سباق فورمولا 1 (Formula One) يُعد أعلى فئة لمنافسات سباقات السيارات ذات المقعد الفردي والعجلات المفتوحة، ويعد من أصعب السباقات وأكثرها إثارة في العالم. منذ إطلاق دورته الأولى في بريطانيا عام 1950، شهد السباق تطورا مستمرا بفضل تحسين تصميم السيارات وتعزيز التقنيات المعنية وتعديل نظام إدارة السباقات، يحقق سباق فورمولا 1 تطورا مطردا ويجذب عددا كبيرا من المشجعين من جميع أنحاء العالم. ويعتبر سباق فورمولا 1 من أكبر ثلاثة أحداث رياضية عالمية، إلى جانب الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم.

فورمولا 1 في الصين

بالمقارنة مع الرياضات الأخرى، ظل سباق فورمولا 1 غير معروف بالنسبة لمعظم الصينيين، ناهيك عن مشاهدة السباقات الاحترافية له، حتى ثمانينيات القرن العشرين، حيث بدأت قنوات تلفزيونية محلية في مقاطعة قوانغدونغ بجنوبي الصين بعرض برامج تحتوي على سباقات فورمولا 1 وأبرز اللحظات فيها. بعد ذلك، بدأت محطات تلفزيونية في شانغهاي وبكين، بالإضافة إلى محطة التلفزيونية المركزية الصينية (CCTV) ببث مقاطع فيديو لسباقات فورمولا 1، مما أثار اهتماما كبيرا بين الصينيين، آملين أن تستضيف بلادهم يوما ما.

بفضل التطور السريع لاقتصاد الصين وزيادة انفتاحها على العالم، أُدخل سباق فورمولا 1 رسميا إلى الصين في أوائل القرن الحادي والعشرين. ففي عام 2001، نصت ((خطة شانغهاي الخمسية العاشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية)) على تسريع بناء منطقة السيارات الدولية في شانغهاي. وفي العام التالي، وجهت الإدارة العامة للرياضة في الصين رسالة إلى حكومة بلدية شانغهاي بشأن دعمها إنشاء حلبة لسباق فورمولا 1 في شانغهاي.

بعد سنتين من أعمال التشييد والبناء، انتهى في عام 2004 مشروع حلبة شانغهاي الدولية لسباق السيارات، التي تبلغ مساحتها الإجمالية 3ر5 كيلومترات مربعة في حي جيادينغ بشمال غربي شانغهاي. يبلغ طول مضمار سباق فورمولا 1 في هذه الحلبة خمسة كيلومترات وأربعمائة وواحد وخمسين مترا، ويتراوح عرضه بين ثلاثة عشر مترا وعشرين مترا، وتصل السرعة القصوى لسيارات السباق فيه إلى 327 كيلومترا/ ساعة. يتميز هذا المضمار بطابع محلي فريد، حيث يأخذ شكله هيئة المقطع الصيني "上" (شانغ) والذي يمثل المقطع الأول في الكلمة الصينية "上海" التي تعني شانغهاي.

استضافت حلبة شانغهاي الدولية لسباق السيارات، سباق جائزة الصين الكبرى للفورمولا 1 في سبتمبر 2004، بعد اجتيازها فحص الاتحاد الدولي للسيارات. وقد فاز بهذا السباق روبنز باركيلو، سائق فريق فيراري، ليصبح أول بطل على هذه الحلبة.

سباق جائزة الصين الكبرى هو أول سباق فورمولا 1 يقام في الصين، وقد شاهده كثير من المشجعين الصينيين والأجانب في الحلبة، بالإضافة إلى ملايين المشاهدين عبر شاشات التلفزيون، مما أظهر شغف الصينيين بهذه الرياضة المثيرة. قال يانغ يي بين، رئيس شركة جيوشي لتنمية الرياضة في شانغهاي التابعة لشركة جيوشي في شانغهاي، التي تستضيف وتنظم سباق جائزة الصين الكبرى، إن السباق في عام 2004 كان حدثا كبيرا في رياضة السيارات الصينية.

بفضل التنظيم الاحترافي والخدمات العالية الجودة وحماسة المشجعين الصينيين، أصبح سباق جائزة الصين الكبرى من أهم السباقات التي ينتظرها السائقون وفرق السيارات. شهدت الحلبة تتويج سائقين مميزين مثل مايكل شوماخر، ولويس هاميلتون، وفرناندو ألونسو وغيرهم. من ناحية أخرى، ساهم السباق في تعزيز شهرة الفورمولا 1 في الصين، حيث تحول من رياضة غير معروفة إلى حدث رياضي يجذب كثيرا من الشغوفين به في الصين.

