نشأت ثقافة مملكة تشو، التي تعرف باسم "جينغتشو"، في حوض نهر اليانغتسي ونهر هانجيانغ في الفترة من أسرة تشو الغربية (القرن 11- 771 ق.م) إلى عصر الربيع والخريف (770- 476 ق.م) وحتى عصر الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م). وهي تحمل اسم مملكة تشو وشعبها، وتعد جزءا مهما من الحضارة الصينية العريقة. تفخر هوبي، وهي مهد ثقافة جينغتشو، بتاريخ عريق وتراث ثقافي غني. يعرض متحف مقاطعة هوبي ثقافة جينغتشو العريقة والرائعة بجوانبها المختلفة عبر أكثر من أربعمائة وستين ألف قطعة (مجموعة) من الآثار التاريخية، من بينها 1095 قطعة (مجموعة) آثار تاريخية من الدرجة الأولى على المستوى الوطني.
أجراس "تسنغهويي" للأمير يي حاكم مملكة تسنغ
تُعد أجراس "تسنغهويي" الموسيقية المتسلسلة للأمير يي حاكم مملكة تسنغ، من الآثار التاريخية الأكثر شهرة في المتحف. الأجراس الموسيقية المتسلسلة هي آلة نقرية كبيرة لقومية هان في الصين القديمة، وتتكون من أجراس برونزية مسطحة ودائرية بأحجام مختلفة، معلقة على حامل ضخم ومرتبة حسب درجات نغمة الصوت. وبضرب الأجراس كل على حدة بالمطارق تصدر ألحانا جميلة. كانت هذه الأجراس تستخدم غالبا في طقوس تقديم القرابين منذ فترة أسرة شانغ قبل 3500 عام. كانت آلة موسيقية خاصة لطبقات المجتمع العليا وتُعد أيضا رمزا للمكانة والسلطة.
أجراس "تسنغهويي" الموسيقية عبارة عن آلة موسيقية ضخمة يتجاوز وزنها خمسة آلاف كيلوغرام، وتتكون من خمسة وستين جرسا برونزيا معلقا على إطار في ثلاث طبقات، وطول الإطار 5ر7 أمتار وارتفاعه 7ر2 متر، وتُقسم إلى ثماني مجموعات. عندما اُكتشفت في عام 1978 في مقبرة الأمير يي لمملكة تسنغ في مدينة سويتشو بمقاطعة هوبي، كانت كل الأجراس معلقة في أماكانها الأصلية على الإطار، رغم أنها ظلت مدفونة تحت الأرض أكثر من ألفين وأربعمائة سنة.
هذه الأجراس مصنوعة من النحاس والقصدير والرصاص، ومزخرفة برسوم منقوشة للإنسان والحيوانات والزهور وأشكال هندسية، فضلا على 3755 مقطع كتابة صينيا مرصعا بأسلاك ذهبية، وتتضمن أرقاما متسلسلة وسجلات ورموزا للنغمات الموسيقية ونظريات موسيقية. وهي أكبر مجموعة أجراس موسيقية متسلسلة اكتشفت في الصين حتى الآن، وأفضلها حفظا والأروع على الإطلاق.
لا تظهر هذه المجموعة من الأجراس الموسيقية براعة صب البرونز في الصين القديمة فحسب، وإنما أيضا تمثل إنجازات الحضارة الصينية في المراسم والموسيقى قبل فترة أسرة تشين (221- 207 ق.م). وتغطي المجموعة الكاملة من الأجراس السلالم الموسيقية من السبع نغمات، كما تحتوي على اثنتي عشرة نصف نغمة، وهو ما يطابق تماما مفهوم تناغم المزاجية المتساوية المكون من اثنتي عشرة نغمة في العصر الحديث.
قال فنغ قوانغ شنغ، مدير معهد بحوث الأجراس الموسيقية المتسلسلة: "يشبه كل جرس قطعتين من القرميد ملتصقتين ببعضهما البعض، مما ينتج نمطي اهتزاز مختلفين، فعند طرق منتصف الجرس وجانبه، يصدر صوتين مختلفين، وهو ما يسمى بـ’الجرس الواحد بنغمتين‘."
