مجتمع < الرئيسية

تقنيات الخزف في الصين القديمة

: مشاركة
2025-01-22 11:58:00 :Source تشانغ منغ فان:Author

يجسد الخزف، هذا الكنز الفني الذي يصنع من الصلصال وتستخدم النار في تشكيله، تألق الحضارة الصينية القديمة. يعود تاريخ السيراميك الصيني إلى العصر الحجري الحديث، أي قبل حوالي 8000 سنة، والسيراميك مصطلح شامل لكل من الفخار والخزف. وقد استخدم البشر الصلصال في صناعة الأواني الفخارية البسيطة لتخزين الطعام والماء، مما شكل الأساس لتطور السيراميك لاحقا. على مر العصور، توسع إنتاج السيراميك الصيني وارتقى مستواه الحرفي تدريجيا. وفي فترة أسرة تانغ (618- 907م)، وصل إنتاج الخزف مرحلة متقدمة من النضج، حيث يمكن اعتبار هذه الفترة البداية الحقيقية لعصر الخزف.

 تاريخ نشأة وتطور تقنيات الخزف ملحمة رائعة، بدءا من أناقة خزف القمائن الخمس المشهورة في فترة أسرة سونغ (960- 1279م)، مرورا بنقاء الخزف الأزرق والأبيض في فترة أسرة يوان (1271- 1368م)، ووصولا إلى ألوان الخزف الزاهية في فترة أسرتي مينغ (1368- 1644م) وتشينغ (1644- 1911م)، كانت كل مرحلة تتألق بحكمة الحرفيين وبراعة الإبداع.

خزف القمائن الخمس المشهورة.. قمة الإبداع

وصلت صناعة الخزف في الصين إلى ذروتها في فترة أسرة سونغ، حيث اكتسب "خزف سونغ" شهرة واسعة في جميع أنحاء العالم. في تلك الفترة اشتهرت القمائن الخمس البارزة: قمين روياو وقمين قوانياو وقمين قهياو وقمين جيونياو وقمين دينغياو، لم تتجاوز هذه القمائن التقنيات التي سبقتها فحسب، وإنما أيضا تميزت بدرجة من الإبداع والإتقان كان من الصعب على الأجيال اللاحقة مضاهاتها أو تقليدها.

يشتهر خزف قمين روياو بشكل خاص بجمال "الطلاء الزجاجي الأزرق السماوي"، الذي وصفه الشعراء بأنه يشبه "السماء الصافية بعد المطر". يرتبط تكوين اللون الأزرق السماوي ارتباطا وثيقا بعملية حرق الخزف في جو مختزل، حيث يتم اختزال أكسيد الحديد العالي التكافؤ إلى أكسيد منخفض التكافؤ، مما يؤدي إلى ظهور اللون الأزرق السماوي. هذه العملية الكيميائية معقدة للغاية، حيث تتطلب تحكما دقيقا في درجة الحرارة والجو ونسبة العناصر المختلفة في مواد الطلاء الزجاجي، لإنتاج الخزف الأزرق السماوي الجميل بنجاح. ونظرا لوجود عدد قليل من المنتجات الخزفية من قمين روياو وحرفيتها الرائعة، فهي تعد ذات قيمة عالية وثمينة للغاية.

بني قمين قوانياو من قبل الحكومة، وتم التركيز بشكل خاص على نقاء لون الطلاء الزجاجي والملمس الناعم. تميز الخزف المنتج في هذا القمين بطبقة طلاء زجاجي متوسطة السُمك، وغالبا ما تظهر عليه شقوق كبيرة تشبه الجليد أو شقوق صغيرة تشبه قشور السمك، على الرغم من أن التشقق كان يعتبر في البداية عيبا في عملية حرق الخزف، أتقن الحرفيون التحكم في هذه الظاهرة، مما جعل الشقوق عنصرا زخرفيا فريدا يميز الخزف. تمتاز أشكال هذا النوع من الخزف بطابع مهيب وفخم، ويعكس الشعور بالاستقرار والنظام الذي يدعو إليه القصر الإمبراطوري، وأصبح جزءا مهما من الحياة داخل القصر.

