تشوتشوانغ، وهي بلدة مائية تقع بجنوب غربي مدينة كونشان في مقاطعة جيانغسو بالصين، في المناطق الداخلية المزدهرة لدلتا نهر اليانغتسي، تُعرف بأنها "أجمل بلدة مائية في الصين". لا تزال هذه البلدة المائية القديمة التي يعود تاريخها إلى أكثر من تسعمائة عام تحتفظ بنمط البلدات التقليدية القديمة. وتحمل المساكن والجسور والمعابد البوذية والطاوية القديمة تاريخ تشوتشوانغ. المعالم الأثرية الثقافية الفريدة والعادات الشعبية البسيطة، تجعل هذه البلدة المائية التقليدية المحفوظة جيدا واحدة من أكثر البلدات القديمة شهرة في الصين، وهي أيضا منطقة سياحية بدرجة 5A على المستوى الوطني. المواقع السياحية الرئيسية بها هي جسر شوانغتشياو وجسر فوآن ومعبد تشيوانفو ومعبد تشنغشيوي الطاوي ودار عائلة تشانغ ودار عائلة شن وغيرها.
جسر شوانغتشياو وجسر فوآن
تحيط دلتا نهر اليانغتسى الخصبة ببلدة تشوتشوانغ، وتخلق مياه نهر اليانغتسى مساحات مائية لا نهاية لها من البحيرات والأنهار والروافد حولها، فشكلت المياه التي لا حصر لها هنا هيكلا على شكل المقطع الصيني "井". تبلغ المساحة الإجمالية للبلدة 96ر38 كيلومترا مربعا، من بينها تبلغ مساحة اليابسة 8ر20 كيلومترا مربعا، ومساحة المياه 16ر18 كيلومترا مربعا. جعلت الجسور الممتدة في كل الاتجاهات والقوارب التي تتنقل ذهابا وإيابا، البلدة التي تحيط بها المياه مفعمة بالحيوية. اليوم، تحتضن تشوتشوانغ أربعة عشر جسرا قديما، أشهرها جسر شوانغتشياو وجسر فوآن.
يعود تاريخ جسر شوانغتشياو إلى أكثر من أربعمائة عام ويتكون من جسرين، هما جسر شيده المقوس الحجري، وجسر يونغآن ذو العوارض الحجرية. جسر شوانغتشياو به فتحتان واحدة منها مربعة والأخرى مستديرة، وتشبه المفتاح الذي كان الناس يستخدمونه في العصور القديمة، لذلك يطلق على جسر شوانغتشياو أيضا اسم "جسر ياوشي (المفتاح)". بُني جسر شيده وجسر يونغآن لأول مرة في فترة أسرة مينغ (1368- 1644م)، ويبلغ عرض جسر شيده ثلاثة أمتار ويمتد بطول 9ر5 أمتار، ويبلغ عرض جسر يونغآن 4ر2 متر ويمتد بطول 5ر3 أمتار.
تم بناء جسر فوآن لأول مرة في فترة أسرة يوان (1271- 1368م)، على كل زاوية من الزوايا الأربع للجسر برج، وفي هذه الأبراج مقاهي الشاي ومتاجر متخصصة في بيع الهدايا التذكارية السياحية. وهي ليست مكان استراحة للزوار فحسب، وإنما أيضا مكان جيد للاستمتاع بمناظر البلدة المائية والتقاط الصور. وهي الوحيدة المتبقية من البنايات المجسّمة المكونة من الجسور والأبراج في البلدات المائية الواقعة بمنطقة جنوبي نهر اليانغتسي.
المعابد البوذية والطاوية
يعود تاريخ تشوتشوانغ إلى فترة الربيع والخريف (770- 476 ق.م)، وكانت تُعرف بمدينة ياوتشنغ، إذ كانت الإقطاعية التي مُنحت إلى الابن الأصغر للملك وو. وفي عام 1086، تم تعيين مسؤول لقبه تشو للعمل في مدينة ياوتشنغ (تشوتشوانغ حاليا)، وكان ذلك في وقت الكارثة الطبيعية الكبرى التي عانت منها منطقة جنوبي نهر اليانغتسي في أواخر فترة أسرة سونغ الشمالية (960- 1127م)، وأراد السكان المحليون حينذاك بناء معبد للصلاة من أجل الجو الملائم للموسم الزراعي، فتبرع المسؤول تشو بالمنزل الذي يعيش فيه وجميع الأراضي التي كان يمتلكها لتمويل بناء المعبد. وامتنانا له وتخليدا لكرمه، أطلق السكان المحليون اسم تشوتشوانغ (بلدة تشو) على البلدة.
