تقع بلدة نانشيون القديمة في حي نانشيون بمدينة هوتشو في مقاطعة تشجيانغ، عند نقطة التقاء مقاطعتي جيانغسو وتشجيانغ ومدينة شانغهاي. تحدها بحيرة تايهو من الشمال ومدينة سوتشو بمقاطعة جيانغسو من الشرق، وتقع في قلب منطقة دلتا نهر اليانغتسي المزدهرة. تأسست البلدة في فترة الإمبراطور تشون يو لأسرة سونغ الجنوبية (1127- 1279م)، وتفخر بتاريخ يعود لأكثر من سبعمائة عام وتراكم تاريخي غني وتراث ثقافي ثري. بفضل ظهور صناعة الحرير وتطور الاقتصاد التجاري في نانشيون خلال فترة الإمبراطور وان لي لأسرة مينغ (1368- 1644م) إلى منتصف أسرة تشينغ (1644- 1911م)، ازدهر اقتصادها بصورة غير مسبوقة وأصبحت بلدة ذات مكانة عالية في مقاطعتي جيانغسو وتشجيانغ. وعلى مدى قرون من الزمان، قام تجار نانشيون، الذين حققوا ثروة هائلة من صناعة الحرير، ببناء منازل رائعة وحدائق خاصة هنا، من بينها العديد من المنازل المحفوظة جيدا حتى الآن، وخاصة البنايات العديدة لعائلتي ليو وتشانغ وغيرهما، والتي أصبحت فيما بعد المناظر الكلاسيكية لبلدة نانشيون القديمة.
اليوم، وبفضل مكانتها التاريخية الفريدة ومناظرها الثقافية، تحمل بلدة نانشيون القديمة عدة ألقاب، منها "البلدة التاريخية والثقافية الصينية الشهيرة" و"المنطقة السياحية بدرجة
حديقة شياوليانتشوانغ ومكتبة جيايه
مكتبة جيايه هي أكبر مكتبة خاصة تضم أكبر مجموعة من الكتب في الصين الحديثة. يفصل بين مكتبة جيايه وحديقة شياوليانتشوانغ نهر. ليو تشنغ قان هو صاحب المكتبة، وهو أكبر أحفاد الأكبر لليو يونغ. تضم المكتبة 600 ألف كتاب في أكثر من 160 ألف مجلد من أسرات سونغ ويوان ومينغ وتشينغ، بما في ذلك العديد من نسخ الكتب النادرة أو الوحيدة الباقية. تم بناء مكتبة جيايه في الفترة من عام 1920 إلى عام 1924. أولى ليو تشنغ قان اهتماما كبيرا لتصميم وبناء الحديقة الواقعة أمام بناية المكتبة، وجلب خصيصا لها حجرا غريبا من بحيرة تايهو لتزيين الحديقة. والغريب في هذا الحجر أن هناك فتحة نفخ في وسطه تصدر صوت صفير عند النفخ فيها، لذلك يُسمى بحجر الصفير. بين رفوف الكتب مقاعد للقراءة في جميع طوابق المكتبة، وقد زار المكتبة العديد من العلماء الصينيين والأجانب لقراءة الكتب ونسخها. عندما تم تحرير منطقة جنوب نهر اليانغتسي في عام 1949، أصدر رئيس مجلس الدولة تشو أن لاي تعليماته خصيصا إلى القائد تشن يي لإرسال قوات لحماية المكتبة. وفي يوليو عام 2001، تم إدراج مكتبة جيايه في قائمة الوحدات الأثرية التاريخية الرئيسية المحمية على المستوى الوطني في الصين.
