تقع منطقة جبل ياندانغ للمناظر الطبيعية في مدينة لهتشينغ بمقاطعة تشجيانغ، وتقع أجزاء منها في محافظة يونغجيا ومدينة ونلينغ، وتبعد 297 كيلومترا عن مدينة هانغتشو و68 كيلومترا عن مدينة ونتشو. تبلغ المساحة الإجمالية للمنطقة 450 كيلومترا مربعا، ويبلغ ارتفاع أعلى قمة بها، وهي قمة بايقانغجيان، 5ر1056 مترا فوق سطح البحر. المنطقة بها أكثر من 500 موقع للمناظر الطبيعية، موزعة في ثماني مناطق للمناظر الطبيعية، تشتهر بالقمم والصخور الغريبة والكهوف القديمة والغرف الحجرية والشلالات والينابيع المتدفقة، من بينها مناطق لينغفنغ ولينغيان ودالونغتشيو التي تُعرف باسم "عجائب ياندانغ الثلاثة". عُرف جبل ياندانغ تاريخيا باسم "الجبل الأول في جنوب شرقي الصين" وهو الآن منطقة مناظر طبيعية بدرجة 5A على المستوى الوطني وحديقة جيولوجية عالمية وحديقة غابات على المستوى الوطني.
تشَكَل جبل ياندانغ قبل مائة وعشرين مليون عام، وظهرت المناظر الطبيعية المهيبة الرائعة للجبل نتيجة أربعة انفجارات بركانية. وتعد هذه المناظر نافذة طبيعية لاستكشاف الصهارة التكتونية والجيولوجيا العميقة للحافة القارية الآسيوية. في عام 2005، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إدراج منطقة جبل ياندانغ باعتبارها حديقة جيولوجية عالمية. ينتمي مناخ جبل ياندانغ للمناخ المحيطي شبه الاستوائي، حيث الأمطار الغزيرة والطقس الدافئ، والشتاء ليس شديد البرودة.
منطقة لينغفنغ
تشمل مواقع المناظر الطبيعية الرئيسية في منطقة لينغفنغ، جسر قوخه وكهف قوانين (إلهة الرحمة) وكهف بيدو. بعد وقت قصير من دخول هذه المنطقة للمناظر الطبيعية، يمكن للزوار الوصول إلى جسر قوخه (صندوق الفواكه)، وتحت هذا الجسر الحجري الأحادي القنطرة بركة نينغبي الزمردية الصافية. ولأن الجسر يستند على صخور قوخه، فسُمي بهذا الاسم، ويُعرف الجسر والبركة والصخور باسم "مواقع قوخه الثلاثة للمناظر الطبيعية". بالسير على جسر قوخه والنظر لأعلى، يمكن للزوار رؤية قمم الجبال المهيبة، وبالنظر لأسفل يمكن رؤية مياه البركة الهادئة، وهو شيء مثير للغاية. شكل صخور قوخه، الواقعة على ضفاف بركة نينغبي، دائري ومسطح وذات علامات دائرية في المنتصف، وتبدو كصندوق من الفواكه للوهلة الأولى. وعلى الصخور مقصورة سداسية ذات هيكل خشبي تُسمى بـ"مقصورة قوخه"، وهي مكان ممتاز ليأخذ الزوار فيها قسطا من الراحة ويستمتعوا بالمناظر الطبيعية.
وبالسير نحو الأمام، يصل الزوار إلى كهف لينغفنغ القديم، الذي تشكل نتيجة لزلزال، ويشتمل على سبعة كهوف بداخله متصلة ببعضها البعض. وبتسلق الدرجات الحجرية داخل الكهف، يمكن الصعود إلى منصة ياوتاي الشرقية والغربية ورؤية قمم الجبال في منطقة المناظر الطبيعية، وقد تم تصوير العديد من الأفلام والمسلسلات الخيالية في هذا المكان، الذي يُعد أيضا مكانا شهيرا بين هواة التصوير الفوتوغرافي. وبالنظر باتجاه الشرق، يرى الزوار واديا واسعا تشكل بين الجروف الشاهقة في الشمال والجنوب، وتحوّم الغيوم والضباب فوق الجبال خارج الوادي، في مشهد رائع للغاية. أما بالنظر نحو الغرب، فهناك قمة ختشانغ الأكثر شهرة في منطقة لينغفنغ.
