تبلغ مساحة متحف هونان، وهو أكبر متحف للتاريخ والفنون في مقاطعة هونان، حوالي 110556 مترا مربعا، ويتجاوز عدد مقتنياته حاليا 570 ألف قطعة (مجموعة) من الآثار التاريخية، أبرزها المكتشفات الأثرية في مقبرة ماوانغدوي لأسرة هان (206 ق.م- 220م)، والأواني البرونزية من أسرتي شانغ (القرن 16- 11 ق.م) وتشو (القرن 11- 256 ق.م)، والآثار التاريخية لمملكة تشو في عصر الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م) والأواني الخزفية والمخطوطات واللوحات من مختلف الأسر الإمبراطورية.

يوجد معرضان دائمان في المتحف، أحدهما "معرض مقبرة ماوانغدوي لأسرة هان في تشانغشا"، الذي يعرض الأدوات الجنائزية المكتشفة في مقبرة عائلة لي تسانغ، كبير الوزراء في مملكة تشانغشا في أوائل فترة أسرة هان الغربية (206 ق.م- 24م). أما الآخر فهو معرض "أبناء هونان.. معرض تاريخ وثقافة هونان" الذي يعكس مسيرة تطور الحضارة الإقليمية في هونان على مر التاريخ.

يُعد "معرض مقبرة ماوانغدوي لأسرة هان" أبرز ما يميز متحف هونان، إذ كانت من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين التي أبهرت العالم، والمكتشفات الأثرية فيها سليمة ولها قيمة تاريخية غنية. وبحسب إحصائيات غير مكتملة، هناك قرابة ثلاثة آلاف شخص حول العالم يشاركون في أبحاث حول المكتشفات الأثرية في مقبرة ماوانغدوي لأسرة هان. وفي مختبر وسائط الفنون الصينية بجامعة هارفارد الأمريكية، فريق بحثي متخصص لإجراء بحوث حول ثقافة وفنون مقبرة ماوانغدوي لأسرة هان. قال وانغ يويه جين، مدير هذا المختبر: "برؤية عالمية، ينظر إلى التراث الثقافي لمقبرة ماوانغدوي على أنه قمة، فهو لا يعزز فهم العالم للحضارة الصينية القديمة فحسب، وإنما أيضا يدفع التبادلات بين الشرق والغرب في مجالات علم الآثار والأبحاث الفنية".

امرأة جميلة قبل أكثر من ألفي عام

تم اكتشاف أول جثة غير محنطة محفوظة بشكل جيد في العالم في القبر رقم 1 في مقبرة ماوانغدوي. وفي وقت لاحق، كشفت الآثار التاريخية التي عثر عليها في القبر، أنها جثة شين تشوي زوجة لي تسانغ، ويطلق عليها علماء الآثار لقب "السيدة شين تشوي".

بفضل الطرق الخاصة المضادة للتعفن وبيئة التربة في المقبرة، لم يتعفن جسدها لآلاف السنين، ويمكن رؤية رموشها ومسام جلدها بوضوح، حتى أن جلدها لا يزال محتفظا بمرونته، مما يجعل "السيدة شين تشوي" تتمتع بقيمة خاصة في البحوث الطبية وبحوث علم الإنسان القديم. وأظهر تقرير طبي حديث أن "السيدة شين تشوي" توفيت فجأة بسبب نوبة قلبية عن عمر يناهز 56 عاما.

على مدى الخمسين عاما الماضية، أنشأ متحف هونان منظومة تقنية لمحاكاة بيئة حفظ الجثة القديمة باستخدام أنظمة التبريد والغمر بالسوائل وأنظمة تنقية الهواء وغيرها من التقنيات. واليوم، يمكن للزوار ذوي القلوب القوية مشاهدة رفات "السيدة شين تشوي" في المتحف.