هذا المعبد الذي بُني بتبرع مالي من المسؤول تشو هو معبد تشيوانفو المحفوظ حتى يومنا هذا، وهو معبد قديم مشهور على نطاق واسع. تم بناء معبد تشيوانفو على ضفة بحيرة بايشيان، تحيط به المياه الصافية وينعم ببيئة هادئة. يمكن للزوار الوصول إلى المعبد بالقوارب أو سيرا على الأقدام عبر الجسر المقوس الموجود في وسط البحيرة. تصميم جميع بنايات المعبد منظم للغاية، وتتميز بجدران صفراء وقراميد سوداء، فهي بسيطة وتنضح بأجواء مهيبة. تحيط بالمعبد أشجار خضراء ومياه صافية وممرات متعرجة، وينعكس ظل الجسور المقوسة على المياه، والمناظر الطبيعية لا حدود لها، مما يجعل هذا المعبد أرضا بوذية حقيقية وسط المياه.
في أواخر فترة أسرة سونغ الشمالية، تم بناء معبد طاوي آخر على الضفة الأخرى من النهر قبالة معبد تشيوانفو، وهو معبد تشنغشيوي الطاوي. وبحلول فترة حكم الإمبراطور تشيان لونغ لأسرة تشينغ (1644- 1911م)، تطور معبد تشنغشيوي الطاوي وأصبح مجمع بنايات ضخما يضم ثلاثة صفوف من البنايات. يغطي معبد تشنغشيوي الطاوي مساحة تبلغ حوالي 1500 متر مربع وهو محفوظ بشكل جيد. يضيف تاريخ التعايش بين البوذية والطاوية هنا لمسة من الغموض غير المحدود للبلدة القديمة الصغيرة.
دار عائلة تشانغ ودار عائلة شن
من بين ما يقرب من ألف منزل في تشوتشوانغ، أكثر من 60% منها بنايات من فترات أسرتي مينغ وتشينغ وجمهورية الصين (1912- 1949م). يوجد في البلدة القديمة ما يقرب من مائة منزل سكني قديم، من بينها دار عائلة تشانغ من فترة أسرة مينغ ودار عائلة شن من فترة أسرة تشينغ، اللتان تعكسان روعة المساكن في هذه البلدة المائية في منطقة جنوبي نهر اليانغتسي.
تم بناء دار عائلة شن في أوائل فترة أسرة تشينغ على يد أحفاد شن وان سان، الذي كان بمثابة شخصية أسطورية في تشوتشوانغ وأغنى رجل في منطقة جنوبي نهر اليانغتسي في فترة أسرة مينغ، والذي انخرط في الأعمال التجارية مع الأجانب، وروج منتجات الحرير والخزف والشاي الصينية بالإضافة إلى منتجات تشوتشوانغ المحلية في خارج الصين، وأدخل العديد من المنتجات الأجنبية إلى الصين. وفي وقت لاحق، أمر الإمبراطور تشو يوان تشانغ بنفي شن وان سان قلقا من ثروته ونفوذه، وتوفي في النهاية خارج موطنه.
