وسط الجبال الخضراء والمياه الصافية في غربي مقاطعة هونان، تربض بلدة يقطنها أبناء أقليات قومية مختلفة ويمتد تاريخها لآلاف السنين، وهي بلدة فنغهوانغ القديمة التي تقع في ولاية شيانغشي الذاتية الحكم لقوميتي توجيا ومياو في مقاطعة هونان بوسط الصين. هذه البلدة القديمة المحاطة بنهر توجيانغ والتي تتمتع بمناظر طبيعية جميلة وتراث ثقافي غني، بنيت في فترة أسرة تانغ (618- 907م)، وازدهرت فترة في أسرتي مينغ (1368- 1644م) وتشينغ (1644- 1911م)، كانت حصنا عسكريا مهما في العصور القديمة.
الآن، تُعد بلدة فنغهوانغ القديمة واحدة من أكثر البلدات القديمة شعبية في الصين، وهي منطقة سياحية بدرجة 5A على المستوى الوطني. ما زالت بنايتها التي يرجع تاريخها إلى فترة أسرتي مينغ وتشينغ، محفوظة بشكل جيد، كما توجد بها وحدتان لحماية الآثار التاريخية على المستوى الوطني، وثماني وحدات على مستوى المقاطعة، وأكثر من 120 بناية سكنية مميزة يرجع تاريخها إلى فترة أسرتي مينغ وتشينغ. المواقع السياحية الرئيسية بها هي: رصيف البوابة الشمالية والمسكن السابق لشيونغ شي لينغ ومتحف البلدة القديمة والمسكن السابق لشن تسونغ ون ودار تشونغده ومعبد أسلاف عائلة يانغ وبرج البوابة الشرقية وجسر هونغتشياو وقصر وانشو.
نزهة في نهر توجيانغ
عند رصيف البوابة الشمالية بالبلدة القديمة، يمكن للزوار ركوب القوارب ذات المظلات في نهر توجيانغ؛ النهر الأم لبلدة فنغهوانغ القديمة، حيث تنساب المياه الصافية بجوار أسوار البلدة. قناة النهر بجانب أسوار البلدة ضحلة للغاية، وتتدفق المياه ببطء هناك. وأثناء الرحلة النهرية يمر الزوار عبر جسر هونغتشياو، وصولا إلى قصر وانشو، مع الاستمتاع بمناظر بنايات دياوجياولو (المنازل التقليدية المبنية على أعمدة خشبية) على جانبي النهر.
بُني جسر هونغتشياو في فترة أسرة مينغ، وهو أحد المواقع السياحية الشهيرة في بلدة فنغهوانغ القديمة ورمز لها. هذا الجسر الذي بُنيت عليه محلات وممرات مسقوفة، يقف ثابتا على نهر توجيانغ منذ مئات السنين، وهو مكان لا بد من زيارته. وعندما تضاء المصابيح في الليل، يستمتع الزوار بالمناظر الليلية لجسر هونغتشياو ونهر توجيانغ.
على جانبي رصيف البوابة الشمالية، توجد بنايات دياوجياولو لقومية توجيا والتي يعود تاريخها إلى مئات السنين. تتكون معظم هذه البنايات عادة من طابقين، وهي ذات هياكل خشبية بأسقف عالية وأفاريز ودرابزونات وأبواب ونوافذ منحوتة. يشغل الطابق السفلي مساحة غير منتظمة ولا يستخدم للمعيشة، لكن الأجزاء المعلقة منه كلها منحوتة بدقة على أشكال رؤوس الحيوانات المختلفة وأشكال مختلفة من الزهور، كزخارف معمارية.
