يُعرف جبل تيانتشو باسم "الجبل الأول في منطقة نهر اليانغتسي ونهر هوايخه"، وكان يطلق عليها اسم "نانيويه" (الجبل الجنوبي) في عهد الإمبراطور وو دي لأسرة هان (206 ق.م- 220 م). هذا الجبل مهيب وجميل، ويمزج بشكل مثالي بين بهاء البيئة الطبيعية والمشاهد الثقافية.
يقع جبل تيانتشو (عمود السماء) في غربي مدينة تشيانشان بمقاطعة آنهوي، وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي 413 كيلومترا مربعا، وسمي بهذا الاسم لأن القمة الرئيسية به تشبه عمودا يمتد إلى السماء، ولهذا السبب أيضا تم اختيار منطقة جبل تيانتشو ذات المناظر الطبيعية كحديقة جيولوجية عالمية، ومنطقة جذب سياحي بدرجة 5A على المستوى الوطني، وحديقة غابات وطنية، وموقع تراث وطني طبيعي وثقافي، ويعتبرها الجيولوجيون "المناظر الطبيعية الغرانيتية الأكثر روعة في الشرق".
يقع جبل تيانتشو عند خط عرض 30 درجة شمالا، ويتميز بأربعة فصول متميزة ومناخ معتدل ومجموعة غنية من الأنواع النباتية وغطاء نباتي كثيف. لا يتمتع جبل تيانتشو بالمناظر الطبيعية الخلابة فحسب، وإنما أيضا يضم وفرة من المواقع التاريخية. في عام 106 قبل الميلاد، زار الإمبراطور وو دي لأسرة هان الجبل ومنحه لقب "الجبل الجنوبي"، وهو أحد الجبال المقدسة في الصين. وفي فترة أسرة سوي (581- 618 م)، قام الإمبراطور يانغ دي بتوسيع المنطقة وأعاد تسمية جبل هنغشان في مقاطعة هونان ليصبح الجبل الجنوبي، لكن جبل تيانتشو ظل يحمل اسمه الأصلي، ليناديه الناس بـ"جبل نانيويه القديم". كان الأباطرة من جميع الأسرات يقدمون القرابين بأنفسهم إلى جبل نانيويه تيانتشو، أو يرسلون مسؤولين للقيام بذلك. كان الأدباء والكتاب في مختلف الأسرات يتوافدون باستمرار على جبل تيانتشو، وتركوا من خلفهم ما يقرب من أربعمائة منحوتة على الجروف هناك.
قمة تيانتشو
قمة تيانتشو، التي يبلغ ارتفاعها 8ر1489 مترا فوق سطح البحر، هي أعلى قمة في منطقة جبل تيانتشو للمناظر الطبيعية. تشبه القمة الشديدة الانحدار رأس براعم الخيزران، لذلك يُطلق عليها أيضا اسم سونتسيجيان (رأس براعم الخيزران). تنتصب قمة تيانتشو شامخة بين القمم، وبسبب كثرة السحب والضباب في منطقة نهر اليانغتسي ونهر هوايخه، تظل القمة الرئيسية غارقة بين السحب والضباب على مدار ستة شهور تقريبا في السنة. وقد نظم الشاعران لي باي وباي جيوي يي من أسرة تانغ (618-907 م) قصائد تشيد بعظمة قمة تيانتشو، التي يعتبر تسلقها خطيرا ووعرا، ولهذا هي مغلقة أمام السياح حتى الآن. ويمكن للزوار مشاهدتها من قمة تيانشي المجاورة.
قمة تيانتشي هي ثاني أعلى قمة في جبل تيانتشو، ويبلغ ارتفاعها 1426 مترا فوق سطح البحر. ينقسم الجزء العلوي من القمة إلى ثلاثة أجزاء متصلة، بواسطة لوحين حجريين ضيقين، يبدو أنهما مثل جسر، أطلق عليهما الناس اسم "جسر دوشيان" (جسر الخالدين). بعد عبور الجسر، يصل الزوار إلى منصة تقل مساحتها عن عشرة أمتار مربعة، حيث يمكنهم الاستمتاع بالجمال المهيب لقمة تيانتشو المجاورة. إذا نظرنا إلى الأسفل، تبدو المناظر المحيطة رائعة. تعد هذه القمة أيضا مكانا مثاليا لمشاهدة شروق الشمس وبحر الغيوم وشفق الشمس، بالإضافة إلى بحيرة لياندان (استخلاص إكسير الخلود) عند سفح الجبل.
