تقع بلدة بينغياو القديمة في محافظة بينغياو بمدينة جينتشونغ في الجزء الأوسط من مقاطعة شانشي. يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفين وثمانمائة عام، فقد بُنيت في فترة أسرة تشو الغربية (القرن 11- 771 ق.م). وهي واحدة من البلدات القديمة الأفضل حفظا في الصين حتى الآن. لا تعكس بناياتها القديمة المهارات المعمارية ومفاهيم التخطيط الحضري للصينيين القدماء فحسب، وإنما أيضا تجسد السياسات والطقوس والأفكار الثقافية الصينية التقليدية والثقافة المحلية الفريدة لتجار شانشي ومتاجر تبديل العملات "بياوهاو" ووكالات الحراسة وغيرها.
هذه البلدة ذات مجمع البنايات الضخم، تتكون من السور والمتاجر والشوارع والمعابد والمساكن القديمة وغيرها، ويتجلى فيها التخطيط العمراني الحضري التقليدي النموذجي لقومية هان الصينية. تم تصميم البلدة بأكملها بشكل متناظر، حيث مقصورة السوق هي مركز محورها والشارع الجنوبي هو خط هذا المحور، ورُتبت المعابد الطاوية والبوذية ومعابد الطقوس ودار والي المحافظة وفقا لأفكار التخطيط التقليدية في ثقافة نظام الطقوس الإقطاعي الصيني. تتقاطع الطرق في البلدة على شكل شبكة مكونة من أربعة شوارع رئيسية وثمانية أزقة. الاثنان والسبعون زقاقا فيها تتخذ شكل حشرة الحريش، فتشكل صورة الرموز الثمانية في التنجيم الصيني القديم. وعلى جانبي الشوارع الرئيسية في البلدة القديمة أكثر من 220 متجرا قديما، جميعها محفوظا بشكل جيد وأكثر من 3980 مسكنا قديما محميا، من بينها 506 مساكن محفوظة بشكل جيد وكامل.
في ديسمبر عام 1997، أُدرجت بلدة بينغياو القديمة في قائمة التراث الثقافي العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وهي واحدة من البلدتين القديمتين الكاملتين الوحيدتين في الصين اللتين نجحتا في الانضمام لقائمة اليونسكو، مما جعلها مكانا ذا شعبية كبيرة بين الزوار المحليين والأجانب. تحتضن البلدة القديمة حاليا نحو عشرين موقعا سياحيا، منها: سور البلدة القديمة ودار والي محافظة بينغياو والمعبد الكونفوشي ومعبد تشنغهوانغ (إله المدينة) ومتجر ريشنغتشانغ لتبديل العملات وغيرها.
سور بلدة بينغياو القديمة
سور بلدة بينغياو القديمة من المقاصد التي لا بد أن يزورها زوار البلدة القديمة، إذ يمنحهم المشي على سور البلدة المهيب والعالي ومشاهدة بنايات البلدة القديمة من أعلاه شعورا فريدا.
يبلغ طول سور بلدة بينغياو المربع السطح نسبيا والذي ما زال قائما 2ر6 كيلومترات. ويبلغ متوسط ارتفاع السور 10 أمتار، ويتراوح عرضه من أسفل بين 8 أمتار و12 مترا، وعرضه من أعلى بين 5ر2 و6 أمتار. هناك ستة بوابات للسور، واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب، وبوابتان في كل من الشرق والغرب. البلدة محاطة باثنين وسبعين برج مراقبة وثلاثة آلاف فتحة. يحيط بالبلدة من الخارج خندق مائي. ولتسهيل الدفاع عن البلدة، يوجد عدد من أبراج المراقبة والدفاع على كل جانب من سور البلدة.
يقال إن سور البلدة بني لأول مرة في فترة أسرة تشو الغربية، وكان مشيدا من الطين قبل فترة أسرة مينغ (1368- 1644م)، وتم توسيعه وإعادة بنائه حتى صار تدريجيا سورا حجريا في فترة أسرة مينغ. يسجل نصب حجري في الشارع الشرقي للبلدة القديمة عملية تدعيم بناء سور البلدة على يد والي بينغياو آنذاك منغ يي ماي، في السنة الثالثة من فترة حكم الإمبراطور وان لي لأسرة مينغ في عام 1575، كما يسجل أيضا مهابة السور بعد تدعيمه. سور بلدة بينغياو كبير الحجم ومحفوظ بشكل جيد، وله قيمة بحثية وأثرية تاريخية كبيرة في تقنيات الدفاع العسكري والبناء في العصور القديمة.
يقام في بلدة بينغياو القديمة حاليا عرض رائع للصوت والضوء كل مساء، وتضفي التقنيات الحديثة التي تعرض على سور البلدة القديمة شعورا رائعا بالتقاء العصرين القديم والحديث.
دار والي بينغياو والمعبد الكونفوشي ومعبد تشنغهوانغ
لا يزال هناك العديد من أطلال الهيئات الحكومية وبنايات الطقوس داخل سور البلدة.
