تقع بلدة لانغتشونغ القديمة في مدينة نانتشونغ بمقاطعة سيتشوان، وهي إحدى البلدات الأربع القديمة الكبرى في الصين. تتمتع بلدة لانغتشونغ بتاريخ طويل، إذ يعود تاريخها إلى أكثر من 2300 عام، وكانت مقرا للحكومات المحلية على مختلف المستويات خلال أسرات مختلفة، وحاضرة سيتشوان لمدة عشرين سنة في أواخر أسرة مينغ (1368- 1644م) وأوائل أسرة تشينغ (1644- 1911م).

حتى يومنا هذا، لا تزال البلدة محتفظة بالتخطيط الحضري الذي كانت عليه في أسرة تانغ (618- 907م) والنمط المعماري لأسرتي مينغ وتشينغ. تبلغ مساحة المنطقة الرئيسية بالبلدة القديمة قرابة كيلومترين مربعين، وبها أكثر من مائة مسكن قديم وأكثر من تسعين شارعا وزقاقا يرجع تاريخها إلى أسرتي مينغ وتشينغ محفوظة بشكل جيد، فضلا عن أكثر من ألف تجمع سكني قديم. تحتضن البلدة مجموعة من الثقافات المتنوعة، بما في ذلك ثقافات الممالك الثلاث (220- 280م) وعيد الربيع ونظام الاختبارات الإمبراطورية والأديان والثقافات الأخرى التي تتناغم وتمتزج معا. وفي البلدة إحدى وثلاثون وحدة لحماية الآثار التاريخية على المستوى الوطني وعلى مستوى المقاطعة، أشاد بها الخبراء باعتبارها واحدة من "أفضل البلدات القديمة المحفوظة بشكل جيد في الصين". تحمل لانغتشونغ القديمة العديد من الألقاب، منها "منطقة جذب سياحي بدرجة 5A على المستوى الوطني" و"موطن ثقافة عيد الربيع الصيني".

مقصورة تشونغتيان ومقصورة هواقوانغ

يبجّل الصينيون السماء والأرض منذ قديم الزمان، ويهتمون بمسايرة الظروف الطبيعية في بناء المنازل والقرى، وتحقيق التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، وبلدة لانغتشونغ القديمة خير مثال على ذلك. بنى القدماء هذه البلدة بحيث تحيط بها المياه من ثلاث جهات والجبال من أربع جهات، لتجمع بين الجبال والأنهار في تناغم. يقع جبل بانلونغ (التنين الملتف) في شمالي البلدة، وبفضل ارتفاعه، يصد الرياح الشمالية عن القرية، أما نهر جيالينغ، فيمتد على شكل شريط حول البلدة القديمة.

مقصورة تشونغتيان هي قلب لانغتشونغ القديمة والبناية المحورية فيها، إذ تنتشر حولها الشوارع بشكل متقاطع على شكل رقعة الشطرنج. بُنيت مقصورة تشونغتيان في فترة أسرة تانغ وأعيد بناؤها في عام 2006. يبلغ ارتفاعها 5ر20 مترا، وتتكون من ثلاثة طوابق، وتتصل جميع أبوابها ببعضها البعض. مظهرها المهيب والرائع ينسجم تماما مع ملامح البلدة القديمة. يمكن رؤية هذه المقصورة القديمة من الاتجاهات الأربعة للبلدة القديمة، ومن أعلى المقصورة، يمكن للزوار الاستمتاع بإطلالة واسعة الأفق على البلدة القديمة، وكذلك مجموعة الجبال ونهر جيالينغ الرابضين على مسافة بعيدة.

تُعرف مقصورة هواقوانغ أيضا باسم "مقصورة قوتشنجيانغ". ومن بين المقصورات الموجودة حاليا في لانغتشونغ، مقصورة هواقوانغ هي الأقدم والأكثر جلالا. بُنيت في مكان بناية تعود للأمير لي يوان ينغ من أسرة تانغ، والتي دُمرت إثر حريق في العام التاسع عشر من فترة حكم الإمبراطور داو قوانغ لأسرة تشينغ، وأعيد بناؤه في العام السادس من فترة حكم الإمبراطور تونغ تشي.

تقع مقصورة هواقوانغ في جنوبي لانغتشونغ، وتُعد بوابة البلدة على ميناء نهر جيالينغ. يبلغ ارتفاع المقصورة 36 مترا، وتدعمها أربعة أعمدة خشبية مستقيمة ممتدة من الأرض إلى السقف، وهيكلها بالكامل مصنوع من الخشب، وفي كل طابق نوافذ مزخرفة، ولها سقف ذو ثلاثة أفاريز وزخارف على أشكال الناس والحيوانات، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بمناظر البلدة القديمة من الشرفات بكل طابق.

من بين التجمعات السكنية الجيدة التنظيم، بعض المساكن القديمة التي ترجع لفترة أسرتي مينغ وتشينغ مفتوحة للزوار، حيث يمكنهم معايشة أجواء البنايات المحفوظة منذ مئات السنين.

