مجتمع < الرئيسية

تعزيز التعاون التكنولوجي في القطاع الزراعي

: مشاركة
2024-05-14 17:39:00 الصين اليوم:Source جين كه:Author

الزراعة ليست فقط وسيلة مهمة لتعزيز التبادلات الحضارية بين الصين والدول العربية، وإنما أيضا أساس راسخ لتطوير الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين في العصر الجديد. في السنوات الأخيرة، بفضل الإرشاد التوجيهي للقمة الصينية- العربية ومنتدى التعاون الصيني- العربي ومعرض الصين والدول العربية، شهدت الصين والدول العربية طفرة كبيرة في التعاون في مجال الزراعة، مما أسهم بشكل كبير في ضمان سلامة الغذاء والتنمية الزراعية المستدامة.


نبذة عن التعاون في مجال الزراعة

 مر التعاون الزراعي بين الصين والدول العربية بثلاث مراحل رئيسية. بدأت المرحلة الأولى منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية حتى نهاية القرن العشرين، فأنشأت الصين مع الدول العربية العلاقات الدبلوماسية، ووضعت الزراعة نصب عينيها كقضية تهم الشعوب، وسجلت ذلك في وثائق التعاون المتعدد الأطراف. في تلك المرحلة، كان التعاون الزراعي بين الجانبين يتم في إطار الآليات الحكومية بشكل عام. أما المرحلة الثانية، فهي العقدان الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال، فإن منتدى التعاون الصيني- العربي الذي أُنشئ في عام 2004 هو إطار تعاون حكومي متعدد الأطراف بين الجانبين. وقد أولت كل دورات الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي اهتماما بالغا للزراعة، وأكدت على أهمية التعاون التكنولوجي. في الدورة السادسة للاجتماع الوزاري للمنتدى التي أقيمت في 2014، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ تشارك الصين والدول العربية في بناء "الحزام والطريق" وبناء رابطة المصير المشترك بين الجانبين، فدخل التعاون التكنولوجي والزراعي الصيني- العربي إلى مسار التنمية السريعة والجديدة. انطلقت المرحلة الثالثة للتعاون الصيني- العربي في مجال الزراعة منذ إقامة المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في عام 2022. في القمة الصينية- العربية الأولى، ارتقت آلية التعاون الصيني- العربي على مستوى الزعماء. طرح الرئيس شي جين بينغ "الأعمال الثمانية المشتركة" لتعزيز التعاون العملي بين الجانبين، ومنها إنشاء خمسة مختبرات مشتركة للزراعة الحديثة، وإجراء خمسين مشروعا تقنيا تعاونيا نموذجيا في مجال الزراعة، وإرسال خمسمائة خبير للتقنيات الزراعية إلى الجانب العربي، مما دفع التعاون التكنولوجي والزراعي بين الجانبين إلى مستوى أعلى.


إنجازات التعاون التكنولوجي في مجال الزراعة

يعتبر الابتكار التكنولوجي محركا أساسيا لتطوير الزراعة. تركز المؤسسات التكنولوجية الزراعية الابتكارية في الصين والدول العربية، على سد المتطلبات والتحديات المشتركة في التنمية الزراعية الإقليمية. وقد جرى تعاون عميق بين الجانبين فيما يتعلق بالبذور واستصلاح الأراضي الملحية والقلوية والزراعة في الأراضي الجافة والتنمية الخضراء وتربية المواشي والطب البيطري وبناء القدرات وغير ذلك، مما يقدم دعما تكنولوجيا قويا لتعزيز التنمية العالية الجودة والمستدامة للزراعة بين الجانبين.