تُعد دار عائلة شن أكبر منزل سكني موجود في بلدة تشوتشوانغ، حيث تبلغ مساحتها أكثر من ألفي متر مربع، وتتكون من سبعة صفوف من البنايات، بما في ذلك الرصيف الموجود أمام الباب، وبها أكثر من مائة غرفة، موزعة على جانبي محور مركزي يزيد طوله عن مائة متر، وهي من الوحدات الرئيسية لحفظ الآثار التاريخية في مقاطعة جيانغسو. تتكون دار عائلة شن من ثلاثة أجزاء: الجزء الأمامي عبارة عن المرفأ الخاص للعائلة، وهو مخصص لترسو فيه قوارب العائلة ولغسل الملابس، ويتميز بالأسلوب المعماري الفريد لمنطقة جنوبي نهر اليانغتسي. والجزء الأوسط عبارة عن البوابة وقاعة الشاي والقاعة الرئيسية، وهي أماكن استقبال الضيوف وإقامة حفلات الزفاف والجنازات ومناقشة الأمور المهمة. أما الجزء الخلفي، فتوجد به غرف النوم وقاعات النشاطات اليومية. تتصل معظم هذه الغرف ببعضها البعض عن طريق ممرات مسقوفة وأجنحة. البنايات ذات الهيكل الخشبي، التي ظلت قائمة لمئات السنين، والمنحوتات المتقنة من الخشب والحجر والطوب في دار عائلة شن، لها قيمة معمارية وجمالية كبيرة، وتجتذب العديد من الزوار لزيارتها.
تُعد دار عائلة تشانغ من البنايات القليلة المتبقية من فترة أسرة مينغ في بلدة تشوتشوانغ، وهي من الوحدات الرئيسية لحفظ الآثار التاريخية في مقاطعة جيانغسو. وباعتبارها دارا لعائلة ثرية، شهدت دار عائلة تشانغ أكثر من خمسمائة عام من تقلبات الزمن، لكن ظلت عظمتها كما هي. يُعد ممر بينونغ الضيق ونهر تشوجينغ الواقع في الحديقة الخلفية للدار من أبرز مميزاتها، فالممر على أحد جوانب الدار مظلم وعميق وطويل، ويبلغ طوله أكثر من عشرين مترا ولا يتسع إلا لمرور شخص واحد. وفي نهاية هذا الممر يظهر نهر طويل ونحيل وصاف فجأة أمام الزوار، ويحمل النهر اسم "تشوجينغ" الأنيق، وهو متصل ببحيرة نانهو. عبر هذا النهر الصغير، يمكن للقوارب الخشبية المرور عبر دار عائلة تشانغ والوصول إلى الحديقة الخلفية، لذلك يشعر الزوار بشعور فريد وأنيق يتخلله مشهد "القارب الذي يمر عبر المنزل". النهر محاط بأحجار الغرانيت والأشجار الخضراء. وفي الحديقة صخرة تايهو التي تضيف لمسة من الأناقة إلى هذه الحديقة الصغيرة.
الأجواء المحلية في البلدة المائية
بالدخول إلى بلدة تشوتشوانغ المائية، يستشعر الزوار على الفور الأجواء المحلية الدافئة والحيوية للبلدة القديمة. وتصطف على جانبي الشارع العديد من متاجر المنتجات المحلية الفريدة، كما تعد بعض المطاعم من الأماكن التي لا بد أن يزورها السياح.
يُعد احتساء شاي "آبوه" أحد التقاليد المميزة في تشوتشوانغ، وكان يشير في الأصل إلى نشاط اجتماعي ترفيهي حيث تجتمع النساء معا لشرب الشاي وتناول الوجبات الخفيفة وتجاذب أطراف الحديث. واليوم، يمكن للزوار تجربة شاي "آبوه" في بعض مقاهي الشاي والمطاعم في تشوتشوانغ. يحمل شاي "آبوه" تاريخ بلدة تشوتشوانغ ومهارات أبنائها. وبالنسبة لزبائن وأصحاب مقاهي الشاي، فإن شاي "آبوه" لا يقتصر فقط على التجارة والمشروبات، بل يتعلق بالحالة المزاجية، ويُعد وسيلة للتعبير عن المشاعر والتواصل. يبدو أن الوقت يتباطأ، بينما يستمتع الزوار بشرب الشاي في الأفنية الصغيرة ذات الجدران المصنوعة من الطوب والأسقف المصنوعة من القرميد، ويعبق الهواء برائحة الشاي العطرة، وينغمسون في أجواء البلدة المائية الواقعة في منطقة جنوبي نهر اليانغتسي.