بعد النزول من القارب، يستمتع الزوار على الضفة، بنهر توجيانغ الهادئ. جسر تياويان (حجر العبور) على نهر توجيانغ موقع سياحي لا بد من زيارته. هذا الجسر طريق قديم بني في فترة أسرة تانغ، وكان يتألف في الأصل من عشرات الكتل الصخرية، وكان وسيلة نقل تسهل على أبناء البلدة دخول البلدة والخروج منها بما يحملونه من أغراض. في الوقت الحاضر، يمكن للعديد من الزوار تجربة وسيلة النقل القديمة في جسر تياويان على نهر توجيانغ.
برج البوابة الشرقية، وهو من البوابات الأربع الرئيسية في بلدة فنغهوانغ القديمة، كان منشأة عسكرية قديما، وهو قريب من نهر توجيانغ ومفتوح حاليا للجمهور. بُني لأول مرة خلال فترة الإمبراطور كانغ شي لأسرة تشينغ. الجزء السفلي من البوابة مصنوع من الحجر الرملي الأحمر الأرجواني، والجزء العلوي منه مصنوع من الطوب القديم، ويتميز بمظهر مهيب ولكنه بسيط وأنيق في الوقت نفسه. وبالوقوف في أعلى البرج، يمكن للزوار الاستمتاع بإطلالة بانورامية على البلدة القديمة.
المساكن السابقة للمشاهير ومعبد الأسلاف
شن تسونغ ون (1902- 1988م) كاتب ومؤرخ صيني مشهور، وقد أمضى طفولته وفترة شبابه في بلدة فنغهوانغ القديمة التي كانت مصدرا مهما لإلهامه في أعماله الأدبية التي تصور العادات الاجتماعية والمناظر الطبيعية في غربي مقاطعة هونان، ومن أعماله في هذا الصدد ((المدينة الحدودية)) و((سجلات رحلة إلى هونان))، وقد تم ترشيح أعماله لجائزة نوبل للأدب مرتين. عاش شن تسونغ ون في دار رباعية (سيخيوان) بناها أسلافه في أواخر فترة أسرة تشينغ. تبلغ مساحة الدار 411 مترا، وتنقسم إلى صفين من الغرف ذات ترتيب داخلي بديع، فهي نموذج للمنازل الشائعة في جنوبي الصين. حاليا، تُعرض في هذه الدار مجموعة من الصور والمقتنيات القيمة التي كان يقتنيها شن تسونغ ون.
لا تفخر بلدة فنغهوانغ القديمة بثروة من العلماء الموهوبين فحسب، وإنما أيضا أنجبت العديد من المحاربين الشجعان. في العصور القديمة، كانت بلدة فنغهوانغ القديمة حصنا عسكريا مهما وجزءا رئيسيا من سور الصين العظيم الجنوبي، وكان سكان البلدة معروفين ببسالتهم ومهاراتهم العسكرية.
من المواقع الشهيرة الأخرى في البلدة القديمة معبد أسلاف عائلة يانغ، وهو بناية قديمة بنتها عائلة قائد الجيش البارز يانغ فانغ في أواخر فترة أسرة تشينغ. كان المعبد هو مكان تبجيل أسلاف العائلة ومناقشة شؤونها وإنفاذ القانون. يواجه هذا المعبد جهة الشمال، وهو مستطيل الشكل، وتبلغ مساحته 770 مترا مربعا، ويتكون من بوابة وقاعة رئيسية وخشبة مسرح وغرف حول القاعات وفناءين. تم تصميم هذا المعبد بدقة وله قيمة كبيرة لدراسة ثقافة معابد الأسلاف والفن المعماري.
دار تشونغده وقصر وانشو
فنغهوانغ، كونها نقطة مهمة على الممر المائي القديم الذي يربط جنوب غربي الصين بشرقيها، اجتذبت العديد من التجار من المناطق الأخرى لممارسة التجارة فيها، مما ساعدهم على تحقيق الثراء وقاموا بشراء الأراضي وبنوا المنازل هناك.
