لينيي الواقعة في جنوب شرقي مقاطعة شاندونغ، هي المدينة الأكثر سكانا والأكبر مساحة من بين المدن الستة عشر في شاندونغ. يبلغ عدد السكان المقيمين إقامة دائمة في لينيي أحد عشر مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 2ر17 ألف كيلومتر مربع. وتعد لينيي جزءا رئيسيا من منطقة ييمنغ الثورية القديمة، وقدم أبناؤها مساهمات كبيرة وتضحيات هائلة في الكفاح ضد العدوان الأجنبي وتحقيق انتصار الثورة الصينية أثناء حرب المقاومة ضد الغزو الياباني ومعارك التحرير. بيد أن تضاريس لينيي الوعرة، والمتمثلة في كثرة التلال، فضلا عن ضعف البنية الأساسية للنقل والمواصلات، قيدت تنميتها لفترة طويلة. بعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، خاصة منذ بداية القرن الجديد، واعتمادا على مزايا الصناعة الزراعية في لينيي، حققت المدينة نجاحا في بناء نمط جديد من التنمية العالية الجودة وإنشاء نموذج لتحقيق النهضة الريفية على نطاق شاندونغ، وذلك من خلال التركيز على التكامل الصناعي وزيادة الكفاءة الزراعية وزيادة دخل المزارعين.
كيف استطاعت لينيي، التي كان الفقر يضرب بأطنابه في بقاع كثيرة منها، السير في طريق النهضة الريفية والتنمية العالية الجودة؟ حملنا هذا السؤال إلى السيدة تشانغ شيو لي، نائبة عمدة مدينة لينيي، والمسؤولة عن الشؤون الزراعية والريفية للمدينة.
((الصين اليوم)): السيدة تشانغ شيو لي، نود منكم إلقاء الضوء على مسيرة لينيي في تحقيق الحياة الرغيدة لمدينة كابدت الفقر في الماضي؟
تشانغ شيو لي: بداية، يسعدني كثيرا أن أعرّف، من خلالكم، القراء العرب بمدينتنا. لينيي ذات التاريخ الممتد نحو ثلاثة آلاف سنة مدينة ثرية تعبق أرجاؤها بثقافة شاندونغ المتميزة بالكونفوشية والحضارة الزراعية. بفضل وقوعها في الحزام الصناعي الذهبي للمنتجات الزراعية العالية الجودة في العالم من خط عرض 34 درجة إلى 36 درجة شمالا، فإن لينيي غنية بالمنتجات وجودتها المتميزة، وأصبحت قاعدة إمداد وطنية مهمة للحبوب والزيوت والفواكه والخضراوات ومنتجات الثروة الحيوانية، وقد أهلها ذلك للحصول على العديد من الألقاب الشريفة في الصين، ومنها "موطن المنتجات الغذائية" و"موطن منتجات اللحم" و"موطن الخضراوات".
ولكونها مدينة زراعية كبيرة، اتخذت ليني في السنوات الأخيرة تطوير الزراعة الحديثة والفعالة لتحسين القيمة المضافة للأراضي كنقطة انطلاق للتخفيف من حدة الفقر. وطورت بقوة الزراعة المميزة والزراعة ذات العلامات التجارية، وأدركت تحويل الزراعة الجبلية التقليدية إلى الزراعة الحديثة والفعالة، وتم ابتكار "مُنتَج في ليني" كصورة أساسية للعلامة التجارية لمنتجات لينيي الزراعية. وجدير بالذكر هنا أن لينيي تحتل صدارة مدن شاندونغ من حيث عدد شهادات الأغذية الخضراء والمؤشر الجغرافي للمنتجات الزراعية.
ورغم ذلك، بسبب البنية التحتية غير الكافية وعدد السكان الزراعيين الكبير، ظلت لينيي حتى ثمانينات القرن العشرين واحدة من ثماني عشرة منطقة متجاورة تعاني من الفقر في الصين. بعد تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، أقدم أبناء لينيي بشجاعة على كتابة صفحة جديدة بالأعمال التجارية، فتحولت لينيي من مدينة منعزلة عن الخارج إلى أكبر قاعدة لأسواق الجملة المتخصصة في شاندونغ وصارت مركز الخدمات اللوجستية في شمالي الصين ويأتيها التجار من أنحاء البلاد. استطاعت لينيي أن تحقق "قفزة ثلاثية"؛ من الفقر المدقع إلى التخلص من الفقر بشكل عام، ثم إلى مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل.
