ثقافة وفن < الرئيسية

وو وي شان يسرد قصة الصين بالمنحوتات

: مشاركة
2021-04-22 09:05:00 الصين اليوم:Source يانغ شوانغ شوانغ:Author

بإبداعه ومهارته، يجعل النَحّات الأحجار الصماء أعمالا فنية تنبض بالروح والحياة. في كل عمل نحتي للفنان وو وي شان تتجلى تجاربه وعواطفه و‏أبحاثه الفنية وممارسته، وتتراءى قِيَمه الثقافية.

 

"نَحّات العصر"

في يناير سنة ألف وتسعمائة واثنتين وستين، ولد وو وي شان في عائلة مثقفة ببلدة شيان في محافظة دونغتاي بمقاطعة جيانغسو. وعندما بلغ السنة الخامسة أو السادسة من عمره، بدأ شغفه بالرسوم على الأواني الخزفية والرسوم التوضيحية في الكتب القديمة في بيت أسرته. وفي عام 1979، التحق بالمدرسة المهنية للفنون والصناعات الفنية بمدينة ووشي، حيث رأى الكثير من التماثيل المنحوتة لأول مرة، ومنها تماثيل فينوس والتماثيل النصفية لمايكل أنجلو وتماثيل فولتير وتماثيل الإسكندر الأكبر. على مدى عامين في المدرسة، فتحت المهارات الرائعة لنحات الطين السيد قاو بياو عينيه على العالم. كما استفاد من المحاضرات التي ألقاها ‏أساتذة من خارج المدرسة مثل وو قوان تشونغ وتشيان شاو وو استفادة عميقة. وقد ساهمت توجيهات السيد وو كاي تشنغ الذي تخرج في المدرسة الوطنية للتدريب الفني ببكين في وضع أساس قوي لمعارف وو وي شان الفنية العامة.

في عام 1991، عُين وو وي شان، وكان عمره 29 عاما، رئيسا لقسم تدريس وأبحاث النحت بجامعة نانجينغ للمعلمين. وفي ذلك الوقت تلقى دعوة من لين تشانغ وو، الابن الأكبر لأستاذ فن الخط الارتجالي الصيني الكبير في العصر الحديث السيد لين سان تشي، ليقوم بنحت تمثال نصفي لوالده لوضعه في متحف لين سان تشي التذكاري. وعندما تم الانتهاء من نحت التمثال، قال لين تشانغ وو بتأثر شديد: "لقد عاد أبي إلى الحياة!"، شجع هذا وو وي شان بشدة، وخطى بذلك خطوة البداية لنحت ثماثيل لمشاهير المثقفين الصينيين.

اتخذ وو وي شان قرارا في نفسه بأن ينحت تماثيل للمفكرين والعلماء والأدباء والساسة والفنانين الذين تم نسيانهم تدريجيا في التاريخ، معتقدا أنه بذلك سيبدع مهرجانا ثقافيا غنيا، عندما يتعمق فيه الناس سيستشعرون بعظمة أرواحهم والمسار الذي سلكته هذه الأمة.

منذ عام 1994، أبدع وو وي شان عشرات التماثيل لكونفوشيوس بأشكال مختلفة؛ يصل طول أكبرها إلى أكثر من 20 مترا، وأصغرها إلى 70 سنتيمترا. هذه التماثيل تزين العديد من ‏الأماكن الثقافية والتعليمية الهامة في العالم، فضلا عن أربعمائة عمل من "سلسلة تماثيل ‏مشاهير المثقفين في التاريخ الصيني". في لقاء مع برنامج "ابن الشرق" لشبكة تلفزيون الصين الدولية (CGTN)، أطلق مقدم البرنامج على وو ويشان لقب "نحات العصر".

على مر السنين، ظل وو وي شان يتمتع دائما بإحساس قوي بالمهمة الثقافية للفن، وتمنى أن يستخدم نحته لإبداع تماثيل لعمالقة المثقفين في تاريخ الأمة الصينية، حتى يدمج هذه الصور التاريخية في نهر تاريخ البشرية العميق الذي لا ينتهي. وقد توسع نطاق إبداعاته من ‏مشاهير المثقفين المعاصرين إلى مشاهير المثقفين التاريخيين، مثل لاو تسي وكونفوشيوس ووانغ شيان تشي وهوانغ بين هونغ وتشي باي شي. في عام 2014، أشاد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان بالعمل الفني "لاو تسي" الذي أبدعه السيد وو وي شان وحصل على الميدالية الذهبية لمسابقة الفنون الدولية في فرنسا، وقال: "يمكن رؤية الصين من خلال هذا العمل."