أثناء عملية حرق الخزف، يفضل عادة تجنب وجود الكثير من الشقوق على الطلاء الزجاجي، من أجل المحافظة على جماله. ولكن قمين قهياو جعل الشقوق جزءا من جمالياته وأبدع خصائصه المميزة مثل "الأسلاك الذهبية والخطوط الحديدية". تحدث الشقوق بسبب معاملات التمدد المختلفة بين جسم الخزف وطبقة الطلاء الزجاجي، مما يؤدى إلى انكماش كبير أثناء عملية التبريد في القمين. ومن خلال التصميم الدقيق والمعالجة الحاذقة أثناء عملية الحرق، تتشكل شقوق طبيعية وفريدة على سطح الخزف، وتُعرف الخطوط السوداء التي تشكل الشقوق الكبيرة باسم "الخطوط الحديدية"؛ وتُعرف الخطوط الصفراء الذهبية التي تشكل الشقوق الصغيرة باسم "الأسلاك الذهبية".

يشتهر خزف قمين جيونياو بلون طلائه الزجاجي السحري المتغير. باستخدام نفس المواد في الطلاء الزجاجي، ومع حرقه في ظروف جوية مختلفة، يمكن إنتاج تأثيرات ملونة وغير قابلة للتكرار، لذلك، يقال عنه "لون واحد يدخل القمين، وألوان متنوعة تخرج من القمين". تتنوع ألوان الطلاء الزجاجي بين الأحمر الذي يشبه الزنجفر، والأرجواني الذي يشبه لون الوردة، والأزرق الذي يشبه السماء الصافية. هذا الفن الفريد لقمين جيونياو يجعل كل قطعة خزف عملا فنيا فريدا لا مثيل له في العالم.

يشتهر قمين ديانغياو بإنتاج الخزف الأبيض العالي الجودة، المفضل لغالبية الناس لخصائصه المتمثلة في أنه "أبيض مثل اليشم، ورقيق مثل الورق، وصوته مثل عزف تشينغ (آلة موسيقية حجرية في الصين القديمة)"، ويعتبر نموذجا بارزا للخزف الأبيض الصيني القديم.

الخزف الأزرق والأبيض.. جوهرة فنية

مع بداية فترة أسرة يوان، شهدت تقنيات الخزف تحولا جديدا، حيث أضاء الخزف الأزرق والأبيض سماء الفن كنجمة مشرقة. وفي هذه الفترة، أصبحت عاصمة الخزف جينغدتشن، وهي مهد الخزف الأزرق والأبيض، مركزا رئيسيا لصناعة الخزف في الصين.

يعد الخزف الأزرق والأبيض لأسرة يوان تحولا في تقنيات الخزف، حيث كسر نمط اللون الواحد التقليدي بزخارف اللون الأزرق المنعش والمشرق. واُستخدمت فيه مواد معدنية تحتوي على الكوبالت لرسم أنماط حية مختلفة على جسم الخزف الأبيض، بما في ذلك الزهور والشخصيات والمناظر الطبيعية وغيرها، ثم تغطيته بطبقة من الطلاء الزجاجي الشفاف وحرقه في درجة حرارة عالية. استخدم الخزف الأزرق والأبيض أكسيد الكوبالت كملون، وهو ابتكار مهم في تقنيات زخرفة الخزف. تتحول مادة الكوبالت إلى اللون الأزرق بعد حرقها، وتتميز بخصائص صبغ قوية ولون ساطع ومستقر ومعدل نجاح مرتفع. ووصلت تقنية الحرق للخزف الأزرق والأبيض أيضا إلى مستوى متقدم للغاية، حيث أصبح جسمه صلبا ودقيقا، ولون الطلاء الزجاجي لامعا ومصقولا، ولون الخطوط مشرقا ومستقرا.

تتميز الأنماط الزخرفية للخزف الأزرق والأبيض لأسرة يوان بالأناقة والجمال والتنوع، وتشبه في أسلوبها لوحات الحبر الصينية التقليدية القديمة، مما يمنحها سحرا فنيا فريدا. هناك مقولة بين الناس منذ وقت طويل مفادها أن "قطعة من الخزف الأزرق والأبيض أثمن من صندوق من الذهب"، وهي تدل على قيمته الفنية العالية. لم يحظ الخزف الأزرق والأبيض بثناء عال في الصين فحسب، وإنما أيضا تم تصديره إلى العالم عبر طريق الحرير، حيث انتشرت تقنيات صناعة الخزف الرائعة إلى جميع أنحاء العالم، وأصبح سفير نشر الثقافة الصينية، وعزز التبادلات بين الصين والعالم.

