تقنيات الغزل والنسيج الصينية المشهورة عالميا لها تاريخ طويل، فمنذ ستة آلاف إلى سبعة آلاف سنة، عرف الصينيون استخدام ألياف القنب والكتان كمواد خام للنسيج. وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد، ظهرت حرفة النسيج المزخرف واستخدام الضفائر في التطريز، وهو باكورة فن التطريز الصيني والذي لا يزال منتشرا حتى الآن. وفي القرن الثاني قبل الميلاد، ومع اختراع نول النسيج اليدوي المزخرف، تطورت تقنيات الغزل والنسيج بسرعة، حيث أصبحت الصين قادرة على نسج الشاش الرقيق كأجنحة اليعسوب وإنتاج المنسوجات المطرزة بتصاميم متعددة لا حصر لها، مما جعل الصين تعرف عالميا بأنها "دولة الحرير في الشرق"، وأثر ذلك بشكل عميق على الحضارة العالمية.
أصول نسج الحرير
حسب أسطورة صينية، فإن لي تسو زوجة الإمبراطور هوانغ دي (الإمبراطور الأصفر)، هي مبتكرة تقنيات تربية دود القز وحل شرانق الحرير. اكتشفت لي تسو، مصادفة، إمكانية سحب خيوط شرانق دود القز لنسج الحرير، ونقلت هذه التقنية إلى الناس، فأطلقوا عليها "إلهة دود القز". وتتضمن نقوش على العظام ودروع السلاحف من أسرة شانغ (القرن 16- 11 ق.م) مقاطع كتابة، مثل "تسان (دودة القز)" و"سانغ (شجرة التوت)" و"سي (الحرير)" و"بوه (النسيج الحريري)". كما عثر في مقابر أسرة شانغ في آنيانغ بمقاطعة خنان وييدو بمقاطعة شاندونغ على دود قز منحوت من اليشم، وبقايا أثرية لأنسجة حريرية، مما يدل على أن صناعة الحرير كانت شائعة آنذاك. وفي فترة أسرة تشو (1046- 256 ق.م)، توسع نطاق تربية دود القز في حوض النهر الأصفر، وذكرت قصائد ((كتاب الأغاني)) تربية دود القز ونسج الحرير مرات عديدة، ومنها بيت شعر يقول: "في شهر دود القز، يجب تقليم أشجار التوت". كما ظهرت في أسرة تشو أدوات متخصصة لتربية دود القز، مثل رفوف التربية وأطباق الخيزران، بالإضافة إلى معدات لحل الحرير.
تطور أدوات النسيج وتقدم تقنيات الغزل
الإبر العظمية هي أقدم أدوات النسيج، حيث عثر على إبرة عظمية في موقع "تشوكوديان" ببكين يعود تاريخها إلى حوالي 16 ألف عام، وكانت تستخدم في الخياطة وإدخال خيوط اللُحمة. وفي العصر الحجري الحديث، ظهر "المغزل اليدوي"، وهو أقدم أداه لغزل الخيوط. يتكون هذا المغزل من قضيب دوار وعجلة، واستخدم في البداية لغزل خيوط سميكة، ثم تطور تدريجيا لينتج خيوطا رفيعة. بعد أسرة هان (206 ق.م- 220م)، حلت "عجلة الغزل اليدوية الأحادية النول" محل المغزل اليدوي التقليدي، مما رفع كفاءة الغزل إلى مستوى جديد. وبعد التحسين المستمر، في فترة أسرة يوان (1271- 1368م)، ظهرت "عجلة الغزل الدواسة المتعددة الأنوال"، وكانت "عجلة الغزل الكبيرة المدعومة بالماء" قادرة على غزل ما يقرب من خمسين كيلوغراما من الخيوط في يوم واحد، متقدمة بقرون على التقنيات المماثلة في الغرب.
