصبحت شيئا من الماضي بعد آلاف السنين من حت الرياح والصقيع، فإن تاريخها العريق لا يزال يعكس الإنجازات التاريخية للصينيين الذين بذلوا جهودا لتطوير النقل والمواصلات في العصر القديم.

المناظر الخلابة لأرض خيالية

موقع "أسوار من النحاس وجدران من الحديد" السياحي في جبل تايباي عبارة عن هيكل ضخم من الغرانيت، يصل ارتفاعه إلى أكثر من أربعمائة متر، وهو نوع من الملامح الطوبوغرافية لتضاريس الأنهار المتدفقة لبقايا الأنهار الجليدية من عصر التجلد الرباعي. يرتفع الجرف العمودي آلاف الأقدام، سطحه حاد كالسكين، وشكله مهيب ورائع، ويبدو وكأنه أسوار من النحاس وجدران من الحديد صنعتها الطبيعة.

في مكان ليس بعيدا عن موقع "أسوار من النحاس وجدران من الحديد" السياحي، يقع شلال ليانهوافنغ (قمة زهرة اللوتس). بالنظر لأسفل من الارتفاع العالي، تجد قمم الجبال التسع تشبه في مظهرها زهرة اللوتس، ومن هنا جاء اسم ليانهوافنغ. يبلغ ارتفاع شلال ليانهوافنغ أكثر من ثمانين مترا، ويتدفق مباشرة نحو الأسفل، مشهده مذهل. بحلول فصل الشتاء، يتجمد الشلال بأكمله ويصبح شلالا جليديا براقا وشفافا، يجتذب العديد من عشاق التسلق. بجانب الشلال جرف صخري ضخم شديد الانحدار، على سطحه عشرات من الآثار السوداء اللامعة، كحبر كثيف يتدفق من أعلى الجبل، ولذا يُسمى بجبل بومو (الرشّ بالحبر). وفقا للأسطورة، جاء لي باي، الشاعر العظيم من أسرة تانغ، إلى هنا، وتأثر بهذه المناظر، واستلقى على الصخور لشرب نبيذ تايباي اللذيذ، فسقط قلمه والمحبرة على الجرف، تاركا آثار الحبر عليه.

بالمضي نحو الأمام، يصل الزائر إلى أرض هونغهوا (البتولا الحمراء) المنبسطة، التي تقع على ارتفاع ألفين ومائتين وستين مترا، وقد سُميت بهذا الاسم بسبب وقوعها في حزام غابة البتولا الحمراء. بجانب غابة البتولا في جبل تايباي، توجد غابة الأزاليا، التي تبلغ مساحتها عشرة آلاف مو (الهكتار يساوي 15 مو). تتفتح زهور الأزاليا في الفترة من نهاية إبريل إلى يوليو من كل عام، ويمكن للزوار أن يطلوا من القاطرة المعلقة التي تنطلق من أرض هونغهوا المنبسطة، على أجمل قمة في جبل تايباي، قمة تشينيوي (الفتيات السبع). كما يوحي الاسم، تصطف القمم السبع كما لو كانت سبع جنيات هبطن على الأرض، ويقفن جنبا إلى جنب. تشتهر قمة تشينيوي "بالخطورة"، وتُعرف باسم جبل شياوهواشان، ويمكن للزوار تسلقها سيرا على الأقدام.

على الجانب الغربي من محطة القاطرة المعلقة، مساحة كبيرة من الأراضي المسطحة، التي تحمل اسم أرض هويشيان (تجمع الخالدين)، يوحي الاسم بأنها مكان تجمع الخالدين. وعلى الجانب الشمالي من أرض هويشيان، يقع جبل أرشيان، الذي يُعد مَخْرَج قمة تشينيوي. وفقا للأسطورة، فإن جبل أرشيان، هو المكان الذي لعب فيه الخالدان تايباي جينشينغ وتايشانغ لاوجيون الشطرنج معا. التضاريس هنا منبسطة والأشجار القديمة باسقة، والبيئة أنيقة والمناظر خلابة. بالوقوف في أرض هويشيان والنظر إلى ما حولك، تجد في الشرق جبالا متدرجة، وفي الجنوب ثلوجا متراكمة تغطي جبل تايباي المشهورة عالميا، وفي الغرب المناظر الخلابة لوادي نهر هونغخه (النهر الأحمر)، وفي الشمال سهل ويخه.

يتميز جبل تايباي الواقع في المناطق الداخلية لبر الصين الرئيسي بالجمال المذهل، حيث المناظر الخلابة والغيوم الكثيفة والضباب المتقلّب الذي لا يمكن التنبؤ به، فضلا عن تمتعه بالروح الثقافية الإنسانية الممتدة لآلاف السنين. هذه أرض خيالية نادرة في الدنيا، تشعر زوارها بالهيبة وتجذبهم بسحرها.