مجتمع < الرئيسية

"صوت الموسيقى" في جبال مقاطعة قويتشو

: مشاركة
2023-01-06 15:13:00 الصين اليوم:Source ما لي:Author

في عام 1956، عُرض فيلم ((صوت الموسيقى)) لأول مرة في المملكة المتحدة، وحقق نجاحا تجاريا كبيرا، امتد إلى كل أنحاء العالم لاحقا. هذا الفيلم الذي أنتجه وأخرجه الأمريكي روبرت وايز، يحكي قصة المربية ماريا التي تمنح سبعة أطفال المحبة والأمل من خلال الموسيقى.

في مدرسة هايقا الابتدائية بمدينة ليوبانشوي في مقاطعة قويتشو بجنوب غربي الصين، معلم مثل ماريا ومجموعة من الأطفال المحبوبين. يعلم الشاب قو يا التلاميذ قراءة وكتابة النوتة الموسيقية والعزف على الآلات الموسيقية، كما أنشأ لهم جوقة موسيقية، وفتح بالموسيقى نافذة "رؤية العالم" لهؤلاء الأطفال الذين ينتمون إلى أسر تعيش في أعماق الجبال جيلا بعد جيل.

الغيتار القديم يجلب حيوية جديدة

مدرسة هايقا الابتدائية، حاملة لقب "أعلى مدرسة في مقاطعة قويتشو"، تقع في قرية هايقا التي ترتفع 2600 متر عن سطح البحر. كانت هايقا قرية فقيرة من الدرجة الأولى على المستوى الوطني؛ جبالها شاهقة الارتفاع وطرقها وعرة ومواصلاتها صعبة، والتعليم فيها متخلف. في سبتمبر عام 2016، تخلى قو يا، وهو في السابعة والعشرين من عمره، عن هويته كـ"مطرب روك" ليصبح معلما في مدرسة هايقا الابتدائية، بعد أن اجتاز اختبار القبول للمعلمين.

قال قو يا: "أدهشتني المشاهد هنا، فبناية المدرسة قديمة بالية وفيها بضعة عشر تلميذا فقط، عندما رأوني وأنا معلم جديد، لم يجرؤ أحد منهم النظر إلى عيني، بل هرولوا خجولين. مقارنة مع الأطفال في المدن، يغلب على التلاميذ في مدرسة هايقا الابتدائية الخجل والانطواء على أنفسهم، وتفتقر وجوههم إلى الإشراق."

من خلال زيارة أسر التلاميذ، عرف قو يا أن معظم هؤلاء الأطفال يعيشون في القرية الجبلية وقد ذهب أباؤهم وأمهاتهم للعمل خارج مسقط رأسهم وتركوهم هنا. هؤلاء الأطفال يشتاقون إلى أبائهم وأمهاتهم ويشعرون بالعزلة، فأصبح كثير منهم انطوائيين وقليلي الكلام ولا يجيدون التواصل مع الآخرين. أضاف قو يا: "في اليوم الأول بعد وصولي إلى المدرسة، أخبرني مدير المدرسة أنه يجب ألا يهتم فقط بدراسة وحياة هؤلاء التلاميذ، بل يجب أن يعطيهم مزيدا من الدفء روحيا، لجعلهم يحلمون ويفعمون بالثقة بأنفسهم. تمنى مدير المدرسة أن يجلب المعلم الجديد تغيرات جديدة للمدرسة."

ذات يوم، كان قو يا يعزف على الغيتار في مسكنه خلال استراحة الظهر، عندما رفع بصره، وجد رؤوسا صغيرة مزدحمة في شق الباب وعلى حافة النافذة. كان التلاميذ يصوبون أبصارهم نحو الغيتار الخشبي بين يديه. في تلك اللحظة، فهم قو يا شغف وتطلع الأطفال إلى الموسيقى، وبدأ يفكر في تعليمهم العزف على الغيتار والموسيقى. قال قو يا: "تخصصي المهني هو تعليم الموسيقى، وأفهم تأثير وقوة الموسيقى. رغم أنني لم أكن مألوفا لدى التلاميذ، صارت الموسيقى رابطا عزز التفاهم والثقة المتبادلة بيننا."

