من المعروف أن رقصة التنين والأسد تعد فقرة مهمة في المناسبات الصينية الكبيرة، مثل حفلات الزفاف وعيد الربيع. وفضلا عن كونها عرضا فنيا، فإنها رقصة ممتعة تجذب عددا كبيرا من المحبين في العالم.
رقصة التنين والأسد في الصين القديمة
رقصة التنين والأسد التي يرجع تاريخها إلى آلاف السنين، تبرز حكمة الشعب الصيني وسعيه للسعادة والسلام. التنين مخلوق خيالي ومسجّل في الأساطير والخرافات الشرقية والغربية. التنين في الثقافة الغربية وحش سحري كبير، وتصوره الأساطير اليونانية على أنه حارس الكنوز، الذي يرمز للجشع والدمار. في الثقافة الصينية، يتميز التنين أي "لونغ" في اللغة الصينية، بدلالات إيجابية فقد كان الصينيون يعتقدون أن التنين رمز للسلطة والقوة والحكمة والشجاعة. لذلك، تجد أن التنين الصيني بطل رئيسي في الاحتفالات والطقوس التقليدية في الصين.
رقصة التنين نابعة من الاحترام الكبير الذي يكنه الصينيون للتنين. هذه الرقصة، على الرغم من غموض أصلها بين الأكاديميين، ظهرت بشكل عام في الفترة ما بين أسرة هان الغربية (206ق.م.- 24م) وأسرة هان الشرقية (25- 220م). وقد ذكر في كتاب ((تشونتشيو فانلو)) لدونغ تشونغ شو، المفكر والباحث الكبير في أسرة هان الغربية، أن عروض رقصة التنين كانت تقدم في مناسبات مختلفة. وذكر تشانغ هنغ، العالم الفلكي في أسرة هان الشرقية، في كتاب ((شيجينغفو))، أن الإمبراطور وو دي لأسرة هان الغربية شاهد عرض "جياودي" المتميز بالرقص والموسيقى والتقنيات البهلوانية وحتى الخدع. وكان عرض "جياودي" يعني رقصة التنين.
توسع انتشار العرض فيما بعد وتنوعت أشكال التنين، منها التنين الناري، والتنين الخيزراني، وفوانيس التنين. يختلف عدد اللاعبين حسب المواد المستخدمة وطول التنين وألوانه. أضحت رقصة التنين رقصة مفضلة للعائلة الإمبراطورية وعامة الناس.
أما رقصة الأسد، فيرجع تاريخها إلى عهد الإمبراطور تشانغ دي في أسرة هان الغربية، بعد أن دخل الأسد الحقيقي إلى الصين لأول مرة. اعتبر الصينيون الأسد رمزا ميمونا فقلدوا حركاته وابتكروا رقصة الأسد، التي شهدت تقدما كبيرا في فترة أسرة تانغ (618- 907م)، حيث سُجل في قصائد تانغ أن اللاعبين بالأزياء الخاصة قد رفعوا "رأس الأسد" و"جسم الأسد" المصنوعين يدويا وقدموا عرضا رائعا على إيقاع الموسيقى. كان لرقصة الأسد مكانة عالية في فترة أسرة تانغ، إذ كانت تعد عرضا خاصا للإمبراطور فقط.
ومع انتقال بعض سكان شمالي الصين إلى الجنوب في فترة الأسرات الخمس (907- 960م) بسبب الحروب المستمرة والأنظمة المتعاقبة، انتشرت رقصة الأسد إلى منطقة لينغنان أيضا، وحققت تطورا جديدا في قوانغدونغ وفوجيان وغيرهما من المناطق الجنوبية، على أساس الرقصات والرياضات المحلية.
وفي فترة أسرة سونغ الشمالية (960- 1127م) وفترة أسرة سونغ الجنوبية (1127- 1279م)، زاد انتشار رقصة الأسد بين عامة الناس، إذ قدمت فرق التمثيل عروض رقصة الأسد التي اشتملت على كثير من حركات الووشو والحركات القتالية في الشوارع خلال الأعياد، الأمر الذي جذب عددا كبيرا من المشاهدين.
استمر تطور رقصة الأسد في الأسرات اللاحقة، وباتت رقصة شعبية مهمة في المجتمع الصيني. ومع انتشارها في أرجاء البلاد، تشكلت لها مدرستان، وهما مدرسة رقصة الأسد الشمالية، أي "بيشي"، المنتشرة في شمالي الصين، ومدرسة رقصة الأسد الجنوبية أي "نانشي" المشهورة في جنوبي الصين.