تُعد دار والي محافظة بينغياو واحدة من مقرات ولاة المحافظات القديمة الأكثر اكتمالا والأكبر في الصين، وتبلغ مساحتها حوالي 26000 متر مربع. وهي عبارة عن دار مكونة من ستة صفوف من الغرف. بنيت لأول مرة في فترة أسرة وي الشمالية (386- 534م)، والبنايات القائمة بها حاليا يرجع تاريخها إلى فترة أسرتي مينغ وتشينغ (1644- 1911م). صممت بنايات دار والي المحافظة بأكملها وفقا لنظام الطقوس الصيني التقليدي بشكل صارم، وهي متناظرة مع المحور المركزي للبلدة، إذ تقع أقسام "الشؤون الذاتية المدنية" و"الخراج" و"المراسم" في الجهة الشرقية من دار الوالي، وأقسام "الشؤون الحربية" و"العقوبات" و"الأشغال" في الجهة الغربية. وفقا للسجلات التاريخية، شغل منصب والي بينغياو 184 مسؤولا من فترة أسرتي هان (206 ق.م- 220م) وتانغ (618- 907م) إلى أواخر فترة أسرة تشينغ، وشهدت دار الوالي تاريخ بينغياو الطويل باعتبارها هيئة إدارية في الصين. واليوم، أصبحت دار الوالي متحفا، وتقدم فيها عروض مثل "قيام والي المحافظة باستجواب المجرم" و"قيام والي المحافظة بجولة تفقدية" و"توقيع والي المحافظة لرخصة المرور للمحافظة" وغيرها.
الشارع الجنوبي، وهو المحور المركزي للبلدة، يقع معبد تشنغهوانغ (إله المدينة) في الجهة المقابلة لدار والي محافظة بينغياو من الشرق. وهو من المعالم السياحية الشهيرة الأخرى في بينغياو. يُعد إله المدينة أحد الآلهة الذين قدسهم أبناء قومية هان القدماء، ويُعتبر "الحارس المحلي". معبد تشنغهوانغ في بلدة بينغياو معبد طاوي ذو تاريخ طويل ودلالات تاريخية وثقافية غنية وأنظمة دينية كاملة، ويغطي مساحة إجمالية تبلغ حوالي 7300 متر مربع. لا يُعرف في أي سنة تم بناؤه تحديدا، لكن أعيد بناؤه في فترة أسرتي مينغ وتشينغ بعد أن دمره حريق.
في مكان ليس بعيدا عن معبد تشنغهوانغ يربض المعبد الكونفوشي، وهو معبد كونفوشيوس الأكثر اكتمالا والأكبر والأكثر تميزا في شمالي الصين. بني المعبد لأول مرة في السنوات الأولى لفترة أسرة تانغ، ويغطي مساحة إجمالية تبلغ 37 ألف متر مربع، ويشبه تصميمه الضخم والمهيب القصر الإمبراطوري، وهو ما يعكس تماما أفكار وثقافة أبناء قومية هان المتمثلة في تقدير الكونفوشية والاهتمام بالتعليم في ذلك الوقت. وباستثناء قاعة داتشنغ التي بُنيت في أسرة جين (1115- 1234م)، أنشئت بنايات المعبد الأخرى في فترة أسرتي مينغ وتشينغ.
كانت مقصورة السوق الواقعة في وسط البلدة القديمة مقر البلاط الملكي لمراقبة وإدارة السوق، وأصبح الآن موقعا سياحيا يصعد إليها الزوار للاستمتاع بمناظر البلدة القديمة من أعلاها.
دار عائلة ما
داخل سور البلدة القديمة أكثر من 3700 بناية متصلة ببعضها البعض ومحاطة بأسوار عالية، وتُعد البنايات ذات الأفنية المستطيلة هي أكثر أنماط المنازل السكنية شيوعا في بلدة بينغياو القديمة.
دار عائلة ما من المنازل السكنية التقليدية المفتوحة للزوار الآن في بلدة بينغياو القديمة. كانت في السابق منزل التاجر الثري ما تشونغ شيوان خلال فترة أسرة تشينغ. بنيت لأول مرة خلال فترة حكم الإمبراطور تونغ تشي لأسرة تشينغ، وبعد عقود من البناء والتوسع المستمرين، صارت تدريجيا مجمعا معماريا رائعا ومهيبا بمساحة إجمالية تبلغ حوالي ستة آلاف متر مربع، وتتكون من ثلاثة أفنية كبيرة وستة أفنية صغيرة، وتضم أكثر من مائة وتسعين غرفة.
