وفقا لتقاليد الصينيين، تصنف المهن إلى 360 وظيفة، لكن، عدد المهن يزداد في العصر الحديث. في ((سجلات تصنيف المهن لجمهورية الصين الشعبية (2022))) (السجلات اختصارا فيما يلي)، أقرت الحكومة الصينية 158 مهنة جديدة، بما فيها مصمم ألعاب الطاولة وموجه الطائرات المسيرة، ويقبل الشباب الصينيون على هذه المهن الجديدة يوما بعد يوم. وحسب إحصاء وزارة التعليم الصينية، من المتوقع أن يصل عدد الخريجين الجامعيين الصينيين إلى 79ر11 مليونا في عام 2024، سيكون أمامهم مزيد من الاختيارات الجديدة في التوظيف.
مهن جديدة بالمصادفة
تعمل سونغ شياو لي مرافقة طبية، حيث تساعد المرضى في التسجيل والحصول على الأدوية وترافقهم. درست سونغ شياو لي الطب في الجامعة، وفشلت في امتحان القبول للدراسات العليا في عام 2022. ذات يوم، مرض أحد أفراد أسرتها فصارت هي وأمها مشغولتين بين المستشفى والبيت. سونغ شياو لي، وهي من مدينة تيانجين، على دراية بإجراءات طلب العلاج الطبي بفضل دراستها للعلوم الطبية في الجامعة، لكنها لاحظت أن بعض الأشخاص لا يعرفون هذه الإجراءات مثلها، فلاحت أمامها فرصة سانحة في هذا المجال، إذ يمكنها مساعدة المرضى ومرافقتهم لتيسير عملية طلب العلاج الطبي وتقليص الوقت الذي يستغرقونه في هذه العملية، اعتمادا على قدرتها وخبرتها الطبية. وعن سبب ريادتها لهذا العمل، قالت إنه إذا كانت ريادة الأعمال هي هدف العمل في النهاية، فلماذا لا أقوم به منذ البداية؟
سونغ شياو لي مختلفة عن معظم الشباب الآخرين إلى حد ما، حيث يفضل بعض الشباب اختيار المهن التقليدية، لكنهم لا يتكيفون معها، فلا يجدون بدا من اختيار مهن جديدة.
بينما كانت ليو ساي ما زالت طالبة في الجامعة، عرفت مهنة "المرتب المنزلي" ويقصد بها المتخصص في تزويد العملاء بالترتيب المنزلي وحلول وخدمات التخزين. فشلت ليو ساي مرتين في امتحان القبول للدراسات العليا وعملت في شركتين بعد تخرجها في الجامعة، ثم فقدت وظيفتها، وفقدت معها الثقة في نفسها وشعرت بحيرة شديدة. في عام 2023، عملت الفتاة القادمة من ووهان في شركة ترتيب منزلي كمشغلة منصة للتجارة الإلكترونية. وبعد فترة قصيرة، أعجبتها كثيرا وظيفة المرتب المنزلي، فطلبت تغيير عملها، وتكيفت بسرعة مع هذه الوظيفة.
تصنف مهنة "المرتب المنزلي" ضمن مهنة "مقدم خدمات شؤون الأسرة" في ((السجلات))، وتعتبر إحدى المهن الجديدة منذ عام 2022. يظهر ((الكتاب الأبيض لصناعة الترتيب المنزلي للصين لعامي 2023 و2024)) الذي أصدرته شركة ليوتسونداو، وهي إحدى شركات الترتيب المنزلي والتخزين في الصين، أن أكثر من 73 ألف شخص أعربوا عن رغبتهم في تلقى التدريب المتخصص لمهنة الترتيب المنزلي في الصين.
قالت ليو ساي إن مهنة الترتيب المنزلي تصنف إلى المستوين الابتدائي والمتقدم، على الرغم من أنه لم تصدر معايير محددة للمهنة حتى الآن. عمل المرتب الابتدائي سهل، إذ يقوم بترتيب وتخزين الأشياء غير المنظمة، أما عمل المرتب المنزلي العالي المستوى فيتضمن تغيير ديكورات المنزل حسب طلب العملاء، كما أن بعض شركات الترتيب المنزلي يقدم خدمات زخرفة البيت. والآن وصلت ليو ساي إلى المستوى المتقدم.
السيدة يي، وهي من سكان شانغهاي، عرفت ألعاب الطاولة منذ وقت مبكر، وقررت العمل في تصميمها بسبب عدم رضاها عن قواعد لعبة طاولة أجنبية، إذ تعتقد أن قواعدها غير معقولة وغير مقبولة. وقالت عن محاولتها الأولى لتصميم ألعاب الطاولة: "إنها لعبة طاولة تتعلق بطبخ الأطعمة المصنوعة من طحين القمح. يمكن طبخ المعكرونة اللذيذة في هذه اللعبة عن طريق زيادة التوابل ومواد الطعام فقط، الأمر الذي لم يكن مرضيا لي. إذا كان بوسعي إعداد أنواع متعددة من المعكرونة، فلماذا لا أقوم بتعديل إرشادات ألعاب الطاولة؟"
ترغب السيدة يي في ممارسة ألعاب الطاولة مع أصدقائها على رغم من نجاحها في تصميم لعبة طاولة بنفسها، فهي لا تعتبرها وسيلة لكسب المال، وقد ظل هذا رأيها حتى استقالتها من وظيفتها في عام 2022. والآن تدير أول متجر لتصميم ألعاب الطاولة مع زوجها في شانغهاي.