تطور رقصة التنين والأسد في الصين الجديدة
تولي الحكومة المركزية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية اهتماما بالغا برقصة التنين والأسد، باعتبارها رقصة تقليدية، مما دفع تطور هذه الرقصة العريقة. على سبيل المثال، في عام 1953، قدم اللاعبون عرض رقصة الأسد في دورة الألعاب الوطنية للأقليات القومية، فازدادت شعبيتها كثيرا.
وتحت رعاية الحكومة الصينية ودعمها الكبير، تطورت رقصة التنين والأسد وصارت رياضة لها معاييرها وأنظمتها. في عام 1992، قام الخبراء والأكاديميون في مجال رقصة التنين بصياغة ((نظام المنافسات الوطنية لرقصة التنين))، وذلك بتنظيم لجنة الرياضة لجمهورية الصين الشعبية (الإدارة العامة للرياضة في الصين حاليا). وفي فبراير عام 1995، اعتمدت الإدارة العامة للرياضة في الصين إدراج رقصة التنين والأسد في قائمة المنافسات الوطنية الرسمية، فكان ذلك تحولا مهما في مسيرة رقصة التنين والأسد؛ وفي إبريل من نفس العام، استضافت بكين الدورة الأولى للبطولة الوطنية لرقصة التنين والأسد. وفي أكتوبر عام 2024، استضافت مدينة جيانغين، بمقاطعة جيانغسو الدورة السادسة عشرة للبطولة الوطنية لرقصة التنين والأسد. بمشاركة أكثر من 1900 لاعب من مئات المنتخبات، ما يعكس شعبية هذه الرقصة في الصين.
ومن أجل نشر رقصة التنين والأسد بشكل منهجي، تأسست الجمعية الصينية لرقصة التنين والأسد في يوليو عام 1995 في بكين، حيث تتولى إدارة الأنشطة الوطنية المتعلقة برقصة التنين والأسد مسؤولية ترويجها وتنظيم وتعزيز الصداقة والتعاون مع جمعيات رقصة التنين والأسد في الدول الأخرى ووضع خطط التطوير وأنظمة المنافسات، بالإضافة إلى إجراء البحث العلمي.
مع الدخول إلى القرن الحادي والعشرين، أحرزت رقصة التنين والأسد تقدما مطردا. نظرا لمتعتها المتميزة وقيمتها في توارث الثقافة الصينية التقليدية الممتازة وفوائدها للصحة، تم إدراج رقصة التنين والأسد في قائمة التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني في عام 2006، مما يظهر أهمية حمايتها وتطويرها في المجتمع الصيني.
في عام 2014، طرح مجلس الدولة الصيني ((اقتراحات بشأن تسريع تنمية الصناعة الرياضية وتعزيز الاستهلاك الرياضي)) حيث أشارت الاقتراحات إلى تطوير رقصة التنين والأسد وغيرها من الرياضات التقليدية. وفي عام 2017، أدرجت الإدارة العامة للرياضة في الصين رقصة التنين ضمن المنافسات الجماهيرية للألعاب الوطنية لأول مرة، مما أتاح لها منصة جديدة للتطوير. وفي يوليو عام 2017، شارك اللاعبون من ستة عشر فريقا في المنافسات النهائية لسباق رقصة التنين ضمن الدورة الثالثة عشرة للألعاب الوطنية في تيانجين، حيث توج فريق هونان بسباق الأساليب الاختيارية بفضل أدائه المتميز، بينما فاز فريق سانلين من شانغهاي بسباق الأساليب التقليدية.
بفضل أداء اللاعبين الرائع في سباق رقصة التنين للمنافسات بالدورة الثالثة عشرة للألعاب الوطنية، وزيادة تأثيرها في أنحاء البلاد، قررت الإدارة العامة للرياضة في الصين إدخال كل من رقصة التنين ورقصة الأسد في قائمة المنافسات الجماهيرية للدورة الخامسة عشرة للألعاب الوطنية في عام 2023، ما يؤكد على الانتشار الواسع لهذه الرقصة في العصر الجديد في الصين.
ومن أجل تعزيز معرفة الأطفال والناشئين الصينيين برقصة التنين والأسد، أُنشئ نادي رقصة التنين والأسد رسميا في كلية الرياضة بجامعة هونان للمعلمين في يوليو عام 2003. وهو أول ناد يحصل على اعتماد الإدارة العامة للرياضة في الصين في مجال رقصة التنين والأسد. وفي نهاية ذات العام، تأسست الجمعية الفرعية لرقصة التنين والأسد التابعة للجمعية الرياضية للطلاب الجامعيين في الصين في جامعة تشونغنان بمدينة تشانغشا. قامت هذه الجمعية الفرعية بتدشين المشروع الترويجي "إدراج رقصة التنين والأسد في منهج الرياضة في مائة جامعة صينية"، مما أدى إلى مشاركة أكثر من مائة وعشرين جامعة في هذا المشروع. اليوم، عندما تدخل إلى الجامعات الصينية، من المرجح أن ترى الطلاب الجامعيون يعرضون رقصة التنين والأسد في المهرجانات الثقافية بكل مهارة.