بالإضافة إلى قمة تيانتشي، تُعد قمة بنغلاي أيضا مكانا جيدا للاستمتاع بمناظر قمة تيانتشو. يصل ارتفاع قمة بنغلاي إلى 1350 مترا فوق سطح البحر، وتطل على قمة تيانتشي من الجنوب وقمة تيانتشو من الشمال. الجوانب الغربية والجنوبية والشمالية للقمة شديدة الانحدار وحادة. الطريق إلى أعلى القمة ضيق وخطير، حيث يبلغ طوله أكثر من مائة متر وعرضه مترين أو ثلاثة أمتار فقط. واليوم، على الرغم من بناء درجات حجرية ودرابزين على جانبي درب المشي الضيق لضمان سلامة المتنزهين، لا يزال المسار ضيقا جدا لدرجة أنه يشبه المشي على حافة الهاوية. تساعد أشجار الصنوبر القديمة الموجودة على الجزء الخارجي من الدرابزين على التخفيف قليلا من قلق الزوار من الارتفاع. وتلوح القمة من بحر من السحب بين الحين والآخر.
بحيرة لياندان عند سفح قمة تيانتشو هي بحيرة اصطناعية، تبلغ مساحة سطحها المائي حوالي 30 ألف متر مربع، وسعة تخزين المياه بها تبلغ 80 ألف متر مكعب، وتقع على ارتفاع 1100 متر فوق سطح البحر. مياهها صافية بلون أخضر زمردي كاليشم، تحيط بها القمم والمنحدرات الخضراء وتنعكس عليها أشجار الصنوبر والجبل الأخضر، مما يضفي حيوية إلى سطح الماء الهادئ، ومع هبوب النسيم، تتموج مياه البحيرة، فتشعر زوارها بالسعادة والراحة. في نهاية فترة أسرة هان الشرقية (25- 220 م)، كان أحد الطاويين المعروفين يجمع الأدوية ويستخلص إكسير الخلود هنا، ومن هنا جاء اسمها الحالي "بحيرة لياندان".
الوادي الثقافي
عند سفح جبل تيانتشو واد صغير، يبلغ طوله الإجمالي ما يقرب من 5ر1 كيلومتر. هذا الوادي الواسع يحيط به الجبل الأخضر من ثلاث جهات، ويعج بالأشجار وفيه معابد قديمة وجداول مياه صافية. هنا، يمكن مشاهدة العديد من الآثار التاريخية والثقافية.
في الوادي أيضا كهف حجري طبيعي، به صخرة كبيرة تشبه ثورا نائما، والمنحدرات المحيطة به تشبه الكهوف، لذلك عُرف باسم كهف شينيو (كهف الثور الصخري). الأشعار والنصوص المنقوشة في كهف شينيو القديم كاملة من حيث الأسلوب والشكل. ويرجع تاريخ هذه المنحوتات الحجرية إلى أسرات تانغ (618-907 م) وسونغ (960-1279 م) ويوان (1279- 1368 م) ومينغ (1368-1644 م) وتشينغ (1644-1911 م) وجمهورية الصين، وحتى العصر الحديث، ولكل فترة عملان على الأقل، وأكثرها له 109 أعمال.
وبشكل عام، فإن قسم النهر أعلى كهف شينيو هو الرافد العلوي، ويطلق عليه اسم جدول تشانتشان (خرير الماء)، وقسم كهف شينيو هو الرافد الأوسط، ويُعرف باسم جدول شينيو، أما الرافد السفلي فهو منطقة الينابيع الرئيسية، ويُعرف باسم شانقو ليوتشيوان (الينابيع المتدفقة في الوادي)، وكان الأديب البارز هوانغ تينغ جيان لأسرة سونغ هو مَنْ أطلق عليه هذا الاسم، ولهذا يعرف بالوادي الثقافي.