البيت الأحمر
في بداية القرن العشرين، كان في بلدة نانشيون بيت مبني على الطراز المعماري الأوروبي في العصور الوسطى، وقد أطلق عليها المحليون اسم البيت الأحمر. صاحب المنزل هو ليو تي تشينغ الابن الثالث لليو يونغ. في أواخر أسرة تشينغ، كانت شانغهاي المنفتحة نسيبا في ذلك الوقت، هي الساحة الاقتصادية الأكثر أهمية لتجار هوتشو، وكان شركاؤهم التجار الرئيسيون هم تجار أجانب من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا جعل مفاهيمهم وأفكارهم أكثر انفتاحا من التجار من المناطق الأخرى في نفس الوقت، وجعلهم يقبلون أسلوب الحياة الغربي قبل غيرهم، كما ظهرت الأنماط المعمارية الأوروبية في بلدة نانشيون القديمة.
الفناء الأمامي للبيت الأحمر هو بناية على الطراز الصيني، بسيطة ومهيبة، والنوافذ الشبكية محفور عليها الرسوم الزخرفية وخطوط الأختام القديمة الأنيقة، وبالمرور عبر الممر إلى الفناء الخلفي، يتحول اللون الرمادي القاتم فجأة إلى اللون الأحمر الساطع، وتظهر فجأة بناية حمراء على الطراز الأوروبي، وهي مصممة بالكامل حسب الطراز المعماري الإيطالي، ولكن هذه البناية الغربية الطراز مخفية بعمق في الفناء الخلفي بين البنايات ذات الطراز الصيني، وتبدو لافتة للأنظار وسط البنايات ذات الطراز المعماري الصيني بجدرانها البيضاء وقراميدها السوداء. يُعد ظهور هذا البناية ذات الطراز الغربي قبل مائة عام شيئا نادرا للغاية، خاصة في هذه البلدة الصغيرة الواقعة في منطقة جنوب نهر اليانغتسي، وهذا يعكس انفتاح هذه البلدة القديمة ورحابة صدرها.
منازل المشاهير
كان تشانغ شي مينغ، أحد عشاق الكتب الأربعة المشاهير في نانشيون في أواخر أسرة تشينغ وأوائل جمهورية الصين (1912- 1949م)، وهو حفيد تشانغ سونغ شيان التاجر الشهير من نانشيون. البيت الذي سكنه تشانغ شي مينغ كان معروفا باسم "البيت الأول" في منطقة جنوب نهر اليانغتسي، إذ كانت مساحته هي الأكبر هناك آنذاك، فقد بلغت حوالي ستة آلاف متر مربع، واشتمل على أكثر من 240 غرفة، وله قيمة فنية وأثرية وتاريخية عالية. في يوليو 2001، تم إدراج منزل تشانغ شي مينغ في قائمة الوحدات الأثرية التاريخية الرئيسية المحمية على المستوى الوطني في الصين.
بُني منزل تشانغ خلال الفترة بين عامي 1895 و1905. ويضم العديد من المنحوتات الخشبية ومنحوتات الطوب والمنحوتات الحجرية الرائعة والحيوية وكذلك المنحوتات الزجاجية المستوردة من فرنسا، وكلها تظهر مزيجا من خصائص الطرازين المعماريين الصيني والغربي. كل باب في القاعة الجانبية عبارة عن أعمال فنية، فهي منحوتة بأنماط وأشكال متعددة ومعقدة وصور رواية ((قصة في المقصورة الغربية)). أما قاعة باجياو الواقعة في الصف الثالث من غرف المنزل، فكانت مكان تناول الطعام لعائلة تشانغ. وتقع غرف نوم الفتيات في الطابق العلوي خلف قاعة الطعام. نوافذ غرف النوم بأكملها مطعمة بالزجاج الأزرق المنحوت المستورد من أوروبا، وهو منحوت بأشكال مختلفة من زهور وفواكه وخضراوات الفصول الأربعة.
في الفناء الخلفي بناية على الطراز الباروكي الغربي، تم بناؤها في نفس الفترة التي بُني فيها البيت الأحمر، وكل الطوب الأحمر المستخدم في بناء هذه البناية جئ به من أوروبا البعيدة. في الطابق الأول للبناية ذات الطراز الغربي قاعة مآدب فاخرة بها قاعة رقص وغرفة للتزيين وغرفة لتبديل الملابس، وتحت المدفأة الجدارية بلاط قيشاني مرسوم عليه لوحات لمناظر طبيعية ذات حرفية رائعة. يدعم السقف عمودان مصنوعان من الحديد بالأسلوب الكورنثي، ويقال إن هذا النوع من الأعمدة ذات الطراز البيزنطي نادرة جدا في أوروبا أيضا. وفي الفناء الأمامي للبناية الغربية الطراز شجرتان من أشجار الماغنوليا يبلغ عمرهما الآن أكثر من مائتي عام.