كانت شين تشوي امرأة تحب الجمال، ومثل العديد من النساء المعاصرات، كانت تحب وضع مساحيق التجميل وارتداء الملابس الراقية المصممة خصيصا لها. تم اكتشاف صندوق مكياج رائع في قبرها، يحتوي على تسع علب صغيرة مختلفة الأشكال، بكل منها نوع مختلف من منتجات التجميل، من بينها إسفنجة مسحوق المكياج المصنوعة من مشاقة الحرير، والتي تشبه تماما في شكلها الدائري إسفنجة مسحوق المكياج التي ما زالت مستخدمة بعد ألفي عام، كما أن طريقة تصنيع الشعر المستعار قريبة جدا من طريقة تصنيعه في العصر الحديث. واكتشف في القبر العديد من المنسوجات الحريرية الكامل، وأكثرها إثارة للدهشة ملبس من الشاش العادي غير المبطن، وزنه 49 غراما فقط ومساحته 6ر2 متر مربع، وتمثل هذه التحفة الفنية قمة تقنيات النسيج في فترة أسرة هان الغربية. ورغم أنه ملبس عادي بسيط وخال من أي رسوم، فإنه يبرز تقنيات بارعة. وتشمل الأدوات الجنائزية الأخرى عديدا من المجوهرات المصنوعة من الكريستال والمرجان والعقيق واللؤلؤة، والتي كانت نادرة في السهول الوسطى للصين، وقد وصلت إلى هذا المكان عبر طريق الحرير.

وتضمنت قائمة الأدوات الجنائزية التي عُثر عليها في قبر "السيدة شين تشوي" أكثر من 80 طبقا من المأكولات، بل وتشتمل على عدة صناديق من أسياخ الشواء. وأعدت هذه الأطباق بطرق متعددة مثل السلق فوق نار خفيفة والسلق والقلي بالزيت والتسخين على البخار والتحمير في صلصلة فول الصويا والشيّ، وبها أكثر من عشرة أنواع من التوابل، مثل السكر والملح والصلصات المختلفة. وخلال أعمال الحفر، عثر على شريحة من جذور اللوتس منقوعة في طنجرة ذات ثلاث قوائم وأذنين ومطلية باللك.

ومن بين الأدوات الجنائزية، مجموعات متنوعة من أدوات المائدة الخشبية المطلية باللك، وبعضها به خطوط زخرفية في الأسفل، والتي يمكن ترجمتها في المصطلحات الحديثة بـ"استمتع بوجبتك". واكتشف في مقبرة ماوانغدوي لأسرة هان ما يقرب من ثلاثين وعاء طعام مطليا ذا خطوط زخرفية لحيوانات مثل القط الوحشي، ما يجعلها أقدم صور مرئية للقطط والفئران في الصين. يرجع هذا إلى أن الأثاث المستخدم في أسرة هان كان قصيرا ومنخفضا بشكل عام، وكان القدماء يرسمون صورا للقطط على أدوات المائدة في محاولة لردع القوارض.

كما أن اللوحة المرسومة على الحرير على شكل الحرف "T" والموضوعة على نعش "السيدة شين تشوي" رائعة للغاية. قال دوان شياو مينغ، مدير متحف هونان، إن هذه اللوحة مرسومة بالحبر والألوان، تنقسم إلى ثلاثة أجزاء من الأعلى إلى الأسفل، يصور كل جزء منها السماء والأرض والعالم السفلي من أعلى لأسفل على التوالي. تتميز اللوحة الحريرية بهيكل وتخطيط مثاليين وصورة حية وألوان زاهية ومتناغمة، مما يعكس خيال القدماء بشأن الكون وسعيهم إلى الخلود.

يعرض قبر "السيدة شين تشوي" بوضوح آداب الطعام وأسلوب الحياة الراقي في أوائل فترة أسرة هان الغربية. قال المدير دوان: "بالنظر إلى طعام ولباس ومسكن ووسائل انتقال ’السيدة شين تشوي‘ من منظور حديث، فعلى الرغم من أنها تبدو مختلفة تماما، فإن الإجماع والاستمرارية والسعي الدؤوب نحو حياة أفضل تظل كما هي من جيل إلى جيل ".

