الرياضات الخارجية، بوصفها أنشطة يمارسها الناس في الحدائق أو بين الجبال، أو على شواطئ البحار، تساعد على تقوية الجسم والعضلات وتحسين الحالة المزاجية وتعزيز الصحة النفسية وتخفيف التوتر والقلق. مع تسارع وتيرة العمل والحياة في الصين والاهتمام المتزايد بجودة الحياة، يميل الصينيون إلى ممارسة الرياضات الخارجية في أوقات الفراغ.

أشار ((تقرير تنمية صناعة الرياضات الخارجية الصينية لعامي 2022- 2023)) الصادر على هامش مؤتمر صناعة الرياضات الخارجية الصينية الذي عقد في أكتوبر 2023، إلى أن الرياضات الخارجية مثل ركوب الدراجات والتخييم حققت نموا كبيرا في عامي 2022 و2023. وازداد حجم الطلب عليها بنسبة 79% في النصف الأول من عام 2023 مقارنة بما كان عليه في العام السابق وبنسبة 221% مقارنة بما كان عليه في عام 2019. وفي الشهر التالي، أصدرت الإدارة العامة للرياضة في الصين ((برنامج تعزيز بناء مرافق الرياضات الخارجية وتحسين الخدمات المعنية للفترة من عام 2023 إلى عام 2025، والذي جاء فيه أن الحجم الإجمالي لصناعة الرياضات الخارجية سيبلغ ثلاثة تريليونات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 3ر7 يوانات تقريبا حاليا). لذا، تعتبر ممارسة الرياضات الخارجية نمطا جديدا للحياة في المجتمع الصيني حاليا وفي المستقبل.

المشي لمسافات طويلة

المشي لمسافات طويلة ‏رياضة مشهورة في الخارج، لكنها لم تكن شائعة كثيرا في الصين. أما الآن، فأضحت رياضة ناشئة بين الصينيين الذين يستكشفون طرقا مناسبة متنوعة للمشي.

في ثلاثينات القرن العشرين، أصدر الروائي البريطاني المشهور جيمس هيلتون رواية ((الأفق المفقود)) حيث صور مكانا خياليا وغامضا وجميلا في غربي جبال الهيمالايا واسمه "شانغريلا"، الأمر الذي حفز كثيرا من الناس من شتى البقاع للسفر إلى مقاطعة يوننان للبحث عن جنة الأحلام، فصارت يوننان مقصدا سياحيا رائعا.

وادي هوتياو في ولاية ديتشينغ الذاتية الحكم لقومية شيتسانغ بمقاطعة يوننان، يعتبر واحدا من أفضل عشرة طرق كلاسيكية للمشي لمسافات طويلة في العالم، ويجذب عددا هائلا من محبي الرياضة. يبلغ طول خط السير في هذا الوادي 5ر16 كيلومترا، ويمكن للمسافرين التمتع بجروف شاهقة الارتفاع وشلالات كبيرة وأمواج النهر، بعيدا عن الضجيج والضوضاء في المدن الكبيرة. قال وانغ منغ، وهو مسافر من مقاطعة شانشي، إنه يفضل المشي في الهواء الطلق والاقتراب من الطبيعة جسديا وعقليا.

يعتبر المشي في ضواحي المدن اختيارا جيدا أيضا لمحبي هذه الرياضة. يتجه بعض الناس إلى ضواحي بكين للتنزه سيرا على الأقدام في عطلات نهاية الأسبوع والإجازات. قالت فيّْ يانغ إنها مارست رياضة المشي في عدة دول أوروبية عندما كانت تدرس في فرنسا. أما الآن، فبسبب العمل الكثير والأعباء الأسرية، لا تستطيع أن تسافر إلى أماكن بعيدة للحصول على قسط من الراحة. لكن، مع تطور هذه الرياضة الخارجية في الصين وتحسين المرافق المعنية، بدأت من جديد في ممارسة المشي لمسافات طويلة، وذهبت إلى قرية تشاشيكو بحي يانتشينغ وقرية جيوقوكو في حي هوايرو خلال عطلة عيد العمال وعيد قوارب التنين في هذا العام. أشارت السيدة فيّْ إلى أن المشي دواء عجيب، يعالج الإرهاق الجسدي والنفسي إلى حد كبير، ويجعلها تعزز الثقة بالنفس أكثر لمواجهة التحديات في الحياة.