بحلول عام 2021، كانت قرى لينيي البالغ عددها 1275 والتي يقطنها 451 ألف فرد قد نفضت الفقر عن كاهلها، ونجحت لينيي في تسليم ورقة إجابة عصرية لسؤال كيفية بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل.
في فبراير عام 2021، أصدر مجلس الدولة "الآراء حول دعم نهضة وتنمية المناطق الثورية القديمة في العصر الجديد". واغتناما لهذه الفرصة التاريخية المهمة، تتمسك لينيي باعتبار النهضة الريفية محورا واقعيا لتعزيز بناء المدينة على نحو شامل، حيث اقترحت حكومة لينيي في عام 2022 إستراتيجية تنفيذ النهضة الريفية، بالتركيز على بناء منطقة ريفية يتمتع سكانها المزارعون بقوة التنمية والحيوية والتقدم، من أجل تسريع تحول لينيي من مدينة زراعية كبيرة إلى مدينة زراعية قوية.
((الصين اليوم)): كيف استطاعت لينيي تحقيق تلك الأهداف الكبيرة؟
تشانغ شيو لي: العامل الأول هو الإصرار على تعزيز الزراعة من خلال التصنيع، وتسريع بناء القرى القوية. استنادا إلى بناء نمط جديد من تطوير "التداول المزدوج"، تندمج الصناعة الزراعية في لينيي بنشاط في الأسواق المحلية والدولية بمنتجات زراعية عالية الجودة وسلسلة صناعية كاملة، وتتحرك بحزم نحو هدف التنمية الزراعية العالية الجودة. ومن أجل توطيد مكانة لينيي كـ"قاعدة وطنية مهمة لإنتاج الحبوب والزيوت والفواكه والخضراوات والماشية"، تعزز لينيي دعمها للمؤسسات الرائدة في التصنيع الزراعي. وحتى هذه اللحظة التي أتحدث فيها، يبلغ عدد مؤسسات تصنيع المنتجات الزراعية فوق الحجم المعين بمدينة لينيي 2085، ويحتل هذا الرقم المرتبة الأولى في مقاطعة شاندونغ، ومن بين هذه المؤسسات، سبع مؤسسات رائدة على المستوى الوطني. في عام 2020، بدأت لينيي بذل كل جهد لتكون قاعدة وطنية للمنتجات الزراعية العالية الجودة، ومقصدا سياحيا ووجهة مفضلة للنقل الصناعي للمدن الكبيرة في منطقة دلتا نهر اليانغتسي. فذاعت شهرة خضراوات تسانغشان والخوخ العسلي لمحافظة منغين وبط يينان والعديد من منتجات لينيي في منطقة دلتا نهر اليانغتسي. حاليا، تنتج لينيي زجاجة من كل 6 زجاجات لزيت الفول السوداني، وثلاث زجاجات لكل عشر زجاجات من الفاكهة المعلبة، على مستوى الصين. كما تنتج المدينة حبتين من كل ثلاث حبات خوخ وبطة من كل ثلاث من بطات المياه المالحة التي تنتج في منطقة دلتا نهر اليانغتسي. الأكثر من ذلك أن لينيي تصدر تُسع صادرات الصين من الخضراوات الطازجة والمجففة.