"مكتبة داخل القبر"

القائد العسكري الشاب لي شي، صاحب القبر رقم 3 في مقبرة ماوانغدوي، هو ابن لي تسانغ. وقد عثر في قبره على مجموعة كبيرة من الكتب والخرائط العسكرية والأسلحة المختلفة. وأكثر ما يثير الدهشة هو "المكتبة"، إذ تتضمن الأدوات الجنائزية الدفينة عديدا من المؤلفات القديمة التي ضاعت منذ آلاف السنين. واكتشف أكثر من 50 نوعا من الوثائق المكتوبة على الحرير، يبلغ عدد حروفها أكثر من 130 ألف مقطع كتابة صيني، بما في ذلك أقدم كتاب فلكي في العالم ((التنبؤ بالظواهر الفلكية والأرصاد الجوية))، وأقدم كتاب طبي ((هوانغ دي سي جينغ))، وغيرهما. معظم هذه المؤلفات القديمة ضاعت منذ ألف أو ألفي عام، وتغطي محتوياتها مجالات السياسة والاقتصاد والتاريخ والفلك والجغرافيا والطب وغيرها من المجالات من فترة عصر الممالك المتحاربة إلى أوائل أسرة هان الغربية.

((الخريطة الطبوغرافية لجنوبي مملكة تشانغشا)) هي أقدم خريطة مسح مرسومة على الحرير في العالم، وقد جعلت تاريخ رسم الخرائط المستندة إلى المسح في الصين أسبق بألف وثلاثمائة عام مما كان معروفا. توضح هذه الخريطة الجبال والأنهار والمدن والنواحي والطرق برموز مختلفة، وقد تمكن الناس في أسرة هان الغربية من رسم خرائط واضحة لمئات الكيلومترات المربعة من الغابات البدائية المغطاة بالغيوم والضباب، وهو ما أذهل باحثي علم الكرة الأرضية المعاصرين.

معرض رقمي+ تجربة "حياة أسرة هان"

من أجل المحافظة على الآثار التاريخية ودراستها بشكل أفضل وإثراء التجربة الثقافية للزوار، بادر متحف هونان إلى تعزيز التحول الرقمي في السنوات الأخيرة. وتتمثل الخطوة الأولى في جمع البيانات رقميا حيث يستخدم الفنيون ماسحة ثلاثية الأبعاد بالليزر وكاميرات عالية الدقة ومعدات أخرى لجمع بيانات عالية الدقة. ويتم عرض الآثار التاريخية الهشة التي يصعب عرضها أمام الجمهور، مثل الوثائق المكتوبة على الحرير، عبر المتاحف الرقمية على الإنترنت. وفي الوقت الحاضر، جمع متحف هونان 209 آلاف وثلاثمائة صورة ونحو 2400 نموذج ثلاثي الأبعاد للآثار التاريخية.

في عام 2024، افتتح المعرض الرقمي "فن الحياة.. ثقافة ماوانغدوي لأسرة هان"، الذي لفت انتباه العديد من مستخدمي الإنترنت. وكأكبر المعارض الرقمية في أوساط الآثار التاريخية والمتاحف في الصين، يدمج هذا المعرض الموارد الأكاديمية الرائدة في العالم، ويستخدم تقنيات الوسائط المتعددة المتطورة، ليقدم مقبرة ماوانغدوي لأسرة هان في تشانغشا، التي تُعد تراثا ثقافيا مشهورا في العالم، بصورة جديدة تماما عن طريق مسرح رقمي.

حاليا، أصبحت زيارة متحف هونان وتناول الطعام في مطعم المتحف والتسوق وتجربة "حياة أسرة هان" بداخله، اتجاها جديدا بين السكان المحليين والسياح. جميع الأطباق المطهوة على البخار في مطعم المتحف، مستوحاة من الطعام وكتب الطبخ المكتشفة في مقبرة ماوانغدوي لأسرة هان. وفي متجر الحلوى بالمتحف كعك الموس على شكل ملبس الشاش العادي غير المبطن، ولفائف كعك مزخرفة بالخطوط التي تشبه الرسوم على المنسوجات الحريرية المكتشفة في المقبرة، وكعك على شكل القط الوحشي، وغيرها من الحلويات المصنوعة على أشكال الآثار التاريخية، وتجذب أنظار المستهلكين وتحظى بإعجابهم. حتى الأكواب التي تقدم فيها الحلوى مصممة على شكل الأواني المطلية باللك المكتشفة في مقبرة ماوانغدوي. كما يضم محل الهدايا التذكارية بالمتحف، مجموعة كبيرة من الهدايا التذكارية التي تحمل عناصر من أسرة هان الغربية. توفر هذه التصميمات الفريدة تجارب استهلاك ثقافي جديدة للزوار، مما يتيح لهم فهم سحر حياة أسرة هان والانغماس فيه.