تصنف ((السجلات))، مهنة مصمم ألعاب الطاولة ضمن "الأكفاء المتخصصين في التصميم"، وهي إحدى المهن الجديدة. قالت السيدة يي إنها لم تكن لديها خبرة في تصميم ألعاب الطاولة ولم تدرس الفنون الجميلة بشكل نظامي قبل ذلك. وأضافت: "نقص الخبرة ليس مشكلة بالنسبة لي، لكن ريادة الأعمال تجربة جديدة مختلفة، وأتوقع أن أواجه صعوبات مختلفة."
فرص وتحديات
المهن الجديدة ليست مثالية، فالدخل غير المستقر وعدم معرفة الآخرين بها من بين جملة التحديات التي لا بد من مواجهتها. بيد أن الحياة الحرة ومحتوى العمل ذا المغزى الإيجابي وتدبير الوقت حسب الحاجة، عناصر تجعل العاملين في المهن جديدة يدركون قيمة عملهم.
قالت السيدة يي إن وتيرة عمل مصمم ألعاب الطاولة جيدة، لكن الدخل ليس مستقرا، إذ يُحدد الأجر قبل بدء العمل ولا يتم دفعه إلا بعد إكمال المشروع، وهي تخشى ألا تحصل على الأجر، بينما تستأجر شقة بسعر مرتفع في شانغهاي، الأمر الذي يشكل تحديا بالنسبة لها. وأشارت ليو ساي أن تكلفة الترتيب المنزلي تتوقف على الوقت، فلا يسعها سوى تقليل وقت الاستراحة في أيام العمل، وعادة ما تقوم بأعمال الترتيب المنزلي لمدة 12 ساعة متواصلة في اليوم الواحد.
قالت ليو ساي: "يخبرني العملاء بشفرة دخول بيوتهم بعد أن أنال ثقتهم، أو يخبرونني بطلباتهم في الصباح، ثم يتركونني في البيت وأقوم بالترتيب بنفسي. ليست لدينا عطلة ثابتة، ونعمل في عطلة نهاية الأسبوع أيضا. وهذا طبيعي بالنسبة للمرتب المنزلي."
في صناعة الخدمات، ترتبط شدة العمل بمطالب العملاء. واختلافا عن صناعة الخدمات التقليدية، تهتم المهن الجديدة بالمتطلبات الخاصة للعملاء، ويجب تقديم الخدمات الخاصة حسب المتطلبات المختلفة للعملاء، مما يتطلب من العاملين قدرات ومهارات عالية، الأمر الذي يعود عليهم بالمزيد من الدخل والشعور بالنجاح.
قالت ليو ساي إنها تقوم بزيارات إلى العملاء بعد تقديم الخدمات لكي تعرف مستوى رضا العملاء وتقييمهم لعملها، بجانب معرفة ما إذا كان العملاء قد اكتسبوا عادات الترتيب. وأضافت: "لدي عملية تطلب خدماتي مع تغير الفصول. وقد لاحظت أنها تضع الملابس المختلفة في أماكن مختلفة في خزانتها وبشكل منظم حسب ما قسمتها لها في أثناء تقديم الخدمة السابقة. وهذا يعني أنها اكتسبت عادة الترتيب تدريجيا، مما يساعد في تحسين جودة حياتها."
في الماضي، لم يكن الناس يتقبلون المهن الجديدة بسبب عدم معرفتهم بها. أشارت ليو ساي إلى أن والديها يريان أن العمل المستقر أفضل، رغم أنهما يدعمانها في العمل في مجال الترتيب المنزلي. وقالت سونغ شياو لي إنها تواجه نفس الحالة، فقد صاحبها والداها إلى المستشفى على مدى أسبوع، ولم يتوقفا عن مرافقتها إلا بعد أن عرفا أن هذا العمل هو "عمل عادي".
الأمر الذي يرضي السيدة يي كمصممة ألعاب الطاولة هو "عدم وضع حد لنفسها". قالت: "لا داعي أن أجبر نفسي على إكمال العمل قبل موعد محدد، أستطيع أن أستمر فيه حتى تأتيني فكرة جديدة." وقالت أيضا إنها عملت في مجال الدعاية للعلامات التجارية، وسواء كان العمل كبيرا أو صغيرا، لا أحد يتذكرها بعد وقت قصير حتى ولو قامت بعمل جيد، ولم تستفد من ذلك العمل كثيرا. وأضافت: "يمكنني كتابة حوالي ستمائة كلمة حول حياتي والعمل على حسابي بتطبيق ويتشات، حتى ولو لم يقرأها أحد، فهذا إنجاز بالنسبة لي. لكن إذا كتبت ستمائة كلمة في الحساب العام لشركة ما ولم يقرأها أحد، سيكون تقييم الشركة هو أنني لم أحقق مؤشرات الأداء الرئيسية، وهذا يعني خفض راتبي." تعتقد السيدة يي أن أحد أهم الأسباب التي تشجعها على العمل كمصممة ألعاب الطاولة هو العمل لنفسها.
