مجتمع < الرئيسية

ساعة اليد.. من رمز للفخامة إلى أثر من الزمن القديم!

: مشاركة
2018-05-31 11:04:00 الصين اليوم:Source وانغ تشو شنغ:Author

قبل يوم من رأس السنة، تلقيت من ابني رسالة عبر تطبيق ويتشات للتراسل الفوري، سألني فيها عن الهدية التي أريدها بمناسبة السنة الجديدة. كان قد التحق بوظيفة جديدة في إحدى الشركات، وكنت أعرف أنه ليس لديه المال الكافي لشراء الهدايا. عندما أخبرته بأنني لا أريد هدية هذا العام، بدا حزينا غير راض. رغبة مني في إدخال السرور على نفسه، قلت له: "إن كان لابد من هدية، فلتكن ساعة يد." بعد بضعة أيام، أهداني ابني ساعة أعجبتني كثيرا وفرحت بها. إنها ساعة جميلة، يزيد سعرها عن ألف يوان. في تلك اللحظة، قررت أن لا تفارق هذه الساعة معصمي إلى الأبد.

ساعتي الأولى

من نافلة القول إن الوظيفة الرئيسية للساعة هي معرفة الوقت. ولكن الساعة يمكن أن تعكس أيضا الحالة الاجتماعية والمادية للشخص. في أيامنا الحالية، ومع ظهور الهواتف الذكية، يبدو أن ارتداء الساعة بات غير ضروري في الحياة اليومية. ساعة اليد، بالنسبة لمن لا يزالون يرتدونها، تكون في الغالب مجرد زينة، مثلها مثل السوار أو الخاتم.

قبل ثمانينات القرن الماضي، كانت الساعة تعد من الكماليات الفاخرة في الصين. كان سعر ساعة اليد بماركة صينية مشهورة 120 يوانا، أي ما يعادل راتب ستة أشهر لعامل عادي. أما إذا كانت الساعة سويسرية الصنع، فثمنها بالطبع أكثر بكثير. كان الساعة تلازم البعض دائما، حتى في فراشهم. في فصل الشتاء، وبرغم برودة الجو، كان هناك من يشمر عن ساعده لإظهار ساعة المعصم. الطريف أن البعض كان عندما يريدون معرفة الوقت، بحركات مبالغة لجذب انتباه الآخرين لساعاتهم الغالية المميزة.

قبل الاختبار الوطني للقبول بالجامعات في عام 1982، نبهنا المعلم لضرورة تنظيم واستغلال الوقت على أفضل وجه أثناء الاختبار، وبالطبع فإن ارتداء ساعة اليد يجعل ذلك أكثر سهولة. لم تكن عائلتي الفقيرة تستطيع أن تشتري ساعة يد لي، ولم يكن لدى أحد من أقاربي ساعة يد. كان ذلك قاسيا على نفسي، وشعرت بالإحباط والألم وأنا أرى جميع زملائي في الصف وهم يرتدون ساعاتهم،. كانت حقا معاناة صعبة، باعتبار ما كان. فشلت في اجتياز الاختبار، ليس لأنني لم أكن أرتدي ساعة، فقد فشل أيضا العديد من زملائي أصحاب الساعات الثمينة.

في السنة التالية، جمعت أمي كل مدخراتها تقريبا واشترت لي ساعة بثلاثين يوانا. كانت الساعة كبيرة الحجم وغير أنيقة المظهر، لكنها كانت تؤدي الغرض، فقد صرت قادرا على تحديد الوقت وتنظيمه. قررت أن أؤدي الاختبار الوطني للقبول بالجامعات مرة أخرى، وأنا أرتدي ساعتي الجديدة. الآن، وعندما أعود بالذاكرة إلى ذلك الاختبار، لا أستيطع أن أتأكد ما إذا كنت قد نظرت لساعتي للتحقق من الوقت.