في مكان ليس بعيدا عن منزل تشانغ شي مينغ، يقع منزل ابن عمه تشانغ جينغ جيانغ، وهو عبارة عن فناء مكون من ثلاثة صفوف من الغرف وجدران عالية، تبلغ مساحته ألفي متر مربع، وهو مشيد على الطراز النموذجي للبيوت في منطقة جنوب نهر اليانغتسي، حيث يتميز بالأناقة والبساطة في نفس الوقت. بالدخول إلى هذا المنزل القديم، لا يسع للناس إلا أن يعجبوا ببهائه في البداية، قبل الانجذاب بالتعريف الغني بالمعلومات والمعروضات الأثرية حول الحياة الأسطورية لتشانغ جينغ جيانغ. فقد كان شخصية عظيمة ساهمت بشكل كبير في تاريخ الصين الحديث، وكان عضوا مهما في تونغمنغهوي (جمعية الحلف الصينية) واشترى إمدادات عسكرية لدعم انتفاضة تونغمنغهوي. وخلال سنوات قليلة، باع تشانغ جينغ جيانغ شركته في باريس بفرنسا وبعض عقاراته في الصين، ولم يدخر جهدا لدعم القضية الثورية لصون يات صن، فأطلق عليه السيد صون يات صن لقب قديس الثورة.
تم ترميم منزل تشانغ جينغ جيانغ عدة مرات، وحاليا، تُعرض فيه العديد من الصور والشهادات وإقرارات التعيين وغيرها من المعروضات التي تبرز حياة تشانغ جينغ جيانغ وأعماله بمنزله القديم في نانشيون، خاصة في القاعة الرئيسية حيث يعلق في وسطها دوبيت شعر كتبه صون يات صن بنفسه وأهداه لتشانغ جينغ جيانغ. هذه الكميات الكبيرة من المواد التاريخية غير المعروفة للعامة، تسجل بشكل حقيقي تجربة تشانغ جينغ جيانغ في دعم ثورة صون يات صن.
مجمع بنايات بايجيان السكني
يقع مجمع بنايات بايجيان (المائة غرفة) السكني في شرقي نانشيون، وهو من بين التجمعات السكنية الأفضل حفظا على طول نهر اليانغتسي. ويقال إن مجمع بايجيان بناه وزير المراسم دونغ فن من أسرة مينغ لنساء العائلة، وله تاريخ يزيد عن أربعمائة عام. ما يميز مجمع بايجيان هو أن البنايات ممتدة على الخط المتعرج للنهر، وتتصل ببعضها البعض بواسطة جسور حجرية. هذه البنايات المشيدة على الطراز المعماري التقليدي ذات أسقف من القرميد الأسود وجدران بيضاء، وتشكل شارعا طويلا على شكل ممرات، وبين البنايات جدران متنوعة الأشكال مقاومة للنار. الدرجات الحجرية عند النهر والأعمدة الخشبية وإفريز الممرات وانعكاساتها في مياه النهر، هي المناظر الجميلة الفريدة في منطقة جنوب نهر اليانغتسي.
في نانشيون، المنازل القديمة والحدائق الكلاسيكية والبنايات التي تدمج بين الطرازين المعماريين الصيني والغربي والجسور الصغيرة والمياه المتدفقة والشوارع والأزقة التقليدية الفريدة، كلها تجعل الناس يشعرون بازدهار بلدة نانشيون القديمة. وبالإضافة إلى البنايات القديمة، هناك معرض ثقافة الحرير وجولة القوارب الليلية وغيرها من النشاطات التي يمكن للزوار الاختيار من بينها.