نجم صيني يسطع في عالم الفورمولا 1

في البداية، كان المشجعون الصينيون يحضرون سباق جائزة الصين الكبرى لتشجيع السائقين الأجانب. ومع تطور سباق فورمولا 1 في الصين في العشرين عاما الماضية، ظهر السائق الصيني تشو قوان يوي في سباق فورمولا 1، وأصبح معشوقا جديدا للمتابعين وحتى الشباب الصينيين.

ولد تشو قوان يوي في عام 1999 في شانغهاي وأظهر منذ صغره شغفا واضحا برياضة السيارات. في سبتمبر عام 2004، وفي سن الخامسة، شاهد الدورة الأولى لسباق جائزة الصين الكبرى. لم يتوقع أحد أن هذا الطفل سيكون أول سائق صيني في الفورمولا 1. بدأ تشو قوان يوي التدرب على قيادة سيارة الكارتينغ في عام 2007. بعد سنة واحدة من التدريب، شارك في السباق الوطني للكارتينغ لأول مرة وحصل على المركز الثالث في فئة NCJ-A. وفي السنتين التاليتين، توج هذا الطفل الموهوب بلقب البطولة في فئتي NCJ-A وNCJ-B على التوالي. وفي عام 2010، أحرز ثمانية ألقاب في السباقات الثمانية، وحصل على جائزتي "أفضل سائق واعد" و"أفضل مبتدئ". وفي عام 2012، ذهب إلى بريطانيا لمواصلة التدرب على قيادة الكارتينغ، وفاز ببطولة أوروبا للكارتينغ في فئة 14-17 سنة لسباق فرنسا، مما أثبت براعته في رياضة السيارات. بعد ذلك، أظهر مهارات استثنائية في سباقات الكارتينغ في بطولة أمريكا وبطولة بريطانيا وبطولة أوروبا في فئته.

بفضل موهبته الكبيرة وجهوده المستمرة، لاحظ فريق فيراري إمكانيات تشو في رياضة سباق السيارات وقدم له فرضة مهمة. في عام 2014، وقع تشو قوان يوي عقدا مع أكاديمية فيراري للسائقين، الأمر الذي فتح له صفحة جديدة في مسيرته في رياضة سباق السيارات.

انتقل تشو قوان يوي إلى إيطاليا وتلقى تدريبات مكثفة هناك، وشارك في سباقات قوية في أماكن مختلفة. قال تشو إن التنافس كان شرسا للغاية، مما دفعه إلى التغلب على كافة التحديات. في أكتوبر عام 2015، حصل تشو قوان يوي على المركز الثاني في سباق إيطاليا للفورمولا 4. وفي مايو عام 2018، فاز بلقب البطولة في الجولة الأولى في السباق لبطولة أوروبا للفورمولا 3، في بو بفرنسا، ليصبح أول سائق صيني يفوز في السباق الأحادي المقعد للفورمولا 3.

في عام 2019، واصل تشو كتابة التاريخ في تلك السباقات. في يناير، التحق تشو بأكاديمية رينو الرياضية وشارك في سلسلة من سباقات فورمولا 2، حيث احتل المركز السابع في الترتيب العام للسائقين في النهاية، ومُنح جائزة "أفضل مبتدئ في العام". وفي عام 2020، حقق نتائج جيدة في السباقات، حتى فاز بأول لقب بطولة له في الفورمولا 2 في سباق الجولة الثانية في مدينة سوتشي الروسية.

مع تقدمه الكبير في السباقات، أثبت تشو قوان يوي قدرته القوية في القيادة والتنسيق مع الأطراف المعنية والتعامل مع الحالات الطارئة أثناء السباق. في نوفمبر عام 2021، أعلن فريق ألفا روميو فورمولا 1 عن تعاقده مع تشو قوان يوي للمشاركة في سلسلة من السباقات العالمية للفورمولا 1 في موسم 2022، ليصبح السائق الثاني للفريق. بذلك، أصبح تشو قوان يوي أول سائق صيني يشارك في السباقات الرسمية للفورمولا 1. وفي ديسمبر من نفس العام، قاد تشو سيارة فريق ألفا روميو وأجرى الاختبارات اللازمة.