تسلق الجبال

تسلق الجبال ليس رياضة جديدة في أي بلد، ولكن البعض يرى فيه خطورة ومغامرة. مع زيادة إقبال الصينيين على ممارسة الرياضة ومع تطور الموارد الطبيعية، يعتقد كثير من الناس أن تسلق الجبال طريقة سهلة وممتعة لتحقيق الراحة الحقيقية.

الصين دولة شاسعة المساحة وبها ثروات طبيعية وفيرة ومتنوعة، مما يوفر ظروفا مثالية للتمتع بمناظر طبيعية مذهلة وتقاليد مختلفة لدى السكان المحليين على طول الطرق إلى قمم الجبال. على سبيل المثال، تقع منطقة سيقونيانغ السياحية في ولاية آبا الذاتية الحكم لقوميتي شيتسانغ وتشيانغ بمقاطعة سيتشوان في جنوب غربي الصين، وتبعد عن تشنغدو، حاضرة مقاطعة سيتشوان حوالي 220 كيلومترا وبالقرب من محمية وهلونغ الطبيعية الوطنية. بفضل الجبال ذات الارتفاعات المختلفة داخل المحمية، يأتي إليها المتسلقون من أصحاب مهارات التسلق المتباينة. ويمكن لهم أن يتمتعوا بمناظر الثلوج الكثيفة والغابات المظلمة والأنهار الصافية فضلا عن حياة السكان المحليين الهادئة، مما يجعلهم يحصلون على السلام الداخلي.

إلى جانب ذلك، يعد جبل تايشان من مقاصد التسلق أيضا. يقع جبل تايشان في مدينة تايآن بوسط مقاطعة شاندونغ، شرقي الصين. تبلغ مساحته أكثر من أربعمائة كيلومتر مربع، ويبلغ أقصى ارتفاع له عن سطح البحر 1545 مترا. يشتهر بأشجار الصنوبر القديمة، والصخور الكبيرة والغيوم. وحسب الثقافة الصينية التقليدية، فإن السماء والأرض تدعمهما خمسة جبال عظيمة، ومن بينها جبل تايشان الذي يرمز إلى الأمة الصينية. لذا، كان مكانا يقدم فيه الأباطرة القرابين للسماء والأرض طلبا لسلامة الوطن واستقراره. بفضل المناظر الطبيعية المتميزة والآثار الثقافية الرائعة في جبل تايشان، أدرج في قائمة التراث الطبيعي والثقافي العالمي في عام 1987. لذلك، يختار كثير من الصينيين تسلق جبل تايشان في رحلة تمتد لساعات من أجل اللياقة البدنية والاستمتاع بالمناظر الطبيعية في آن واحد.

مع انتشار رياضة تسلق الجبال في الصين وزيادة عدد المتسلقين، تزداد نشاطات الجمعيات المعنية لإذكاء حماسة الناس للمشاركة فيها. أقامت حكومة مدينة تايآن بمقاطعة شاندونغ والدوائر السياحية والثقافية والرياضية أول دورة من المهرجان الدولي لتسلق جبل تايشان في عام 1987 لتعزيز النمو الاقتصادي والانفتاح على الخارج، وواصلت إقامة المهرجان في السنوات اللاحقة. في سبتمبر عام 2023، افتتحت الدورة السابعة والثلاثون من المهرجان بحضور ألفي متسلق محترف وثمانية آلاف متسلق هاو، وبذلك أصبحت أكبر دورة في تاريخ المهرجان. وعلاوة عن ذلك، تقام في جبل سونغشان وجبل هنغشان وجبل هوانغشان وغيرها من الجبال المشهورة مهرجانات مماثلة كل سنة لتلبية طلب الجمهور على ممارسة الرياضة الخارجية.