في الثاني عشر من نوفمبر عام 2020، بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الأربعين لتأسيس منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة، أقيم معرض "الرجل السائر- وو وي شان بين الصين والعالم" في متحف قوانشانيويه للفنون في شنتشن. وتم عرض 136 عملا فنيا للسيد وو وي شان بالمعرض، من بينها 101 عمل نحتي و35 لوحة رسم. وإلى جانب الأعمال الفنية، تم عرض كثير من الصور والمقالات المتعلقة بالإبداع الفني للسيد وو وي شان وخبرة عمله.

 

الفن ترجمة

 قال وو وي شان: "في عصر العولمة وفي ‏بيئة الفن الشاملة، يجب على الفنانين الصينيين إيجاد نقطة ارتكاز والمحافظة على التوازن حتى يتمكنوا من الدمج العضوي بين الفن الكلاسيكي والإبداع المعاصر، ليمكن للفن الصيني أن يجد موطىء قدم في تاريخ الفنون العالمي". وتطبيقا لهذه الرؤية، طرح وو وي شان مفهوم "النحت التعبيري" استنادا إلى روح دراسته لعلم الجمال الصيني وفن النحت التقليدي الصيني.

إن مصدر الفن التعبيري الصيني هو صور الظواهر الفلكية والملامح الطبوغرافية، ويتماشى مع نظرية الحياة الصينية القديمة التي تتمثل في تعايش الإنسان مع الطبيعة. ويتجلى في الصورة الجمالية الديناميكية في اندماج الظواهر والروح والأخلاق. إن الحكمة التي تبرزها أعمال الفن التعبيري الصيني، وعملية إبداعها والأفكار التي تحتوي عليها وخصائص أشكالها، كل ذلك يتوافق مع صورة الروح الشرقية، وتجسد وتذكي هذه الأعمال روح الأمة الصينية العريقة والمتطورة.

يرى وو وي شان أن ‏الفن في حد ذاته نوع من أنواع الترجمة، وهي ترجمة العالم الموضوعي والعالم المادي إلى وعي ذاتي. خلال زيارته لمدينة فينيسيا بإيطاليا، تخيل أن ممثل ‏الثقافة الشرقية وممثل الثقافة الغربية يتجاوزان الزمان والمكان ويجدفان معا في النهر الطويل للحضارة الإنسانية. ‏لذلك ابتكر عمله الإبداعي ((حوار بين تشي باي شي وليوناردو دا فينشي)). ‏على الرغم من عدم وجود صور فوتوغرافية لهذين الرسامين، هناك لوحات مرسومة، ‏ويحتاج الفنان إلى التفكير في كيفية تحويل ‏الرسومات إلى منحوتات.

صادف عام 2020 الذكرى ‏السنوية الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإيطاليا، ‏وعام السياحة الثقافية بين البلدين. في السابع عشر من يناير عام 2020، تم نصب العمل النحتي ((حوار يتجاوز الزمان والمكان-- الفنان الإيطالي‏ ليوناردو دا فينشي والرسام الصيني تشي باي شي)) في بلدة فينشي بإيطاليا. ‏وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها نصب عمل لنحات صيني بشكل دائم في مسقط رأس ليوناردو دا فينشي. وقد منح عمدة مدينة فينشي الإيطالية ‏ميدالية الشرف الذهبية للسيد وو وي شان.

بالإضافة ‏إلى ذلك، من الأهمية بمكان ‏أن ‏تندمج الحضارات ببعضها البعض، ‏وأن يشكل الشرق والغرب ازدهارا وانحلالا جديدين وقيمة وأجواء فنية جديدة من خلال الحوار المتبادل بينهما. قال وو وي شان: "على سبيل المثال أنا أحب أوغست رودان ومايكل أنجلو، والتماثيل ‏اليونانية القديمة والأعمال الغربية الحديثة، ولكن يبقى الخبز خبزا واللبن لبنا، لا يمكنهما أن يصبحا مانتو (خبز ينضج على البخار) أو حليب الصويا الخاص بنا نحن الصينيين، فكيف نجمع وندمج بينها، هذا ما يحتاج إلى التفكير بعناية."

لا تتمتع الدول والأمم بأهمية جغرافية فحسب، وإنما أيضا بأهمية روحية تكمن في توريث الحضارة. إن تجميع الحضارات هو جمع القوى التي تستمر في إثراء العالم والتأثير على العالم والتحاور مع العالم، والسمو في العالم. وقد قال جيرارد لوروسو العميد ‏السابق لأكاديمية الفنون الجميلة في روما: "فن البروفيسور وو وي شان يسمح لنا برؤية ‏كيف يعبر الفنان الشرقي عن العالم وعن البشرية في شكل الفن التشكيلي والفن البصري الحديث، وكيف يصب الروح في الطين والبرونز."

