صيد الأسماك ليس شيئا جديدا في الصين، فقد كان من المهن الرئيسية ومصدر الرزق لسكان المناطق الساحلية. بالنسبة لكبار السن، كان الصيد، بالقارب أو بالسنارة، وسيلة لقضاء الوقت والتفكير في الحياة. ثمة أبيات شعر وحِكَم تصف صيد الأسماك. اليوم، مع تطور المجتمع وارتفاع مستوى معيشة الصينيين، يتحول صيد الأسماك من مصدر لكسب الرزق وهواية لكبار السن إلى رياضة ترفيهية تجذب مجموعة هائلة من الشبان.‏

أسباب عشق صيد الأسماك

عندما يُسئل ممارسو الصيد من الشبان عن أسباب عشقهم صيد الأسماك، يتحدثون غالبا عن تجاربهم الشخصية. ويمكن تلخيص الأسباب التي تجذبهم لهذه الرياضة فيما يلي:

أولا، يوفر صيد الأسماك فرصة جيدة للاستمتاع بجمال الطبيعة. مع التطور المستمر للتحول الحضري والتصنيع في العقود الماضية، غادر كثير من الشبان مواطنهم للعيش والعمل في المدن الكبيرة مثل بكين وشانغهاي وشنتشن حيث تتاح لهم مزيد من فرص العمل اللائقة وهم يستفيدون من التقدم التكنولوجي وتطور الاقتصاد في المدن. ورغم أنهم يتعودون على إيقاع الحياة السريع، فإن هذا النمط من الحياة يجعلهم يشعرون بالتعب أحيانا. الأسوأ أنهم يتعرضون لتلوث الهواء والتلوث الضوئي والصوتي أحيانا، فيتوق كثير منهم إلى الخروج للطبيعة للابتعاد عن الأجواء المرهقة ومشكلات الحياة. عندما تجلس على شاطئ البحر الواسع وتصيد الأسماك، تنظر إلى السماء الصافية والمياه النقية، تتنسم عبق الزهور الطيبة وتستمع إلى زقزقة العصافير. هكذا، تحيط بك الطبيعة المريحة وتستمتع بعجائب الطبيعة تاركا كل ما ينغص حياتك خلف ظهرك، وكل هذا يزيدك تعظيما للطبيعة.

ثانيا، يساعد صيد الأسماك على تعزيز طاقة الجسم. على عكس الشائع بأن الصيد للراحة وعدم الحركة فقط، فالحقيقة أنه رياضة مفيدة للجسم. من ناحة، عندما تجلس على شاطئ البحر لساعات طويلة، تتعرض لأشعة الشمس التي تعتبر مصدرا رئيسيا لفيتامين د الذي يلعب دورا كبيرا في نمو الجسم وترسيب الكالسيوم في العظام، وتقليل خطر الإصابة بهشاشة العظام وغيرها من الأمراض. ومن ناحية أخرى، الصيد رياضة تحرق السعرات الحرارية، وذلك لأن الصيد يشمل كثيرا من الحركات مثل تغرية قاطع الخطاف وإطلاق الخيط واسترجاعه وجمع الأسماك، وكلها تتطلب استخدام عضلات الذراع والرسغ والكتف والظهر والساق. فضلا عن ذلك، عندما تصطاد في الضفاف المتعرجة، تستخدم عضلات قليلة الاستخدام في الممارسات الرياضية العادية. لذلك، الصيد مفيد لبناء العضلات وتعزيز توازن الجسم وتنسيقه إلى حد كبير.

ثالثا، يعزز صيد الأسماك الصحة العقلية والنفسية. اختلافا عن الرياضات التنافسية الأخرى، صيد الأسماك رياضة هادئة، فأنت تراقب بكل جدية لعدة ساعات حركة الرياح والموج وتصرفات الناس وغيرها من العناصر التي تؤثر في نتيجة الصيد. ومن المعروف أن صيد الأسماك ليس أمرا سهلا، بل يتطلب منك أن تجرب مرارا وتكرار، الأمر الذي يعلمك مواصلة التركيز لفترة طويلة ويزيد صبرك من أجل الوصول للغاية وهذا مهم جدا للشبان المرهقين بكثرة الأعمال. وفي نفس الوقت، عند صيد الأسماك، تقضي ساعات طويلة جالسا على ضفاف البحر ومستمتعا بالهواء النظيف والمياه النقية، مما يخفف حدة التوتر والقلق في الحياة ويزيد الشعور بالسلام الداخلي.

تطور صيد الأسماك بين الشبان الصينيين

صيد الأسماك، باعتباره رياضة ترفيهية توفر فرصة للتمتع بالمناظر الطبيعية وتفيد صحتك البدنية والنفسية والعقلية، تحظى بإقبال متزايد بين الشبان الصينيين الذين يتطلعون إلى حياة أكثر جمالا وسعادة.

أشارت بيانات إحصائية غير كاملة من الاتحاد الصيني لصيد الأسماك، أن عدد عشاق صيد الأسماك في الصين تجاوز 140 مليون شخص، 12% منهم تحت سن 18 عاما و10% تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما و46% تتراوح أعمارهم بين 25 و44 عاما. ويوضح ((تقرير الرياضات الخارجية 2023)) لشركة جينغدونغ أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 22 عاما و44 عاما هم المجموعة الرئيسية لصيد الأسماك. يعمل تشانغ تشاو، البالغ من العمر 29 عاما، مدير تسويق بشركة مالية في بكين ويصيد الأسماك في عطلة نهاية أسبوع في إحدى ضواحي المدينة. يأخذ مستلزمات الصيد الخطاف والخيط والسنارة والعوامة والطعم وغيرها، ويجلس على ضفة النهر ساعات طويلة صامتا وهادئا. قال تشانغ تشاو إنه مشغول كثيرا في أوقات الدوام، وصيد الأسماك وسيلة ترفيهية مناسبة له. ذهب إلى أنهار كثيرة في ضواحي بكين ومقاطعة خبي، وقد رأى مزيدا من الشبان يشاركون في هذه الرياضة الساحرة في السنوات الأخيرة.

