في عام 1962، نشر الخبير الإداري الأمريكي بيتر دراكر مقالة في مجلة ((فورتشن)) حول لوجستيات الأعمال، وصف فيها جميع الأنشطة اللازمة لطرح منتج ما في السوق بأنها "القارة المعتمة للاقتصاد". ومن نافلة القول إن الحلقات الأربع الرئيسية التي تشكل العملية الاقتصادية، هي: الإنتاج والتوزيع والتداول والاستهلاك. في ذلك الوقت، أي عام 1962، لم يولي كثير من الناس أهمية لـ"التداول"، الذي يتمحور حول الخدمات اللوجستية.

بعد عقود من التطوير، بادرت الدول المتقدمة إلى دخول عصر الخدمات اللوجستية الحديثة في عملية إصلاح التصنيع. ومع مواصلة الصين تعميق الإصلاح والانفتاح، دخلت صناعة الخدمات اللوجستية في الصين أيضا مرحلة جديدة من التطور. وفقا للبيانات الصادرة مؤخرا عن مصلحة البريد بالصين، تم توصيل 07ر132 مليار طرد في الصين في عام 2023، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 4ر19%.

ماذا يعني توصيل 07ر132 مليار طرد؟

وجبات خفيفة وفواكه مجففة وكعك وحلويات ومنتجات مائية. تمكن الصينيون من شراء احتياجات عيد الربيع المتنوعة من خلال هواتفهم النقالة قبيل حلول عيد الربيع 2024، وأصبح شعار "مفتوح أيضا خلال عيد الربيع" تقليدا ثابتا لشركات التوصيل السريع مثل شونفنغ (SF Express) وتشونغتونغ (ZTO Express) ويوندا. وفقا للإحصاءات، سلم قطاع التوصيل السريع الصيني أكثر من 641 مليون طرد خلال عطلة عيد الربيع التي امتدت من العاشر إلى السابع عشر من فبراير   2024، وزاد متوسط ​​حجم التسليم اليومي بنسبة 1ر82% مقارنة بالمستوى المسجل خلال عطلة عيد الربيع 2023.

قال يانغ دا تشينغ، نائب مدير مكتب الاتحاد الصيني للوجستيات والمشتريات: "بلغ حجم أعمال التوصيل السريع في الصين 187ر9 مليارات طرد في عام 2013، وارتفع إلى 07ر132 مليار طرد في عام 2023، بزيادة 14 ضعفا خلال عشر سنوات، واحتل المرتبة الأولى في العالم لمدة عشر سنوات متتالية." لقد دخل التوصيل السريع في بيوت لا تحصى، وأصبح أسلوب الحياة اليومي وعادة الاستهلاك للصينيين.

ماذا يعني 07ر132 مليار طرد؟ إن هذا الرقم يمثل أكثر من 60% من إجمالي حجم التوصيل السريع في العالم، وقد حقق حجم أعمال التوصيل السريع في الصين قفزة هائلة من "متوسط ​​سنوي قدره 10 مليارات" إلى "متوسط ​​شهري قدره 10 مليارات". وإذا كان متوسط طول الطرد 30 سنتيمترا، فإن المائة وثلاثين مليار طرد إذا اتصلت من طرف إلى طرف آخر، فإنها يمكن أن تدور حول خط الاستواء حوالي ألف دائرة.

يكمن وراء حجم أعمال التوصيل السريع الضخم الدعم القوي للسوق الصينية الضخمة. قال يانغ دا تشينغ: "الصين لديها طلب كبير على التوصيل السريع للضروريات اليومية لأكبر عدد سكان في العالم وطلب على التوصيل السريع لمواد الإنتاج كأكبر سوق تصنيع في العالم." وفي الوقت نفسه، تستفيد من هذا أيضا شركات التوصيل السريع الحديثة، فبعد سنوات من التطوير، صارت شونفنغ تصنف كرابع أكبر شركة توصيل سريع في العالم، وقد احتلت شركة تساينياو الصينية المرتبة الأولى في العالم من حيث التوصيل السريع عبر الحدود.

في عملية لحاق صناعة التوصيل السريع الصيني بالدول المتقدمة، تعد التجارة الإلكترونية محركا رئيسيا للطلب. في وقت مبكر من مهرجان التسوق "11/11" في عام 2012، غلفت منصات التجارة الإلكترونية أكثر من 78 مليون طرد يوميا. ونظرا لعدم كفاية قدرة النقل، ركد عدد كبير من الطرود في محطات التوصيل السريع، مما أثار استياء المستهلكين. ومنذ ذلك الحين، أصدرت الصين سلسلة من السياسات الداعمة على التوالي، وبفضل تطور التجارة الإلكترونية، بدأت صناعة الخدمات اللوجستية في اللحاق بالركب.