في مارس عام 2022، في سباق جائزة البحرين الكبرى، احتل تشو المركز الخامس عشر في سباق التصفيات بزمن دقيقة و543ر33 ثانية. وفي السباق الرسمي، احتل المركز العاشر وحصل على أول نقطة في مسيرته مع الفورمولا 1، ليصبح السائق السادس والستين الذي يحصل على نقطة في مشاركته الأولى في تاريخ سباق فورمولا 1. استكمل تشو المشاركة في سباقاته عبر سبع عشرة محطة من أصل اثنتين وعشرين محطة، ليحصل على ست نقاط في أول موسم له في الفورمولا 1، ومنحته مجلة ((أوتوسبورت)) جائزة "أفضل مبتدئ في العام".

واصل تشو قوان يوي تألقه في الموسمين التاليين في عام 2023 وعام 2024، مما أثار ضجة كبيرة في مجال الفورمولا 1. في إبريل عام 2024، عاد تشو مجددا إلى حلبة شانغهاي الدولية لسباق السيارات في مسقط رأسه، ولكنه جاء هذه المرة للمشاركة في سباق جائزة الصين الكبرى. امتلأت الحلبة بالمشجعين الصينيين، وبعد أن أنهى تشو السباق بكى متأثرا، وقال: "منذ انضمامي إلى الفورمولا 1، ظلت حلبة شانغهاي الدولية لسباق السيارات المكان الذي حلمت بالقدوم إليه. العلم الوطني هو الحافز الذي يدفعني قدما. كل ما أفعله يشاهده العالم أجمع."

نقطة انطلاق جديدة

صادف عام 2024 الذكرى السنوية العشرين لإقامة سباق جائزة الصين الكبرى للفورمولا 1، حيث عادت حلبة شانغهاي الدولية لسباق السيارات لاستضافة سباق جائزة الصين الكبرى في إبريل عام 2024. بعد عشرين عاما من التطور المستمر وزيادة عدد عشاق الفورمولا 1 في الصين، ومع تألق تشو قوان يوي، أصبح سباق جائزة الصين الكبرى في ذلك العام مهرجانا رياضيا وثقافيا رائعا، جذب خلال ثلاثة أيام حوالي مائتي ألف مشجع، 80% منهم من خارج شانغهاي، وهذا رقم قياسي منذ إقامة سباق جائزة الصين الكبرى. فضلا عن ذلك، ومن أجل تقديم خدمات جيدة للمشجعين، تم تنظيم أكثر من عشرين نشاطا ترفيهيا خلال فترة السباق، حيث استمتع المشجعون والزوار بالعروض الثقافية والرياضية، بالإضافة إلى محاكاة قيادة سيارات السباق في مكان خاص.

مع تزايد شعبية الفورمولا 1 في الصين والأداء البارز للسائق الصيني في سباق الجائزة الكبرى، أصبحت الصين سوقا مهما لهذا السباق. من أجل تعزيز انتشار الفورمولا 1 في الصين، أعلنت الفورمولا 1 في ديسمبر 2024، عن تمديد عقدها لمدة خمس سنوات مع شركة جيوشي في شانغهاي، في خطة أكدت أهمية السوق الصينية.

قال ستيفانو دومينيكالي المدير التنفيذي للفورمولا 1: "لقد شهدت الصين زيادة كبيرة في الدعم والاهتمام بهذا السباق. شانغهاي مدينة مذهلة وخاصة أن حلبة شانغهاي الدولية لسباق السيارات تمثل تحديا رائعا للسائقين. نحن نتطلع إلى تحقيق إنجازات أكبر في سباق جائزة الصين الكبرى في السنوات الخمس المقبلة." وقال قوه جيان فيّ، رئيس مجلس إدارة شركة جيوشي بشانغهاي، إن الشركة ستعزز التعاون مع الأطراف المعنية لتحسين جودة السباق وإظهار ميزة شانغهاي وتقديم مساهمات مستدامة.

مع التوصل إلى الصفقة الجديدة، تفتح الفورمولا 1 في الصين فصلا جديدا. وحسب جدول موسم 2025، ستستضيف حلبة شانغهاي الدولية لسباق السيارات سباق جائزة الصين الكبرى خلال الفترة بين الحادي والعشرين والثالث والعشرين من مارس. لا شك أن هذا سيكون حدثا أكثر روعة للسائقين والمشجعين في جميع أنحاء العالم.