كان هوانغ تينغ جيان يحب مناظر الينابيع المتدفقة في الوادي، وكثيرا ما كان يقرأ وينظم الشعر وهو جالس على الصخور بجانب الينابيع، ويعد الشاي من مياه الينابيع. وعندما كان وانغ آن شي في منصبه، غالبا ما كان يأتي لزيارة هذا المكان، وينغمس في المتعة هناك حتى ينسى العودة لدياره. واليوم، لا تزال قصائدهما موجودة على الجدار الصخري بجانب الجدول والينابيع. من الينابيع المتدفقة في الوادي إلى الرافد العلوي لجدول شينيو، هناك أكثر من 280 منحوتة حجرية في الوادي الذي يزيد ارتفاعه عن 200 متر، ويرجع تاريخها إلى مختلف الأسرات، وأكثرها الأعمال المنحوتة في فترة أسرة سونغ. يعكس محتوى هذه المنحوتات في الغالب حب كتابها للأنهار والجبال الجميلة وقدرتهم على استكشاف جمال المناظر الطبيعية للجبال والمياه.
العدد الكبير للمنحوتات الحجرية، ومحتواها الغني، وكثافة مواقعها في هذا الوادي، قلما نجدها بين الينابيع والجبال المشهورة في الصين، وهي مواد قيمة لدراسة فن الخط الصيني القديم والشخصيات التاريخية. في هذه البيئة الطبيعية الهادئة والرائعة والوادي الثقافي الغني والرائع، تُعد زيارة الآثار والمعالم وتذوق الشاي الذي يُعد بمياه الينابيع من متع الحياة بلا شك.
السلم السحابي ذو المائة خطوة
في جبل تيانتشو سلم حجري شديد الانحدار وخطير، يتألف من أكثر من 130 درجة بزاوية انحدار 70 درجة. عند النظر بشكل مستقيم لأعلى ولأسفل، ترى جرفا عاليا في جهة، وهاوية ساحقة على الجهة الأخرى. هذا المكان يشبه سلما طويلا يستند على الجرف، وغالبا ما يكون محاطا بالسحب والضباب وهو خطير للغاية. يبدو وكأنه سلم يمكنه الوصول إلى السماء، وأطلق عليه اسم "السلم السحابي ذي المائة خطوة".
هناك قصة تقول إنه في نهاية فترة أسرة سونغ الجنوبية (1127- 1279 م)، عندما اتجه جيش أسرة يوان جنوبا، قاد ليو يوان، وهو ابن مقاطعة آنهوي في ذلك الوقت، جيشا يتألف من مائة ألف جندي واتخذوا من جبل تيانتشو معسكرا لهم لمقاومة جيش أسرة يوان لمدة 18 عاما، وكان مقره الرئيسي يقع في أعلى السلم السحابي ذي المائة خطوة. التضاريس هنا خطيرة للغاية، حيث تحتوي على صخور ضخمة وحصون شاهقة، مما يسهل الدفاع عنها ويصعب الهجوم عليها، فكان موقعا عسكريا مهما في العصور القديمة.
في عام 1998، أعادت لجنة إدارة جبل تيانتشو بناء السلم السحابي على أساس الآثار الأصلية، كما توجد هنا أيضا بعض المنشآت العسكرية. ويأتي الزوار الآن إلى جبل تيانتشو لشهرتها ولرغبتهم في تحدي السلم السحابي ذي المائة خطوة. وبالوقوف على الدرجات والنظر لأعلى، يبدو أن الناس يجب أن يميلوا إلى الخلف لرؤية درجات السلم كاملة، ويتسلقونه خطوة بخطوة، وعادة لا يتمكن أحد من الصعود إلى القمة دفعة واحدة، فجميع الزوار يسيرون تارة ويستريحون تارة أخرى. أما بالنظر من الأعلى إلى الأسفل، فإن الدرجات المستقيمة أكثر إثارة للخوف، ويتعين على الزوار الإمساك بالدرابزين الحديدي والحبال للنزول ببطء خطوة بخطوة.