رياضة < الرئيسية

قفزات جديدة للعلاقات الرياضية الصينية- العربية

: مشاركة
2022-12-08 14:39:00 الصين اليوم:Source نان بي باو:Author

الرياضة ليست فقط المنافسات الشديدة والتدريبات الشاقة، والسعي إلى إحراز البطولات والألقاب الفردية للرياضيين، وإنما الأهم أنها عنصر لا غنى عنه في التبادلات الإنسانية والثقافية بين البلدان المختلفة ووسيلة مهمة لتعزيز مشاعر التفاهم بين شعوب العالم، فالرياضيون يضفرون جهودهم للتغلب على التحديات والاستمتاع بمتعة الرياضة معا. وكل هذا يجسد ويؤكد صواب الشعار الأولمبي الجديد "أسرع، أعلى، أقوى، معا".

من المعروف أن العلاقات الودية بين الصين والدول العربية تعود إلى آلاف السنين، وشهدت تطورا مزدهرا في العصر الحديث، وخاصة منذ إعلان الصين لمبادرة "الحزام والطريق". تمتد العلاقات الصينية- العربية إلى معظم جوانب الحياة ومظاهرها، بما فيها الرياضة. فيمكن القول إن الرياضة تمثل جسرا قويا يربط الشعب الصيني والشعوب العربية.

أساس قوي للتعاون الصيني- العربي في مجال الرياضة

منذ إعلان الصين مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013، شهدت العلاقات الرياضية الصينية- العربية تطورا جديدا، فقد زاد عدد الاجتماعات والمحادثات والزيارات المتبادلة الثنائية والمتعددة الأطراف، واتفق كبار المسؤولين الصينيين والعرب على ضرورة تكثيف التعاون الرياضي بين بلدانهم، مما يضع قواعد متينة لتنفيذ مشروعات التعاون المعنية. على سبيل المثال، في يونيو عام 2018، في الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي التي عُقدت في بكين، أصدرت الصين والدول العربية ((الإعلان التنفيذي الصيني- العربي الخاص ببناء "الحزام الطريق")) الذي أكد على أهمية تعميق التعاون في مجال الرياضة. وبعد سنتين، في الدورة التاسعة للاجتماع، أصدر الجانب الصيني والجانب العربي ((البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني- العربي للفترة 2020- 2022)) لمواصلة تنظيم دورات تدريبية للكفاءات العربية في الصين وبالتنسيق مع الجهات المختصة في الدول العربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية في مجال الرياضة، وتعزيز التعاون في مجال الشباب والرياضة عبر تشجيع المؤسسات والجهات الرياضية وجمعيات الرياضية المختلفة لدى الجانبين الصيني والعربي على تعزيز الاتصال والتواصل والتعاون بينهما، وتعزيز التنسيق في الشؤون الرياضية الدولية، بما يدفع بالتطور المشترك للقضية الرياضية الصينية- العربية، والعمل على التشاور والتوقيع على مذكرة تفاهم بشأن التواصل والتعاون بين الجانبين الصيني والعربي في مجال الرياضة.

فضلا عن الاتفاقيات الإرشادية العامة لدفع التعاون الرياضي في إطار منتدى التعاون الصيني- العربي، كثرت الزيارات المتبادلة والاتفاقيات الخاصة بذلك بين الصين والعديد من الدول العربية في السنوات الأخيرة، فتعززت الثقة المتبادلة بين الجانبين في التعاون الرياضي. في مارس عام 2015، قام فنغ جيان تشونغ، الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس الإدارة العامة للرياضة الصينية ونائب رئيس اللجنة الأولمبية الصينية، بزيارة إلى المغرب، وأجرى محادثات مع المسؤولين المغاربة المعنيين حول كيفية زيادة التعاون الثنائي في مجال الرياضة، وخاصة بين شباب الدولتين، ووقّع مع نظيره المغربي مذكرة تفاهم بشأن التعاون المشترك في الرياضة. وفي أكتوبر عام 2016، تلبية لدعوة اللجنة الأولمبية الصينية، زار الصين حسام القرشي، الرئيس التنفيذي والأمين العام للجنة الأولمبية السعودية آنذاك والوفد المرافق له، وأجرى مناقشات شاملة مع يانغ شو آن، نائب رئيس الإدارة العامة للرياضة الصينية آنذاك، حول خبرات الصين في تطوير الرياضات الجماهيرية والرياضات التنافسية وصناعة الرياضة، وطرق تعزيز التعاون الرياضي بين الدولتين في ظل مبادرة "الحزام والطريق" و"رؤية السعودية 2030". وفي ديسمبر عام 2021، كتبت اللجنة الأولمبية المصرية على صفحتها الرئيسية على موقع فيسبوك: "معا نحو المستقبل. اللجنة الأولمبية المصرية تدعم الصين بقوة في استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية والألعاب البارالمبية الشتوية في بكين عام 2022، وتتمنى لها نجاحا باهرا"، ونشرت مقطع فيديو ترويجيا لأولمبياد بكين الشتوية، الأمر الذي جسد التفاهم العميق بين الصين ومصر. وفي فبراير عام 2022، حضر كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي عهد أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة آنذاك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مراسم افتتاح أولمبياد بكين الشتوية وعبروا عن أمنياتهم الصادقة للحدث الرياضي الضخم. كل هذا يظهر الثقة المتبادلة الكبيرة بين الصين والدول العربية ويزيد إمكانيات التعاون الرياضي بينها على كافة المستويات.

