يشهد العالم اليوم تطورا سريعا لتغيرات كبيرة لم يشهدها العالم منذ قرن، مما أبرز أهمية التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات. وقد طُرح في تقرير أعمال الحكومة لعام 2025، "توسيع التبادل والتعاون الثقافي الدولي، والارتقاء الشامل بكفاءتنا الإعلامية على الصعيد الدولي"، الأمر الذي أشار إلى الاتجاه نحو إجادة سرد قصص الصين ونشر صوتها في الخارج في ظل الظروف الجديدة، كما أضاف قوة محركة جديدة لدفع بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. أجرت مجلة ((الصين اليوم)) مقابلة خاصة مع دو تشان يوان، عضو اللجنة الدائمة للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ورئيس المجموعة الصينية للإعلام الدولي، حول كيفية الابتكار في الإعلام الدولي، ورفع كفاءة الإعلام، وعرض صورة الصين الحقيقية والثلاثية الأبعاد والشاملة.
مفاهيم الصين في حوكمة الدولة وإدارة شؤونها
قال السيد دو تشان يوان إن ثمة تحديات عديدة تواجه الحوكمة العالمية والتعاون الدولي في الوقت الحالي. أما الصين فقد تطورت من حالة "الفقر والتأخر" إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وحققت نموا اقتصاديا سريعا، وحافظت على الاستقرار الطويل الأمد للمجتمع، وهذه الحالة مستمرة منذ أكثر من أربعين سنة. قال السيد دو: "على هذه الخلفية، أولى المجتمع الدولي اهتماما بالغا لمفاهيم وممارسات الصين في حكم الدولة وإدارة شؤونها، ويرغب في معرفة شيفرة تحقيق تنمية واستقرار الصين، ويأمل في الاستفادة من تجاربها ومواجهة التحديات العالمية معا. كل ذلك يطرح مهام ومطالب جديدة تجاه أعمال الإعلام الدولي لنا."
قال السيد دو إنه من أجل سرد مفاهيم التنمية الصينية وتجارب الصين في حكم الدولة وإدارة شؤونها ومساهماتها في العالم بشكل أفضل، بدأت المجموعة الصينية للإعلام الدولي تحرير وترجمة ونشر كتاب ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة)) وغيره من مؤلفات الأمين العام شي منذ عام 2014، وعملت على تعزيز الترويج الدولي لهذه المؤلفات عبر قنوات متنوعة وأشكال متعددة خلال بضع عشرة سنة، الأمر الذي جعل هذه المؤلفات تثير اهتماما واسع النطاق وتقديرا عاليا من قبل القراء من مختلف الدول. خلال البضع عشرة سنة الماضية، تم نشر كتاب ((شي جين بينغ.. حول الحكم والإدارة)) وغيره من مؤلفات الأمين العام شي بثلاث وأربعين لغة، وغطى نطاق نشرها أكثر من مائة وثمانين دولة ومنطقة، وقد دخلت أكثر من خمسمائة منصة إلكترونية رئيسية أجنبية للكتب وأكثر من ألف وسبعمائة مكتبة وطنية ومكتبة جامعية ومكتبة عامة في مائة وإحدى وسبعين دولة ومنطقة، وأصبحت مؤلفات الزعيم التي تصدر بأكثر عدد من اللغات وعلى أوسع نطاق وذات أقوى تأثير في العالم اليوم، وفتحت "بوابة فكرية" للمجتمع الدولي لفهم الصين، وقد أصبحت "مفتاحا ذهبيا" للمجتمع الدولي لفهم الصين.
يرى السيد دو أن النقطة الأهم لإجادة سرد القصص وراء إنجازات الصين أمام المجتمع الدولي، هي إجادة سرد قصص حكم الدولة وإدارة شؤونها للأمين العام شي جين بينغ، وشرح أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد على نحو شامل ومنهجي، والتمسك باتخاذ ترويج أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد كالعمل الأكثر أهمية للإعلام الخارجي للبرنامج الصيني الشامل في حكم الدولة وإدارة شؤونها، وجعل المجتمع الدولي يعرف حزبنا وبلادنا وعصرنا الجديد بشكل أفضل.