وقال فانغ تشين، المدير السابق لمتحف مقاطعة هوبي: "تم وضع علامات 'قونغ وشانغ وجيويه وتشي ويوي' (الخمس نوتات في السلم الموسيقي الصيني التقليدي) على الأجراس قبل إكمالها، مما يدل على المهارة العالية للصينيين القدماء وثقتهم العالية في نظرية الموسيقى".
حفلات الأجراس الموسيقية المتسلسلة
لإتاحة الفرصة للجمهور لتجربة سحر موسيقى الأجراس الموسيقية المتسلسلة القديمة بشكل غامر، بنى متحف مقاطعة هوبي قاعة موسيقية. وأنشأ فرقة موسيقية للأجراس الموسيقية المتسلسلة في عام 1983، حيث تقدم العروض الموسيقية في متحف مقاطعة هوبي طوال العام. واستوحيت أزياء العازفين من صور ترجع لعصر الربيع والخريف وعصر الممالك المتحاربة، مما يجلب للجمهور تجربة جمالية جديدة.
وكامتداد لمعارض المتحف، تعمل هذه الفرقة الموسيقية على ترويج ثقافة مملكة تشو والحضارة الصينية ونشرها للجمهور، من خلال الموسيقي والرقص. ومنذ تأسيسها، أبدعت هذه الفرقة الموسيقية التابعة لمتحف مقاطعة هوبي عددا كبيرا من الأعمال الموسيقية الممتازة، مما وفر للزائرين الصينيين والأجانب وليمة سمعية وبصرية تعكس ثقافة الموسيقى الصينية القديمة في فترة ما قبل أسرة تشين، وقدمت عروضا أمام أكثر من عشرة ملايين زائر، وقدمت عروضا في أكثر من أربعين دولة ومنطقة حتى الآن، وحظيت بشعبية كبيرة. كما شاركت في سلسلة من المناسبات المهمة، بما في ذلك الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وعرض الاحتفال بعودة هونغ كونغ إلى الوطن الأم في عام 1997، وتسجيل مقطوعاتها الموسيقية لمراسم توزيع جوائز دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008 وغيرها.
خلال عيد الربيع في عام 2025، استضافت تلك القاعة الموسيقية سبع حفلات موسيقية يوميا، وكانت جميع الحفلات كاملة العدد، حيث سجل الجمهور اللحظات الجميلة بهواتفهم النقالة. قال أحدهم، وهو من مدينة سوتشو بمقاطعة جيانغسو: "الموسيقى رائعة والرقص جميل." كما أشادت ابنته بالمسرح الغامر الذي جعل عرض الموسيقى القديمة أقرب إلى الحياة العصرية.
سيف الحاكم وقانون البلاد
يُعد سيف قو جيان، حاكم مملكة يويه، من أبرز القطع الأثرية في متحف مقاطعة هوبي، يبلغ طوله 6ر55 سنتيمترا وعرضه 5 سنتيمترات، ونصله مزخرف بنقوش سوداء غامضة على شكل معيّن، أما غمد السيف، فمزخرف من الجهة الأمامية برسوم جميلة مصنوعة من المينا الزرقاء وبالفيروز من الجهة الخلفية. على نصل السيف، نقوش مقسمة إلى سطرين وتشير إلى أن صاحبه هو الأمير قو جيان، حاكم مملكة يويه الشهير في عصر الربيع والخريف، وهو شخص نهض بمسؤولية عظيمة متحملا الإذلال، وبنى دولته حتى صارت قوة عظمى خلال فترة حكمه، ويتناقل الناس قصته بحماسة حتى يومنا هذا.