تعود تقنيات النسيج إلى الحياكة البدائية، حيث تعد بقايا حصيرة القصب المكتشفة في موقع "خمودو" الأثري وآثار النسيج المطبوعة على الفخار في موقع "بانبوه" شاهدا على التقنيات المبكرة للحياكة. وقبل أكثر من ستة آلاف عام، ظهر نول ياوجي، الذي يعد سلف الأنوال الحديثة. كانت فترة أسرة هان العصر الذهبي لتطور تقنيات النسيج الصيني القديمة بفضل اختراع نول النسيج اليدوي المزخرف، ووصلت كفاءة النسيج وتعقيد التصاميم إلى مستويات غير مسبوقة. تقدم الاكتشافات الأثرية في مقابر "ماوانغدوي" في تشانغشا دليلا حيا على إنجازات هذا العصر في مجال النسيج. من بين هذه الاكتشافات، رداء حريري شفاف ساده لا يتجاوز وزنه 49 غراما، وهو خفيف كجناح اليعسوب، ويمكن طيه ليوضع في علبة كبريت. كان ظهور نول النسيج اليدوي المزخرف، ثورة كبرى في تاريخ النسيج. تعمل هذه الآلة من خلال "برنامج نسج" مسبق الإعداد يتحكم في رفع وخفض خيوط السدى، مما يمكنها من نسج تصاميم معقدة. وانتقلت تقنية نول النسيج اليدوي المزخرف لاحقا إلى الغرب عبر طريق الحرير، وألهمت اختراع تقنيات التحكم البرمجي والتخزين في تطوير الحواسيب الإلكترونية الحديثة.
المنسوجات الحريرية وفن التطريز
تتجلى التطورات التقنية للنسيج الحريري بشكل رئيسي في تغيرات النقوش والتركيبات. في فترة الممالك المتحاربة (475- 221 ق.م)، تميزت منسوجات الدمقس الحريرية بهياكل هندسية مزينة برسوم التنين والعنقاء والشخصيات، بألوان زاهية. أما في فترة أسرة هان، فقد استخدمت المنسوجات الحريرية مجموعات متعددة من خيوط السدى لتشكيل النقوش، والتي ركزت على الزهور والحيوانات. وانتشرت المنسوجات الحريرية في فترة أسرة هان الشرقية بالنقوش الكتابية، وأشهرها "منسوجات العمر المديد والبركة للأحفاد" و"منسوجات كل شيء على ما يرام" و"منسوجات الفرح الدائم والنور الساطع". وفي فترة أسرة تانغ (618- 907م)، تحولت المنسوجات الحريرية من الاعتماد على السدى إلى الاعتماد على اللُحمة، مما أدى إلى تنوع أكبر في النقوش، مثل منسوجات الطيور والزهور ومنسوجات الحيوانات، والتي عكست أسلوبا فنيا فاخرا. أما في فترة أسرة يوان، فقد ظهرت المنسوجات المذهبة، حيث تم نسج خيوط الذهب في القماش، مما جعل المنسوجات تبدو رائعة وفاخرة ومشرقة. لقد ذاعت شهرة المنسوجات الحريرية الصينية في جميع أنحاء العالم بفضل منسوجات "جين" الحريرية الثمينة كالذهب ومنسوجات "لينغ" الحريرية الناعمة الملساء كالجليد ومنسوجات "رونغ" الحريرية الناعمة التي تلامس الجلد برقة ومنسوجات "دوان" الحريرية اللامعة ومنسوجات "تشوانغهوا" الحريرية الفاخرة ومنسوجات المفروشات الحريرية المقطوعة المعروفة في الصين باسم "كهسي"، وهي ذات نقوش دقيقة ورائعة.