من أجل مساعدة التلاميذ على معرفة الآلات الموسيقية، بحث مدير المدرسة والمعلمون عن الآلات الموسيقية في كل مكان. رغم أن التلاميذ لم تكن لديهم أي خلفية موسيقية، تعلموا بسرعة. لاحظ أولياء الأمور والمعلمون التغيرات التي طرات على التلاميذ. وبعد أن كان بعض أولياء الأمور والأجداد والجدات معارضين لتعلم التلاميذ العزف على الآلات الموسيقية، تغير رأيهم وصاروا داعمين لهم بكل ما لديهم من قوة. ما فاق توقعات قو يا أن بعض الأجداد والجدات يحرصون على مرافقة ومتابعة التلاميذ في تعلم الآلات الموسيقية في المدرسة بعد إنجاز الواجبات المنزلية. قال قو يا: "ذلك الغيتار الخشبي القديم جلب حيوية جديدة لمدرسة هايقا الابتدائية."

نشر بذور الموسيقى والأحلام

بعد أيام، ظهر أن العدد القليل من آلات الغيتار الخشبية التي وجدها المعلمون لا يسد حاجة العدد المتزايد من التلاميذ في تعلم الموسيقى، فنشر قو يا على منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قصيرا لبعض التلاميذ وهم يتعلمون العزف على الآلات الموسيقية، مبينا حاجتهم إلى المزيد منها. بعد وقت قصير، استجاب أهل الخير في المجتمع، وأرسلوا دفعة من الآلات الموسيقية الحديثة مثل طبل الجاز والغيتار الخشبي والغيتار الكهربائي وغيتار أكلال وغيرها من أنحاء البلاد إلى المدرسة. قال قو يا، إن عدد الآلات الموسيقية في المدرسة حاليا أكثر من مائة قطعة، من بينها الغيتار وغيتار البيس وغيتار أكلال والدفّ وغيرها. وتبرع السيد تشنغ تشوان جيو، النائب بالمجلس الوطني لنواب الشعب و"ملك الغيتار" في محافظة تشنغآن بمقاطعة قويتشو بنحو مائة غيتار خشبي وكهربائي جديد للمدرسة.

عن مساعدته للتلاميذ، قال السيد تشنغ تشوان جيو: "خرجت من مسقط رأسي للعمل عندما كنت صغيرا بسبب الفقر، وعندما رأيت الرغبة الجميلة لهؤلاء المعلمين والتلاميذ وحاجاتهم، أرسلت آلات الغيتار إليهم فورا." مثل المعلم قو يا، يتمنى السيد تشنغ أن تنبت بذور الموسيقى والأحلام في قلوب التلاميذ وأن يتطوروا ويحققوا حياة أفضل.

في الوقت الحالي، تتردد الألحان الجميلة والطرب في سماء مدرسة هايقا الابتدائية في وقت الاستراحة بين الدروس واستراحة منتصف اليوم. يتعلم التلاميذ في السنتين الأولى والثانية غيتار أكلال، وفي السنتين الثالثة والرابعة يتعلمون طبل الجاز وغيتار البيس والدفّ، فهم يوزعون إلى فرق التعلم وفقا لأعمارهم. بالإضافة إلى تعليم العزف على الآلات الموسيقية في المدرسة، يذهب قو يا إلى بيوت التلاميذ بعد انتهاء الدوام المدرسي وفي نهاية الأسبوع، ليعلمهم العزف على الآلات الموسيقية ويدربهم على الغناء البصري. صار المعلم قو مشغولا كل يوم، ويبادر بعض أولياء أمور التلاميذ إلى الاتصال به لتعليم أولادهم في بيوتهم. قال قو يا إن حماسة التلاميذ للموسيقى تؤثر فيه تأثيرا عميقا.

في عام 2018، تأسست أول جوقة موسيقية لمدرسة هايقا الابتدائية باسم "يوي (الالتقاء)". ويتجدد أعضاء هذه الجوقة الموسيقية كل سنة مع تخرج تلاميذ والتحاق آخرين بالمدرسة. وقد تغير اسم الجوقة غير مرة، والجوقة الحالية هي الرابعة وتحمل اسم "شباب هايقا". قال قو يا، إن أعضاء الجوقة تلاميذ في السنتين الخامسة والسادسة ومتمكنون جيدا من المعلومات الأساسية للنظرية الموسيقية وماهرون في فنون العزف، ويعتزون بأنهم أعضاء الجوقة الموسيقية للمدرسة.