كانت أول ساعة اشتريتها بنفسي ساعة إلكترونية، كلفتني سبعة يوانات. لم تكن ساعتي مقاومة للماء. ذات يوم ممطر، عدت إلى المنزل عن طريق ركوب جرار بدون سقف، فتبللت ساعتي، وكما توقعت، توقفت عن العمل. وبّختني أمي بقسوة على ذلك الخطأ الأحمق. كنت غاضبا حزينا، وتواريت تحت غطائي حتى غلبني النوم، وساعتي المتعطلة في معصمي. بفضل دفء فراشي وجسمي، تبخر الماء من الساعة، وعادت تعمل من جديد. بيد أن هذا النجاح لم يدم طويلا، حيث توقفت الساعة تماما في النهاية، ولم أكن أدرك أنه لا سبيل لإصلاحها. بعد أن التحقت بعمل وصرت أحصل على راتب معقول، اشتريت ساعات عديدة. بعد ذلك، مثل معظم الناس، بدأت أستخدم الهاتف النقال، والذي سرعان ما أغناني عن استخدام الساعات.

شيء ثمين!

شهدت الأجيال التي ولدت في خمسينات وستينات القرن الماضي، التغيرات الهائلة التي شهدتها الصين خلال مرحلة الإصلاح والانفتاح في جوانب عديدة، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة والقيم ونمط الحياة. تغير مكانة ساعة اليد في الحياة الصينية، يعكس هذه التغيرات.

لقد ولدت في عائلة ريفية، وكان والداي يدعمان بدخلهما القليل العائلة بأكملها. كان عليهما أن يقترضا المال من أجل دفع رسوم دراسة الأبناء والكتب. في عصر لم يكن كثير من الناس قاردين على تحمل تكاليف إضافية مثل شراء الساعات، كان البث الإذاعي الذي يشير إلى الوقت عند كل ساعة، أفضل وسيلة لمعرفة الوقت. كان من النادر أن يسافر أبناء الريف بالحافلات أو القطارات، ناهيك عن الطائرات. لم يكن هناك سبب حقيقي يدفعهم للاهتمام بمعرفة الوقت. كان تقدير الوقت على وجه التقريب مناسبا لهم، ولم تكن الساعة ضرورية لهم. ولكن على الرغم من ذلك، كان امتلاك ساعة يد أمنية لهم.

في تلك الأيام، كان الريفيون الذين يمتلكون ساعات اليد هم أصحاب الوظائف أو المكانة الاجتماعية في مناطقهم. كانت الصين تطبق الاقتصاد المخطط، وكانت كل الوظائف تقريبا إما في الحكومة أو القطاع المملوك للدولة. كان الريفيون يطلقون على العاملين في الحكومة والقطاع المملوك للدولة اسم "قونغتسورن"، أي من يعمل أو لديه وظيفة. بالنسبة لغالبية من لا يملكون المال أو ليس لديهم عمل، كانت الساعة التي يبلغ سعرها أكثر من مائة يوان، أكثر من مجرد حلم. كانوا إذا رأوا شخصا محظوظا يمتلك ساعة، ينظرون إليه بمشاعر مختلطة من الإعجاب والحسد. من أجل الحصول على الثروة وارتداء الملابس الفاخرة، كان لزاما على الطلاب الدراسة بجد والالتحاق بالجامعة، كي يمكنهم بعد ذلك أن يصبحوا "قونغتسورن". حرص والداي على نقش تلك الفكرة في عقلي، لتشجيعي على الدراسة بكل جد واجتهاد.

في تلك الفترة، وسواء في الريف أو الحضر، كانت ساعة اليد والدراجة وماكينة الخياطة من أكثر الأشياء التي يتمنى الناس اقتناءها. في المناطق الريفية، كانت فرصة زواج ابن الأسرة التي يمكنها شراء شيء من تلك الأغراض، أكبر من أقرانه. أتذكر شابا في قريتنا كان مغرما بفتاة، وكانت الفتاة تبادله نفس مشاعر الحب، ثم اتفقا على الزواج. أصرت أسرة الفتاة أن يشترى الشاب ساعة يد للفتاة. لم يكن لدى الشاب المال الكافي لشراء ساعة يد لمحبوبته، وكانت النتيجة أنه لم يتزوجها. مثل هذه القصة لم تكن نادرة في المناطق الريفية.

في تلك الفترة، ابتكر الصينيون نوعا من الأغاني الهزلية الساخرة للتعبير عن أهمية تلك الأشياء الثلاثة. كانت علامات تجارية مثل فيقه، يونغجيو، فينغهوانغ، أشهر العلامات التجارية للدراجات في الصين، إلى جانب العلامة التجارية هوديه لماكينات الخياطة، وعلامة شانغهاي التجارية للساعات، تمثل مستوى التصنيع للصناعات الخفيفة في الصين. بالنسبة لعامة الناس، كانت هذه العلامات التجارية تمثل الحياة السعيدة.