بعد مغادرة منصة ياوتاي، يمكن الذهاب مباشرة إلى قمة ختشانغ. تُسمى قمة ختشانغ أيضا باسم قمة فوتشي (الزوجين)، وهي من المواقع التي لا بد من زيارتها في منطقة لينغفنغ للمناظر الطبيعية، حيث يمكن رؤية أشكال مختلفة من وجهات مختلفة، مثل زوجين متعانقين ونسر ينشر جناحيه. تتكون قمة ختشانغ من قمتين، القمة الواقعة على اليمين هي "قمة لينغفنغ" والواقعة على اليسار هي "قمة ييتيان"، ويبلغ ارتفاعها حوالي 270 مترا، وتشكل الفجوة بين القمتين كهفا، وهو كهف قوانين. يبلغ ارتفاع هذا الكهف 113 مترا، وعمقه 76 مترا، وعرضه 14 مترا، وتم بناء مقصورة ذات تسعة طوابق اعتمادا على الصخور. كان كهف قوانين في البداية مسكن الراهب الكبير شان مو، من فترة أسرة تانغ (618- 907م)، وتم ترميمه لاحقا ليصبح معبدا كما هو عليه الآن. وفي فترة أسرة سونغ (960- 1279م)، تم نحت خمسمائة أرهت على الصخور. من سفح الجبل، على الزوار تسلق 403 درجات حجرية متعرجة ليتمكنوا من الوصول إلى القاعة الكبرى في الأعلى. وفي وسط القاعة تمثال قوانين الجالس بشكل رزين وهادئ، وبجانبه تماثيل ثمانية عشر أرهت، وفي قمة الكهف ثلاثة ينابيع.
كهف بيدو هو أكبر كهف للطاوية في جبل ياندانغ. مدخل كهف بيدو مرتفع وواسع، والإضاءة داخله جيدة، مما يجعله دافئا في الشتاء ومنعشا في الصيف. المقصورة الرئيسية داخل الكهف هي قاعة لينغشياو المكونة من أربعة طوابق، ويقع أمامها بناية باشيان (الخالدون الثمانية) المكونة من ثلاثة طوابق، وقاعة دالوه هي القاعة الخلفية. على الجانب الأيسر من قمة الكهف، صخور خضراء منحنية مرصّعة وسط صخور سوداء، وهي موضوعة واحدة تلو الأخرى ومتصلة ببعضها البعض، مثل الحراشف على بطن التنين، لذلك يُطلق عليها اسم "التنين الأخضر الرابض على الصخور السوداء". في الكهف أيضا مناظر، مثل "الأرنب اليشمي ذي اللون الذهبي" و"الضفدع المعلق رأسا على عقب". وفي أسفل يسار الكهف نبع يُعرف باسم "لونغجينغ". تتسرب مياه الينبوع من بين الصخور، وهي صافية ذات مذاق عذب ولا تجف طوال العام.
يمكن تقسيم الرحلة إلى لينغفنغ إلى "المناظر النهارية" و"المناظر الليلية". المناظر النهارية هي كهف قوانين والكهف القديم وكهف بيدو وغيرها من المواقع الواقعة في قمة ختشانغ؛ أما المناظر الليلية فليست مشاهدة عروض ضوئية في المساء، بل هي مشاهد الظل المتغيرة لقمم الجبال تحت ضوء القمر، مثل "تطلع وحيد القرن نحو القمر" و"رش الحيتان للمياه" وغيرهما.
منطقة دالونغتشيو
تشتهر منطقة دالونغتشيو بمناظرها الطبيعية الفريدة، مثل الوديان والشلالات والجروف وغيرها. وفور الدخول إلى هذه المنطقة للمناظر الطبيعية، يجد الزوار أنفسهم محاطين بالجبال الخضراء الشاهقة من الجانبين، وكل ما تراه أعينهم هو اللون الأخضر، مما يشعرهم بالراحة والاسترخاء. وبالسير على طول النهر، يصلون سريعا إلى شلال دالونغتشيو. يتدفق الشلال من الجروف الشاهقة، ويملأ رذاذ الماء الهواء، ما يجعل الزوار يشعرون وكأنهم في أرض خيالية. وسبق أن كتب شيوي شيا كه (كاتب رحلات من فترة أسرة مينغ (1368- 1644م)): "شلال دالونغتشيو ينهمر مدويا نحو البركة".
شلال دالونغتشيو من الشلالات الأربعة الكبرى في الصين، وهو شلال كبير يتدفق من أعلى جرف ليانيون الشامخ الذي يبلغ ارتفاعه 190 مترا، ويتميز بمناظره المتغيرة في المواسم المختلفة، بسبب تباين تدفق المياه. في موسم ذروة الصيف، بعد انتهاء العواصف الرعدية، يشبه الشلال تنينا فضيا غاضبا، يطير في الهواء وينقض بشراسة على الأرض. أما في الخريف، فيشبه قطعة من قماش التول الأنيق منسدلة من السماء. في يوم شتوي صاف، يبدو شلال دالونغتشيو وكأنه عقد من حبات اللؤلؤ المبعثرة. وفي الشهر الثالث حسب التقويم القمري الصيني في الربيع، تتغير ملامح الشلال، إذ يتدفق من أعلى الجبل ويتحول إلى دخان وضباب على بعد بضعة أقدام. يتدفق الشلال إلى بركة من المياه الزمردية الخضراء، وتشبه مياه البركة الصافية قطعة من اليشم مطعمة في الغابة الجبلية، وتتجاوب مع الشلال في الأعلى من بعيد لتشكل مشهدا رائعا. بالوقوف بجوار الشلال، والاستماع إلى هدير الماء، والشعور برذاذ الماء المنعش، لا يسع الزوار سوى الانخراط مع المشهد ونسيان كل ما حولهم.