يمكن رؤية الزخارف المعمارية الرائعة والمعقدة في كل مكان بهذه الدار، مثل المنحوتات على الطوب والخشب والحجر. ولا يزال بداخلها عدد كبير من المقتنيات الثمينة القديمة، مثل الخزائن والأسرّة ومرايا الزينة وأحواض الاستحمام وغيرها من قطع الأثاث القديمة. مرافق الدار مكتملة، بما في ذلك القاعات وغرف النوم والمطابخ والمكاتب ومكاتب المحاسبة والأجنحة والمسارح، وبها أيضا ورشة لصنع الخل ووكالة حراسة خاصة بعائلة ما. ويمكن لزوار الدار التعرف على القصص التاريخية لعائلة ما تشونغ شيوان من خلال العروض. معظم الغرف على الجانبين الشرقي والغربي لها أسقف منحدرة في اتجاه واحد، مما يسهل تجميع مياه الأمطار في الدار. ومن ناحية أخرى، بنيت الجدران الخارجية بشكل أعلى لحجب الرياح القوية والرمال عن الدار من الداخل.
متجر ريشنغتشانغ وبنك شيتونغتشينغ الخاص ووكالة الحراسة
كانت بلدة بينغياو القديمة تُعرف بأنها "المركز المالي" للصين، إذ تم إنشاء أول "مصرف خاص" في الصين بها، وهو متجر ريشنغتشانغ لتبديل العملات.
خلال فترة أسرتي مينغ وتشينغ، في نهاية المجتمع الإقطاعي في الصين، تشكلت مجموعات التجار في جميع أنحاء الصين، وسُميت كل مجموعة باسم المكان الذي قدم منه التجار، وكان أكبرها وأقواها هي جماعة تجار شانشي. كان معظم أبناء بلدة بينغياو القديمة يمارسون التجارة، وكانوا يضطرون عادة إلى حمل كمية كبيرة من الفضة إلى أماكن أخرى، ولم يكن هذا أمرا مريحا، وعلى هذه الخلفية وُلدت فكرة "بياوهاو" (متجر تبديل العملات).
"بياوهاو" مؤسسة مالية خاصة متخصصة في أعمال الصرافة والودائع والإقراض للمناطق الأخرى. ازدهر أول "بياوهاو" في الصين، ريشنغتشانغ، واحتل مكانة مهمة في تاريخ الأعمال التجارية والتنمية المالية في الصين. تمت المحافظة على تصميمه الفخم ومظهره خلال فترة ذروة ازدهاره حتى يومنا هذا، وهو الآن متحف مصرفي مفتوح للجمهور. تبلغ مساحته الإجمالية حوالي 2478 مترا مربعا، وتأسس في عام 1823 وأُغلق في مطلع تأسيس جمهورية الصين، وقد وصلت أعماله إلى أوروبا وأمريكا الشمالية وجنوب شرقي آسيا وغيرها من المناطق. وفيما بعد، اُفتتح 54 مصرفا في الصين، 22 منها يقع مقرها الرئيسي في بينغياو.
بنك شيتونغتشينغ موقع سياحي آخر للمصارف. تأسس في عام 1856 وأُغلق في عام 1913. لديه 33 فرعا في المجمل، وله فروع في دول أخرى مثل اليابان وروسيا، وكان المؤسسة المصرفية الأسرع نموا والأكثر قوة اقتصادية في شانشي. تبلغ مساحته 2880 مترا مربعا وينقسم إلى سبعة أفنية. وفي الفناء الخلفي خزانة ضخمة تحت الأرض، وتم تحويله الآن إلى متحف.
في بلدة بينغياو "المركز المالي" العديد من وكالات الحراسة المسؤولة عن مراقبة وحراسة البضائع القادمة من الأماكن الأخرى وحماية الأفنية. ظهرت أقدم وكالة حراسة في الصين في فترة حكم الإمبراطور تشيان لونغ لأسرة تشينغ، وهي وكالة شينغلونغ للحراسة التي أسسها تشانغ هي وو، أحد أبناء بينغياو. ومع تطور الاقتصاد والمجتمع، تأسست العديد من وكالات الحراسة واحدة تلو الأخرى، وقدمت مساهمات كبيرة في تطوير التجارة الحديثة والاستقرار الاجتماعي في الصين. اليوم، يمكن للزوار زيارة المواقع السابقة للمتحف الصيني لوكالات الحراسة ومتحف وكالة الحراسة الأولى بشمالي الصين ووكالة تونغشينغقونغ للحراس في بلدة بينغياو القديمة.
اليوم، أصبحت وسائل النقل والإقامة والمطاعم وحجز التذاكر عبر الإنترنت ومرافق الخدمات الأخرى في بلدة بينغياو القديمة مكتملة. وأقامت البلدة القديمة أيضا مشروعات ثقافية مثل مسرحية "لقاء بينغياو" وعروض الصوت والضوء الثلاثية الأبعاد والفضاء الجديد للتجارب الغامرة وقاعة تجربة زي هان التقليدي في منطقة بلدة بينغياو القديمة السياحية، لإظهار التقارب والتنوع غير المسبوقين وسحر البلدة القديمة عن طريق الخدمات الحديثة والأنشطة الإبداعية.