من المعروف أن الصينيين يحبون ممارسة الرياضة، حتى في فصل الشتاء البارد. ومنذ فوز الصين باستضافة الدورة الرابعة والعشرين للألعاب الأولمبية الشتوية، حققت رياضات الشتاء تطورا بارزا وأضحى ال
التزلج على الجليد في بكين
التزلج على الجليد ليس فقط رياضة خاصة في بكين وإنما أيضا له تاريخ غني يعود إلى العصور القديمة. أشارت كثير من الكتب التاريخية إلى لعبة التزلج في الشتاء. مثلا، ذكر كتاب ((تاريخ أسرة سونغ.. الطقوس والعادات)) أن "بينغشي"، أي اللعب على الجليد، كان شائعا في حديقة القصر الإمبراطوري في الشتاء. ومع تعميم هذه اللعبة خلال مئات السنين اللاحقة، أصبح التزلج على الجليد من الرياضات الجماهيرية المفضلة لأبناء بكين. أحب الإمبراطور تشيان لونغ في أسرة تشينغ (1644- 1911م) التزلج على الجليد كثيرا، وكان يقيم نشاطات ومسابقات كبيرة كل عام، مما دفع تعميمه وترقية ممارساته بمختلف الأنواع بين الشعب. بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، اهتمت الحكومة بتطوير الرياضات الجماهيرية وقامت ببناء وإعادة بناء حلبات التزلج الطبيعية في الهواء الطلق والمفتوحة للجماهير.
تعد بحيرة شيتشاهاي الواقعة بالقرب من الخط المحوري في وسط بكين، حلبة التزلج الأكثر الشعبية في العاصمة الصينية. تتكون شيتشاهاي من البحيرة الأمامية والبحيرة الخلفية، والبحيرة الغربية وتبلغ مساحتها المائية 336 ألف متر مربع، مما يجعلها حلبة مثالية لعشاق التزلج منذ أسرتي مينغ (1368- 1644م) وتشينغ. خلال العقود الماضية، وبعد إزالة الطمي من قاع البحيرة وتنظيف المياه وتزويدها بمرافق السلامة ووضع المعايير الصارمة بشأن تصرفات الكيانات التجارية حول بحيرة شيتشاهاي، صارت هذه البحيرة من أفضل المواقع لممارسة رياضات الشتاء الجماهيرية في بكين، وأُدرجت في قائمة "أجمل عشر حلبات تزلج في العالم" في عام 2013. عندما تفتتح حلبة التزلج في بحيرة شيتشاهاي في الشتاء، يتدفق إليها كثير من الناس من كل أنحاء البلاد للتزلج في الهواء الطلق. في الخامس عشر من يناير عام 2024، أُقيمت فيها الدورة العاشرة للمهرجان الرياضي والثقافي للجليد والثلج، فقصد إليها عدد هائل من الزوار الصينيين والأجانب. ومن أجل تشجيع الحاضرين على المشاركة في التزلج، رتبت اللجنة المنظمة سلسلة من المسابقات الرياضية، مثل كرة القدم على الجليد، وسباق قوارب التنين على الجليد.
فضلا عن بحيرة شيتشاهاي، تعد بحيرة كونمينغ في القصر الصيفي حلبة تزلج رائعة أخرى في بكين. كان القصر الصيفي حديقة للعائلة الإمبراطورية في فترة أسرة تشينغ، وتتميز بالمناظر ذات الخصائص المتباينة. لذلك، يزورها عدد كبير من السياح من مختلف أنحاء البلاد كل عام، وخاصة في فصل الشتاء، للتمتع بالتزلج وبالمناظر الجذابة. في الثامن والعشرين من ديسمبر عام 2023، افتتحت حلبة التزلج في بحيرة كونمينغ واجتذبت أكثر من 230 ألف زائر لممارسة ركوب الدراجات الخاصة على الجليد والمشاركة في سباق تزلج التتابع وغيرهما من رياضات الشتاء الترفيهية.
صيد الأسماك في شمال شرقي الصين
كان صيد الأسماك مصدر رزق وهواية للمسنين في الماضي. الآن، صار رياضة ترفيهية شعبية تساعد على تعزيز طاقة الجسم وزيادة الصبر والتمتع بالهواء النظيف والمياه النقية. مع ذلك، هل تريد صيد الأسماك في الشتاء؟ ربما يرفض كثير من الناس هذه الفكرة. في الحقيقة، في بعض مناطق شمالي الصيني، يصيد العشاق الأسماك حتى ولو في الشتاء القاسي والمياه المتجمدة.
صيد الأسماك في الشتاء ببحيرة تشاقان في مدينة سونغيوان بمقاطعة جيلين في شمال شرقي الصين له تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل أكثر من ألف عام. كان المحليون ينصبون الخيام على الجليد ويحفرون الثقوب المناسبة، ثم يضعون الشباك تحت سطح الجليد في الأعماق لتدخل الأسماك فيها، بينما تكون درجة الحرارة أقل من عشرين أو ثلاثين درجة مئوية تحت الصفر على السطح. بعد ألف سنة، ما زال بعض الصيادين المحليين يحافظون على هذا التقليد الذي دخل قائمة التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني.
مع تنوع رياضات الشتاء في السنوات الأخيرة، يذهب بعض عشاق الصيد والسياح العاديين إلى بحيرة تشاقان لتجربة صيد الأسماك تحت إشراف متخصصين، في الفترة ما بين ديسمبر ومارس العام التالي. قال السيد قاو، الذي يصيد الأسماك كهواية منذ عدة السنوات، إن أكبر ميزة للصيد في الشتاء هي الاقتراب من الطبيعة والتحرك على الجليد. مقارنة مع الصيد في فصول السنة الأخرى، يتعين على الصياد أن يراقب تغيرات الطقس حتى ولو كان التغير طفيفا. وأضاف أنه بفضل الحماية الكافية واستخدام الموارد على نحو مستدام، تعيش في البحيرة أنواع مختلفة من الأسماك، ما يجعل هواة الصيد من الأماكن الأخرى يأتون إلى هنا في الشتاء.