في الوقت الحاضر، لم تعد المعدات التقليدية تلبي احتياجات عشاق صيد الأسماك بين الشبان. من أجل زيادة متعة صيد الأسماك وتعزيز الفعالية، يفضل عدد متزايد من الشبان الصينيين استخدام المعدات المتقدمة. على سبيل المثال، كان قضيب الصيد يصنع من الخيزران في الماضي. أما الآن، فتنوعت مواده مع تقدم التكنولوجيا وزيادة متطلبات الناس وظهرت القضبان المصنوعة من الألياف الزجاجية المتميزة بالمرونة والمتانة والقضبان المصنوعة من ألياف الكربون التي تتميز بخفة الوزن، بالإضافة إلى قضبان الصيد في النهر والبحر. وفي نفس الوقت، يفضل بعض الشبان صندوق الصيد المتعدد الوظائف والمقاوم للغبار والماء، والكراسي الخفيفة والمواد الخاصة ذات التصميم المريح، وجهاز استكشاف الأسماك باستخدام السونار.

واختلاف عن صيد الأسماك بأنفسهم، يفضل الشبان الصينيون تبادل تجاربهم في الصيد مع الآخرين، فيجعلونه نشاطا اجتماعيا ممتعا لهم بعد أوقات الدوام. بدأت تشو ران، المعلمة الجامعية في شنتشن بمقاطعة قوانغدونغ، تصيد الأسماك منذ عام 2021، وشاركت في نادي صيد الأسماك المحلي الذي ينظم أنشطة الصيد عدة مرات كل شهر. قالت تشو ران إنها تريد الاسترخاء من خلال صيد الأسماك. في هذا النادي، تعرفت على كثير من الأصدقاء الشبان الجدد. رغم أنهم يعملون في مجالات مختلفة، يحبون كلهم صيد الأسماك والتمتع بجمال الطبيعة ويمكنهم تبادل الآراء حول تجارب صيد الأسماك الممتعة. بالإضافة إلى ذلك، قامت تشو ران بتسجيل بعض مقاطع الفيديو القصيرة عن صيد الأسماك ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يجذب أكثر من ثمانين ألف متابع لها. قالت تشو ران إنها تعلمت معلومات جديدة من خلال التبادل مع أصدقائها في النادي ومستخدمي الإنترنت، وزادت من عشقها لهذه الرياضة الممتعة.

مسابقات ونشاطات صيد الأسماك

مع انتشار صيد الأسماك بين الشبان الصينيين وزيادة عدد المشاركة فيه، أقامت الصين كثيرا من المسابقات والنشاطات على المستوى الدولي والوطني والمحلي، والتي أثارت اهتمام الصيادين الشبان للمشاركة فيها.

في أكتوبر عام 2023، استضافت بكين الدورة الثامنة لمسابقة الصداقة الدولية لصيد الأسماك في بكين، والتي تعد إحدى أهم عشر مسابقات دولية جماهيرية في بكين وشارك فيها مائة صياد من ثلاثين دولة، معظمهم من الشباب، ومنهم السيد تشانغ الذي قال إنه شارك عدة مرات ويستمتع بجمال الطبيعة وتبادل خبرات الصيد مع المشاركين الأجانب وقد تعلم منهم كثيرا وعزز الصداقة معهم أيضا.

في نفس الشهر، أقيمت في ووهان، حاضرة مقاطعة هوبي، مسابقة صيد الأسماك الصينية لكأس بحيرة دونهو، وشارك فيها حوالي ألف فرد، بعضهم من الشبان المحبين صيد الأسماك. بعد ذلك، استضافت ووهان مسابقة دونغهو الجماهيرية لصيد الأسماك، الأمر الذي قدم منصة مهمة لعشاق صيد الأسماك وفرصة جيدة لتقاسم الآراء والتجارب عن هذه الرياضة الترفيهية.

بالإضافة إلى المسابقات الدولية والوطنية، أُقيمت في كثير من المناطق بالصين نشاطات ومسابقات صيد الأسماك بحجم صغير للشبان المولعين بصيد الأسماك. في يونيو 2019، شارك خمسون صياد شابا في مسابقة صيد الأسماك تحت رعاية إدارة الرياضة بمدينة نيجيانغ في مقاطعة سيتشوان. قال لي ون هوي، الذي توج في المسابقة، إن رياضة صيد الأسماك تمارين هوائية تخفف حدة التوتر والاكتئاب وتحسن صحة العظام والصحة الوظيفية في نفس الوقت. وفي يونيو عام 2023، من أجل زيادة رغبة الشبان في صيد الأسماك وإثراء حياتهم الروحية، نظمت إدارة حي ووشينغ بمدينة هوتشو في مقاطعة تشجيانغ مسابقة صيد الأسماك ودعت عشاق هذه الرياضة لتجربة الصيد لمدة ساعة واحدة، الأمر الذي جذب عددا كبيرا من الشبان.

مع تطور المجتمع وزيادة اهتمام الشبان بصحتهم البدنية والنفسية، يمارسون رياضات متنوعة لتقليل الضغوط الناجمة عن الأعمال والحياة. تحول صيد الأسماك إلى رياضة ترفيهية حديثة بين الشبان. ومع زيادة الممارسين وظهور المنافسات والأنشطة المتنوعة، سيكون صيد الأسماك أكثر شعبية بين الشبان الصينيين.