منشآت رياضية حديثة في الدول العربية

تعاونت الشركات الصينية والدول العربية في بناء كثير من منشآت البنى التحتية في السنوات الأخيرة لتسريع تنمية تلك الدول ورفع مستوى معيشة شعوبها. ومن بين تلك المشروعات، الملاعب الرياضية الحديثة.

قامت مجموعة الصين للمعادن بمقاولة مشروع ملعب وهران الجديد، بغربي الجزائر. تعاون فريق البناء الصيني مع المهندسين والعمال المحليين وبذلوا قصارى جهودهم في الإبداع والبناء. على سبيل المثال، من أجل بناء الملعب الجميل والمتقدم على شكل شجرة النخيل التي تنتشر في شوارع وهران، قاموا بأعمال القياس والحساب مرارا وتكرارا. برغم التجارب الكثيرة ومنها تجارب لم تنجح، لم يتخلوا عن العمل بل أصروا على تحسين جودة مواد البناء وإعادة تركيبها بصورة دقيقة وصارمة وتغلبوا على كافة التحديات. في يونيو عام 2021، نجح ملعب وهران في استضافة أول حدث رياضي، وكان مباراة لكرة القدم بين المنتخب الجزائري ونظيره الليبيري.

بعد ذلك، واصل فريق البناء الأعمال، والتي تمت جميعها في يونيو عام 2022. تبلغ مساحة ‏الملعب حوالي 530 ألف متر مربع، ويحتوي هذا الملعب على مرافق كثيرة، منها الملعب الرئيسي بسعة أربعين ألف مقعد، المسبحان، ‏القاعة المتعددة الرياضيات والمركز المائي، إلخ. في الفترة ما بين يونيو ويوليو عام 2022، أقيمت في ملعب وهران الدورة التاسعة عشرة لألعاب البحر الأبيض المتوسط والبطولة العربية للسباحة، واستقبل هذا الملعب أكثر من ثلاثة آلاف رياضي من عشرات الدول. اليوم، صار معلما مميزا في ولاية وهران وحتى الجزائر كلها وبإمكانه أن يوفر للمزيد من الرياضيين المحليين ومن الدول المجاورة أفضل الظروف للتدريبات والمنافسات.

إستاد لوسيل في قطر لكأس العالم لكرة القدم، مشروع آخر للنتائج الإيجابية للتعاون الرياضي بين الصين والدول العربية. يقع الإستاد على بُعد حوالي عشرين كيلومترا شمال الدوحة، بمدينة لوسيل. بحسب التصميم، فإنه يتميز بسقف على شكل سرج، ويظهر على شكل وعاء مظلل قابل للسحب وإمكانية فتحه وإغلاقه بالكامل. وفيه قاعدة دائرية ويحيط بها خندق لتوصيله إلى موقف السيارات عن طريق ستة جسور. بدأ مائتا مهندس وعامل تقني وثمانمائة عامل بناء من الشركة الصينية المحدودة لإنشاء السكك الحديدية، الأعمال مع عمال من دول مختلفة بعد توقيع عقد المقاولة الرئيسية في عام 2016. قام المهندسون والعمال الصينيون بجولات من المناقشات لتحويل التصميم إلى واقع وقاموا بالبناء ليلا ونهارا حتى أنجزوا بناء الإستاد الرائع والصديق للبيئة. على سبيل المثال، تم استخدام الطاقة الشمسية التي تتميز بصفر انبعاثات كربونية، لتبريد الملعب؛ وتم إنشاء سلسلة من الأنظمة المتقدمة والذكية ومنها أجهزة جمع مياه الأمطار وإعادة استخدامها وأجهزة تحلية المياه المالحة وترقية أجهزة ري العشب بالرذاذ، مما يوفر 40% من المياه مقارنة مع الملاعب العادية.

