في الثامن من ديسمبر 2020، بينما كان برد الشتاء قارسا في مدينة نينغتشي بمنطقة التبت الذاتية الحكم، كان الطلاب في إحدى المدارس الفنية يضفون على الأجواء دفئا أثناء استمتاعهم بفصل للطهي. كان أكثر من ثلاثين متدربا، جاءوا من كافة أنحاء نينغتشي يتدربون على طرق استخدام مختلف التوابل على يد خبيرة الطهي تسيرينغ يانغزوم، بمطبخ في الطابق الثاني لبناية التدريب بمدرسة نينغتشي الفنية.

 تسيرينغ يانغزوم التي لا يتجاوز عمرها إحدى وعشرين سنة، مهنية متمكنة وشغوفة بتعليم مهارات الطهي التبتية ونقلها للآخرين. هذه هي مهمتها الثانية كمعلمة في فصل التدريب على إعداد وتقديم الإفطار التبتي، في معهد فني مهني. تفسيراتها النظرية السهلة الفهم وعروضها الرائعة للطهي ساعدت المتدربين على اكتساب المعرفة والمهارات الأساسية خلال الدورة التي استمرت لمدة شهر.

تقع نينغتشي، التي تحمل أيضا اسم لينتشي، في جنوب شرقي التبت، وتتميز بغابات كثيفة ومناظر طبيعية خلابة. مع ذلك، ظلت هذه البقعة الجميلة تكابد الفقر لسنوات طوال. في نهاية عام 2015، كان عدد الفقراء من سكان نينغتشي 22803 أفراد، وكانت نسبة انتشار الفقر 42ر16%. كان معظم المزارعين والرعاة المحليين يفتقرون إلى مهارات العمل، وظلوا لأجيال عديدة يعتمدون على زراعة شعير الهضاب وتربية حيوانات الياك، لكسب لقمة العيش . من أجل تغيير هذا الوضع، تقوم المدينة بالتدريب التحويلي للعاملين في الزراعة والرعي ومساعدتهم في العثور على أعمال جديدة، لانتشالهم من الفقر، ومن ذلك أعمال التدريب المهني للمزارعين والرعاة في تلك المدرسة الفنية.

التدريب الفني

قال تشو باي جيا، مدير مدرسة نينغتشي الفنية: "نحن نصمم برامج تدريبية للمزارعين والرعاة، حسب حاجتهم، لتمكينهم من إتقان مهارات معينة وتقديم الدعم الفني لتوظيفهم." وبدلا من النظريات المعقدة أو العميقة، يركز المعلمون في المدرسة على التقنيات والأساليب السهلة الفهم لإثارة حماسة وشغف الطلاب للتعلم.

قالت ديتشن وانغمو، وهي من بلدة قوشيانغ في نينغتشي: "بفضل الدعم الحكومي، حصلت على شهادة دبلوم وحصلت على وظيفة." تعاني ديتشن وانغمو من إعاقة في الساق بسبب إصابتها بشلل الأطفال، ووالداها في حالة صحية سيئة. فتم ترشيحها للتدرب في تخصص الخدمة المنزلية، في المدرسة الفنية. قالت: "أعفيت من الرسوم الدراسية، وحصلت على منح دراسية ووظيفة مدفوعة الأجر بعرض خاص قدمته المدرسة لي." الآن، افتتحت هذه الشابة التبتية نُزُلا عائليا، بدعم من المدسة الفنية والحكومة المحلية. قالت: "التدريب على المهارات هو الذي غير مصيري تماما".

سونام تسيرينغ، وهو من سكان مدينة قونغبو غيامادا في نينغتشي، كان يقضي أيامه في المنزل منتظرا العثور على فرصة عمل. سجل لاحقا في المدرسة الفنية لتعلم صيانة الأجهزة الكهربائية. قال إنه يخطط لفتح ورشة لتصليح الأجهزة الكهربائية بعد انتهائه من التدرب في المدرسة الفنية، لزيادة الدخل وتحقيق الثراء.

اشترك باليور، زميل سونام تسيرينغ، في نفس الدورة التدريبية صيانة الأجهزة الكهربائية بعد أن رأى أن بعض أصدقائه وجدوا أعمالا وزادت دخولهم بفضل المهارات المكتسبة في التدريب.

لم يكن لدى سونام تسيرينغ وباليور معرفة بأساسيات المهنة، لذلك، كان الأمر صعبا بالنسبة لهما في البداية. أخذ المعلمون والمدربون هذا الأمر في الاعتبار؛ فأبطأوا من وتيرة التدريب، وقدموا شروحا مفصلة ودروسا عملية لمساعدة المتدربين من أمثال سونام تسيرينغ على إتقان مهارات العمل. كما يدعو المدربون الكتدربين لتبادل المساعدة فيما بينهم، ليساعد المتدربون الممتازون المتدربين الضعفاء في تذليل صعوباتهم في التعلم.

