بعد عزف المقطوعة الأخيرة، رفع ليو هاو يديه ببطء، انفجر الجمهور تصفيقا وهتافا. في الدرس الرئيسي الذي قدم له لانغ لانغ بمركز تايهو للفنون المسرحية في بكين، في العاشر من يوليو 2024، استحوذ عازف البيانو الشاب الكفيف ليو هاو على قلوب الجماهير بأدائه المثالي لمقتطف من مقطوعة ((ضوء القمر)) للملحن الفرنسي كلود ديبوسي. قدم له كثير من الأطفال والآباء الزهور، وسارعوا إلى التقاط الصور معه. قال لانغ لانغ معلقا على ذلك: "عرفت ليو هاو منذ وقت طويل، وقد أحرز تقدما كبيرا. مع أنه كفيف، أشعر بأنه يعزف على البيانو بقلبه، وتعبيراته صادقة".
رافق البيانو ليو هاو لما يقرب من عشرين سنة. بدءا من عائلة عادية في مدينة تشيفنغ بمنطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم وحتى المسرح الدولي في قاعة كارنيجي للموسيقى بنيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، صار البيانو أفضل رفيق له. قال ليو هاو: "العزف على البيانو يجلب لي السعادة، يمكنني تجربة أنماط موسيقية ومشاعر مختلفة من بين مؤلفات العديد من الفنانين. يمكنني أيضا التعبير عن أفكاري عن طريق أصوات البيانو، رغم أنني لا أستطيع التعبير عن بعض مشاعري بالكلمات، فإنني أستطيع التعبير عنها من خلال الموسيقى."
موهبة موسيقية
ولد ليو هاو لعائلة عادية في مدينة تشيفنغ بمنطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم في عام 2001، ضمن ثلاثة توائم ولدوا قبل الموعد الطبيعي، ولهذا عانى من اعتلال الشبكية، المرض الذي أفقده بصره، بسبب الإفراط في استنشاق الأكسجين أثناء وجوده في المستشفى.
اشترت كانغ قوي تشين، أم ليو هاو، بيانو إلكترونيا له عندما كان في الثالثة من عمره، الأمر الذي غير مجرى حياته. ذات يوم، سمعت الأم في غرفة ابنها لحنا لم تسمعه من قبل، فدخلت وسألته عنه. قال ليو هاو إنه يعزف أغنية سمعها في المذياع صباحا. لم تصدق الأم، فعزف ليو هاو اللحن مرة أخرى. سألته كانغ قوي تشين كيف استطاع ذلك، فقال إنه يتذكر صوت كل مفتاح في البيانو الإلكتروني.
هذه المصادفة جلبت الأمل لكانغ قوي تشين، فقد أدركت أن ليو هاو قد يجد مسارا جديدا لحياته. بدأت البحث عن معلم لتعليم ابنها العزف على البيانو. لم يكن طريق تعلم ليو هاو العزف على البيانو ممهدا، فقد كانت ظروف عائلته المادية بسيطة، ولم تفهم الأسرة سبب رغبة الأم في إنفاق المال على شيء "عديم الفائدة"، كما واجهت الرفض من قبل المعلمين بمجرد سماعهم أن ابنها كفيف.
بعد زيارة عشرات المدارس والمؤسسات في مدينة تشيفنغ، وجدت كانغ قوي تشين أخيرا معلما مستعدا لقبول ليو هاو، وهو ليو يونغ شيويه الذي كان آنذاك مدير مدرسة ياماها للبيانو الإلكتروني في مدينة تشيفنغ. وافق ليو يونغ شيويه على تعليم ليو هاو مجانا. وأصبح ليو هاو الطالب الأكثر تميزا وموهبة في الرابعة من عمره. على الرغم من أنه لا يرى مفاتيح البيانو أو المقطوعات الموسيقية، يستطيع عزف أي مقطوعة يسمعها. فاز ليو هاو بالجائزة الذهبية في مسابقة البيانو الإلكتروني في بكين، بفضل توجيه المعلم ليو يونغ شيويه الدقيق، وكان هو الطفل الكفيف الوحيد من بين جميع الفائزين.
اقترح ليو يونغ شيويه على كانغ قوي تشين أن تجد معلما لابنها في بكين بعد حصوله على الجائزة الذهبية، حيث يوجد معلمون متخصصون في المدن الكبرى يعرفون النوتة الموسيقية للمكفوفين. وعلى الرغم من معارضة عائلتها، سافرت كانغ قوي تشين برفقة ابنها إلى بكين، ومعها ثلاثمائة يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر7 يوانات تقريبا حاليا) بعد أن تركت رسالة قصيرة لعائلتها.