توجهات العمل الجديدة للشباب
في اختيار العمل، أضحى المزيد من الشباب يهتمون بالتوافق الذاتي وخلق القيمة بجانب كسب الرزق. أظهر مسح لمركز التحقيقات الاجتماعية بصحيفة ((شباب الصين اليومية)) أن 6ر52% من الخريجين عند اختيارهم العمل يهتمون بمحتواه، ويؤثر مدي تفضيلهم للعمل على اختياراتهم كثيرا. يرى 9ر66% من الذين شملهم المسح أن الخريجين الجدد يهتمون بتحقيق قيمتهم عند اختيار العمل.
قالت سونغ شياو لي إنها قدمت قبل وقت ليس ببعيد خدمات وكالة لسيدة عجوز جاءت من منغوليا الداخلية وخضعت لعملية جراحية كبيرة. تساعد خدمة الوكالة المريض على تقديم تقرير الفحص الطبي إلى الطبيب وتحديث حالة المريض لدى الطبيب عندما لا يستطيع المريض الذهاب إلى المستشفى. المريض الذي يختار خدمات المرافق الطبي يكون قد زار الطبيب من قبل، وعرف الطبيب حالته، ومن ثم فلا حاجة أن يذهب المريض إلى المستشفى كل مرة. وبذلك، بات دور المرافق الطبي مقبولا لدى المرضى والأطباء تدريجيا. بدأت سونغ شياو لي تقدم خدمات الوكالة لهذه العجوز منذ إبريل عام 2023 وظلت معها حتى شفائها تماما. عندما سمعت أن الطبيب قال إنه أنقذ حياة هذه العجوز، شعرت سونغ شياو لي بعمق أنها لعبت دورا مهما في هذه العملية.
تقدم المهن الجديدة خيارات متعددة للخريجين في السنوات الماضية. فتحت ليو ساي مكتبا خاصا للترتيب المنزلي في مارس عام 2024 بعد أن أصبحت مرتبة منزلية بدوام كامل. السبب في ريادتها للأعمال هو أن الشركة التي كانت تعمل فيها لم توفر لها فرصا أفضل للتطور من ناحية، ومن ناحية أخرى، تستطيع الحصول على الطلبات وتصميم خطط الترتيب وتنفيذها بنفسها. قالت ليو ساي إن تجارب أعمالها في الماضي ساعدتها على إتقان قدرات مختلفة، مثل إدارة التجارة الإلكترونية وتنسيق العلاقات التعاونية والتسويق، كما أنها تعلمت معارف بث الأخبار عندما كانت تستعد لامتحان القبول في الدراسات العليا، وأصبحت تلك المعارف "الوقود" لها في مسيرة ريادة الأعمال، كما تساعدها هذه المعارف في إدارة حسابات عامة على منصات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، مما ساهم في الدعاية لمكتبها على منصات التواصل الاجتماعي. هي ترى أن كل التجارب التي قد يبدو أنها لا تتعلق بعملها الحالي مفيدة.
تعتقد السيدة يي أن العمل الحقيقي هو العمل برضا وطواعية. قالت إنها عندما تركت وظيفتها، فكرت في صعوبات العمل في تصميم ألعاب الطاولة بدوام كامل في البداية، لكنها أرادت ممارسة هذه المهنة. وعلى الرغم من أن مشاهدة الأفلام ومقاطع الفيديو القصيرة تجلب راحة لها، تشعر بالقلق أيضا، لأنها تريد خلق قيمة لذاتها بدلا من الحصول على راحة قصيرة فقط. تعتقد السيدة يي أنها سوف تضع أهدافا واضحة وتخلق قيمة تسعدها، بجانب تخلصها من مؤشرات الأداء الرئيسية.
قالت السيدة يي: "أريد القيام بالابتكار في عملي أيضا، وسوف أتعلم وأتقدم، وسوف أطور منتجات جديدة. بالنسبة لي، منتجات ألعاب الطاولة هي شهادة مؤقتة على تقدمي في عملية معينة فقط. ليس لدي أفضل منتج، ولكن سأواصل تطوير المنتجات، وسيكون المنتج القادم أفضل من المنتج الحالي."
--
شيويه شيانغ، أستاذ بكلية الثقافة والنشر في جامعة الدراسات الدولية ببكين، وباحث في مركز أبحاث النشر الثقافية والرقمية.
وانغ هاو كون، باحث مساعد بكلية الثقافة والنشر في جامعة الدراسات الدولية ببكين.