في متحف نانجينغ لمنسوجات حرير الديباج "يونجين"، يُسمع "صرير" النول، بينما تمر خيوط الحرير التي لا يزيد سمكها عن عُشر شعرة الرأس، بين أيدي الحرفيين المهرة ليعبر على الأقمشة ذهابا وإيابا. وفي شارع بينغجيانغ بمدينة سوتشو في مقاطعة جيانغسو، تجذب دار فنون بينغتان (الغناء القصصي بلهجة سوتشو) الزوار بالكلمات الناعمة الرقيقة، التي تتسلل إلى الأذن مع النسيم، مما يدفعهم إلى التوقف والاستماع. أما في متحف ثقافة الخل بمدينة تشنجيانغ، فإن تقنيات تصنيع خل هنغشون العطري تُعرض من خلال أواني الخل الفخارية وخزاناته وورش العمل وغيرها من الأدوات القديمة، حيث تترك تجربة المشاهدة المباشرة أثرا عميقا في قلوب الزوار. وأثناء التجول في جيانغسو، نجد أن التراث الثقافي غير المادي، الذي كان في سبات ذات يوم، قد بدأ يستعيد حياته ويتألق من جديد من خلال اندماجه مع السياحة، ليصبح بطاقة تعريف رائعة تعبر عن سحر المياه في جيانغسو.
رحلة التراث الثقافي غير المادي إلى جيانغسو
في الآونة الأخيرة، عادت لي تسي تشي، صانعة مقاطع الفيديو القصيرة الشهيرة التي تروج للثقافة الصينية التقليدية، بعمل جديد. في الثالث عشر من نوفمبر 2024، قالت لي تسي تشي في مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، إنها درست في مدينة نانتونغ بمقاطعة جيانغسو على يد السيد وانغ تشن شينغ، وريث الطباعة والصباغة على قماش الكاليكو الأزرق، وهو أحد مشروعات التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني. ومن خلال قصة وانغ تشن شينغ، فهمت الأهمية العميقة للمحافظة على الثقافة التقليدية وأهمية تطويرها بشكل مبتكر.
ألقت هذه المقابلة الضوء مجددا على مدينة نانتونغ، المعروفة بأنها "مسقط رأس الكاليكو الأزرق"، حيث ازداد عدد الزوار إلى بعض الوجهات السياحية فيها، مثل ورشة تشنغشينغ للصباغة ومتحف نانتونغ للكاليكو الأزرق ودار فنون الكاليكو الأزرق بمدينة تشيدونغ. كما قالت الطالبة شياو يوان: "تنزهت في الخريف حول نهر هاوخه، ودفعتني شهرة لي تسي تشي لزيارة متحف نانتونغ للكاليكو الأزرق. كان الأمر رائعا للغاية." وانطلقت شياو يوان مؤخرا مع أصدقائها من مدينة نانجينغ إلى نانتونغ لتبدأ رحلة استكشاف حرفة طباعة الكاليكو الأزرق.
مع تزايد شعبية السفر المرتبط بالفعاليات مثل "السفر من أجل العروض"، و"السفر من أجل الطعام"، و"السفر من أجل البطولات الرياضية"، بدأ نمط جديد يتمثل في "السفر من أجل التراث الثقافي غير المادي" يكتسب رواجا. أتاح هذا النوع من السفر للزوار فرصة استكشاف مدن جديدة لها ارتباطها بالتراث الثقافي غير المادي، مما ساعد في تعزيز دمج الثقافة مع السياحة.
منذ أواخر عام 2023، أصبحت أغنية "إيقاع بطيء بطيء"، تحظى بشهرة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي. تقول كلمات الأغنية ذات الرونق الشعري: "طوب رمادي يتماشى مع بلاط مصقول، وحصان أبيض يمشي على طريق التربة النضرة، وزهور جبلية وأوراق موز تصبغها ألوان الغروب الحمراء..." شاهد مستخدمو الإنترنت على الإنترنت هذه الأغنية الناعمة الرقيقة عبر تطبيقي دوين (تيك توك) وشياوهونغشو، فقصدوا إلى ديار فنون بينغتان الواقعة في شارع بينغجيانغ وشارع شانتانغ في سوتشو للاستماع إلى الأغاني.
