تتميز الرياضة بأنها تجعل الأفراد ذوي نفس الهواية يتجمعون ويتنافسون معا، لتحقيق طموحاتهم الرياضية، بغض النظر عن جنسياتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم. إنها لغة عالمية لتعزيز العلاقات الاجتماعية وبناء الصداقة القوية.
تضرب الصداقة الصينية- العربية بجذورها في أعماق التاريخ. منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، شهدت العلاقات بين الجانبين القائمة على المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، تطورا سريعا، حيث تعززت الثقة السياسية المتبادلة وحققت التبادلات الاقتصادية والتجارية إنجازات ملحوظة وتكثفت التبادلات الثقافية الإنسانية. لقد قدمت الصين والدول العربية نموذجا رائعا للتبادلات بين الأمم المختلفة. أما الرياضة، فلعبت دورا مهما في تخطي حواجز اللغة والثقافة وتعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل بين الشعب الصيني والشعوب العربيةـ وخاصة منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي في عام 2004.
الزيارات المتبادلة تعزز العلاقات الرياضية بين الجانبين
ترى كل من الصين والدول العربية أن الرياضة وسيلة فعالة لتعزيز التفاهم والانسجام بين الشعوب. في السنوات المنصرمة، قام المسؤولون من الأجهزة الحكومية والمنظمات والاتحادات والشركات الرياضية في الصين والدول العربية بزيارات متبادلة مكثفة، لوضع خطط التعاون والقيام بمشروعات التعاون الرياضي. على سبيل المثال، في نوفمبر عام 2022، التقى سفير الصين لدى مصر لياو لي تشيانغ، بوزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي، أثناء المهرجان الدولي للتجديف، وأكدا على نتائج التعاون المحققة بين الجانبين فيما يتعلق بالرياضة، وعبرا عن رغبتهما المشتركة في استكشاف سبل التعاون الجديدة في مجالي الشباب والرياضة في المستقبل.
إن دورة الألعاب الآسيوية ليست حدثا رياضيا كبيرا للاعبين الآسيويين فحسب، وإنما أيضا منصة مهمة لتعزيز الصداقة بين الشعوب المختلفة. لقد بذلت مدينة هانغتشو، حاضرة مقاطعة تشجيانغ، جهودا حميدة للتحضير للدورة التاسعة عشر للألعاب الآسيوية عام 2023، وجمعت الكثير من الخبرات في سبل معالجة التحديات وحالات الطوارئ. عبرت كثير من الدول الآسيوية عن رغبتها في تبادل وجهات النظر مع هانغتشو، ومنها السعودية التي حصلت على حق استضافة دورة الألعاب الآسيوية 2034. في مارس عام 2023، قام ثلاثة مسؤولين من اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية بزيارة هانغتشو، حيث تفقدوا مركز هانغتشو الأولمبي وملاعب السباحة والفروسية والرياضات الإلكترونية وغيرها من الملاعب الرياضية، وتحدثوا مع مسؤولي اللجنة المنظمة في هانغتشو لمعرفة تصميم الملاعب وخطة أعمال الاستعداد للمسابقات، الأمر الذي يدفع التبادل الفعال والإيجابي بين الجانبين.
ومع التطور السريع للرياضات الإلكترونية في السنوات الأخيرة وزيادة عدد المشاركين فيها، تم إدراجها ضمن المسابقات الرسمية للألعاب الآسيوية. تولي الصين والدول العربية اهتماما كبيرا لتعزيز التعاون في هذا الصدد. في يوليو عام 2023، حضر الأمير فيصل بن بندر بن سلطان آل سعود، رئيس الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية ورئيس الاتحاد العربي للرياضات الإلكترونية، القمة العالمية للرياضات الإلكترونية التي أقيمت في شنتشن بالصين وألقى كلمة رئيسية، موضحا الآفاق المشرقة للرياضات الإلكترونية في بلاده في إطار "رؤية 2030"، ومعربا عن أمله في التعاون مع الشركات الصينية المعنية في تطوير البرامج الجديدة ونشر هذه الرياضات.