أولا، الابتكارات التكنولوجية تكسر القيود الناجمة عن البيئة والموارد الزراعية المحدودة في الدول العربية. تواجه دول عربية عديدة مشكلات مشتركة في تطوير الزراعة، مثل نقص المياه العذبة وتصحر الأراضي وتملحها. بفضل الدعم التكنولوجي الصيني، مثل تقنيات تطوير الزراعة الجافة والبذور والمعدات الزراعية، تم التغلب على قيود الظروف الزراعية القاسية التي تحد من قدرة الدول العربية على تطوير الزراعة. على سبيل المثال، أنشأت جامعة نينغشيا وجامعة عين شمس في مصر وجامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان، مختبر الري الموفر للمياه لإجراء بحوث تقنيات الري الذكية والموفرة للمياه والمعدات المعنية، سعيا لرفع معدل استخدام موارد المياه في الدول العربية. ساعدت شركة جينفولاي في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي موريتانيا على بناء المركز النموذجي التكنولوجي لتربية المواشي، ونجحت في زراعة البرسيم الصحراوي، مما يقدم أملا جديدا لتربية المواشي في موريتانيا. فضلا عن ذلك، نقل معهد الدراسات الزراعية الحضرية للأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية تقنية جديدة إلى قطر، مما ضمن زراعة الخضراوات العالية الجودة في الصحراء على مدار السنة، وزراعة الخضراوات الطازجة لمنتخبات كرة القدم خلال فترة كأس العالم في عام 2022. وقام المعهد الصيني لدراسات الأرز وأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية بفك الشفرة الوراثية للمحاصيل التي تتحمل الملوحة، بغية تقديم دعم أساسي لتربية محاصيل تتحمل الملوحة، وذلك في إطار مشروع الدعم الحكومي الخاص التابع لخطة البحوث والتطوير الرئيسية الوطنية الصينية. فضلا عن ذلك، نجح مركز بحوث وتطوير الأرز البحري في تشينغداو بمقاطعة شاندونغ في زراعة الأرز البحري في المناطق الصحراوية بسواحل الإمارات، وقد تجاوزت إنتاجيته 520 كيلوغراما في لكل مو (الهكتار يساوى 15 مو).

ثانيا، المشروعات الصينية تدعم التنمية السليمة والمستدامة للزراعة في الدول العربية. بالرغم من أن تربية الدواجن شائعة في الدول العربية، فإن الأوبئة الحيوانية مثل إنفلونزا الطيور تفرض تحديات شديدة. قام معهد دراسات الطب البيطري في هاربين بمقاطعة هيلونغجيانغ التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية بإنشاء مختبر الوقاية المشترك من الأمراض والأوبئة الحيوانية مع جامعة القاهرة بمصر، ونجحا في تطوير سلسلة من اللقاحات الخاصة المضادة لإنفلونزا الطيور في مصر وتم تسجيلها واستخدامها في مصر، مما حظي بتقدير عال من الحكومة المصرية والعاملين في تربية الدواجن. فضلا عن ذلك، أجرى هذا المعهد التعاون مع شركة إم سي آي لصحة الحيوان في المغرب لبحث وتطوير اللقاحات، من أجل تقديم تقنيات جديدة لتربية المواشي في الدول العربية.

من المعروف أن التنمية الخضراء المستدامة مطلب مشترك للزراعة في الصين والدول العربية. تعاون معهد الدراسات العلمية للغاز الحيوي التابع لوزارة الزراعة والمناطق الريفية الصينية مع المؤسسة المعنية في موريتانيا، لإنشاء أول بركة غاز حيوي في البلاد، مما عزز إعادة استخدام النفايات الزراعية وضمن إمداد الطاقة النظيفة للسكان في المناطق الريفية. وقام معهد دراسات الموارد الزراعية والتخطيط الزراعي التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية والهيئة القومية للاستشعار عن البعد وعلوم الفضاء في مصر، بإنشاء مختبر مشترك لتنمية الزراعة الخضراء. وكتب العلماء في هاتين المؤسستين عديدا من الأوراق البحثية بشكل مشترك، الأمر الذي يعزز تطبيق تقنيات الاستشعار عن البعد في مجال الزراعة في مصر ويدفع تحسين نمط استخدام التربة وموارد المياه وطرق الزراعة، وبالتالي رفع إنتاجية وكفاءة استخدام الموارد الزراعية.