مستقبل صناعة ساعة اليد الصينية

مع انطلاق حملة الإصلاح والانفتاح في الصين، أُطلق العنان فجأة لإبداع الصينيين، بعد أن حبيسا لفترة طويلة. بحلول منتصف ثمانينات القرن العشرين، ازداد عرض الساعات، وظهر العديد من العلامات التجارية في المتاجر الريفية. حل محل الأشياء الرئيسية الثلاثة للزواج ثلاثة أجهزة جديدة هي؛ التلفزيون والثلاجة ومكيف الهواء. ومع ارتفاع الدخل وزيادة عدد السلع المعروضة، أصبحت ساعة اليد شيئا عاديا، وتقلص دورها كرمز للثروة والجاه.

خلال تسعينات القرن العشرين، توفرت للصينيين أنواع كثيرة من ساعات اليد بمختلف الماركات. بالإضافة إلى الساعات الميكانيكية التقليدية، أصبحت ساعات الكوارتز والساعات الإلكترونية، هي المفضلة للشباب. ومن خلال تقديم نماذج وميزات جديدة باستمرار، كانت الإعلانات التلفزيونية المبهرة عن الساعات تعرض للمستهلكين مجموعة مذهلة من الاختيارات. في غضون عقد من الزمن أو أكثر، شهدت الصين تغيرات هائلة. انبهر الصينيون بالإنجازات العظيمة للإصلاح والانفتاح في البلاد، وحظيت قرارات القيادة الحكيمة على ثنائهم وتقديرهم دائما.

ذات مرة، التحقت بدورة تدريبية حول كيفية تحديد تفاصيل نجاح أو فشل صناعة الساعات المحلية في الصين. قبل سنوات، سعت الشركة المنتجة للساعات بماركة "ينغشيونغ" والتي تتخذ من هانغتشو مقرا لها، إلى تحسين دقتها وقدرتها على منافسة علامة شانغهاي التجارية. استثمرت الشركة الكثير لاستيراد أجزاء الساعات من سويسرا، ثم تجميعها في مصنعها. وبالفعل، تم تقليل فارق أو خلل التوقيت، من دقيقة واحدة إلى 45 ثانية يوميا، ولكن هذه العلامة لم تستطع تحقيق هدفها بأن يكون الفارق 30 ثانية. ولإصلاح هذا الخلل، أرسلت الشركة بعض الفنيين إلى سويسرا لدراسة تقنيات تصنيع الساعات. استغرق الأمر شهرين وتكلف نصف مليون دولار أمريكي للتوصل إلى حل مناسب وهو: لتحقيق أعلى معدل دقة ممكن، وقبل تجميع الأجزاء، يجب أن يتم غمرها بالكيروسين. من خلال القيام بذلك، تحسنت دقة الساعات بنسبة 5%.

حاليا، أدى انتشار الهواتف الذكية إلى تقليص دور وأهمية الساعات في حياة الناس. ومع ظهور الإنترنت والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي، شهدت الصناعات التقليدية بعض صعوبات التحول والتحديث التكنولوجي. وينظر إلى الهواتف الذكية على أنها السبب في خنق العديد من الصناعات التقليدية. تراجعت العلامات التجارية التي كانت مزدهرة في السابق، في وقت تبرز فيه وتتطور علامات تجارية محلية جديدة. أمست الساعات ذات العلامات الصينية الرائعة أشبه بأعمال فنية، لكنها ما زالت غير قادرة على جذب وإقناع المستهلكين، وغير قادرة أيضا على التنافس مع علامات الساعات الفاخرة العالمية المعروفة، والتي لا تزال تعتبر رمزا للثروة والمكانة الاجتماعية.

إن الاختلافات الدقيقة بين الساعات المنتجة محليا وعلامات الساعات ذات الشهرة العالمية، من حيث تكنولوجيا الإنتاج والجودة، تقرر مكانتها في السوق. وبهذا المعنى، لا يزال أمام صناعة الساعات في الصين طريق طويل. إنني أتطلع إلى اليوم الذي يسعى فيه المستهلكون الدوليون إلى شراء الساعات المصنوعة في الصين كرمز لوضعهم الاجتماعي.

--

وانغ تشو شنغ، مدير مكتب شركة تشيجيانغ تيانشي المحدودة لتكنولوجيا النانو.

 

 

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4