 

سرد قصة الصين من خلال الأعمال الكلاسيكية

"لو أردنا سرد قصة الصين للعالم بشكل جيد، يجب أن نختار القصص الكلاسيكية لنبرز جوهر الثقافة." يؤكد وو وي شان على أهمية أن يكون لدينا فهم عميق لتقاليد أمتنا الممتازة من أجل تعزيز ثقة الأمة بثقافها الذاتية وخاصة روح الجماليات الصينية.

إن القصر الروحي للأمة الصينية تم بناؤه من عدد كبير من الأعمال الأدبية والفنية التي تتميز بـ"قوة البنية والأخلاق والدفء" و"التفكير العميق والفن الرائع والإنتاج المتميز". ‏لذلك، من المهم جدا ‏إبداع الروائع ذات الروح الصينية والعمل على نشرها بفاعلية.

يرى وو وي شان أن ‏النشر يكمن في الحوار ورواية القصص. ‏لذلك، فإن نحت ‏التماثيل وإقامة المعارض وما إلى ذلك هي طريقة لتقديم ونشر الكلاسيكيات.

إن نحت التماثيل هنا يشير إلى إبداع تماثيل للحكماء. لنجعل تماثيل لاو تسي وكونفوشيوس ذات الوجوه المفعمة بنسيم الربيع تقف في العالم، ليشعر الجميع أن أمة هؤلاء الأسلاف هي أمة الآداب بالتأكيد.

أما إقامة المعارض للأعمال القديمة والحديثة المنحدرة من أصل واحد، فسيعرض ‏بشكل كامل تطورات جمال الأمة الصينية وسيجعل العالم يدرك وتيرة تقدم هذه الأمة.

قال الفيزيائي المعروف يانغ تشن نينغ: "‏لأكثر من ألفي عام، ‏اتبعت الأمة الصينية تعاليم كونفوشيوس، لتنشئ ‏بذلك تقاليد وثقافة متناغمة هي الأقدم والأكثر حيوية، وذات العدد الأكبر من التابعين. لذلك يلقب الصينيون كونفوشيوس بالأستاذ الأعظم. واليوم بدأ ‏الإحياء العظيم للتقاليد والثقافة الصينية، ونحتاج لنقيم تمثالا للأستاذ الأعظم ‏يمكنه إظهار روح كونفوشيوس. ‏أرى أن التمثال الضخم في المتحف الصيني هادئ ومهيب، ‏وهو أفضل ما يمكن أن يظهر أن الأستاذ الأعظم لا يزال قائما بيننا اليوم، ولا ‏يزال يعلمنا معنى الشفقة والعدالة والولاء والبر".

جدير بالذكر أن تماثيل كونفوشيوس، بصفتها أعمالا نموذجية للسيد وو وي شان، عُرضت في متحف فيتزويليام بمدينة كامبريدج في إنجلترا، والمتاحف ‏والمعارض الفنية والمؤسسات الفنية الأجنبية الهامة في كوريا وإيطاليا ‏وبلجيكا وفرنسا وسنغافورة وغيرها من الدول. ويبلغ ‏ارتفاع قاعدة تمثال "كونفوشيوس" ‏في ميدان الصين في البرازيل مترا ونصف المتر ويصل الارتفاع الإجمالي للتمثال إلى 46ر4 أمتار، وهو مصبوب من البرونز ويواجه اتجاه الجنوب.

قال وو وي شان: "‏الثقافة الصينية جزء لا يتجزأ من ثقافة العالم، و‏إنجازات فن النحت الصيني ستثري كنوز الثقافة الإنسانية. ‏فقط من خلال الحوار مع العالم يمكنك أن تبلغ الذرى في العالم. ‏وأنا باعتباري من الفنانين الصينيين المؤثرين، ‏يجب أن أستخدم ‏لغتي الفنية الخاصة لأسرد قصة الصين والصينيين، وأجعل ‏العالم يعرف مساهمة الشعب الصيني في العالم، ‏والقيمة التاريخية للثقافة الصينية في التنمية البشرية، ‏وأبرز الثقافة الصينية ذات المعارف الواسعة والعلوم الراسخة وأظهر صورة الصين المزدهرة."

‏إن أمامنا طريقا طويلا لكي نسرد قصة الصين بشكل جيد، ومع ذلك فإن وو وي شان لا يكل ولا يمل أبدا من إبداعاته.

©China Today. All Rights Reserved.

24 Baiwanzhuang Road, Beijing, China. 100037

京ICP备10041721号-4