معبد هوانهو لمملكة شو

تقع بلدة لانغتشونغ عند تقاطع جبال دابا وجبال جيانمن ونظام مياه نهر جيالينغ، وهي محاطة بالمياه من ثلاث جهات وبالجبال من أربع جهات، مما سهل الدفاع عنها وصعب مهاجمتها، فكانت بلدة عسكرية مهمة في شمالي مقاطعة سيتشوان في العصور القديمة. وفي فترة مملكة شو، من الممالك الثلاث، تم تعيين الجنرال المشهور تشانغ فيّْ، للمرابطة في هذه البلدة لمدة سبع سنوات. لم يكن تشانغ فيّْ عسكريا شجاعا وبارعا فحسب، وإنما أيضا عُرف بقدراته الاستثنائية في الحكم. وبعد أن تولى تشانغ فيّْ منصبه في لانغتشونغ، قام بتقوية أسوار البلدة وبناء مشروعات الري لسحب المياه من نهر جيالينغ لري الأراضي الزراعية، فتطور الإنتاج الزراعي في عهده بسرعة، واستغل الخصائص المحلية المناسبة لتربية دود القز لتشجيع السكان المحليين على زراعة التوت وتربية دود القز، فأصبحت صناعات لانغتشونغ تدريجيا المركز الاقتصادي لشمالي مقاطعة سيتشوان. بعد وفاة تشانغ فيّْ، بنى الناس "معبد هوانهو لمملكة شو" حول مقبرته لإحياء ذكرى مساهماته في حكم لانغتشونغ. وبعد فترة الممالك الثلاث، لم تندلع حرب واسعة النطاق في لانغتشونغ لفترة طويلة، فتمكن الناس من النقاهة واستعادة القوة.

"معبد هوانهو لمملكة شو"، المعروف باسم معبد تشانغ فيّْ، سُمي بهذا الاسم لأن تشانغ فيّْ مُنح بعد وفاته لقب "هوانهو"، الذي يعني "القادر على فتح الأرض وإخافة العدو". يعود تاريخ المعبد لأكثر من 1700 عام، وهو الآن وحدة آثار تاريخية رئيسية محمية على المستوى الوطني. يقع في شارع شيجيه للبلدة القديمة، وهو عبارة عن مجموعة من البنايات القديمة الضخمة والجميلة على شكل الدار الرباعية (سيخهيوان)، أعيد بناؤه في فترة أسرتي مينغ وتشينغ، ويغطي مساحة تزيد عن عشرين ألف متر مربع. يتكون المعبد من القاعة الرئيسية والقاعة الخلفية وجناح المقبرة والمقبرة وبنايات أخرى. وداخل المعبد نقوش وقصائد شعر ولوحات للمشاهير من الأسرات المختلفة، وتُعرض فيه أكثر من ألف قطعة أثرية تاريخية، مما يعكس التراكم الثقافي الغني لأكثر من ألفين وثلاثمائة سنة لبلدة لانغتشونغ القديمة. يتميز "معبد هوانهو لمملكة شو" بالتصميم الدقيق والبنية الفريدة من نوعها، ويجمع بين المهابة والأناقة في نفس الوقت، وهو من الآثار التاريخية المهمة للممالك الثلاث.

قاعة الاختبارات الإمبراطورية في سيتشوان لأسرة تشينغ

في أسرة تشينغ، كانت لانغتشونغ حاضرة مقاطعة سيتشوان المؤقتة لمدة سبع عشرة عاما، وأنشأ البلاط الإمبراطوري قاعة للاختبارات الإمبراطورية لإقامة الاختبارات على مستوى المقاطعة واختيار الأكفاء للبلاط الإمبراطوري في العصر الاقطاعي. احتضنت لانغتشونغ، المفعمة بأجواء ثقافية قوية، أربعة طلاب من الفائزين بالمرتبة الأولى في الاختبارات الإمبراطورية الأعلى في التاريخ. بعد أكثر من ثلاثمائة عام من التقلبات التاريخية، ظلت قاعة الاختبارات في لانغتشونغ محفوظة بشكل تام نسبيا، واليوم استعادت ملامحها بالكامل، وتُعد قاعة الاختبارات الوحيدة لأسرة تشينغ المحفوظة بشكل جيد في الصين، وقد أصبحت موقعا مهما لثقافة الاختبارات الإمبراطورية في الصين. الآن، تُعد قاعة الاختبارات الإمبراطورية في سيتشوان لأسرة تشينغ وحدة آثار تاريخية رئيسية محمية على المستوى الوطني، وتتكون من غرف الاختبارات وغرف الأرشيف وغرف المراقبين وغرف التسجيل، والعديد من أجنحة العرض لإحياء ذكرى الطلاب الفائزين بالمرتبة الأولى في الاختبارات الإمبراطورية الأعلى والعلماء المشاهير، وأجنحة عرض قضايا رشاوى الاختبارات وسياسات منع الغش في الاختبارات الإمبراطورية.

رجل عيد الربيع العجوز

في عيد الربيع كل عام، يُقام في بلدة لانغتشونغ القديمة عرض شعبي بعنوان "رجل عيد الربيع العجوز"، حيث يرتدي رجل عجوز ملابس حمراء احتفالية ميمونة ويوزع "هونغباو" (مظاريف عيدية حمراء) على الأطفال في الشوارع. كان النموذج الأصلي لرجل عيد الربيع العجوز هو عالم الفلك لوه شيا هونغ من أسرة هان الغربية (206 ق.م- 24م).