في دار شوين لفنون بينغتان وأوبرا كونتشيوي الواقعة في منطقة بينغجيانغ للتاريخ والثقافة، كان تشن شي جيه رئيس فرقة ووجيانغ لفنون بينغتان في سوتشو، يقود الجمهور في أداء جماعي لأغنية "إيقاع بطيء بطيء". قال قاو له، مسؤول دار شوين لفنون بينغتان وأوبرا كونتشيوي: "لدينا ستة عروض يوميا يقدمها فنانون محترفون، كما نضيف للعروض أنشطة تفاعلية مخصصة لجذب المزيد من الشباب. ويسعدنا أن نرى أنه في أيام العطلات يكون 90% من زوارنا من الشباب."
في سبتمبر 2024، التقى تشو باو كانغ، وريث حرفة الصافرة الصلصالية الصغيرة (تايبينغ نيجياوجياو) وممثل التراث الثقافي التمثيلي غير المادي في جيانغسو، بطالبتين جامعيتين من شانغهاي جاءتا إلى الدورة السادسة من معرض الثقافة والسياحة على طول القناة الكبرى خصيصا لرؤيته. قال تشو باو كانغ مبتسما: "شاهدت الطالبتان البث المباشر الخاص بي، وعندما علمتا أنني في المعرض، حضرتا إلى المعرض على الفور." يقع إستوديو تشو باو كانغ في منطقة شيجيندو السياحية ذات المناظر الخلابة بمدينة تشنجيانغ، حيث يأتي الكثير من الزوار إلى هذا المكان بعد أن يتعرفوا عليه ويشاهدوا تماثيله الصلصالية الصغيرة عبر الإنترنت.
في إستوديو تشو باو كانغ، يمكن للزوار شراء منحوتات طينية وتجربة صنع صافرة تايبينغ نيجياوجياو بأنفسهم. لصنع صافرة تايبينغ نيجياوجياو، يحتاج الصانع إلى صقل الكرة الطينية وتشكيلها ونحتها بسكين من الخيزران، وتكون أشكال الصافرات متنوعة، ويمكنها إصدار أصوات مختلفة، مما يجعلها محبوبة للزوار. بمساعدة ابنته، يخطط تشو باو كانغ لإنشاء متحف للصافرات في منطقة شيجيندو السياحية، ليشكل منطقة سياحية فريدة مع المتاحف الأخرى فيها مثل متحف الفنون ومتحف تشنجيانغ ومتحف تشنجيانغ للفنون الشعبية، مما يجعل المنطقة السياحية أكثر جاذبية للزوار.
لقاء غير متوقع مع التراث الثقافي غير المادي
حتى لو لم تكن تجربة التراث الثقافي غير المادي هدفا رئيسيا للزوار في مقاطعة جيانغسو، فإنهم قد يصادفونه بشكل غير متوقع خلال رحلتهم. ففي شارع شينانلي للتاريخ والثقافة بمدينة نانجينغ، يحمل الزوار خريطة "التراث الثقافي غير المادي لشارع شينانلي"، ويتجولون عبر نقاط متعددة، حيث يجربون تفاعلا فريدا بين العادات الشعبية التقليدية والثقافة الحديثة. في منطقة كهف شانجيوان بمدينة ووشي، يوجد أكثر من عشرة مشروعات بشأن التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني ومستوى المقاطعة، مثل حكاية "ليانغ شان بوه وتشو ينغ تاي" (أسطورة عاشقي الفراشات) وحرفة صنع إبريق تسيشا في ييشينغ (خزف الطين الأرجواني) ومهرجان مشاهدة الفراشات في ييشينغ. أما في منطقة جيولونغكو السياحية في محافظة جيانهو بمدينة يانتشنغ في جيانغسو، فيمكن للزوار الانغماس في تجربة مسرحية حية لأوبرا هواي الصينية، وهي من مشروعات التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني.