أوضح يانغ دا تشينغ أن شركات منصات التوصيل السريع الرائدة مثل شونفنغ وشنتونغ (STO Express) تأسست في عام 1993، وشهدت تطورا سريعا بعد انفتاح سوق الخدمات اللوجستية الصينية بالكامل على العالم الخارجي في عام 2005، واستقبلت طفرة من التطور السريع بفضل حصول خدمة التوصيل السريع الخاصة رسميا على وضع قانوني وقوة دافعة من مهرجان التسوق "11/11" في عام 2009.

قال رئيس جمعية التوصيل السريع الصينية، قاو هونغ فنغ، في الدورة الخامسة من مؤتمر الصين الدولي للتوصيل السريع (هانغتشو) في 22 نوفمبر 2023: "في الوقت الحاضر، دخلت صناعة التوصيل السريع في الصين عصر مئات المليارات من الطرود، وتنقل شركات التوصيل السريع الكبرى عشرات الملايين من طرود التوصيل السريع يوميا. لقد أصبحت الصين دولة كبيرة للتوصيل السريع."

أكثر ملاءمة وأكثر ذكاء وأكثر خضرة

عندما تضاء الأنوار في كل منزل، تكون شركتا التوصيل السريع، محطة التوزيع في بمنطقة شمالي الصين التابعة لـشركة شونفنغ ومركز النقل ببكين التابع لشركة يوانتونغ (YTO Express)، مشغولتين للغاية، حيث يعمل الحزام الناقل لنظام الفرز التلقائي بسرعة عالية، ويُنقل كل طرد بسرعة على الحزام الناقل ويُسلم تلقائيا إلى موقعه.

يدفع التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والتطبيقات التكنولوجية الأخرى ارتفاع جودة وتحسين كفاءة الخدمات اللوجستية في الصين، ويخلق مساحة تطوير جديدة لشركات التوصيل السريع. وكما جاء في ((تقرير تطور التوصيل السريع العالمي (2023)))، فإن الرقمنة والذكاء الاصطناعي يساعدان صناعة التوصيل السريع على الفرز بشكل أكثر دقة وكفاءة، ويساعد شركات التوصيل السريع على اغتنام فرص التنمية الجديدة أثناء مشاركتها بعمق في المنبع والمصب من السلسلة الصناعية.

قل يانغ دا تشينغ: "تعد الرقمنة والذكاء اتجاها رئيسيا لشركات التوصيل السريع. وسوف تتطور شركات التوصيل السريع في النهاية إلى شركات لوجستيات ذكية وتقدم خدمات سلسلة التوريد. وفي هذه العملية، تركز استثمارات التحول الحالية بشكل أساسي على قدرات المنصات وقنوات الشبكة وقدرات التخزين والتوزيع وغيرها." قد أصبح التوصيل خلال نصف يوم وفي نفس اليوم وفي اليوم التالي سرعات توصيل عادية.

وأضاف أن شركات التوصيل السريع تتجه بشكل عام نحو المنصات، بما في ذلك شونفنغ  وتساينياو وجينغدونغ (JD.com)، والتي تستخدم البيانات الكبرى والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات لبناء "أدمغة لوجستية ذكية" لتعزيز المطابقة الذكية بين العرض والطلب. وقنوات الشبكة هي شريان الحياة لشركات التوصيل السريع، ولا يزال بناء موارد شبكة تجمع بين الشبكات المادية والشبكات الرقمية نقطة الاستثمار المهمة لشركات التوصيل السريع الصينية. وتعد قدرات التخزين والتوزيع هي المفتاح لتحسين تجربة الخدمة لشركات التوصيل السريع ومجال الاستثمار المهم.

بالإضافة إلى ذلك، يعد توفير الموارد وحماية البيئة أيضا من بين المهام الرئيسية التي تدفعها صناعة التوصيل السريع.

في الخامس عشر من ديسمبر 2023، وبموافقة مجلس الدولة الصيني، أصدرت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح ومصلحة البريد ووزارة التجارة وإدارة الدولة لتنظيم السوق والنيابة العامة الشعبية العليا بشكل مشترك ((خطة عمل لتعميق التحول الأخضر لأغلفة التوصيل السريع)). تنص الخطة بوضوح على أنه بحلول نهاية عام 2025، سيتم إنشاء نظام قياسي لأغلفة التوصيل السريع الخضراء بالكامل، ويتم تنفيذ الحظر الكامل المفروض على استخدام أغلفة التوصيل السريع السامة والضارة، ويتم تشغيل نظام الإدارة الموحد لقطاع التوصيل السريع بشكل فعال، ويتم تحقيق التحول الأخضر لأغلفة التوصيل السريع بشكل أساسي.

من أجل إعادة تدوير الأغلفة، أطلقت عديد من شركات التوصيل السريع إجراءات "خضراء". قامت مصلحة البريد بتركيب أجهزة إعادة تدوير نفايات التغليف في العديد من المنافذ؛ وتعاونت تشونغتونغ مع طرف ثالث لإنتاج أكياس تغليف خضراء قابلة للتحلل؛ وبدلت جينغدونغ صناديق الرغوة (الفووم) التي تستعمل لمرة واحدة بصناديق مطوية معزولة قابلة لإعادة التدوير في جميع أنحاء البلاد.