بعد سنوات من جهود العمال الصينيين والأجانب، نال إستاد لوسيل تقديرا كبيرا من الخبراء وحصل على شهادتي المنظومة العالمية لتقييم الاستدامة "جي ساس"، من فئة الخمس نجوم في التصميم والبناء، ومن فئة التميز في إدارة البناء، التي تديرها منظمة الخليج للبحث والتطوير، وهذا التقدير الكبير يعود للالتزام بمعايير الاستدامة خلال مراحل تصميم وبناء الصرح المعماري. هكذا، أصبح إستاد لوسيل نموذجا حيا وهاما في التنمية الخضراء والتعاون المثمر بين الصين والدول العربية.

تبادلات رياضية مكثفة بين الصين والدول العربية

في ظل توطيد العلاقات الصينية- العربية، تزدهر التبادلات بين اللاعبين والمدربين من الجانبين، مما يساعد على تقاسم خبرات اللعب ورفع مستوى المهارات الرياضية وبالتالي يعزز التفاهم بين الشعبين الصيني والعربي.

من المعروف أن الصين متفوقة في رياضة تنس الطاولة، وفاز اللاعبون الصينيون بألقاب البطولة في مسابقات دولية وإقليمية كثيرة. من أجل نشر هذه الرياضة في دول العالم، أطلق الاتحاد الصيني لتنس الطاولة خططا كثيرة للتبادلات الرياضية مع الدول الأخرى.

لي تشاو، المدرب الممتاز، يمتلك خبرات وافرة وساعد كثيرا من المتدربين على الحصول على نتائج جيدة في البطولات. وصل لي تشاو إلى دبي، بالإمارات العربية المتحدة قبل ست أو سبع سنوات وأطلق رحلته الجديدة للعمل كمدرب للمنتخب الوطني الإمارتي لتنس الطاولة. من أجل مساعدة الرياضيين المحليين على رفع مستواهم في اللعب، قام لي تشاو بوضع برامج مستهدفة لهم وشجعهم بكل صبر. كان لي تشاو يذهب إلى أندية تنس الطاولة يوميا لإرشاد الرياضيين واكتشف اللاعبين الشباب البارعين. قام بتدريب أكثر من خمسين لاعبا في المنتخب الوطني الإمارتي وثلاثمائة لاعب في أندية الإمارات.

بفضل جهود لي تشاو، حصل اللاعبون الإماراتيون على تدريبات علمية ونظامية أكثر، وارتفعت قوة المنتخب الوطني بصورة كبيرة، فصار من الفرق القوية في غربي آسيا. من أجل الاستعداد لبطولة غربي آسيا لتنس الطاولة للفرق في عام 2019، تلقى أعضاء المنتخب الوطني للإمارات تدريبات مكثفة في الصين ولعبوا مع اللاعبين الصينيين بتنسيق من لي تشاو، وهذه التجربة ساعدت لاعبي المنتخب الإماراتي على تحسين حركاتهم وتوسيع آفاقهم في آن واحد. بعد عدة أشهر من التدريبات الفعالة، قدم المنتخب الإماراتي أداء مدهشا في البطولة وفاز باللقب لأول مرة في تاريخ بطولة غربي آسيا لتنس الطاولة، مما رفع شعبية تنس الطاولة في الامارات وشجع المزيد من الأطفال الإماراتيين على تجربة هذه الرياضة الممتعة.