إلى جانب كون صاحب هذا السيف نبيلا وقصته أسطورية، فالمثير للإعجاب أيضا هو مهارة صناعة السيف الرائعة. عندما اكتشف السيف، كانت النقوش عليه لا تزال واضحة ورائعة على الرغم من أنه ظل في غمده الخشبي المطلي لمدة أكثر من 2500 عام، ولم يكن هناك أي آثار للصدأ عليه، لذلك يُعرف باسم "أفضل سيف في العالم".
تُعد ألواح الخيزران، المعروفة باسم "يونمنغ شويهودي"، لأسرة تشين من الآثار التاريخية ذات القيمة الأكاديمية العالية للغاية في المتحف. في عام 1975 اكتشف 1155 لوح خيزران في مقبرة شويهودي القديمة بمحافظة يونمنغ في مقاطعة هوبي. مدون على تلك الألواح أكثر من أربعين ألف مقطع كتابة صيني، تسجل عددا هائلا من الوثائق القانونية التي يمكن أن يرجع تاريخها إلى حوالي القرن الثالث قبل الميلاد، وتشتمل على ثمانية عشر نوعا من قوانين أسرة تشين، وتغطي الإنتاج الزراعي والحياة الاجتماعية وحوكمة الدولة في ذلك الوقت. بل إن من بينها ما يحتوي على متطلبات محددة، مثل تحديد أسعار واضحة للسلع، وعدم التردد في النضال من أجل قضية عادلة، وبعض المتطلبات لحماية البيئة، مثل حظر قطع الأشجار في الجبال في أوائل الربيع. بالإضافة إلى من بينها أقدم سجلات الفحص الجنائي ووثائق التحقيق الجنائي وسجلات الوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها حتى الآن. كان لقوانين أسرة تشين تأثير عميق على القانون الصيني التقليدي خلال فترة أسرة هان (206 ق.م- 220م) وما بعدها، ولا يزال من الممكن استخدام العديد من الأفكار والمفاهيم القانونية الواردة في النصوص على ألواح الخيزران كمراجع اليوم.
صاحب ألواح الخيزران يدعى "شي"، وكان مسؤولا قانونيا على المستوى القاعدي، وعندما دُفن هذا المسؤول، كانت ملاحظاته القانونية الثمينة التي دوّنها بعناية طوال حياته أدوات جنائزية دفينة، وبعد أكثر من ألفي سنة، أصبحت هذه الملاحظات أقدم الوثائق القانونية التي اكتشفت في الصين حتى الآن وأكثرها اكتمالا.
تجربة غامرة
يقيم متحف مقاطعة هوبي أنشطة دراسية وبحثية بانتظام بعنوان "مدرسة المراسم والموسيقى"، لتعزيز اهتمام الجمهور بالتاريخ والثقافة. في نشاط بعنوان "فهم التاريخ من خلال ألواح الخيزران"، أقيم في ديسمبر 2024، استكشف خمسة عشر طالبا ثقافة ألواح الخيزران بشكل غامر، وتعززت ثقتهم بالثقافة الصينية من خلال الأنشطة التعليمية الغنية والمتنوعة، مثل قراءة ألواح الخيزران وصنعها يدويا وتقديم عروض مسرحية قصيرة والمشاركة في الألعاب المعنية والحوار مع الخبراء. وخلال نشاط آخر بعنوان "ولادة الإناء البرونزي للأمير يي حاكم مملكة تسنغ"، أقيم في نوفمبر 2024، تعلم أكثر من أربعين طالبا في المرحلة الإعدادية في مدينة ووهان العملية الكاملة لصنع الأواني البرونزية في فترة ما قبل أسرة تشين؛ من التنقيب والتعدين إلى الصهر والصب، حيث استخدموا الجبس لمحاكاة صنع الأواني البرونزية، وتعرفوا على أدوات التنقيب والصهر وقاموا بمحاكاة أعمال الاكتشاف في موقع للتنقيب الأثري، وقلدوا القدماء في البحث عن مناجم النحاس في موقع منجم للنحاس. ومن خلال هذه الأنشطة، تمكن الطلاب من خوض تجربة عملية ممتعة، بينما تعلموا حكمة أسلافهم.