دفع التبادل الثقافي بين الصين والدول الأخرى والتعلم المتبادل بين الحضارات لتعزيز تفاهم الشعوب
"العلاقات الودية بين البلدان تكمن في الصداقة الشعبية، والصداقة الشعبية تكمن في التفاهم القلبي." التبادل الثقافي والتعلم المتبادل بين الحضارات وسيلة مهمة لتعميق الصداقة الشعبية. الحضارات متنوعة بفضل التبادل، وغنية بفضل التعلم المتبادل. يُعتبر التبادل الشعبي جسرا مهما لدفع التبادل بين الصين والدول الأخرى والتعلم المتبادل بين الحضارات. في العصر الجديد، طرح الأمين العام شي جين بينغ "مفهوم الحضارة الجديد"، وأوضح غير مرة "حلول الحضارة" للصين في مناسبات دولية مهمة. قال الأمين العام شي جين بينغ في الاجتماع الرفيع المستوى لحوار الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب السياسية العالمية في مارس عام 2023: "يجب أن ندعو إلى الاهتمام بتوارث وابتكار الحضارة معا، ونستكشف قيمة العصر لتاريخ وثقافة دول العالم بشكل مستفيض، وندفع تحقيق التحول الإبداعي والتنمية الابتكارية للثقافات التقليدية الممتازة لمختلف الدول في عملية التحديث." وطرح مبادرة "الحضارة العالمية" لأول مرة، حيث شرح الدعوة الصينية إلى دفع الشمول والتعايش والتبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات المختلفة بشكل منهجي.
يرى السيد دو أن الصين أجرت في السنوات الأخيرة نشاطات كثيفة للتبادل الشعبي مع الدول الأخرى وبينها دول "الجنوب العالمي"، وحققت تطورات ملحوظة في الثقافة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والتجارة وغيرها من المجالات، وأصبحت قوة مهمة تدفع تطور العلاقات الثنائية. إن هذا التبادل لا يعزز التفاهم والصداقة بين الشعب الصيني والشعوب الأجنبية فحسب، وإنما أيضا يوفر قوة محركة جديدة لتبادل واندماج الثقافات المتعددة في العالم. وأشار إلى أن الحضارة الصينية، التي يرجع تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، هي ثروة للبشرية جمعاء، ومصدر إلهام مهم لتحسين الحوكمة العالمية. ينبغي الجمع بين تنمية الصين المعاصرة والثقافة الصينية التقليدية الممتازة، وإجادة سرد قصص الصين المعاصرة حول الإصلاح والتنمية، وشرح قيمة العصر والمعنى العالمي للتحديث الصيني النمط بشكل عميق. وأكد على ضرورة المبادرة إلى عرض مسؤولية الصين باعتبارها دولة رئيسية، وتقديم حلول الصين لمواجهة تغير المناخ وحوكمة الذكاء الاصطناعي، وغيرهما من التحديات المشتركة للبشرية جمعاء. يجب التمسك بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وإكمال آلية تطبيق مبادرة "الحضارة العالمية"، وتعزيز القوة الثقافية الناعمة والتأثيرات الثقافية في تبادل الثقافات المتعددة والتعلم المتبادل بينها.
مع تطور العولمة المعمق، أصبح التفاهم بين الشعب الصيني والشعوب الأجنبية مهما للغاية. قال السيد دو: "اتخذت المجموعة الصينية للإعلام الدولي التي أعمل فيها، سلسلة من الإجراءات الإبداعية لبناء منصة دولية للتبادل والحوار، حيث أنشأت جوائز الأوركيد للتبادلات الثقافية الدولية بين الصين وبقية دول العالم، والتي أحدثت تأثيرات واسعة في العالم. الآن، تجري أعمال التقييم والاختيار للدورة الثانية لها، وتسعى إلى جذب وتشجيع مزيد من الشخصيات الأجنبية الحكيمة والبعيدة النظر على المشاركة في القضية العظيمة لتعزيز التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارة الصينية والحضارات الأخرى." بالإضافة إلى ذلك، أطلقت المجموعة الصينية للإعلام الدولي مشروع الإعلام الدولي للحضارة الصينية لدفع إصدار المؤلفات المتعلقة بالحضارة الصينية إلى الخارج، وتعزيز التبادل الثقافي مع الدول الأخرى ودفع تنمية التجارة الثقافية، وبناء منصة للحوار والتبادل بين الحضارة الصينية والحضارات الأخرى باتخاذ حكم الدولة وإدارة شؤونها والحوكمة العالمية والحوار الثقافي والتبادل بين الشباب كنقاط رئيسية. في عام 2024، أقامت المجموعة أكثر من مائة نشاط دولي مختلف للتبادل الثقافي داخل الصين وخارجها، بمشاركة أكثر من عشرة آلاف ضيف صيني وأجنبي فيها، الأمر الذي قدم مساهمات في تعميق التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارة الصينية والحضارات الأخرى. وقد تم إنشاء آلية منتظمة لندوة حكم الدولة وإدارة شؤونها ومنتدى التبادل الثقافي لدول بريكس ومؤتمر الحوار بين الحضارتين الصينية والفرنسية ومنتدى بكين- طوكيو ومنتدى الحوار بين الصين والدول اللاتينية ومنطقة الكاريبي وغيرها، مما يوفر قنوات متنوعة للجمهور الأجنبي لمعرفة الثقافة الصينية، ومواصلة تعزيز التفاهم بين الشعب الصيني والشعوب الأجنبية.
