كواحد من المعلمين القلائل الذين ارتقوا من مدرس في مدرسة متوسطة إلى رئيس جامعة، أمضى البروفيسور لي تشي كين، رئيس جامعة التربية في هونغ كونغ، أكثر من أربعين عاما في مجال التدريس. لقد قدم مساهمات كبيرة في تطوير التعليم الإقليمي وضخ زخما مبتكرا في التعليم الآسيوي.
"أخلاقيات المعلم" كأساس للتعليم
بدأت رحلة البروفيسور لي التعليمية بحبه للمجال الأكاديمي وشغفه بالتدريس. وبصفته مواطنا ولد ونشأ في هونغ كونغ، درس في قسم الجغرافيا بجامعة هونغ كونغ وعمل في مدرسة متوسطة بعد التخرج. غالبا ما يصفه طلابه بأنه يعد محتوى تدريسه بشكل كاف، وبارع في شرح المفاهيم المعقدة بالقصص والاستعارات، ومعروف بأسلوبه الصارم في التدريس. في الوقت نفسه، يولي أيضا أهمية كبيرة لجهود طلابه. قال: "إذا كان الطالب عادة قادرا على الحصول على 70 درجة في الامتحان، لكنه حصل على 59 درجة فقط، فهذا يعني أنه لم يبذل جهدا كافيا، وقد لا أخفف المعايير للسماح له بالنجاح. أما إذا كان الطالب عادة قادرا على الحصول على 50 درجة فقط في الامتحان، لكنه حصل هذه المرة على 59 درجة، فسأعتبره ناجحا لأنه بذل جهدا كبيرا للتفوق على نفسه."
أثناء عمله في المدرسة المتوسطة، شعر البروفيسور لي بأهمية التعليم في تعزيز الحراك الاجتماعي، ويرى أن التعليم لا يساعد الطلاب على إتقان المعارف فحسب، وإنما أيضا يمنحهم القدرة على اجتياز اختبار الحياة وتحسين وضعهم الاجتماعي. لهذا السبب، من أجل المضي قدما في طريق التعليم، اختار مواصلة دراسته، وحصل على الماجستير في إدارة الغابات والأراضي من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، وحصل على دبلومة في تعليم المعلمين بتقدير امتياز ودرجة الماجستير في التربية من الجامعة الصينية في هونغ كونغ.
بعد انضمامه إلى جامعة التربية في هونغ كونغ، أكمل البروفيسور لي برنامج الدكتوراه في الفلسفة ورقي من محاضر إلى أستاذ مساعد وأستاذ مشارك ثم أستاذ فعميد كلية التربية ونائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، والنائب الأول لرئيس الجامعة، ليصبح أخيرا رئيس الجامعة في عام 2023.
جامعة التربية في هونغ كونغ، وهي الجامعة الوحيدة للمعلمين في هونغ كونغ، تقوم بإعداد الطلاب ليكونوا معلمين في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية. قال البروفيسور لي: "تدعو بلادنا إلى ترسيخ الأخلاق وتربية النشء، وجوهر ونواة التعليم هو تنمية المواهب، وليس فقط نقل المعرفة." وأضاف: "لدى المجتمع توقعات عالية بشأن المعلمين، لذا فإن أخلاقيات المعلمين مهمة للغاية."
لا ينفصل هذا المفهوم التربوي عن البيئة العائلية التي نشأ فيها، فوالدته تعمل مديرة روضة أطفال وهي معلمة تحب التعليم. أثرت على قيم البروفيسور لي وشخصيته بكلماتها وأفعالها. قال البروفيسور لي: "علمتني والدتي عدم نسيان الغاية الأصلية، وفي الوقت نفسه، الاندماج بشكل أفضل في المجتمع." وأضاف: "نحن لسنا أفرادا منعزلين، وكمعلمين، يجب أن نعلم الطلاب كيفية العيش في مجموعة وكيفية الالتزام بالأعراف الاجتماعية."
نتائج تعليمية مثمرة
منذ أن صعد البروفيسور لي إلى منصة التعليم في المدرسة المتوسطة لأول مرة في عام 1983، أمضى أكثر من أربعين عاما في مجال التدريس. على الرغم من واجباته الرسمية العديدة كرئيس للجامعة، لا يزال يصر على القيام بالتدريس ويمضي وقتا لتعليم الناس وتثقيفهم، حيث يرى أن تأثير التعليم عميق وبعيد المدى.