الخزف الملون.. صفحة رائعة ومزدهرة

خلال فترة أسرتي مينغ وتشينغ، تواصل تطور وابتكار تقنيات الخزف استنادا إلى الموروث من الأسر السابقة. وأصبح ازدهار الخزف الملون سمة بارزة لحرفة الخزف في تلك الفترة، وكان بمثابة عرض فني ملون يظهر إنجازات تقنيات الخزف الصيني القديم.

يتميز خزف دوتساي لأسرة مينغ بتقنياته الزخرفية الفريدة، حيث يتم دمج اللون الأزرق والأبيض تحت الطلاء الزجاجي مع ألوان متعددة على سطح الطلاء، مما يخلق نمطا جديدا من زخرفة الخزف الملون. يعد دوتساي التطبيق الثاني للأصباغ المعدنية على الخزف الأزرق والأبيض تحت الطلاء الزجاجي، حيث يحرق في درجة حرارة عالية (1300 درجة مئوية)، لملء المساحة البيضاء، بخلاف النمط الأزرق والأبيض، ثم يتم صبغ المساحة داخل الخطوط العريضة الزرقاء قبل أن يتم حرقه مرة أخرى في قمين صغير عند درجة حرارة منخفضة (800 درجة مئوية). أصبح دوتساي، بألوانه الرائعة والملونة والمتزنة، أسلوبا خزفيا يتماشى مع الذوق الجمالي في فترة أسرة مينغ.

دفع خزف المينا والخزف الباستيل في فترة أسرة تشينغ فن الخزف الملون إلى ذروته. اقتبس خزف المينا تقنية المينا الغربية، ويتميز بألوانه الغنية والرائعة، حيث كان الخزف الإمبراطوري في فترة أسرة تشينغ أكثر روعة من الخزف الملون المزجج. يكمن جوهر خزف المينا في لوحاته التي استلهم معظمها من رسومات الرسامين الإمبراطوريين المشهورين. تم استخدام تقنية الحرق الثانوي على نطاق واسع في إنتاج خزف المينا، حيث يتم أولا حرق جسم الخزف في درجة حرارة عالية، ثم يتم رسم نمط ولون المينا على الجسم قبل حرقه مرة أخرى في درجة حرارة منخفضة، لضمان التصاق الألوان بشكل أفضل وحمايتها من التغيرات. إن كل قطعة من خزف المينا تبدو كعمل فني منحوت بعناية، حيث يعتنى بكل تفاصيلها بدءا من اختيار جسم الخزف مرورا برسم الأنماط ووصولا إلى التحكم في عملية الحرق، مما يظهر الفخامة والنبل الإمبراطوري. إلى جانب خزف المينا، كان الخزف الباستيل نوعا آخر من الخزف الملون في قصر تشينغ. يتميز الخزف الباستيل بلون ناعم وأنيق، مع طبقات غنية ورقيقة، من خلال التحكم في درجة حرارة الحرق، يمكن إظهار اللون "الأبيض الزجاجي" الفريد (يضاف الزرنيخ إلى الزجاج المحتوي على الرصاص) مع ألوان أخرى تظهر الملمس الوردي والناعم، مما يمنح شعورا بالانتعاش والرقى.

تحمل تقنيات الخزف في الصين القديمة إرثا عريقا من التاريخ والحكمة الوطنية، يمتد لآلاف السنين. كل عملية حرق في القمين تمثل سعيا مستمرا وراء الجمال والتقدم التقني؛ بينما يعكس كل لون الفهم والتكامل بين الطبيعة والثقافة الإنسانية. يمتد الخزف الرائع عبر الزمان والمكان، ويحكي قصة الصين القديمة وينقل سحر جمال الشرق إلى العالم، ومع مرور الزمن، يظل سحره متألقا، مستمرا في التأثير والإلهام.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

互联网新闻信息服务许可证10120240024 | 京ICP备10041721号-4