ثالثا، بناء المنصة التكنولوجية يدفع نقل التقنيات الزراعية العابرة الحدود. أنشأت وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية المركز الصيني- العربي لنقل التكنولوجيا بمنطقة نينغشيا في عام 2015، وأطلقت خطة الشراكة التكنولوجية بين الصين والدول العربية، واتخذها موضوعا مهما لتطوير الزراعة الحديثة. بعد ذلك، تم إنشاء المراكز الفرعية لنقل التكنولوجيا في موريتانيا والأردن والمغرب، بغية نقل التقنيات الزراعية الصينية إلى الدول العربية. بعد سنوات من الأعمال الجادة، نجح خبراء من منطقة نينغشيا في نقل ست عشرة تقنية في سبعة مجالات إلى الدول الأجنبية، من ضمنها تقنية تربية بذور البطاطس وزراعتها، تقنية رصد البيانات بالاستشعار عن البعد عبر الأقمار الاصطناعية، ونظام الدفع الالكتروني العابر للحدود من خلال منصة التعاون التكنولوجي بين الصين والدول العربية، والأنشطة التدريبية لنقل التكنولوجيا.

في المركز الفرعي بموريتانيا، أجرى خبراء من نينغشيا اختبارات نقل أجنة الأبقار وإدخال الأعلاف العالية الجودة والفواكه الاستوائية وزراعتها، فضلا عن إرسال العديد من الخبراء الصينيين من منطقة نينغشيا إلى موريتانيا لإرشاد الأعمال. وفي المركز الفرعي في الأردن، قام خبراء من نينغشيا بنقل بذور الخضراوات إلى الأردن وتعميها في البلاد. بهذه الطريقة، تم نقل بذور الخضراوات من منطقة نينغشيا إلى اثنتي عشرة دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا.

رابعا، رفع مستوى الدول العربية في البحث والتطوير وتنفيذ التقنيات الزراعية. تعتبر الموارد البشرية عنصرا أساسيا لتطوير التكنولوجيا. يولي الجانب الصيني اهتماما كبيرا لرفع قدرة الفنيين والعلماء العرب. وقد نظمت الصين دورات تدريبية لنحو عشرة آلاف مسؤول زراعي وفني من الدول العربية حتى نهاية عام 2022. أقام المركز الصيني- العربي لنقل التكنولوجيا أكثر من عشرين دورة تدريبية لأكثر من ثمانمائة فني عربي ذي تأثير كبير في الأعمال المعنية. فضلا عن إقامة عشرات الدورات التدريبية بشأن نقل التكنولوجيا وإعداد مجموعة من الخبراء العرب في نقل التكنولوجيا. مثلا، أعدت الأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية تسعة وستين طالبا عربيا بحلول ديسمبر عام 2023 و90% منهم طلاب دكتوراه وهم يدرسون في 22 مجالا، مثل تربية المحاصيل والخضراوات والطب البيطري الوقائي والغذاء الحيواني وتصنيع المنتجات الزراعية. بالإضافة إلى ذلك، حسب البرنامج الدولي لإعداد الشباب البارزين الذي أطلقته وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية‏، درس 17 عالما عربيا شابا في هذه الأكاديمية. وهناك عدد كبير من الدورات التدريبية، فيشارك أكثر من مائتي متدرب عربي في الأكاديمية كل سنة، مما يرفع قدرة الدول العربية على البحث والتطوير العلمي والتنمية المستقلة.


تطلعات التعاون التكنولوجي بين الصين والدول العربية في مجال الزراعة

أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في القمة الصينية- العربية الأولى على أن "على الجانبين الصيني والعربي، باعتبارهما شريكين إستراتيجيين، توارث وتطوير روح الصداقة الصينية- العربية، وتعزيز التضامن والتعاون، وبناء رابطة مصير مشترك أوثق بينهما، بما يعود بمزيد من الفوائد على الشعب من الجانبين ويساهم في قضية تقدم البشرية"، داعيا إلى تنفيذ "الأعمال الثمانية المشتركة"، الأمر الذي يرشد إلى اتجاه جديد لتعزيز التعاون بين الصين والدول العربية في العصر الجديد. تحت إرشاد دبلوماسية الزعماء، سوف تركز الصين والدول العربية على هذه الأعمال الثمانية وتجري التعاون التكنولوجي الابتكاري العالي المستوى، لتعزيز التعاون الزراعي الكامل بين الصين والدول العربية، سعيا لبناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد.