لوه شيا هونغ ابن بلدة لانغتشونغ في فترة أسرة هان الغربية، هو عالم فلك وتقويم بارز في التاريخ الصيني. كان لوه شيا هونغ شغوفا بعلم الفلك منذ طفولته، وسجل في مذكراته اليومية أن ظلال أعمدة الخيزران لم يكن طولها يختلف فقط من ساعة إلى ساعة، ولكنها كانت مختلفة أيضا في فصول السنة المختلف. ومن خلال الاستكشاف الطويل المدى، واستنتج تدريجيا العلاقة بين النقاط الشمسية الأربع والعشرين للتقويم الصيني التقليدي والنجوم الثمانية والعشرين (التي يمكن اعتبارها نسخة صينية من الأبراج في علم الفلك الغربي).

في فترة الإمبراطور وو دي لأسرة هان الغربية، سافر لوه شيا هونغ إلى العاصمة وفقا لأمر الإمبراطور لوضع "تقويم تايتشو"، الذي كان أول تقويم كامل نسبيا في الصين، وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها إصدار تقويم يتضمن النقاط الشمسية الأربع والعشرين للتقويم الصيني التقليدي، الأمر الذي مكّن الناس من اتباعه والقيام بأعمال الزراعة وفقا للمواسم. كما حدد لوه شيا هونغ الشهر الأول في التقويم الصيني القمري كبداية العام، وأول يوم من هذا الشهر كأول يوم في العام. ومنذ ذلك الحين، وُلد أهم عيد تقليدي للأمة الصينية، وهو عيد الربيع. بعد صياغة "تقويم تايتشو"، عيّن الإمبراطور لوه شيا هونغ في منصب رسمي لكنه لم يقبل، وعاد إلى لانغتشونغ لمواصلة دراسة علم الفلك، وقام بتعديل المحلّقة، وحسّن نظرية تشبيه السماء بالبيضة في علم الفلك القديم، ونقل المعارف إلى الأجيال اللاحقة. بفضل تأثيره، ظهر في وقت لاحق عدد من علماء الفلك البارزين في لانغتشونغ.

في المجتمع الصيني التقليدي، الذي اهتم بالعلوم الإنسانية واستخفّ بالعلوم والتكنولوجيا، لم يحظ لوه شيا هونغ بالاهتمام الكافي في أسرة هان الغربية (206 ق.م- 24م)، ولم تسجل الوثائق التاريخية أي معلومات عن سيرة حياته. في سبتمبر 2004، وافقت لجنة تسميات الأجسام الصغيرة التابعة للاتحاد الفلكي الدولي، على تسمية كوكب سيار يحمل الرقم الدولي الدائم 16757 باسم "كوكب لوه شيا هونغ". ومن أجل إحياء ذكراه، أنشأ سكان بلدة لانغتشونغ القديمة قاعة لوه شيا هونغ التذكارية لتقديم قصة حياته وإنجازاته الفلكية.

الإرث الحديث

باعتبارها بلدة مرتبطة بعيد الربيع، تولي بلدة لانغتشونغ اهتماما كبيرا لحماية واستخدام الإرث الثقافي ودمجه مع الابتكار، والجمع بين العادات الشعبية الفريدة لإقامة مختلف الأنشطة الثقافية لعيد الربيع كل عام، وأصبحت أنشطة عيد الربيع هذه بطاقة عمل للسياحة الثقافية وعلامة تجارية لمدينة لانغتشونغ.

بالإضافة إلى ذلك، من أجل حماية الملامح الأصلية للبلدة القديمة وتوارث الثقافة التقليدية وإثراء التجربة السياحية، تم إنشاء حديقة صناعية سياحية في حي تشيلي الجديد لمدينة لانغتشونغ الحالية وهو مجاور لبلدة لانغتشونغ القديمة، تدمج الخبرة التاريخية الثقافية ومشاهدة المعالم الصناعية الحديثة والسياحة التعليمية وغيرها من الأنشطة الثقافية الأخرى. تتمتع هذه الحديقة بتاريخ وثقافة الممالك الثلاث، ويمكن للزوار زيارة ورشات العمل التقليدية لمعرفة كيفية صنع المنتجات المحلية مثل لحم البقر بماركة تشانغ فيّْ وخل لانغتشو وتذوقهما، بالإضافة إلى الإقامة في الفنادق على طراز الممالك الثلاث، وتذوق أطعمة من شمال شرقي سيتشوان التقليدية.

تتمتع بلدة لانغتشونغ القديمة بمناظر طبيعية جميلة وبنايات تاريخية محفوظة بشكل جيد وتراث ثقافي غني للممالك الثلاث، وقاعة الاختبارات الإمبراطورية وعلم الفلك، فضلا عن المرافق السياحية الحديثة، كل ذلك يجذب عددا متزايدا من الزوار من جميع أنحاء العالم لتجربة سحر البلدة القديمة.