قال يانغ دا تشينغ: "على الرغم من أن التوصيل السريع في الصين أكثر ملاءمة وأكثر ذكاء وأكثر خضرة، فإن المنافسة اللامركزية في سوق التوصيل السريع، تجعل هامش ربح شركات التوصيل السريع الرائدة أضعف من الشركات في الدول المتقدمة. ولم يتم بعد تخطيط شبكة دولية كاملة، لذلك يجب العمل على تحسين القدرة التنافسية الشاملة."

تسريع توسيع القنوات اللوجستية الدولية

في الوقت الحاضر، حققت الصين وصول البريد المباشر إلى كل القرى، وبنت نظاما لوجستيا حديثا يتكون من "قنوات+ محاور+ شبكة"، ويضم أكثر من 230 ألف منفذ ويخدم أكثر من 700 مليون شخص/ مرة يوميا في المتوسط. ووفقا لـ((تقرير مؤشرات الأداء اللوجستي العالمي 2023)) الصادر عن البنك الدولي، فإن تصنيف البنية التحتية في الصين يفوق الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

جعل تحسين البنية التحتية شبكة الخدمات اللوجستية للتوصيل السريع ممتدة من المدن إلى القرى، ومن الصين إلى العالم.

خلال مهرجان التسوق "11/11" لعام 2023، في منطقة الخدمات اللوجستية لشركة تساينياو بمدينة دونغقوان في مقاطعة قوانغدونغ، شاهد الملايين من الأشخاص أول بث مباشر في العالم للخدمات اللوجستية عبر الحدود، وشهدوا العملية الآلية الكاملة للطرود عبر الحدود من التعبئة والفرز والخروج من المخزن إلى النقل والتجميع والصعود على متن طائرة الشحن الدولي المستأجرة. لذلك نجحت تساينياو في تحقيق أسرع "توصيل عالمي خلال 5 أيام" في التاريخ.

مع البناء المشترك لـ"الحزام والطريق" والتكامل المتعمق للصناعات الصينية في سلسلة الصناعة وسلسلة التوريد العالميتين، ستفتح شركات التوصيل السريع الصينية مساحة جديدة. عن المستقبل، يعتقد يانغ دا تشينغ أن سوق التوصيل السريع الصينية لا تزال تتمتع بإمكانات نمو، وستؤدي التجارة الإلكترونية عبر الحدود إلى دفع ازدهار التوصيل السريع الدولي.

على هذه الخلفية، ومن أجل إفساح المجال كاملا لمزايا موقعها والسياسات، تعمل شينجيانغ بقوة على تطوير التجارة الإلكترونية عبر الحدود وغيرها من أشكال الأعمال الجديدة، وتسعى جاهدة لبناء منطقة صناعية للتجارة الإلكترونية عبر الحدود. في عام 2023، أطلقت مدينة ألاشانكو مركز الفرز والتخليص الجمركي للتجارة الإلكترونية عبر الحدود بمساحة 28 ألف متر مربع، وطورت بشكل مستقل "منصة الخدمات الشاملة للتجارة الإلكترونية عبر الحدود" و"منصة خدمة المعلومات لمحور اللوجستيات الدولي"، وتعاونت مع فرع أورومتشي لمركز البيانات الجمركية وميناء شينجيانغ الإلكتروني لدفع بناء نظام تبادل المعلومات ونظام الخدمات المالية ونظام الخدمات اللوجستية الذكية ونظام ائتمان التجارة الإلكترونية ونظام المراقبة الإحصائية ونظام منع المخاطر والسيطرة عليها.

من أجل تطوير نموذج "الإنترنت+ التجارة الخارجية" والاستفادة بشكل فعال من دور ألاشانكو كأقصر خط نقل بالسكك الحديدية يربط بين آسيا الوسطى وأوروبا، أنشأت ألاشانكو نموذج "النقل الجوي البطيء"، فيمكن تسليم سلع التصدير إلى أوروبا في غضون 12 إلى 18 يوما، الأمر الذي جذب علي بابا وأمازون وإيباي (eBay) وويش (Wish) وغيرها من شركات منصات التجارة الإلكترونية المشهورة عالميا، وقد خدمت هذه المنصات 507 آلاف شركة تجارة إلكترونية.

وفقا لبيانات وزارة التجارة، بلغ حجم واردات وصادرات التجارة الإلكترونية عبر الحدود الصينية 38ر2 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا) في عام 2023، بزيادة سنوية بلغت نسبتها 6ر15%. ومن بينها، بلغ حجم الصادرات 83ر1 تريليون يوان، بزيادة بلغت نسبتها 6ر19% على أساس سنوي. ويمكن القول إنه في ظل التنمية المزدهرة للتجارة الخارجية الصينية، سوف يتسارع توسع القنوات اللوجستية الدولية.