تعود جذور التطريز الصيني إلى عصر الملوك الثلاثة والأباطرة الخمسة، حيث يروى أن الإمبراطور شون طلب من يوي، والذي ورث العرش بعده، تطريز أعمال ملونة. وبحلول فترة الممالك المتحاربة، بلغت حرفة التطريز مستوى عاليا من الإتقان، حيث يبرز "رداء التطريز بالتنين والعنقاء والنمر" المكتشف في جيانغلينغ بمقاطعة هوبي، دقة الحياكة وتنوع الألوان. في فترة أسرة هان، استخدم التطريز أساليب متعددة مثل الإبرة المسطحة والإبرة المضفرة، وتميزت التصاميم بأشكال السحب والحيوانات والزخارف الهندسية والنقوش الكتابية، وتفوقت أعمال مثل "تطريز الطيور المهاجرة" و"تطريز العمر المديد" المكتشفة في مقابر ماوانغدوي في تشانغشا على المنسوجات الحريرية من حيث الجودة الفنية. وشهدت فترة أسرة تانغ تطورا إضافيا في تقنيات التطريز، حيث ظهرت "إبرة الطبقات" و"الإبرة المتداخلة"، مما سمح بتحقيق تأثيرات تدرج الألوان. وفي فترة أسرة سونغ (960- 1279م)، برزت أعمال التطريز التي تحاكي اللوحات والخطوط، وقد وصفها الخطاط والرسام دونغ تشي تشانغ في فترة أسرة مينغ (1368- 1644م) بأنها "أفضل أعمال التطريز تفوق اللوحات المرسومة، حيث تجمع بين الشكل واللون والمتعة، وكأن الأصابع تلامس نسيم الربيع". وخلال فترة أسرتي مينغ وتشينغ (1644- 1911م)، تشكلت مدارس التطريز الأربع المشهورة في الصين؛ تطريز سوتشو وتطريز قوانغدونغ وتطريز هونان وتطريز سيتشوان، على التوالي. تتميز هذه المدارس الأربع بخصائصها، ومحافظتها على إرثها عبر القرون ولا تزال تحظى بتقدير كبير حتى اليوم، مما يجعل التطريز الصيني أحد أهم روائع التراث الثقافي غير المادي في العالم.
طريق الحرير وتبادل الثقافات
في عام 139 قبل الميلاد، أرسل الإمبراطور وو دي لأسرة هان الدبلوماسي تشانغ تشيان إلى المناطق الغربية، حاملا معه الحرير وبضائع أخرى. هذه المهمة أسفرت عن افتتاح طريق تجاري قديم عبر القارة الآسيوية وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، تلاه تطوير الطريق البحري. لعب هذان الطريقان، المعروفان عالميا باسم "طريق الحرير البري" و"طريق الحرير البحري"، دورا محوريا في تعزيز التبادل الثقافي والازدهار الاقتصادي بين الشرق والغرب، كما ساهما بشكل كبير في نقل تقنيات تربية دود القز وزراعة التوت ونسج الحرير إلى الغرب.
امتد طريق الحرير البري في أسرة هان من مدينة تشانغآن (شيآن حاليا) في مقاطعة شنشي، مرورا بممر خشي وسهل تاريم في شينجيانغ، وعبر هضبة بامير، ثم عبر دول آسيا الوسطى، وأفغانستان وإيران والعراق وسوريا، ليصل في النهاية إلى الموانئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، بطول إجمالي تجاوز سبعة آلاف كيلومتر. نقل التجار الحرير والمنسوجات الحريرية عبر هذا الطريق، بينما قدم البلاط الإمبراطوري الصيني هدايا من المنسوجات المطرزة الثمينة مثل "جين" و"شيو" و"تشي" إلى ملوك وسفراء الدول الأجنبية. لقد ساهم طريق الحرير تاريخيا في تعزيز العلاقات الودية والتبادل الثقافي بين الصين ودول آسيا وأفريقيا وأوروبا.
من ألياف القنب والكتان إلى حرير الدمقس، ومن إبر العظام إلى نول النسيج اليدوي المزخرف، تمثل تقنيات النسيج الصينية القديمة ملحمة حضارية مكثفة. لم تكن هذه التقنيات تجسيدا لعبقرية الأسلاف فحسب، وإنما أيضا كانت جسرا للحوار بين الصين والعالم. اليوم، عندما نتأمل رداء حريريا شفافا ساده من فترة أسرة هان أو قطعة من منسوج حريري مزخرف من فترة أسرة تانغ، لا نرى ذروة الإتقان الفني فحسب، وإنما أيضا نكتشف شغف أمة خالدة بالجمال والإبداع. هذا الإرث العلمي والثقافي الثمين يستحق أن يخلد ويورث للأجيال القادمة بكل فخر وإجلال.