أولا، تعزيز الدعم التكنولوجي لضمان الأمن الغذائي. الصين لديها مساحة شاسعة من الأراضي وظروف إيكولوجية متنوعة. يمكن للدول العربية التي تعاني من الجفاف ونقص المياه والتصحر وتملح وقلوية الأراضي والآفات والأمراض في الزراعة أن تلجأ إلى الصين. لذلك، ينبغي للجانبين تعزيز البحث والتطوير العلمي ونقل التقنيات في مجالات البذور والزراعة الجافة ومكافحة التصحر والأمن البيولوجي والمعدات الزراعية، من أجل زيادة جودة المحاصيل وتقليل الفاقد في كافة عمليات الإنتاج وضمان إمدادات الحبوب والأمن الغذائي في العالم كله.

ثانيا، التعاون لدفع قضية مكافحة الفقر العالمية. أكدت مبادرة التنمية العالمية التي طرحها الرئيس شي جين بينغ على أن مكافحة الفقر تحتل المقام الأول بين مجالات التعاون الرئيسية. وسلط الرئيس شي الضوء على ضرورة التعاون بين الجانبين الصيني والعربي لتحقيق التنمية المستدامة والتخلص من الفقر. حققت الصين انتصارا كاملا في معركتها ضد الفقر وتخلصت من الفقر المدقع، مما يقدم نموذجا صينيا في الحوكمة العالمية للفقر. في هذا السياق، ينبغي للجانبين الصيني والعربي تعزيز تبادل الخبرات والتقنيات في التخلص من الفقر، بغية إبراز الدور المهم للتكنولوجيا الزراعية في زيادة مكاسب الفلاحين.

وهناك عديد من إطارات التعاون، مثل برنامج التعاون التكنولوجي الخاص للتخلص من الفقر للدول الواقعة على "الحزام والطريق". يمكن للصين والدول العربية العمل في هذه الإطارات على تعزيز دفع الارتقاء بزراعة الفواكه الاستوائية والقطن والخضراوات، وتكثيف التعاون في تصنيع المنتجات الزراعية من أجل زيادة القيمة المضافة الصناعية، وبالتالي زيادة دخول الفلاحين عبر نقل التكنولوجيا.

ثالثا، التعاون لدفع التحول الأخضر للزراعة. تعتبر الموارد والبيئة عوامل رئيسية للزراعة. تهتم كل من الصين والدول العربية برفع فعالية استخدام الموارد الزراعية وتقليل انبعاثات الكربون في عملية الإنتاج الزراعي، وهما متطلبان رئيسيان لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 للأمم المتحدة أيضا. لذا، من الضروري أن يعزز الجانبان الصيني والعربي التعاون فيما يتعلق بالزراعة الدائرية الخضراء والزراعة الذكية المناخية والزراعة الدقيقة، لدفع عجلة التحول الأخضر للنظام الغذائي وتعزيز مرونة الإنتاج الزراعي وحماية البيئة الإيكولوجية وتحسين التنمية المستدامة والعالية المستوى للزراعة.

رابعا، خدمة التجارة بين الجانبين وتحقيق المنافع المشتركة. يحظى عدد متزايد من المنتجات الزراعية العربية، مثل البرتقال والعنب من مصر والتمر من السعودية والإمارات وزيت الزيتون من تونس والسمسم من السودان، بإقبال كبير بين المستهلكين الصينيين. وفي المقابل، دخلت منتجات الشاي والأرز والعسل الصيني إلى الدول العربية وتحظى بإعجاب كبير من المحليين. هكذا، يتعين على الجانبين تعزيز التواصل بشأن تحديد معايير الإنتاج وعملية دخول الأسواق المحلية للمنتجات الزراعية الرئيسية، وإجراء التعاون في مجالات البذور وتقنيات التصنيع لكي ترفع إنتاجية المحاصيل الزراعية وجودتها والقيمة المضافة لها. هذا سيدفع خطى تقدم تجارة المنتجات الزراعية بين الصين والدول العربية ويحقق التكامل بين الجانبين والمكاسب المتبادلة والتنمية المشتركة لهما، ويقدم مساهمات إيجابية لبناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد.

--

جين كه، رئيس هيئة التعاون الدولي بالأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية.

 

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4