المنشآت والمرافق الرياضية تدفع عجلة التعاون الرياضي بين الجانبين
مع تكثيف الزيارات المتبادلة بين الصين والدول العربية، توسع نطاق التعاون بين الجانبين إلى تهيئة المرافق الرياضية اللائقة لتحسين ظروف التدريب الرياضي للسكان المحليين. على سبيل المثال في تونس، يعتبر المركز الثقافي والرياضي للشباب بالمنزه السادس، الذي تم تشييده عام 1990 بمساعدة الجانب الصيني، معلما مهما للصداقة بين الشعبين الصيني والتونسي. مع زيادة الطلب على اللياقة البدنية وتنويع أهداف اللياقة الشخصية في تونس، قام الجانب الصيني بإعادة التهيئة والترميم الضروري للمركز مرتين في عام 2012 وعام 2017، وجعله مركزا متكاملا للأنشطة المتنوعة والمتعددة في مجالي الثقافة والرياضة للشباب من مختلف الشرائح العمرية. فضلا عن أعمال ترميم، ساهمت الصين في تقديم الأدوات الضرورية للتدريبات الرياضية والفنية والثقافية، مما رفع جودة الأنشطة في المركز إلى حد كبير.
مع التشغيل السلس للمركز الثقافي والرياضي للشباب بالمنزه السادس، والإقبال الكبير عليه من المحليين، بدأت الشركات الصينية في أغسطس عام 2019، بناء المركز الثقافي والرياضي للشباب في بن عروس بتونس، الذي يعتبر أحد المشروعات المهمة في إطار البناء المشترك لـ"الحزام والطريق". تبلغ مساحة المركز 5ر15 ألف متر مربع، ويضم منطقة عمل ومسبحا وقاعة عروض وقاعات للأنشطة الثقافية ومواقع ترفيهية وملاعب رياضية، مما يقدم للشباب المحليين مكانا جديدا لتلقي التدريبات وتنظيم الأنشطة.
وفي الإمارات العربية المتحدة، ساعدت الشركات الصينية في بناء عدد من المشروعات الكبيرة في السنوات الماضية، ومنها مشروعات رياضية. في أكتوبر عام 2023، أكملت إحدى الشركات الصينية بناء إستاد القبة الهوائية في مدارس الإمارات الوطنية بأبو ظبي على مساحة 5451 مترا مربعا. وهذا الإستاد الذي يضم ملعبا لكرة السلة وملعبا للبادل وملعبا للكرة الطائرة وملعبا لكرة القدم، يتميز بطبقة مزدوجة من مواد القطن العازل للحرارة وتقنية اللحام الخالية من الجسر البارد لتقليل تبديد الطاقة. فضلا عن ذلك، تم تجهيز هذا الإستاد بنظام تنقية الهواء الفعال للتخلص من الجزيئات الموجودة في الهواء، ونظام التحكم والمراقبة الذكي للتحكم في درجة الحرارة والرطوبة داخل الإستاد. هكذا، يتم تقليل التأثيرات السلبية المحتملة على أداء الطلاب وتحسين جودة تدريباتهم الرياضية.
الأنشطة المتنوعة تشجع مزيدا من الناس على المشاركة
شهدت السنوات الأخيرة العديد من الأنشطة والفعاليات الرياضية الممتعة التي أقامتها الصين والدول العربية، وعززت الصداقة بين الشعب الصيني والشعوب العربية. ابتكرت الصين رياضة الساندا وطورتها، وصارت رائدة فيها وظهر بها مجموعة من لاعبي الساندا الممتازين. أما مصر، فهي دولة قوية في هذه الرياضة أيضا، وفاز اللاعبون المصريون في العديد من المسابقات الدولية والإقليمية. من أجل إظهار مهارات الرياضيين المتميزة وكسب الخبرات المفيدة، أقام المركز الثقافي الصيني بالقاهرة ووزارة الشباب والرياضة المصرية والاتحاد الصيني للووشو ونظيره المصري معا، ثلاث دورات من بطولة حورس للساندا والووشو منذ عام 2018، بمشاركة عشرات اللاعبين الصينيين والمصريين الرائعين من الفئات المختلفة. بالرغم من المنافسات الشديدة، يجمع المشاركون على أن هذه البطولة فرصة جيدة لكلا الجانبين، حيث تعلموا من بعضهم البعض وتناقشوا في الحركات والتكتيكات بكل صراحة.