خلال الخمس عشرة سنة التي أمضاها بجامعة التربية في هونغ كونغ، يلتزم البروفيسور لي بمفهومه في إعداد المعلمين. في عام 2026، ستحتفل جامعة التربية في هونغ كونغ بالذكرى السنوية العاشرة لترقيتها من معهد إلى جامعة. قال البروفيسور لي: "من السهل العثور على معلم يعلمك المعارف المدونة في الكتب التعليمية، ولكن من الصعب العثور على معلم يعلمك كيف تكون شخصا نافعا. المعلم المتميز هو الأساس الجوهري لنظام التعليم في الجامعة، ستواصل جامعة التربية في هونغ كونغ التركيز على إعداد معلمين متميزين. هدفنا هو تمكين كل خريج من إحداث تأثير إيجابي على طلابه وأن يصبح معلما حقيقيا."
عن عمله في جامعة التربية في هونغ كونغ، لدى البروفيسور لي العديد من الذكريات التي لا تنسى. على سبيل المثال، تمت ترقية معهد هونغ كونغ للتعليم إلى جامعة التربية في هونغ كونغ، حيث أخذ زمام المبادرة في جمع نخبة من الرياضيين في هونغ كونغ، وتدشين التعاون التعليمي في إطار "الحزام والطريق". قال: "فيما يتعلق بالتعاون التعليمي في إطار 'الحزام والطريق'، قبلت جامعتنا حتى الآن سبعة طلاب دكتوراه من كازاخستان، منهم خمسة يحصلون على تمويل من برامج زمالة الدكتوراه المعنية."
بعد أن شغل منصب رئيس الجامعة، دعا البروفيسور لي إلى إنشاء كليتين جديدتين؛ "كلية أبحاث السياسات التطبيقية ومستقبل التعليم" و"كلية التطوير والابتكار التربوي". أنشأت الأولى "مركز تعليم الذكاء الاصطناعي والكفاءة الرقمية"، بينما تركز الثانية بشكل أكبر على استكشاف نماذج التعليم الناشئة. قال البروفيسور لي: "أملنا هو ألا يقتصر دور المعلم على تدريس المعارف المدونة في الكتب فحسب، وإنما أيضا أن يتكيف مع عالم اليوم المتغير ويفهم تأثير التطورات التكنولوجية على التعليم."
وشدد البروفيسور لي بشكل خاص على أنه كمعلم في ظل نظام "دولة واحدة ونظامان"، من الضروري فهم تنمية البلاد والعالم. قدم "مركز الأمن القومي والتعليم القانوني" الذي أنشأته الجامعة في عام 2016 دعما مهما للدورات المعنية. وقال: "تعليم الأمن القومي أصبح جزءا أساسيا من قيمنا. إنه ليس معرفة في الفصل الدراسي فحسب، وإنما أيضا إدراك مهم للطلاب في مواجهة الأوضاع الدولية المعقدة."
بالإضافة إلى ذلك، أضافت جامعة التربية في هونغ كونغ دورات إلزامية تتعلق بالأمن القومي والقوانين، وتخطط لزيادة تعميق التعليم الوطني. قال البروفيسور لي: "نأمل أن نوفر فرصا إيجابية للطلاب لمعرفة المزيد عن بلادنا وتطوير الشعور بهوية البلاد تدريجيا، وهو أمر بالغ الأهمية للمعلمين في المستقبل."
لا تركز جامعة التربية في هونغ كونغ على تطوير التعليم في هونغ كونغ فحسب، وإنما أيضا تلتزم بتعزيز التبادلات والتعاون مع نظيراتها في بر الصين الرئيسي. في ديسمبر عام 2024، أنشأت جامعة التربية في هونغ كونغ وجامعة هونان الأولى للمعلمين معا "مركز الابتكار والتطوير للتربية الأيديولوجية والسياسية الكبرى". قال البروفيسور لي إن هذا المركز يهدف إلى استكشاف دلالة "المناهج الأيديولوجية والسياسية الكبرى" وتعزيز التربية الوطنية وبناء أخلاقيات المعلمين وأسلوبهم. وأضاف: "من خلال هذا التعاون، يمكننا العمل معا لتعميق تعزيز روح المعلمين في بر الصين الرئيسي وهونغ كونغ."