أما منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، فتشتهر بالصيد تحت الجليد أيضا، حيث تبلغ مساحة المياه المتجمدة بها نحو 5500 كيلومتر مربع. تقع بحيرة أولونغور في محافظة فوهاي بمدينة آلتاي وهي ثاني أكبر بحيرة في منطقة شينجيانغ، ويعيش فيها سمك الدنيس السيبيري والفرخ الأوروبي وغيرهما. لذا، يحب كثير من عشاق الصيد أن يصيدوا في هذه البحيرة في فصل الشتاء والتمتع بحماسة الصيد الخاصة. ومن أجل تلبية احتياجات الزوار للمعدات والأجهزة المعنية خلال صيدهم في الجليد، توفر الشركات المحلية الخيام وقصبات الصيد، وأدوات المطبخ ومعدات التدفئة، إلخ. في الفترة من السابع إلى التاسع من يناير عام 2024، جاء أكثر من مائتي صياد من داخل منطقة شينجيانغ وخارجها إلى هذه البحيرة من أجل الصيد.
السباحة في الشتاء
يعتقد كثير الناس أن السباحة رياضة صيفية، وأن السباحة في فصل الشتاء أمر خطير، ظنا الطقس البارد يؤدي إلى الإصابة بالزكام، لكن الحقيقة عكس ذلك. السباحة في الشتاء لها فوائد كثيرة، ومنها أن السباحة في المياه الباردة تعزز جهاز المناعة بزيادة عدد خلايا الدم البيضاء خلال تفاعل السباح مع الظروف المتغيرة؛ وتحسن الدورة الدموية من خلال إسراع ضخ الدم وزيادة معدل ضربات القلب في المياه الباردة؛ وتنشط الإندورفين لتقليل الآلام التي يشعر بها السباح في المياه.
يدرك المزيد والمزيد من هواة السباحة في الصين أهمية أداء السباحة في فصل الشتاء، ويمارسونها بحماسة عندما يأتي الشتاء. مع ازدهار السياحة في مقاطعة هيلونغجيانغ في شهور الشتاء، يتدفق هواة السباحة إليها للاستمتاع بالسباحة في الأنهار والبحيرات. في الخامس عشر من فبراير عام 2024، أي اليوم السادس لعطلة عيد الربيع حسب التقويم القمري الصيني، احتشد آلاف من هواة السباحة في قاعدة الدب القطبي للسباحة في منطقة جياقداتشي بمقاطعة هيلونغيانغ. برغم البرد القارس، كانوا متحمسين في القيام بتمارين الإحماء بصورة كافية. بعد ذلك، قفزوا في المياه الباردة للاستمتاع بالسباحة. قال هو شياو، وهو سباح من مقاطعة شنشي، إنه غادر منزله في اليوم الأول للعطلة وقطع مسافة حوالي ثلاثة آلاف كيلومتر بالسيارة من أجل السباحة في قاعدة السباحة الواقعة في أبعد نقطة بشمالي الصين. رغم أنه لم يبق في المياه لوقت طويل، يرى أن هذه التجربة مثيرة للغاية وستشجعه على التغلب على الظروف الصعبة في المستقبل.
السباحة في الشتاء ليست رياضة خاصة للمناطق الشمالية في الصين، بل يمكن لعشاق السباحة في جنوبي الصين ممارستها في فصل الشتاء كذلك. على سبيل المثال، تتميز السباحة في نهر يونغجيانغ بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ في جنوبي الصين بتاريخ طويل والمشاركة الواسعة النطاق. في رأس السنة الجديدة 2024، عبر نهر يونغجيانغ أكثر من ثلاثة آلاف عاشق للسباحة، أكبرهم عمره 84 عاما وأصغرهم عمره سنتان فقط. قالت ليو هاو مين، إنها وحماتها وأولادها الثلاثة شاركوا في هذا النشاط معا. بفضل التضامن والتعاون، وصلوا إلى النهاية بنجاح، الأمر الذي يعزز العلاقة بين أفراد العائلة ويشجعهم على قهر أي صعوبة في الحياة.
وفي مدينة هانغتشو، بمقاطعة تشجيانغ بشرقي الصين، يرغب عشاق الصيد في السباحة الشتوية أيضا. في التاسع من فبراير عام 2024، عشية عيد الربيع، اجتمع العديد من السباحين في حديقة يونخه في جبل قنشان للسباحة كالمعتاد. بعد أن تبادلوا التهنئة بالسنة الجديدة، بدأوا السباحة في المياه واستمتعوا بالفرحة الغامرة في الهواء الطلق البارد.
مع انتشار رياضات الشتاء المتعددة الأنواع في الصين، أصبحت حياة الصينيين أكثر سعادة يوما بعد يوم. فصل الشتاء ليس موسم البرد والملل، وإنما يوفر للناس فرصة جيدة للتمتع بسحر الطبيعة الذي لا يمكن رؤيته في فصول السنة الأخرى. يمكن لكل فرد اختيار رياضة الشتاء المفضلة له، سواء التزلج على الجليد في بكين، أو قضاء الوقت في خيمة دافئة انتظارا للأسماك في شمالي الصين، أو القفز في مياه البحر الباردة لتحدي الذات، إلخ. مهما كانت الرياضة التي تمارسها، لا بد أن تشعر بالسحر المميز لها وروعة الجمال في الطبيعة.