أما ما أثلج صدر مدير المدرسة السيد تشنغ لونغ، هو أن كثيرا من التلاميذ الذين يتعلمون العزف على الآلات الموسيقية حققوا ارتفاعا ملحوظا في نتائج دراستهم للمواد الثقافية. قال: "إنهم يحملون الأحلام ويجهتدون في الدراسة لتحقيق أحلامهم. وأصبحت الموسيقى مادّة حفّازة لمواصلة تقدمهم. وفي السنوات الأخيرة، ارتفعت نتيجة التدريس للمدرسة بشكل ملحوظ، وشهدت نسبة الالتحاق بالمدرسة ارتفاعا كبيرا سنويا، ويبلغ عدد التلاميذ في المدرسة حاليا أكثر من ثمانين تلميذا."

التحليق بأجنحة الموسيقى

في مدرسة هايقا الابتدائية، قو يا ليس معلما للموسيقة فحسب، وإنما أيضا يعلم اللغة الصينية واللغة الإنجليزية والتربية البدنية، ويتخذه التلاميذ كـ"صديق حميم" لا سرّ بينهم.

كتب أحد أعضاء الجوقة الموسيقية في مقاله: "بفضل تعلم العزف على غيتار البيس على يد المعلم قو، انضممت إلى الجوقة الموسيقية وخرجت من أعماق الجبال لأول مرة، وركبت الطائرة والقطار الفائق السرعة ورأيت البحر والمزيد من الناس والعالم الأوسع. أعقد العزم على بذل الجهود لتحقيق حلمي في جلب تغيرات وفرحة للآخرين مثل المعلم قو." بعد قراءة هذا المقال، يشعر قو يا بسرور، ويود أن يساعد مزيدا من الأطفال على الخروج من أعماق الجبال ليكونوا أشخاصا ذوي أحلام وليفهموا الاعتراف بجميل الآخرين.

في نهاية عام 2020، تخلصت قرية هايقا من الفقر نهائيا، مثل كثير من القرى في الصين، ومن أجل تسجيل هذه اللحظة المهمة لتغير قرية هايقا، أبدع قو يا وتلاميذه ((أغنية هايقا)) التي تقول كلماتها: "تحولت الأكواخ إلى بيوت حديثة، وتزدهر الزراعة وتربية المواشي والدواجن، وأصبحت الدروب الموحلة واسعة، وتسبح الأسماك في بحيرة هايقا، ويرفرف العلم الأحمر في الهواء، ويدرس التلاميذ في المدرسة، ويجتهدون في الدراسة لاكتساب المهارات، ويتقدمون ظافرين في مواجهة الرياح والأمواج ليصبحوا ركيزة الدولة." تناقلت ألسنة الأطفال في كل القرية الكلمات التي تصلح للقراءة الجهرية واللحن الجميل لهذه الأغنية، وأصبحت برنامجا أساسيا في كل العروض المهمة.

في التاسع عشر من أغسطس عام 2020، أقامت منصة دوين الاجتماعية (المعروفة بـ"تيك توك" في خارج الصين)، حفلة غناء خاصة لقو يا وتلاميذ مدرسة هايقا الابتدائية، بعنوان "صيف الشباب في هايقا"، حيث أجرى قو يا البث المباشر لكل حفلة الغناء هذه في مدرسة هايقا الابتدائية عبر حسابه على منصة دوين، وبلغ عدد المشاهدين 42ر1 مليون شخص. قال قو يا إن البث المباشر أثار اهتمام مزيد من الناس بأحلام الأطفال في أعماق الجبال ودعمهم لها، وبفضله أصبح لدى الأطفال غرفة العرض التجريبي وغرفة التدرب على العزف على الآلات الموسيقية ذات التجهيزات الخاصة.

في الثامن عشر من أغسطس عام 2022، شاركت جوقة "شباب هايقا" الموسيقية بقيادة قو يا في تسجيل برنامج ((هذا العقد.. ملاحقو النور)) للقناة الفضائية لمقاطعة هونان. في موقع التسجيل، استعرض قو يا وتلاميذه قصصهم مع الموسيقى وسعيهم إلى تحقيق الأحلام من خلال الموسيقى. وعندما شاهد المعلمون والتلاميذ أمام التلفزيون في القرية عرض غناء الفرقة الموسيقية المفعم بالحماسة على مسرح، دوّت تصفيقات حارّة في الغرفة. قال قو يا إن هذه التصفيقات ستجعله وتلاميذه يحلقون بأجنحة الموسيقى للتقدم بخطوات ثابتة في طريق السعي إلى الأحلام.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4