فضلا عن ذلك، أصدرت وزارة التعليم الصينية في مارس 2022 ((برامج ومعايير المناهج للتعليم الإلزامي)) نسخة عام 2022، وأوضحت إدراج رقصة التنين والأسد في منهج الرياضة. يتعلم الطلاب المعلومات الأساسية والحركات البسيطة لرقصة التنين والأسد في منهج الرياضة سعيا لإثراء الحياة المدرسية للطلاب وتقوية صحتهم وتعزيز قدرتهم على التعاون وتذليل التحديات.
شعبية متزايدة في العالم
رقصة التنين والأسد ليست رقصة مشهورة في الصين فحسب، وإنما انتشرت حول العالم ونالت شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة. مع هجرة الصينيين إلى جنوب شرقي آسيا والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية وأوروبا والتأقلم مع الظروف المحلية، يعرض الصينيون وأبناؤهم وحتى أحفادهم رقصة التنين والأسد في الأعياد الصينية التقليدية وينظمون المنافسات المعنية، الأمر الذي يساهم في ترويج هذه الرقصة في العالم.
سافر مجموعات من الصينيين من المناطق الساحلية إلى جنوب شرقي آسيا للعمل والتجارة قبل مئات السنين واستقر بعضهم هناك. نُقلت معهم رقصة التنين والأسد إلى المجتمع المحلي وحققت تطورا جديدا. مثلا، على أساس حركات رقصة الأسد التقليدية، ابتكر لاعبون ماليزيون من أصول صينية رقصة الأسد على الأعمدة العالية والتي تتطلب قدرة عالية على حفظ التوازن والاستجابة الصحيحة للوضع المتغير، فضلا عن المهارات المتفوقة في رقصة الأسد. وفي إندونيسيا، مع انتشار رقصة التنين والأسد وزيادة عدد اللاعبين المحليين، أُقيمت سلسلة من المنافسات الممتعة. في مايو عام 2024، أقيمت البطولة العالمية الأولى لكأس الرئيس لرقصة التنين والأسد بمشاركة حوالي ثلاثمائة وخمسين لاعبا من ماليزيا وسنغافورا والصين وتايلاند وفيتنام والفلبين واليابان وميانمار وأستراليا، مما يجعلها منافسة مهمة في مجال رقصة التنين والأسد ويدفع ترويجها في العالم كله.
ومع زيادة تأثير الثقافة الصينية وانتشار الرياضات الصينية التقليدية في الشرق الأوسط، باتت رقصة التنين والأسد تحظى بإعجاب السكان المحليين بشكل متزايد. في يناير عام 2024، بمناسبة عيد الربيع وقدوم عام التنين، احتضنت أبوظبي في الإمارات، فعالية رقصة التنين، حيث قدم اللاعبون رقصة التنين على إيقاع ألحان مبهجة، مما اجتذب عددا هائلا من السكان المحليين والسياح من الدول الأخرى، وأعرب كثير من المشاهدين عن رغبتهم في تعلم هذه الرقصة الممتعة. أما في السعودية، فتلقى عروض رقصة الأسد إقبالا متزايدا من الجماهير أيضا. قال تان ليو شنغ، لاعب فرقة رقصة الأسد، إنه وزملاؤه قدموا عروض رقصة الأسد في الرياض في نوفمبر عام 2024. على الرغم من أن هذه أول زيارة له إلى السعودية، شعر بحفاوة الشعب السعودي وسعيه في التعرف على الثقافة الصينية والرياضة الصينية، إذ التقط كثير من المشاهدين المحليين الصور ومقاطع الفيديو خلال عروض رقصة الأسد وصفقوا تصفيقا حارا. أضاف أن هذه الرحلة الناجحة في السعودية زادت من ثقته في ترويج رقصة الأسد العريقة إلى العالم.
تمثل رقصة التنين والأسد المستمرة منذ آلاف السنين، كنزا ساطعا ثقافيا ورياضيا في الصين. ومع تقدم المجتمع وزيادة التكامل والتفاعل بين الدول والشعوب، أصبحت هذه الرقصة أكثر جاذبية بين الناس، بل وتطورت إلى رقصة مهمة تعزز الصداقة بين الشعوب من مختلف الدول. نحن نتطلع بكل أمل وتفاؤل إلى أن تحقق رقصة التنين والأسد تطورا أكبر بجهود مشتركة.