دار تشونغده مسكن خاص بناه بي شو لو، أحد أبناء مقاطعة جيانغشي، والذي سافر إلى فنغهوانغ ومارس التجارة فيها حتى أصبح أغنى رجل في فنغهوانغ في ذلك الوقت، وعندما بلغ من العمر أربعين عاما، قام ببناء دار تشونغده، وهي عبارة عن دار رباعية على غرار المنازل المنتشرة في جنوبي الصين، وتبلغ مساحتها الإجمالية 622 مترا مربعا، وهي من طابقين، الطابق الأول يضم غرفة الاستقبال والمطبخ والحديقة الخلفية، وفي الطابق الثاني غرف النوم والمكتب. في دار تشونغده تحف ثمينة وآثار تاريخية نادرة جمعها صاحب الدار من جميع أنحاء البلاد، أثناء قيامه بالأعمال التجارية.
خلال فترة أسرة تشينغ، كان العديد من أبناء مقاطعة جيانغشي التجار يمارسون التجارة في بلدة فنغهوانغ، لذلك قاموا ببناء قصر وانشو، المعروف أيضا باسم "نادي رابطة أبناء جيانغشي". يتميز هذا النادي المهيب بتصميم رائع وفريد من نوعه، مع منحوتات وأفاريز وممرات متعرجة رائعة. هنا، لا يستمتع الزوار بالبنايات المنحوتة بشكل رائع فحسب، وإنما أيضا يمكنهم رؤية جسر هونغتشياو، من مسافة بعيدة، فهو مكان جيد للاستمتاع بمناظر البلدة. الآن تحول قصر وانشو إلى معرض فني لأعمال الرسام الصيني الشهير هوانغ يونغ يوي، ويمكن للزوار الاستمتاع بلوحات هونان التي رسمها هذا الفنان القادم من غربي مقاطعة هونان.
أجواء هادئة
تتميز البلدة القديمة بشوارع ضيقة وأزقة عميقة. على الطرق الحجرية بالبلدة، يمكن رؤية أبناء قوميتي مياو وتوجيا مرتدين أزيائهم التقليدية. يمثل أبناء قوميتي مياو وتوجيا وغيرهما من الأقليات القومية 80% من إجمالي عدد سكان البلدة القديمة. وأدى التنوع الثقافي للقوميات والمزج بين ثقافة قومية مياو وثقافة قومية هان إلى تشكيل ثقافة إقليمية فريدة من نوعها. يلبس سكان البلدة القلائد والأساور وتيجان العنقاء وشرائط الزهور والخواتم وغيرها من قطع الحلي التي تتميز بخصائص تقليدية قوية. وهم يقدمون عروض الأوبرا القديمة، مثل أوبرا نوتانغ وأوبرا يانغشي وأوبر ونتشادنغ على نطاق واسع في البلدة، كما توارثوا من جيل إلى جيل الحرف الشعبية مثل الصباغة بالشمع وصنع الحلي الفضية لقومية مياو.
يقلد العديد من السياح العادات المحلية، حيث يرتدون أزياء قومية مياو التقليدية لالتقاط الصور في البلدة القديمة، ويشاهدون العروض الثقافية ذات الخصائص المحلية، ويشترون المشغولات اليدوية ذات الخصائص المحلية. وعندما يشعر الزوار بالتعب، يمكنهم البحث عن مطعم صغير للجلوس وتناول الأطعمة المحلية وتجاذب أطراف الحديث مع السكان المحليين.
في الليل، تضاء البلدة القديمة بالمصابيح، فتظهر بمظهر جديد تماما، إذ تضاء البنايات على طول نهر توجيانغ بالفوانيس الحمراء، وتنعكس ألوانها الزاهية على مياه النهر. عندما تمشي في البلدة القديمة، لا تحتاج إلى التفكير في المكان الذي ستذهب إليه، فقط أطلق العنان لقدميك وستشاهد المناظر الطبيعية وخصائص البلدة الفريدة مع كل خطوة وفي كل مكان.