في عام 2025، وقعت جامعة التربية في هونغ كونغ وجامعة الشؤون الخارجية الصينية في بكين مذكرة تفاهم لإنشاء معهد بحوث العلاقات الدولية التابع لجامعة التربية في هونغ كونغ، للتركيز على العلاقات الدولية والتعليم الدبلوماسي، بالإضافة إلى الأنشطة الأكاديمية مثل دراسات "الحزام والطريق" لاستكشاف تطوير برامج الماجستير وغيرها من الشهادات. قال البروفيسور لي: "لن يؤدي هذا التعاون إلى ترقية وتعزيز المنفعة والتواصل المتبادلين بين بر الصين الرئيسي ومنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة وأوساط التعليم الأجنبي فحسب، وإنما أيضا سيوفر للطلاب منظورا دوليا أوسع."
حقق البروفيسور لي، كتربوي، إنجازات بارزة في مجالات التطوير التربوي والنشر الأكاديمي وتعليم الحياة، من خلال إنجازاته الأكاديمية العميقة وخبرته البحثية الغنية. يعمل حاليا كمحرر للعديد من المجلات المشهورة عالميا وهو عضو أو مستشار للعديد من المجلات المحلية والإقليمية والدولية، مما يدل على مكانته الدولية في الأوساط التعليمية والأكاديمية. في الأوساط الأكاديمية، نشر وحرر أكثر من 25 كتابا، ونشر أكثر من 175 مقالة أكاديمية، وعمل كرئيس تحرير مشارك لأربع سلاسل كتب أكاديمية. تغطي هذه الكتب تطوير المناهج الدراسية والتعليم من أجل التنمية المستدامة وتعليم الحياة وتعليم اللغة الصينية، مما يعكس التنوع والرؤية الدولية لأبحاثه. وبفضل إنجازاته الأكاديمية المتميزة ومساهماته التعليمية، حصل البروفيسور لي على "كرسي اليونسكو في تطوير التعليم الإقليمي والتعلم مدى الحياة" في عامي 2019 و2023، ومنحته وزارة التعليم الصينية لقب أستاذ كرسي نهر اليانغتسي.
زخم جديد في أوساط التعليم
في أوساط التعليم، إنه شرف عظيم أن يحصل شخص على "كرسي اليونسكو في تطوير التعليم الإقليمي والتعلم مدى الحياة"، وهو تقدير كبير للجهود الدؤوبة التي يبذلها القادة التربويون. قال البروفيسور لي إنه في فترة ولايته الجديدة، سيولي اهتماما خاصا للقضايا المهمة مثل تعليم الحياة والقيم والتربية الإيكولوجية والتعليم بين الثقافات. وأضاف: "لا يتعلق كرسي اليونسكو بهونغ كونغ فحسب، وإنما أيضا يتعلق بتطوير التعليم في المنطقة الآسيوية بأكملها." في عام 2024، أكمل البروفيسور لي والبروفيسور قان قوه تشن دليلا موثوقا به من حوالي 600 صفحة، يناقش تعليم القيم الآسيوية وتعليم الحياة، ويجمع أبحاث 62 من كبار الباحثين في العالم. لقد حقق آفاقا أكاديمية جديدة في مجال التعليم في آسيا. في الوقت نفسه، يتعاون البروفيسور لي بنشاط مع المؤسسات الدولية والباحثين والنظراء المحليين لتعزيز التبادل والابتكار التربويين من خلال البحث ونشر الكتب والندوات وتدريبات الطلاب.
على سبيل المثال، يهتم البروفيسور لي بـ"تيار الذكاء الاصطناعي" بشدة في السنوات الأخيرة. ويرى أن تطوير الذكاء الاصطناعي قد وضع متطلبات أعلى لكل من المعلمين والطلاب، ويجب على الجميع الاستفادة الجيدة من الذكاء الاصطناعي على أساس الالتزام بالأخلاقيات. يكمن مفتاح التعليم في المستقبل في تغيير أدوار المعلمين، ويحتاج المعلمون إلى تحسين التهذيب الذاتي وأن يصبحوا "معلمين للحياة". يجب أن يكون الطلاب ناقدين ومبدعين في استخدام التكنولوجيا.
مع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، يمر قطاع التعليم بتغييرات عميقة، وقد يتمتع الطلاب بوصول متساو إلى أدوات الذكاء الاصطناعي على مدار 24 ساعة أو مساعدي التدريس في المستقبل، سواء كانوا في أفضل الجامعات في العالم أو في القرى الجبلية النائية. مع التطور السريع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تواجه العناصر الأساسية لمجال التعليم إعادة تشكيل.
يرى البروفيسور لي أن ظهور الذكاء الاصطناعي قد فرض متطلبات أعلى للمعلمين والطلاب. قال: "يجب على المعلمين التفكير في كيفية توفير قيمة لا تعوض عن طريق الذكاء الاصطناعي وتلبية احتياجات الطلاب المختلفين من خلال طرق التدريس المتنوعة."