ولتشجيع مزيد من الناس من الفئات المختلفة على تسلق الجبال، أقيمت في الصين جمعيات وأندية مختصة بتسلق الجبال. تأسست جمعية نسر الجبل (جمعية تسلق الجبال للطلاب) في جامعة بكين في عام 1989، وتعد من أفضل الجمعيات الجامعية في مجال الرياضة الخارجية في الصين. وعلى مدار أكثر من ثلاثين عاما، تم تنظيم أنشطة التسلق في أكثر من خمسين بلدة في منطقة شينجيانغ ومقاطعة تشينغهاي ومقاطعة يوننان وغيرها من أجل التمتع بالمناظر الطبيعية من جانب والتعرف على حياة السكان المحليين من جانب آخر. وتعد جمعية تسلق الجبل في محافظة جينيون بمقاطعة تشجيانغ مثالا جيدا آخر. منذ إنشائها رسميا في عام 2009، من قبل أحد المتسلقين المحليين، نظمت أكثر من مائتي نشاط كل سنة، وازداد عدد أعضائها إلى نحو ألف شخص من جميع أنحاء الصين، مما يعزز حماسة عشاق تسلق الجبال، ويقدم لهم منصة كبيرة لتبادل خبرات التسلق.

التخييم

التخييم أسلوب ترفيهي يهدف إلى الاستراحة النفسية والجسدية. بمجرد ذكر كلمة التخييم، يخطر على البال مشهد السماء الصافية والزهور الجميلة وقضاء وقت الفراغ مستلقيا على كرسي مع شرب القهوة والدردشة مع الأصدقاء. واختلافا عن الرياضات التي تتطلب ملاعب وأدوات خاصة، يمكنك أن تنصب خيمة في حديقة مجاورة للتجمع السكني الخاص بك أو حديقة غابات أو ضفة النهر أو غيرها من الأماكن العامة الجميلة والآمنة. وفيما يخص أغراض التخييم، لديك اختيارات مختلفة وفقا لمتطلباتك. تعد الخيمة القوية ومظلة التخييم وحقيبة النوم ومصباح التخييم والكراسي والطاولة القابلة للطي أغراضا أساسية للمبتدئين. إذا أردت زيادة متعة تجربة التخييم، يمكنك أن تحضر الخضراوات والفواكه والأطباق الخفيفة وحتى فرن باربكيو وصندوق مكبر صوت وجهاز صنع القهوة، إلخ.

بفضل سحر التخييم المتميز، حظى التخييم بإقبال واسع من الصينيين، كبارا وصغارا، رجالا ونساء في السنوات الأخيرة.‏ يعمل لي شين، في إحدى شركات التخييم في حي هوايرو ببكين منذ أكثر من ثلاث سنوات. قال إن الشركة تنظم أنشطة بموضوعات مختلفة كل شهر، مثل الحفلات الموسيقية الصغيرة وسباقات القرص الطائر ولعب الطائرة الورقية في الفضاء الواسع، الأمر الذي يجذب كثيرا من الشباب لتجربة التخييم، ويساعدهم على التخلص من التعب اليومي وتوسيع دائرة الأصدقاء. كما أشارت نتائج استطلاع رأي أجرته صحيفة ((شباب الصين)) إلى أن التخييم أصبح وسيلة جديدة للتواصل الاجتماعي بين الشباب.

وبالإضافة إلى ذلك، يفضل بعض الناس أن يأخذوا أولادهم وأقاربهم للتمتع بالتخييم معا في عطلة نهاية الأسبوع وغيرها من العطلات. على سبيل المثال، السيد تشانغ يانغ وزوجته يعملان في شركة إنترنت بمنطقة تشونغقوانتسون في بكين، ويدرس ابنهما في المدرسة الابتدائية. بسبب الأعمال الكثيرة، لا يكون لديهما وقت لزيارة أقاربهم. من أجل تحسين العلاقة الأسرية، قرر تشانغ وزوجته تنظيم نشاط التخييم في حديقة الغابات مع جده وجدته وعمه وزوجة عمه وعمته وغيرهم من الأقارب في عطلة عيد العمال في مايو عام 2024. قال تشانغ يانغ، إن التخييم يوفر مكانا أكبر للأولاد للعب والاقتراب من الطبيعة وفرصة سانحة له للبقاء بجانب كبار السن من أقاربه والاعتناء بهم.

مع تحسين جودة حياة الصينيين بصورة تدريجية وزيادة طلبهم على الحياة الصحية والسعيدة، أصبح المشي لمسافات طويلة ‏وتسلق الجبال والتخييم وغيرها من الرياضات الخارجية من ضمن الاختيارات التي يمكنهم اللجوء إليها لتحقيق الراحة النفسية والجسدية بشكل كامل وتعزيز رغبتهم في اكتشاف الطبيعة والمحافظة على موقف إيجابي إزاء الحياة والمستقبل.