يوجد في مقاطعة جيانغسو ستة وعشرون موقعا سياحيا بدرجة 5A وعشر مناطق سياحية على المستوى الوطني وتسعة شوارع سياحية وترفيهية وثماني مناطق سياحية نموذجية وستة عشر منطقة للحياة الليلية والاستهلاك السياحي، وكلها تحتل المرتبة الأولى من حيث العدد في الصين. علاوة على ذلك، نجحت جيانغسو في بناء ستين قرية وبلدة رئيسية للسياحة الريفية على المستوى الوطني و142 قرية رئيسية للسياحة الريفية على مستوى المقاطعة. لكن يبقى السؤال: ما هي المشروعات بشأن التراث الثقافي غير المادي التي ينبغي إدخالها إلى هذه الأماكن؟ وكيف يمكن تحويلها إلى نقاط جذب الزوار؟ وكيف يمكن جعلها ملموسة وقابلة للتجربة؟
في عام 2021، أصدرت مديرية الثقافة والسياحة في جيانغسو وثيقة تهدف إلى تشجيع الحكومات المحلية على كسر قيود الزمان والمكان والأسلوب، على أساس المحافظة على موارد التراث الثقافي غير المادي وتطويره، ودمج الأنشطة المتعلقة بالتراث الثقافي غير المادي، مثل العروض والمعارض والتجارب، في كافة جوانب السياحة بما يشمل السكن والطعام والتسوق والترفيه. بعد سنوات من التطوير، تم إنشاء 32 مشروعا نموذجيا على مستوى المقاطعة. خلال تنفيذ الدفعتين الأولى والثانية من المشروعات النموذجية بشأن إدخال التراث الثقافي غير المادي في المنطقة السياحية غير المحدودة لمقاطعة جيانغسو، لم تعمل جيانغسو على تطوير المناطق السياحية التقليدية فحسب، وإنما أيضا طورت مناطق الحياة الليلية والاستهلاك السياحي وشوارع الترفيه السياحي والقرى الرئيسية للسياحة وغيرها من الأنماط السياحية التجارية الأخرى، فتم دمج المشروعات المختلفة بشأن التراث الثقافي غير المادي في المناطق السياحية تدريجيا، مما يعزز اندماج الثقافة والسياحة بعمق.
بذلت منطقة جيولونغكو السياحية بمحافظة جيانهو التابعة لمدينة يانتشنغ جهودها لإعادة تصميم وبناء بلدة أوبرا هواي الصينية فيها، على أساس أوبرا هواي الصينية المشهورة "البلدة الصغيرة". بناء على مبدأ "إعادة البناء كما هي، وبناء الجديد على أساس الأصل"، أصبحت بلدة أوبرا هواي بلدة فنية متكاملة تضم ورشا لتدريب الفنانين في أوبرا هواي وعروض أوبرا هواي الصينية ومعارض فنية ومطاعم ذات طابع فريد. حاليا، تم عرض ثمانية مشروعات بشأن التراث الثقافي غير المادي في هذه البلدة، بما في ذلك أوبرا هواي الصينية والألعاب البهلوانية.
في بداية عام 2023، تم افتتاح ورشة تشن تشنغ للتدريب على أوبرا هواي الصينية في بلدة أوبرا هواي. السيد تشن تشنغ هو وريث ممثل على مستوى المقاطعة لأوبرا هواي الصينية وناقل للتراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني. قال إن الورشة تتميز بالتفاعل المباشر مع الزوار، مما يتيح لهم التعرف على الجوانب الخلفية للمسرحية واستكشاف الملامح الثقافية للمكان. تنظم الورشة أنشاط تجريبية، فيمكن للزوار اللعب وتجربة الأدوار في الأوبرا للتمتع بسحرها.
أما المشروع بشأن منطقة تشيانجيادو السياحية في حي جيانغنينغ بمدينة نانجينغ، فهو الوحيد الذي يدمج بين التراث الثقافي غير المادي والسياحة الريفية في الدفعة الأولى من المشروعات النموذجية بشأن إدخال التراث الثقافي غير المادي في المنطقة السياحية غير المحدودة. يركز المشروع في منطقة تشيانجيادو السياحية على تشكيل سيناريوهات التجربة التفاعلية وتنويع أساليب نقل التراث الثقافي غير المادي وجذب المستهلكين الشباب، وأسس مركز خدمات للزوار وورشة للتراث الثقافي غير المادي ودار عائلة سون للشاي ونُزل التراث الثقافي غير المادي وغيرها، مما يتيح للزوار التمتع بالتراث الثقافي غير المادي بشكل عميق. بالإضافة إلى ذلك، تم دمج التراث الثقافي غير المادي في السياحة الريفية بعمق، مما يثري حياة القرويين الثقافية، ويعيد تشكيل الثقافة الريفية، ويحقق التنمية المستدامة والمنسقة.