العامل الثاني هو الإصرار على إثراء المزارعين بالسياحة الثقافية، وتسريع بناء قرى المزارعين. حيث تتمسك لينيي بـ"تعزيز الرخاء المشترك للمزارعين" كنقطة انطلاق وهدف، ودفع التكامل العميق بين السياحة الريفية وتطوير قضية "ساننونغ" (الزراعة والأرياف والمزارعين)، حتى يتمكن المزارعون من ممارسة عمل ممتع ومربح بالقرب من بيوتهم. تحت هذا الهدف، نجحنا في إنشاء منطقة نموذجية للسياحة المتكاملة على مستوى الصين، و5 مناطق نموذجية للسياحة المتكاملة على مستوى شاندونغ. وأود أن ألفت الانتباه إلى أن لينيي بها بلدتان رئيسيتان للسياحة الريفية على مستوى الصين، و24 بلدة رئيسية للسياحة الريفية على مستوى شاندونغ. في عام 2022، استقبلنا 128ر51 مليون سائح من أنحاء الصين، وبلغت الإيرادات السياحية 74ر46 مليار يوان (الدولار الواحد يساوي 9ر6 يوانات تقريبا حاليا). إضافة إلى ذلك، نسعى بنشاط في إبداع الآليات لتوفير وظائف وفرص العمل للمزارعين. من أمثلة ذلك، مشروع "بلدة البطاطا الحلوة" بمحافظة لينشو، المقام باستثمارات من شركة تشونغنونغ هونغ كونغ، وهي شركة رائدة في صناعة البطاطا الحلوة بسلسلتها الصناعية الكاملة. أنشأ هذا المشروع سلسلة تنمية كاملة لصناعة البطاطا الحلوة، تشمل "بحث وتطوير الشتلات - الزراعة العضوية - الحفظ والتخزين- المعالجة العميقة- تشغيل العلامة التجارية". ويوفر المشروع أكثر من 20 ألف وظيفة للمحليين، ويبلغ متوسط الدخل الصافي للمزارعين لكل مو (الهكتار يساوي 15 مو) حوالي خمسة آلاف يوان سنويا. أما مزرعة موخه بمحافظة منغين، فتتبنى بشكل مبتكر نموذج "الزراعة الحديثة+ الإنتاج الصناعي+ السياحة والترفيه+ التعميم العلمي للجماهير"، لتعزيز مستوى المزرعة في التوحيد القياسي والذكاء وترويج علامتها التجارية، وبفضل ذلك تم تنشيط وزيادة قيمة الأصول الجماعية للقرية بشكل فعال.
العامل الثالث هو الإصرار على دعم المزارعين بالعناصر الرئيسية، لتسريع بناء قرى ذات حيوية. حيث تصر حكومة لينيي على اعتبار الزراعة والأرياف مجالا ذا أولوية في الموازنة العامة، لضمان النمو المطرد للاستثمار في الزراعة والأرياف، إضافة إلى زيادة تكامل الأموال في المجالات المتعلقة بالزراعة، بما في ذلك الأموال المخصصة لتنمية الإنتاج الزراعي وحماية البيئة الزراعية والبنية التحتية الريفية، وبناء مشروعات النفع العام، والتعليم والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي في الأرياف، وما إلى ذلك، لتركيز الموارد المالية لضمان الأعمال الرئيسية وتحقيق إنجازات كبيرة. كما نجتهد في الاستفادة على قدر الاستطاعة من السياسات الوطنية المتعلقة بالخدمات المالية العامة للمناطق التجريبية في النهضة الريفية، لإنشاء نظام ائتمان ريفي، وإدخال المزيد من "المياه الحية" المالية لضخها باستمرار في "التربة الخصبة" في أريافنا. إضافة إلى ذلك، تنفذ لينيي بشكل صارم مؤشر الزيادة السنوية في أراضي البناء الجديدة بحيث لا يقل عن 5%، وفي عام 2022، تم رفع تقرير للموافقة عليه بشأن زيادة أرض إضافية تبلغ مساحتها 4665 مو، لاستخدامها في صناعات ومشروعات رئيسية متعلقة بالأرياف.