الووشو رياضة تقليدية في الصين، ولها عشاقها في الدول العربية، من الكبار والصغار والرجال والنساء بسبب حركاتها المتنوعة والمثيرة. هكذا، صارت رياضة الووشو جانبا مهما في التبادل الرياضي بين الصين والدول العربية. تبعث الحكومة الصينية المعلمين المتخصصين إلى الدول العربية لتعليم المحليين ولزيادة معرفتهم برياضة الووشو والثقافة الصينية. ما هونغ وو، معلم ووشو في جامعة شيبي للمعلمين، ذهب إلى مصر في عام 2015 وعمل كمدرب ووشو في المركز الثقافي الصيني بالقاهرة. من أجل تعليم المتدربين المحليين، قام ما هونغ وو بالحديث معهم بشكل دقيق لمعرفة دوافعهم لممارسة الووشو ومستواهم. بعد ذلك، وضع خطط معنية بحسب حالاتهم ومتطلباتهم. على سبيل المثال، من أجل تعليم المتدربين الشباب الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كثيرا، تصفح ما هونغ وو على شبكة الإنترنت وجمع الأخبار وحمل الموسيقى والأفلام ومقاطع الفيديو القصيرة وشاركها مع المتدربين لتسهيل إتقان حركات الووشو المعقدة. وبالنسبة إلى المتدربين من كبار السن، الذين يهتمون بالصحة، علّمهم ما هونغ وو الحركات الأساسية ونشر فوائدها للجسم والعقل بعبارات بسيطة. وهذا رفع مستوى المتدربين بسرعة وعزز فهمهم للووشو والثقافة الصينية كما رسخ العلاقات بين الشعبين الصيني والمصري.

بالإضافة إلى ذلك، يشارك كثير من الرياضيين من كل جانب في مسابقات تقام في الجانب الآخر، الأمر الذي يزيد معارفهم بالدول المضيفة ويعزز التبادلات الرياضية أيضا. على سبيل المثال، يمثل المتزلج فائق عابدي، أول سعودي شارك في أولمبياد بكين الشتوية في فبراير عام 2022 وخاض منافسة التزلج على الجبال العالية للرجال ليصنع تاريخا جديدا، وقد أثار اهتماما كبيرا في السعودية ودول الخليج. خلال بقائه في بكين، تلقى فائق عابدي التدابير الصحية الصارمة والخدمات الدقيقة التي قدمتها الصين لضمان صحة كل الرياضيين والشخصيات المعنية ونجاح هذا الحدث العالمي. أبدى فائق عابدي إعجابه الكبير بتقدم الصين في الرياضات الشتوية والأداء الممتاز للرياضيين الصينيين في المنافسات المختلفة، معربا عن أمله في تعزيز التعاون بين الصين والسعودية في تطوير الألعاب الشتوية في المستقبل. وفي نفس الوقت، أعرب الرياضيون اللبنانيون والمتزلج المغربي ياسين أعويش عن تقديرهم الكبير لقدرة الصين "المتميزة" على تنظيم هذا الحدث الرياضي الدولي وأمنياتهم للتدرب في الصين وتبادل خبرات التزلج مع الرياضيين الصينيين.

وفي المقابل، في بطولة العالم للرماية بالمسدس والبندقية التي أقيمت في مصر خلال الفترة من الثاني عشر إلى الثامن والعشرين من أكتوبر عام 2022، بعثت الصين أربعة وعشرين راميا للمشاركة في منافسات التأهل لأولمبياد باريس وثلاثة وعشرين راميا ناشئا لمنافسات للناشئين. فضلا عن تقديم مهارات الرماية الرائعة وقدرتهم العالية على التكيف النفسي في المسابقات القوية وتحقيق نتائج مرموقة، أجروا تبادلات ودية مع الرماة من الدول الأجنبية، ومنهم الرماة المصريون، مما عزز الاستفادة المتبادلة والكسب المشترك بينهم.

لقد صار التعاون الرياضي من أهم العناصر الديناميكية لتوثيق العلاقات الصينية- العربية إذ يشارك كثير من الناس، والشباب على وجه الخصوص، في التدريبات والمنافسات والأعمال المعنية معا، بعيدا عن كافة الحواجز، الأمر الذي يعزز التفاهم والصداقة المخلصة بينهم. على أساس النتائج المثمرة من التعاون العملي، تحدونا الثقة بأن التعاون الرياضي بين الصين والدول العربية سيحقق إنجازات أكبر ويعود بفوائد أكثر على الشعبين الصيني والعربي في المستقبل.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4