على درب تعلم البيانو
ارتبط ليو هاو بالبيانو وهو في السادسة من عمره، بما لديه من إحساس فطري قوي بالموسيقى. ذات مرة لفت انتباهه صوت البيانو الذي سمعه من التلفزيون، ولاحظ أن صوت المقطوعة الموسيقية هذا يختلف عن صوت البيانو الإلكتروني. قالت له أمه إن هذا الصوت هو صوت البيانو. كان الشخص الذي يعزف على البيانو في التلفزيون هو لانغ لانغ، عازف البيانو المشهور عالميا. ومنذ ذلك الحين، ترسخ حلم ليو هاو في أن يصبح عازف بيانو.
لانغ لانغ هو من قدم ليو هاو للبيانو أول مرة. في عام 2007 أقام لانغ لانغ نشاط "مائة طفل يعزفون على البيانو على نفس المسرح" في حفل موسيقي في مدينة نانجينغ، وكان من بينهم ليو هاو. بالنسبة للطفل ليو هاو، الذي كان عمره ست سنوات في ذلك الوقت، لم يكن بإمكانه سوى العزف على البيانو الإلكتروني، فهو لم يلمس آلة البيانو من قبل. وبعد أسبوع من التمارين الشاقة في أحد متاجر البيانو، نجح ليو هاو في عزف اللحن المطلوب. أثناء العرض التجريبي، عرف لانغ لانغ أن ليو هاو تعلم العزف على البيانو الإلكتروني لمدة عام واحد فقط، فشجعه على مواصلة التعلم.
أعطى تشجيع لانغ لانغ ثقة كبيرة لليو هاو وكانغ قوي تشين، وعزز إصرارهما على تعلم ليو هاو العزف على البيانو. إن هذه الفرصة جلبت لهما اهتماما من جميع أوساط المجتمع، كما دعتهما وسائل الإعلام للمشاركة في النشاطات الخيرية، وقدمت لهما بعض متاجر البيانو آلات البيانو مجانا، وأبدى بعض معلمي الموسيقى استعدادهم لتعليم ليو هاو مجانا، وقامت بعض منظمات الرعاية العامة بتغطية نفقات حياة الأم وابنها في بكين.
عرفت أستاذة قسم البيانو بجامعة بكين للمعلمين وانغ هاي بوه قصة ليو هاو من برنامج تلفزيوني، وأصبحت أول معلمة بيانو له. تواصلت مع كانغ قوي تشين مباشرة، وأعربت عن رغبتها في تعليم ليو هاو. كان الطريق من مسكنهما إلى بيت الأستاذة يستغرق ساعتين في الذهاب ومثلهما في العودة من أجل ساعة لتعلم العزف على البيانو، فالأمر يستغرق خمس ساعات كل مرة، وقد ثابرا على هذا الأمر لمدة طويلة.
عرف صندوق آبل الخيري ببكين قصة ليو هاو من برنامج تلفزيوني، وتواصل مع كانغ قوي تشين مباشرة، وأعرب عن رغبته في تمويل نفقات دراسة ومعيشة ليو هاو. وظل الصندوق يقدم الدعم لهما لأكثر من عشر سنوات. عندما سأل أحدهم وانغ تشيو يانغ، مؤسسة الصندوق، عن الدافع لتمويل ليو هاو، قالت: "أعتقد أن ليو هاو موهوب، وهدفنا هو تنمية الموهوبين في بلادنا."
في رحلة ليو هاو لتعلم العزف على البيانو، فإن والدته هي الشخص الذي يكن له عظيم الامتنان. بالإضافة إلى الرعاية اليومية لابنها، تتعلم كانغ قوي تشين بنفسها النوتة الموسيقية بطريقة برايل للكتابة، الأمر الذي ساعد ليو هاو كثيرا على تعلم البيانو بسهولة أكبر. يتذكر ليو هاو أن والدته كانت تسهر لوقت متأخر من الليل لمساعدته على ترجمة مقطوعات موسيقية للمكفوفين. وذات مرة، اكتشفت صاحبة المنزل أن أضواء البيت مضيئة في الواحدة صباحا، وعندما ذهبت لتتفقد الأمر، وجدت أن كانغ قوي تشين تقوم بترجمة النوتة الموسيقية. قال ليو هاو: "في ذلك الوقت اكتشفت أن والدتي تتعب بشدة، وأن عليّ أن أدرس بجد في المستقبل لأتمكن من مساعدتها." ومع تزايد الدراسة، أصبحت المقطوعات الموسيقية أطول تدريجيا، فتقرأ كانغ قوي تشين النوتة الموسيقية له وتسجلها بقلم، لكي تساعده على التدريب المتكرر.