العامل الرابع هو الإصرار على تعزيز الزراعة بالأكفاء، لتسريع بناء الأرياف المتقدمة. الهدف من ذلك هو جذب أبناء لينيي من رواد الأعمال والخبراء وخريجي الجامعات الذين يعملون في خارج المدينة، بتقديم سياسات دعم لهم في استخدام الأرض والتمويل، للعودة إلى مسقط رأسهم لبدء الأعمال التجارية والابتكارية. وبفضل هذه السياسة، عاد الآلاف من الأكفاء في المجالات المختلفة إلى لينيي، وساهموا في المجالات المختلفة المتعلقة بالزراعة، لمساعدة مزارعي لينيي على تحسين الإدارة العلمية للحقول، وإثراء مهاراتهم لمواكبة متطلبات العصر، بما في ذلك تصوير مقاطع الفيديو القصيرة وترويج منتجاتهم على مواقع الإنترنت أو عبر البث المباشر باستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه، نسعى لدعوة الخبراء الأجانب للقدوم إلى لينيي للعمل أو القيام بالتعاون، وفي السنوات العشر الماضية وصل عددهم إلى 2240 فردا، مما قدم مساهمات بارزة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
((الصين اليوم)): في ظل الإستراتيجية الوطنية حول النهضة الريفية، كيف ستسير لينيي في طريقها الخاص لتحقيق النهضة الريفية في المستقبل؟
تشانغ شيو لي: من تحقيق الحياة الرغيدة على نحو شامل إلى المسيرة الجديدة للنهضة الريفية، لا تزال المهمة الأكثر صعوبة في الأرياف، ولا يزال الأساس الأعمق في الزراعة ولا تزال الإمكانات الأكبر في المزارعين. مثل المناطق الأخرى، ستنفذ لينيي إستراتيجية النهضة الريفية وتسعى جاهدة لتحقيق "التحولات الثلاثة"، أي من التخفيف من حدة الفقر بالصناعات البسيطة إلى نهضة الصناعة، ومن التنمية بالدفع من الخارج إلى التنمية الذاتية المنشأ، ومن التنمية الريفية التي يقودها الحضر إلى التكامل بين المناطق الحضرية والريفية.
أشار تقرير عمل حكومة لينيي هذا العام إلى أن أول مهمة في تحسين أعمال النهضة الريفية هي التركيز على تطوير الصناعات المميزة، وذلك على أساس ضمان الأمن الغذائي وتنفيذ نظام أكثر صرامة لحماية الأراضي الصالحة للزراعة، حيث ستضيف المدينة 400 ألف مو من الأراضي الزراعية العالية المستوى، لضمان استقرار مساحة الأرض الزراعية والقدرة الإنتاجية. كما نلتزم بسياسة "لكل محافظة علامتها في الزراعة"، مثل خضراوات محافظة لانلينغ والخوخ العسلي لمحافظة منغين، وغيرها من المنتجات الزراعية المحلية، لتعزيز شهرتها على مستوى الصين، إضافة إلى تعزيز صناعة ذبح المواشي وإعداد الأطباق الجاهزة، وتحسين أعمال استضافة معرض شاندونغ (لينيي) للصناعات الغذائية ومعرض لانلينغ للخضراوات، لرفع صورة المنتجات الزراعية المحلية. كما يجري أيضا تسريع بناء المنطقة التجريبية للخدمات المالية الشاملة في النهضة الريفية، والتركيز على تحسين البيئة المعيشية الريفية لبناء "الأرياف الجميلة والملائمة للعيش والعمل، والتي يسودها الوئام". واغتناما للوضع الذهبي في المجال السياحي الوطني، ستعمل لينيي أيضا لتطوير أشكال السياحة الجديدة مثل تخييم المركبات الترفيهية والزراعة الإبداعية والأشغال اليدوية للتراث الثقافي غير المادي وما إلى ذلك، بالتوازي مع تحسين بناء مناطق ومعالم السياحة الريفية والقرى المميزة. كما ستسعى لاستكمال آلية إعداد القادة الريفيين وإنشاء محطات ريادة الأعمال للعائدين، لجذب عودة أكثر من ألف شخص من الأكفاء، وتدريب ثلاثة آلاف شخص من الأكفاء الزراعيين والثقافيين والحرفيين. وتعميق الإدارة الريفية بدفع إصلاح العادات الريفية وبناء قرى نظيفة ماديا وروحيا، وبناء منطقة تجريبية في إدارة الأرياف على مستوى المقاطعة.
في المستقبل، ستتمسك لينيي بالفرصة التاريخية لتنفيذ إستراتيجية النهر الأصفر الوطنية العظيمة، وبناء منطقة رائدة في التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون والعالية الجودة، لتعزيز النهضة الريفية على نحو شامل، وتسريع خطواتها لتكون مدينة زراعية قوية وتشكيل نموذج لينيي في النهضة الريفية والرخاء المشترك.