مع زيادة حاجة المجتمع الدولي إلى الاهتمام بتقليل التلوث بكافة أشكاله في المجتمع الدولي تتعاون الصين والدول العربية في تنظيم الأنشطة الرياضية لتعزيز مفاهيم حماية البيئة. أطلقت منظمة التعاون العالمية لمدن القناة التاريخية والثقافية، حملة "صفر كربون، نظافة المياه" للتجديف في الأنهار والقنوات المائية بالعالم في عام 2021. حيث تم التجديف في 37 دولة و167 مدينة ذات قناة عبر ست قارات، بمشاركة أكثر من ثمانية آلاف فرد. في عام 2022، بمناسبة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 27) التي أقيمت في مدينة شرم الشيخ الساحلية بمصر، نظمت يانغتشو، مقر منظمة التعاون العالمية لمدن القناة التاريخية والثقافية بالصين، والقاهرة بمصر معا مسابقة للتجديف. وفي ديسمبر عام 2023، في أثناء الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) التي استضافتها الإمارات، اختتم المهرجان الدولي للتجديف في دبي، الأمر الذي يساعد على نشر مفهوم حماية البيئة وتحفيز المشاركين والمشجعين الصينيين والعرب على المشاركة في التنمية المنخفضة الكربون.
بالإضافة إلى تنظيم الأنشطة الرياضة للتركيز على أهمية حماية البيئة، تعاونت الصين والدول العربية في إقامة الفعاليات الرياضية احتفالا بدورة الألعاب الآسيوية وتعزيز الروح الرياضية. تعتبر حملة سباق "الجري المرح" جزءا مهما لدورة الألعاب الآسيوية منذ إطلاقها في عام 2006. تدعو هذه الحملة جميع الدول والمناطق الآسيوية إلى المشاركة فيها، سعيا لتمتين العلاقات الودية بينها. قبل افتتاح الدورة التاسعة عشر للألعاب الآسيوية في هانغتشو، تعاونت اللجنة المنظمة مع المجلس الأولمبي الآسيوي واللجان الأولمبية لبعض الدول والمناطق الآسيوية في إقامة حملة سباق "الجري المرح" ابتداء من أكتوبر عام 2022. غطت هذه الحملة أكثر من أربعين مدينة آسيوية، بعضها في الدول العربية. على سبيل المثال، في فبراير عام 2023، أقامت اللجنة الأولمبية القطرية سباق "الجري المرح" الترويجي لدورة الألعاب الآسيوية بمناسبة الاحتفال باليوم الرياضي للدولة، مما يؤكد على اهتمام قطر بالمشاركة في الفعاليات الرياضية ويظهر حرص الدولة على تعزيز الصداقة مع الصين. وفي مايو عام 2023، أقيم سباق "الجري المرح" الترويجي في فلسطين، وجذب أكثر من ثمانمائة مشارك من فئات الأعمار المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، أقيم سباق "الجري المرح" في الكويت والسعودية والبحرين وسوريا، وشارك فيه السكان المحليون بكل بحماسة وشغف.
الرياضة جسر يربط بين الشعوب. تمثل الزيارات المكثفة ومشروعات المنشآت والمرافق الرياضية والأنشطة الرياضية المتنوعة صورة مصغرة للتعاون القوي بين الصين والدول العربية في مجال الرياضة. مع تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية بين الصين والدول العربية، وتحقيق المكاسب المتبادلة في إطار منتدى التعاون الصيني- العربي والبناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، يتطلع كل من الشعب الصيني والشعوب العربية إلى المشاركة في المزيد من التبادلات الرياضية والتمتع بالسحر الخاص في المسابقات العادلة والفعاليات الرائعة.