التراث الثقافي غير المادي يتغلغل في الحياة
في مقاطعة جيانغسو، لا يُعد التراث الثقافي غير المادي مجرد رمز ثقافي لجذب الزوار، بل يمثل أيضا جزءا من الذاكرة الثمينة لسكانها. ومن أجل تعزيز هذا الجانب الثقافي، تسعى جيانغسو إلى تعزيز تدريب الوارثين الممثلين للتراث الثقافي غير المادي، وتعميق التكامل بين التراث الثقافي غير المادي والسياحة وقيادة توجهات جديدة لاستهلاك منتجات التراث الثقافي غير المادي.
في مارس 2022، أصدرت مقاطعة جيانغسو وثيقة تهدف إلى توسيع طرق الاستفادة من التراث الثقافي غير المادي، وتعزيز التكامل العميق بين الثقافة والسياحة والتمسك بتعزيز السياحة عن طريق الثقافة ونشر الثقافة عن طريق السياحة، مما يحقق تكاملا رفيع المستوى وتنمية عالية الجودة لاندماج التراث الثقافي غير المادي مع قطاع السياحة. وفي سبتمبر 2023، أصدرت جيانغسو وثيقة جديدة تدعم دمج مشروعات التراث الثقافي غير المادي مع السياحة الريفية والسياحة الحمراء، وتشجع على إدماج عناصر التراث الثقافي غير المادي في المرافق العامة مثل المطارات ومحطات القطارات الفائقة السرعة ومراكز خدمات الطرق السريعة. كما حثت جيانغسو على إنشاء أنزال سياحية تعكس جاذبية الثقافة الصينية التقليدية، ودعم وكالات السفر لتطوير رحلات سياحية تتميز بالطابع الفريد للتراث الثقافي غير المادي.
في بلدة ياووان القديمة بمدينة شيويتشو، يقوم يان جينغ رن، الوريث الممثل لصلصة الصويا الحلوة في ياووان، وهي مشروع التراث الثقافي غير المادي التمثيلي في شيويتشو، بإدارة متجر قديم يعود تاريخه إلى عام 1623. أوضح يان جينغ رن أن المتجر استفاد من مزايا علامته التجارية العريقة، ويسعى إلى جعل الزوار يرونه ويتذوقون منتجاته ويلمسونها ويشترون منه، من خلال اختيار عمليتي صنع صلصة الصويا الحلوة لتصميم برنامج دراسي يستغرق أربعين دقيقة. بالإضافة إلى ذلك، قام يان جينغ رن بتطوير منتجات ثقافية مبتكرة مثل قنينات السيراميك المزخرفة بمناظر ياووان وملصقات الثلاجة وسلاسل المفاتيح.
تبذل مقاطعة جيانغسو أقصى جهودها في إدخال التراث الثقافي غير المادي إلى حياة الناس اليومية. في الوقت الحاضر، تتزين مداخل الطرق السريعة والمساحات الخضراء الحضرية بعناصر من الورق المقصوص والطباعة المنقوشة وغيرهما من عناصر التراث الثقافي غير المادي في مدينة يانغتشو. أما متحف نانجينغ لمنسوجات حرير اليدباج "يونجين"، فيقدم أعمالا فنية راقية ومنتجات ثقافية بأسعار تناسب الجميع في نفس الوقت. وفي مدينة تشنجيانغ، تضم روضة يانغتشونغ منطقة مخصصة للتراث الشعبي، وتتعاون مع بلدة شيلايتشياو، التي تملك تسعة عشر مشروعا للتراث الثقافي غير المادي على مستوى المدينة، لتنظيم زيارات للأطفال لتجربة هذا التراث. كما تُنظم الحكومات المحلية أنشطة مثل "التراث غير المادي في التجمعات السكنية" بانتظام، مما يتيح للسكان فرصة تجربة التراث الثقافي غير المادي بالقرب من منازلهم.
__
تاي تسي جيون، صحفي بجريدة ((أخبار السياحة الصينية)).