بالإضافة إلى الشلال، هناك أيضا قمم الجبال التي يقع فيها الشلال، بما في ذلك قمم جيانداو (المقص) وتشومونياو (نقار الخشب) وشيونغيان (صخور الدب)، ثم ويقان (السارية)، يتغير المشهد باستمرار، ويرى الزوار أشكالا مختلفة على كل قمة من القمم.
منطقة لينغيان
بمجرد دخول منطقة لينغيان، يمكن رؤية جرف بينغشيا الذي يبلغ ارتفاعه مئات الأقدام، ويقف منتصبا باتجاه السماء. وبالمضي قدما نحو الأمام، يمكن الوصول إلى معبد لينغيان، الذي سُمي بهذا الاسم لأنه يعتمد على صخور لينغيان من خلفه، وهو المعبد الأول من بين المعابد الثمانية عشر القديمة في جبل ياندانغ. بُني هذا المعبد في فترة أسرة سونغ، وكان يضم، في ذروة ازدهاره، أكثر من مائة غرفة، وحفظت به آلاف الكتب المقدسة، وقد أعيد بناؤه بعد عدة حروب. تحيط الجبال بمعبد لينغيان الذي يتمتع ببيئة هادئة، ويتدفق جدول وهلونغ عبر بوابته، ويقع جرف بينغشيا خلف المعبد.
هناك العديد من المواقع السياحية حول المعبد. أمام الجانب الأيمن من معبد لينغيان قمة تيانتشو، وقد سُميت بهذا الاسم لأنها تشبه عمودا حجريا ضخما، ويبلغ ارتفاعها 266 مترا وتقف منتصبة ممتدة لعنان السماء، فيكون مشهدها مهيبا للغاية. تقع قمة تشانتشي (الراية المرفرفة) أمام الجانب الأيسر من المعبد، مقابل قمة تيانتشو، ويبلغ ارتفاعها حوالي 260 مترا، وتشبه الراية المرفرفة. وفي الجزء السفلي من قمة ينلونغ، التي تقع خلف الجانب الأيمن من معبد لينغيان، شلال صغير، وهو سلسلة من المياه تتدفق من جرف القمة إلى أسفل الوادي، وتحمل اسم شلال شياولونغتشيو. وبالصعود من الدرب الصغير خلف معبد لينغيان، يوجد كهف لونغبي (أنف التنين)، الذي يحتوي على أكثر من 80 نقشا على الجروف، تم إبداعها في عصور مختلفة، وكان مقصدا للمثقفون.
آثار أقدام الثقافة الإنسانية
يتمتع جبل ياندانغ أيضا بتاريخ ثقافي إنساني عريق. إذ بدأ بناء المعابد والمعالم المقدسة في الجبل في فترة الأسر الجنوبية والشمالية (420- 589م)، وبدأ ازدهاره في فترة أسرة تانغ، وبلغ ذروة ازدهاره في فترة أسرة سونغ، حيث تم بناء ثمانية عشر معبدا وعشرة أفنية وست عشرة مقصورة به، فكانت تلك الفترة ذروة تطور جبل ياندانغ.
المناظر الطبيعية الفريدة لجبل ياندانغ تمنح الناس إحساسا قويا بالجمال والإلهام، وقد جاء الشعراء والفنانون في مختلف العصور إلى هنا لكتابة الشعر ورسم اللوحات، تاركين وراءهم عددا كبيرا من الأعمال، من بينها أكثر من خمسة آلاف قصيدة، وأكثر من أربعمائة نقش على الجروف. وهناك أيضا معالم تاريخية، مثل المقصورات والبنايات والبوابات التذكارية، والتي تُعد جميعها تراثا تاريخيا وثقافيا ثمينا.
قام الرحالة العظيم شيوي شيا كه، من فترة أسرة مينغ، بزيارة جبل ياندانغ ثلاث مرات وكتب ((مذكرات رحلة جبل ياندانغ)) المكونة من سبعة آلاف مقطع صيني، ووصف عظمة وروعة مناظر ياندانغ بأسلوب بليغ. استطاع شيوي شيا كه تحديد مصدر شلال دالونغتشيو وشلال شياولونغتشيو، بعد أن اجتاز الغابات الكثيفة وتسلق الجروف الساحقة وخاطر بحياته عدة مرات. هذه المذكرات ليست مرجعا جغرافيا ثمينا فحسب، وإنما أيضا درة من أدب الرحلات غنية بمهارات كتابية رائعة، وقد اجتذبت عددا لا يُحصى من الزوار على مر العصور.