المسرح الدولي
تعلم ليو هاو العزف على البيانو على يد ليو يونغ شيويه، ووانغ هاي بوه، وتشانغ تشي وي، وتشانغ جين، ووانغ تشيو، ولي هوي لي، وجيروم لوينثال وغيرهم خلال بضع عشرة سنة. ومنذ عام 2015، بدأ ليو هاو تعلم العزف على البيانو مجانا على يد شنغ يوان، الأستاذ بالمعهد المركزي للموسيقى في بكين، وهو المعلم الذي درس معه ليو هاو أطول فترة. بالنسبة للأستاذ شنغ يوان، كان الاختلاف الأكبر بين تعليم ليو هاو العزف على البيانو وتعليم الطلاب الآخرين هو أنه لا يستطيع استخدام لغة ملموسة لإلهام ليو هاو للشعور بالعواطف في الموسيقى. في عالم ليو هاو، لا يوجد مفهوم اللون والشكل، يمكنه أن يتخيل فقط من خلال لمس الأشياء والشعور بها.
ليو هاو طفل حساس للموسيقى منذ طفولته، وهو مثابر و"مهووس" بالتدرب على عزف البيانو، ودائما ما يتدرب على المهارات الصعبة مائة مرة.
العمل الجاد يؤتي ثماره. وقد أثبت ليو هاو قدرته بالحصول على العديد من الجوائز وبترحيب الناس. فاز بالعديد من الجوائز في مسابقات البيانو المحلية والدولية، ودعي للمشاركة في برامج ومقابلات بمحطة تلفزيون الصين المركزية (CCTV) والكثير من محطات التلفزيون المحلية، كما قدم أول حفل موسيقي في قاعة تشونغشان للموسيقى في بكين في يناير عام 2016. في أكتوبر من نفس العام، تمت دعوته إلى النمسا لعزف كونشيرتو لموزارت مع أوركسترا هايدن السيمفونية في قاعة مدينة فيينا، وفاز بجائزة "تمثال تارا الذهبي" التي تهدف إلى تشجيع الموهوبين البارزين على المضي قدما رغم الصعاب، وأصبح أصغر فائز منذ تأسيس الجائزة. بالإضافة إلى ذلك، قدم عروضا في العديد من المسارح الدولية مثل قاعة كارنيجي في الولايات المتحدة الأمريكية ومركز كينيدي ومسرح ولاية نيوجيرسي، بجانب إلقاء خطابات ومشاركة تجارب التعلم في مدارس صينية وأجنبية. وخلال هذه الفترة، تلقى ليو هاو أيضا دروسا عبر الإنترنت مع السيد جيروم لوينثال، الأستاذ في مدرسة جويليارد ومعلم البيانو، لتحسين مهاراته في العزف على البيانو.
ولأن لانغ لانغ وشنغ يوان قد درسا في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ليو هاو، تأثر بهما، أعرب أيضا عن أمله في مواصلة دراسته هناك. وبعد أكثر من عامين من العمل الشاق والمساعدة الكبيرة من المهتمين من جميع مناحي الحياة، اجتاز ليو هاو اختبار DEG وهو ما يعادل شهادة الثانوية العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، واختبار IELTS الذي يؤهل للدراسة في الخارج. وفي إبريل 2022، تم قبوله في ثلاثة معاهد موسيقية مرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية، واختار أخيرا معهد بيبودي للموسيقى بجامعة جونز هوبكنز للدراسة مع رئيس قسم البيانو ومعلم الموسيقى ألكسندر شتاركمان. قال ليو هاو: "كان المعلم صبورا جدا في تعليمي، وكان يعلمني طرقا مختلفة مثل تحديد موقع الإبهام والتمارين الجماعية. كان يناقش معي أيضا كيفية أداء الموسيقى، وكان منتبها جدا لأفكاري الخاصة."
خلال ما يقرب من عشرين عاما من العزف على البيانو، حقق ليو هاو تطورا لشخصيته من خلال الموسيقى، ويأمل في نقل السعادة التي تجلبها له الموسيقى إلى المزيد من المستمعين. في أغسطس 2024، قدم حفلات عزف منفرد على البيانو في شيآن وتشانغشا وقوييانغ وبكين. يعتقد ليو هاو أن عدد الجوائز ليس هو المعيار الوحيد لتقييم العازف، بل كمية السعادة التي ينقلها العازف إلى الجماهير. قال: "أهم شيء بالنسبة لعازف البيانو هو جلب السعادة للآخرين، وهذا حلمي وهدفي منذ أن كنت طفلا. لا توجد نهاية للتعلم، ولا نهاية للموسيقى أيضا، آمل أن أتمكن من مواصلة تحسين مهارتي حتى اليوم الذي لا أقدر فيه على العزف."