رفع كفاءة الإعلام الدولي من خلال الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الحديثة
أكد الأمين العام شي جين بينغ غير مرة، على ضرورة استخدام التقنيات والوسائل الحديثة لرفع كفاءة الإعلام الدولي، وخاصة البراعة في استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وغيرهما من التقنيات الناشئة لتعزيز دقة وفعالية الإعلام الدولي.
يرى السيد دو أن الذكاء الاصطناعي يغير المجتمع البشري بشكل عميق. وفي مجال الإعلام الدولي، أصبحت القدرة والمستوى في استخدام النماذج اللغوية الكبيرة وغيرها من التقنيات الحديثة عنصرا مهما يؤثر على كفاءة الإعلام ويتعلق بالقدرة التنافسية الثقافية للبلاد. وأشار إلى ضرورة تعزيز الدعم الوطني الشامل لابتكار تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام الدولي، والتشجيع على الإسراع في تطبيق هذه التقنيات. وفي الوقت نفسه، تعزيز قوة الإرشاد والدعم لبناء القدرة التقنية لمؤسسات الإعلام الدولي المتخصصة بشكل ملاءم، وإصلاح الحلقات الضعيفة مثل المنشآت التحتية التقنية وصفوف الأكفاء التقنيين، ودفع تعزيز التعاون والتنسيق بين مؤسسات الإعلام الدولي وشركات العلوم والتكنولوجيا وهيئات البحث العلمي، وبناء النماذج اللغوية الكبيرة الصالحة للإعلام الدولي، اعتمادا على الأدوات التقنية المصنوعة في الصين. من زاوية الترجمة، التي لا غنى عنها في الإعلام الدولي، فإن تطور الذكاء الاصطناعي يجلب فرصا وتحديات جديدة لقطاع الترجمة. مع التطور السريع للنماذج اللغوية الكبيرة، بدأت سلسلة من التغيرات مثل إعادة تشكيل سير العمل التعاوني بين الإنسان والآلة وتحسين هيكل إعداد الأكفاء، مما رفع فعالية وجودة أعمال الترجمة. قال السيد دو: "منصة الترجمة بلغات متعددة التي تم بحثها وتطويرها بالتعاون بين المجموعة الصينية للإعلام الدولي والمؤسسات المعنية، ستقدم خدمات الترجمة الموجهة لمختلف السيناريوهات من خلال النماذج اللغوية المدربة مسبقا والبيانات الدقيقة والموثوق بها، للمساعدة في بناء 'الحزام والطريق'."
وأشار السيد دو إلى أن كل تقنية حديثة هي "سيف ذو حدين". ويمكن أن نجد أن ما تأتي به التقنيات الحديثة للإنترنت ليس كله إيجابي. فالذكاء الاصطناعي، وبينما يرفع فعالية إنتاج المعلومات، فإنه أيضا يعزز زيادة المعلومات الزائفة على نطاق واسع وصعوبة تمييزها؛ ويوفر "تأثير الشرنقة" لشبكة الإنترنت قنوات لنشر المعلومات السيئة، الأمر الذي يؤثر على بيئة الرأي العام الدولي إلى حد ما. يتطلب ذلك أن نرفع مستوى الحوكمة الرقمية باستمرار، ونوسع التأثيرات الإيجابية الناجمة عن استخدام التقنيات الحديثة. وأكد السيد دو على ضرورة التوجيه انطلاقا من الواقع ومواكبة التيار، وتعزيز التنمية المندمجة بين الإعلام الدولي والابتكار العلمي والتكنولوجي على نحو شامل من خلال التخطيط المنهجي وتنفيذ السياسات الشاملة والتعاون بين مختلف الأطراف، وتقوية القدرة على الإعلام الدولي عن طريق مواكبة العصر، وتهيئة بيئة خارجية طيبة لدفع بناء الدولة القوية وقضية نهضة الأمة.