بشكل عام، يأتي المتدربون إلى المدرسة الفنية من أسر منخفضة الدخل. وتقدم المدرسة لهم الأدوات التعليمية مجانا وتساعدهم في المشاركة في اختبارات المؤهلات المهنية المعنية والتوظيف.

قال لي جي تشنغ، مدير مكتب الموارد البشرية والضمان الاجتماعي في نينغتشي، إنه حتى نوفمبر 2020، ساعدت المدينة في توفير فرص عمل لمزارعين ورعاة بلغ عددهم 37800 ينتمون إلى تسعة آلاف وستمائة وثلاث أسر فقيرة، ويمثلون 4ر49% من إجمالي القوى العاملة المحلية، وبلغ دخلهم الإجمالي 430 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 حاليا)، وزاد متوسط دخل الفرد منهم بأكثر من 11400 يوان.

مصادر الدخل الجديدة

من مصادر الدخل الهامة للتبتيين، البخور التبتي الذي يُصنع من مجموعة متنوعة من الأعشاب الصينية الثمينة. في العصور القديمة، كان البخور يستخدم في الغالب للطقوس والمناسبات الدينية. هذا المنتج الخاص العريق يحظى بإقبال كبير لاعتقاد الناس أنه ينقي الهواء ويساعد في الوقاية من الأمراض. في خضم مكافحة الفقر، استغل السكان المحليون إمكانيات ومزايا البخور التبتي كوسيلة لزيادة دخلهم.

سامدروب، من قرية جيماي التي تقع على ارتفاع 2900 متر فوق سطح البحر في نينغتشي، خبيرة معروفة في صناعة البخور بالتبت. في الماضي، كانت تعاني من ضائقة مالية، فظلت تنتج البخور التبتي في ورشة عائلية صغيرة. في عام 2016، اقترضت سامدروب من الحكومة المحلية 309800 يوان، لبناء مصنع لمعالجة الأعشاب والعقاقير وصناعة البخور. في سبتمبر 2016، تم تشغيل المصنع رسميا.

كانت سامدروب تحلم ببدء عمل تجاري منذ الطفولة، ولديها المهارة أيضا. بعد أن بدأ تشغيل المصنع، حولت تركيزها إلى تأمين قنوات البيع. وبجهود مضنية، توصلت إلى اتفاقيات تعاون في مجال المبيعات مع تسعة متاجر للحرف اليدوية في لاسا ومناطق أخرى في التبت. كما سجلت منافذ البيع على منصات التجارة الإلكترونية.

ومن أجل توفير منتجات تلبي رغبات مختلف الزبائن، استشارت سامدروب أكثر من 30 سائحا من أماكن مختلفة، حول رائحة البخور وشكله وتغليفه. وتفقدت أسواق البخور التبتية المحلية، وواصلت تحسين تركيبة البخور التبتي. بفضل جهودها الدؤوبة، حققت دخلا بلغ ستين ألف يوان في أربعة أشهر فقط، في عام 2016.

بفضل المشاركة معها في أعمال صناعة البخور، تخلصت ست عائلات فقيرة أخرى في قريتها من الفقر. منذ عام 2017، تحقق كل واحدة من الأسر الست أرباحا تجارية تصل إلى 3100 يوان سنويا. علاوة على ذلك، يمكن لكل فرد منها الحصول على راتب شهري قدره ثلاثة آلاف يوان من خلال العمل في مصنع سامدروب. وقد مكن العمل السكان المحليين من الحصول على فرص عمل من منازلهم وتأمين مصدر دخل ثابت لهم.

نجحت حكومة نينغتشي المحلية في إعداد الفنيين مثل سامدروب، ودفعت بذلك التوظيف في المدينة. وفي نفس الوقت وفر مشروع بناء خط سيتشوان- التبت للسكك الحديدية أيضا العديد من فرص العمل للمزارعين والرعاة المحليين. حتى نهاية نوفمبر 2020، تم توظيف 12282 مزارعا وراعيا في المشروع، وقد حصلوا على مائة مليون يوان من مكافآت العمل.

بعد سنوات من العمل الجاد، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمدينة نينغتشي 25ر17 مليار يوان في عام 2019؛ وبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القابل للإنفاق لسكان الحضر 33041 يوانا بزيادة بلغت نسبتها 3ر11%، ولسكان الريف 16710 يوانات بزيادة بلغت نسبتها 8ر12%. وقد تم تخليص جميع القرى الفقيرة البالغ عددها 490 قرية من الفقر، وتم القضاء تماما على الفقر المدقع، وتعزز شعور الناس بالكسب والسعادة والطمأنينة.

حاليا، تتمتع نينغتشي بآفاق مشرقة لمجتمع الحياة الرغيدة.

--

تشانغ منغ، صحفي في جريدة ((التبت)) الصينية.