ومع ذلك، يعتقد البروفيسور لي أنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في التعليم، ويقلل من العبء الإداري على المعلمين، ويزود الطلاب بإرشادات تعليمية دقيقة، فإن الأدوات الرقمية لا يمكن أن تحل محل دور المعلمين في التواصل العاطفي وتربية الشخصية. يحتاج المعلمون إلى تحسين التهذيب الذاتي باستمرار، وأن يصبحوا "معلمين للحياة"، وممارسة مفهوم "ترسيخ الأخلاق وتربية النشء"، وهو مجال لا يمكن استبداله بالذكاء الاصطناعي.
تأثير الذكاء الاصطناعي على المعلمين والطلاب عميق. وقد اقترح البروفيسور لي أن يقيم المعلمون علاقات تعاون وثيقة مع الطلاب والشركات والتجمعات السكنية، واستكشاف طرق التدريس المتنوعة، والاهتمام بالقضايا الأخلاقية في استخدام الذكاء الاصطناعي لضمان أن يكون تطبيق التكنولوجيا أخلاقيا وفعالا، مما يساعد الطلاب على تطوير التفكير النقدي والإبداع.
كما أكد البروفيسور لي أن الهدف الجوهري للتعليم ليس فقط الإنجازات الأكاديمية، وإنما أيضا تعزيز سعادة الطلاب ومساعدتهم على أن يصبحوا أشخاصا مفيدين للمجتمع. قدم البروفيسور لي دورة "الفنون الستة الجديدة" في جامعة التربية بهونغ كونغ، والتي تهدف إلى تزويد الطلاب بفهم متعمق للثقافة الصينية وتاريخ الصين، مع إتقان المهارات والقيم التي يتطلبها المجتمع الحديث. يرى البروفيسور لي أن أكفاء المستقبل يحتاجون إلى أخلاقيات مهنية وقدرة على الابتكار والمحبة للوطن واحترام التعددية الثقافية، والتي لا يمكن استبدالها بالذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل البروفيسور لي بنشاط على تعزيز اندماج هونغ كونغ في التنمية الشاملة للتعليم الوطني، ويولي اهتماما للتحديات التعليمية في سياق العولمة، ويلتزم بتدويل اللغة الصينية. من خلال رؤيته الدولية وإجراءاته العملية، يقدم الإلهام للتعليم في هونغ كونغ وحول العالم، مما يدل على قوة التعليم في تغيير العالم.
وبصفته عضوا في المجلس الوطني الرابع عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، يدرك البروفيسور لي جيدا دور هونغ كونغ في الإستراتيجية الوطنية. ويرى أنه في إطار "دولة واحدة ونظامان"، يجب على هونغ كونغ أن توظف بشكل كامل مزاياها المتمثلة في "التواصل الوثيق مع العالم وتلقي الدعم القوي من قبل الوطن الأم" والاندماج بنشاط في التنمية الشاملة للبلاد، بما في ذلك مبادرة "الحزام والطريق" وتطوير منطقة خليج قوانغدونغ- هونغ كونغ- ماكاو الكبرى وإستراتيجية بناء الصين لتصبح دولة قوية في مجال التعليم. وأشار إلى أن هونغ كونغ بحاجة إلى تعميق التعاون مع بر الصين الرئيسي في التعليم والعلوم والتكنولوجيا وإعداد الأكفاء لتعزيز تحديث التعليم الوطني بشكل مشترك.
البروفيسور لي شغوف بتدويل اللغة الصينية. ويأمل أن يكون للصينيين تأثير أكبر على المسرح الدولي من خلال التعليم والتبادلات الثقافية. يعتقد البروفيسور لي اعتقادا راسخا أن تعميم اللغة الصينية في العالم، باعتبارها حاملا مهما للثقافة الصينية، ليس فقط موضوعا لتعليم اللغة، وإنما أيضا مفتاح للإرث الثقافي والتبادل بين الثقافات.
يركز البروفيسور لي على تحديات التعليم في سياق العولمة. وذكر أن التغيرات الجيوسياسية سيكون لها تأثير عميق على نظام التعليم العالمي. لذا، دعا هونغ كونغ وأوساط التعليم العالمي إلى بناء "مجتمع مستقبل مشترك" للتعليم، وتوسيع "الدائرة المتحدة المركز" من خلال التعاون المتعدد الأطراف، وجمع المزيد من القوى الدولية لمواجهة التحديات في المستقبل.